الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلقين آية وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً
وفي هذه الآية تلقين جليل وعظة اجتماعية مستمرة المدى، فأي مجتمع أراد أن يحتفظ بأسباب القوة والعزّة والحياة المطمئنة والرزق الميسور عليه أن يلتزم حدود الله في الإخلاص له والعدل والإحسان وسائر الأعمال الصالحة، وأن يعترف بفضله ويداوم على ذكره وشكره وأن يبتعد عن كلّ ما فيه ظلم وإثم وبغي ومنكر وانحراف وإسراف. فإذا أخلّ بذلك اختلّت شؤونه وانفرط كيانه وغدا عرضة للنوائب والكوارث.
[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 119]
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
. (1) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام: ولا تقولوا كذبا من عند أنفسكم هذا حلال وهذا حرام.
في الآيات:
1-
أمر للسامعين بأن يأكلوا ويتمتعوا بكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب ويشكروا الله على نعمه إن كانوا حقيقة يؤمنون به ويعبدونه.
2-
وبيان بأن المحرم عليهم أكله ينحصر في الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح.
3-
واستدراك بأن الله مع ذلك يغفر لمن يكون مضطرا إلى أكل هذه المحرمات في حدود الضرورة بدون توسع وتجاوز.
4-
ونهي عن التحليل والتحريم اللذين لا يستندان إلى أمر رباني وعن نسبته ذلك إلى الله كذبا وافتراء.
5-
وتنديد ووعيد لمن يفعل ذلك فهو لن يفلح ولن يسعد وله العذاب الأليم الذي ينتظره في الآخرة بعد متاع الدنيا وأجلها القصير.
6-
وإشارة إلى كون الله إذا كان حرّم على اليهود بعض المأكولات التي ذكرت في القرآن قبل هذه السورة فإنما كان ذلك بسبب بغيهم وتعنتهم وظلمهم وأن الله لم يظلمهم بذلك.
7-
وتقرير بأن الله يعامل الذين يعملون السوء عن جهل وغفلة ثم يندمون ويتوبون ويسيرون في طريق الصلاح والإصلاح بالرحمة والمغفرة.
والتعليم الذي احتوته الآيتان الأوليان قد تكرر في القرآن في سور مدنية ومكية بأسلوب متقارب. ومن ذلك ما جاء في الآية [144] من سورة الأنعام التي سبق تفسيرها وعلقنا على الموضوع في سياقها ما يغني عن الإعادة. ولقد جاء الدم في آية الأنعام بوصفه مسفوحا ولم يرد هذا الوصف هنا. والمتبادر أن هذا مقدر وأنه هو الذي كان مستقرا مفهوم المدى. بدليل استثناء النبي في حديث له الطحال والكبد لأنهما عضوان جامدان على ما ذكرناه في التعليق المذكور.
وتكرر ورود هذا التعليم يدل على ما كان راسخا عند العرب من تحليل وتحريم في صدد اللحوم وما كان يدور حول هذا الموضوع من جدل. مما شرحناه كذلك في تفسير سورة الأنعام في سياق تفسير الآيات [118- 121] و [137- 139] و [142- 147] وكان من جملة ذلك بيان ما حرّمه على اليهود وأسباب التحريم.