الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الرجل إذا نزع شجرة من الجنة عادت مكانها أخرى» .
ومنها حديث عن عبد الله بن جابر رواه مسلم قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يتمخّطون ولا يتغوّطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك ويلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس» «1» .
وواضح أن من أهداف هذه الأحاديث التي روى أصحاب كتب الأحاديث الصحيحة بعضها بالإضافة إلى أحاديث أخرى وردت في هذه الكتب من بابها «2» تبشير المؤمنين وإثارة الغبطة في نفوسهم. وهذا مما استهدفته الجملة القرآنية.
[سورة الرعد (13) : آية 36]
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)
. (1) الأحزاب: الكفار المتحزبين ضد النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته.
(2)
مآبي: مرجعي.
في هذه الآية:
1-
تقرير تدعيمي لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم وصدق القرآن مستمد من موقف أهل الكتاب: فهم يفرحون بما أنزل الله إليه برغم إنكار الأحزاب بعضه.
2-
وأمر للنبي بأن يهتف بأنه إنما أمر بعبادة الله وحده وعدم إشراك أي شيء معه وبالدعوة إليه وحده وبتقريره كونه تعالى مرجعه وحده.
روى البغوي رواية عجيبة في سبب نزول الشطر الأول من الآية الأولى بلفظ (وقال آخرون) إن ذكر الرّحمن كان قبلا في القرآن في أول الأمر فلما أسلم
(1) روى هذا الحديث مسلم بصيغة أخرى جاء فيها عن جابر: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون. قالوا: فما بال الطعام؟ قال: جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس» . انظر التاج ج 5 ص 376.
(2)
انظر المصدر نفسه، ص 364 وما بعدها.
عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكره في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة.
فلما تكرر ذكره في القرآن فرحوا به فأنزل الله الآية. وقال في صدد الشطر الأخير إنه يعني مشركي مكة حين كتب رسول الله في كتاب الصلح بسم الله الرّحمن الرّحيم قالوا ما نعرف الرّحمن إلّا رحمن اليمامة وإنما قال ومن الأحزاب من ينكر بعضه لأنهم كانوا لا ينكرون ذكر الله وينكرون ذكر الرّحمن. على أن معظم المفسرين لا يروون مناسبة خاصة في نزول الآية ويفسرونها على ظاهرها. والمتبادر أن شطرها الأول هو بسبيل تقرير ما روي من إيمان أهل الكتاب في مكة واستبشارهم بالقرآن المطابق لما عندهم على ما حكته آيات سورة الإسراء [107- 109] وآيات سورة القصص [52- 53] التي مرّ تفسيرها. وأن شطرها الثاني هو بسبيل تقرير ما كان واقعا من أمر جماعات المشركين العرب الذين كانوا يؤمنون بالله وإنه هو الخالق الرازق المدبر مع عدم إيمانهم بالبعث وبالوحي النبوي. بل وفي سورة القصص آية تفيد أن بعضهم كان يؤمن بصحة الهدى والوحي النبوي ثم لا ينضوي كليا إلى الإسلام خوفا على منافعه ومركز مدينته ولعلّه عنى هؤلاء أيضا فيما عناه.
هذا بالنسبة لمدى الآية بذاتها، ويتبادر لنا أنها من حيث مقامها ليست منفصلة عن السياق والموقف الجدلي مع المشركين مما تضمنته الآيات السابقة.
وفيها إلزام قوي لهم بأسلوب آخر: فأهل الكتاب الذين هم أعلم من جماعات المشركين الكفار الذين هم موضوع السياق السابق يستبشرون بما أنزل الله على النبي ويفرحون به ويصدقونه. فإذا كانت تلك الجماعات تنكر بعضه فهذا لا يضيره وعليه أن يعلن أنه إنما أمر بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به والدعوة إليه وتقرير كون مرجعه ومصيره إليه والثبات على ذلك وكفى.
وما احتواه الشطر الأول من الآية قوي الدلالة على أن ما ذكر فيه من فرح أهل الكتاب هو مستمدّ من مشهد واقعي. ويجوز أن يكون جديدا وقع في ظروف نزول السورة كما يجوز أن يكون ما حكته آيات سورة الإسراء [107- 109] والقصص [52- 55] . والأسلوب هنا قوي حيث يتضمن تقرير فرحهم بالقرآن بالإضافة إلى الإيمان به. ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن ذلك بسبب ما وجدوه