الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعصوا رسل الله فأخذهم الله أخذا شديدا مهلكا أيضا.
3-
وحينما فاض الماء وطغى وملأ الآفاق حمل الله السامعين في السفينة لتكون الحادثة مذكرة واعظة لا تبرح الأذهان.
والمتبادر أن الآيتين الأخيرتين تشيران إلى حادثة طوفان نوح وسفينته. وأن توجيه الكلام للسامعين بضمير الجمع المخاطب هو من باب ما للحادثة من صلة بهم عن طريق الأجداد الأولين الذين أنجاهم الله على السفينة وهم نوح وأهله كما ورد بعبارة أوضح في مواضع أخرى من القرآن ومنها آية سورة الصافات هذه وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ وضمير الجمع المخاطب قد ينطوي على قرينة على كون السامعين يعرفون الحادثة، ويعرفون صلتهم بنوح وأبنائه الذين نجوا على السفينة.
والمتبادر كذلك أن الآيات قد استهدفت تذكير كفار العرب بما كان من تكذيب الأقوام السابقين لرسلهم وما اقترفوه من آثام وما كان من انصباب بلاء الله المتنوع عليهم. وتنبيههم إلى ما يجب عليهم من الاعتبار والاتعاظ. وإنذارهم بما يمكن أن يصيبهم من عذاب وبلاء مثل أمثالهم الأولين.
والأقوام المذكورة في الآيات وعذاب الله المسلّط عليهم قد ذكر في سور سابقة. واستمرار التذكير بذلك مرة بعد مرة بأساليب متنوعة متصل بالهدف الإنذاري الذي تستهدفه القصص القرآنية وبتجدد وتنوع المواقف الإنذارية ومحلها على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 37]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27)
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32)
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلَاّ الْخاطِؤُنَ (37)
.
(1)
الواقعة: كناية عن قيام القيامة.
(2)
واهية: متداعية.
(3)
الملك: الملائكة.
(4)
أرجائها: أطرافها أو جوانبها.
(5)
ظننت: هنا بمعنى علمت وتيقنت.
(6)
دانية: قريبة للمتناول.
(7)
أسلفتم: قدمتم.
(8)
الأيام الخالية: كناية عن الدنيا.
(9)
هلك عني سلطانيه: ضاع سلطاني وفقدت قوّتي أو فقدت حجتي وبرهاني.
(10)
فغلّوه: قيّدوه بالأغلال.
(11)
صلّوه: أدخلوه النار يصلى بها.
(12)
حميم: صديق.
(13)
غسلين: الصديد.
هذه الآيات احتوت وصف الحالة في يوم القيامة:
فحينما يحين الحين وينفخ في الصور وتحمل الأرض والجبال فتندكّ
وتنهار، وتتشقق السماء وتتداعى تكون الواقعة قد وقعت والقيامة قد قامت. وإذ ذاك يحدق الملائكة بجميع الأرجاء والجوانب. ويتجلّى الله على عرشه المحمول من قبل ثمانية من ملائكته فوق الكون والخلق. ويعرض الناس عليه دون أن تخفى منهم عنه خافية. ويكون قضاء الله فيهم حيث يكونون فريقين. فريقا يعطى كتابه بيمينه فيبتهج ويسرّ بما كان عليه من يقين بالله ولقائه وحسابه ويدخل الجنة ليتمتع فيها بالعيشة الراضية والقطوف الدانية. ويقال له كل واشرب هنيئا فهذا جزاء ما قدمت من صالح العمل في الدنيا. وفريقا يعطى كتابه بشماله فيعتريه الرعب ويستشعر بالندم والحسرة ويتمنّى لو لم يبعث ولم يحاسب، ويعول قائلا إن ماله لم يغن عنه شيئا. وسلطانه أو حجته قد غابت عنه ويؤمر الموكلون بالعذاب بأخذه وغلّ يديه وطرحه في جهنّم وربطه بسلسلة طولها سبعون ذراعا، لأنه لم يؤمن بالله العظيم ولم يكن يحضّ على طعام المسكين، ولن يجد له حينئذ صديقا حميما ولا ناصرا معينا، ولن يكون له طعام إلّا الصديد المعدّ للآثمين أمثاله.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها قائمة في هدف التذكير والإنذار. فكما أهلك الله المكذّبين الكافرين الأوّلين بأنواع البلاء في الدنيا فقد أعدّ لهم أنواع العذاب في الآخرة. وشأن كفار العرب شأن الكفار السابقين ومصيرهم هو نفس المصير.
وقد ذكر مصير المؤمنين الصالحين في سياق ذكر مصير الكفار للمقابلة والتنويه جريا على الأسلوب القرآني.
والآيات الأولى قد استهدفت- كما هو المتبادر بالإضافة إلى حقيقة المشاهد الأخروية التي يجب الإيمان بها- تصوير شدّة هول القيامة للتذكير والإنذار. وقد جاء وصف مصير المؤمنين أخاذا من شأنه أن يبعث الطمأنينة والاستبشار والرغبة في العمل الصالح في المؤمنين كما جاء وصف مصير الكفار مفزعا يثير الخوف ويحمل على الارعواء، وهذا وذاك مما استهدفته الآيات فيما هو المتبادر أيضا.
ولقد استعيرت المألوفات الدنيوية في وصف مصير الفريقين جريا على النظم