الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع أسلوبها الاستفهامي تتضمن تقرير حقيقة أمرهم في مواقفهم ومزاعمهم وهي فقدان حسن النيّة والرغبة في الإيمان وتعمّد الطغيان والعدوان والإنكار وليس شيئا ناشئا عن عقل وتدبر وتروّ.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعت في الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم أحبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك الشعراء من قبله فأنزل الله الآية أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق بحيث يسوغ الترجيح أنها نزلت مع الآيات السابقة لها جملة واحدة. فإذا صحّت الرواية ولا مانع من صحتها فتكون الآية قد أشارت إلى هذا القول بسبيل الردّ عليه في سياق ما احتوته الآيات من ردود على أقوالهم الأخرى التي صدرت جميعها منهم قبل نزول الآيات.
وفي الآيتين [33- 34] تكرار لحكاية قول الكفار بأن القرآن مخترع من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وتحدّ لهم تحدّيا ينطوي فيه ردّ وإفحام. ويلحظ أن التحدّيات السابقة تحدّتهم بالإتيان بمثل القرآن ثم بعشر سور على ما مرّ في سور الإسراء ويونس وهود. وهنا تتحدّاهم بحديث ما. وأسلوب المرات السابقة وأسلوب هذه المرة متوازيان يتضمنان تقرير عجزهم وقوّة الاستعلاء عليهم.
وتعبير بَلْ لا يُؤْمِنُونَ تقرير لواقع أمرهم عند نزول الآيات وسبب مواقفهم. وليس على التأييد لأن كثيرا منهم أسلم وحسن إسلامه على ما نبّهنا عليه في مناسبات سابقة.
تعليق على كلمة كاهن ونسبة الكهانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وكلمة (كاهن) ترد هنا لأول مرة. وقد قال بعضهم إنها عبرانية الأصل وهذا ما يقال في صدد كلمات عديدة غيرها مما مرّ التنبيه عليه. مع أن الكلمة كانت شائعة مستعملة قبل البعثة مع اشتقاقاتها مثل تكهن وكهانة وتعني التنبؤ بالغيب.
وصيغها عربية فصحى. ولا يرد على هذا وجود الكلمة في العبرانية بنفس المعنى.
فالعبرانية والعربية من أصل واحد فلا بدع أن تكون جذور الكلمات فيهما مشتركة.
وهي هنا في مقام تكذيب قول الكفار عن النبي إنه كاهن. وقد وردت في آية في سورة الحاقة في نفس المقام أيضا وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) والروايات العربية العديدة تفيد أنه كان يظهر بين العرب قبل الإسلام أشخاص يطلق عليهم هذا الاسم. وأن الناس كانوا يرجعون إليهم ليستفتوهم في حلّ بعض مشاكلهم وأحلامهم وكانوا يجيبونهم بالأجوبة المسجعة المطبوعة بطابع من الإلغاز والتعمية والروعة. وكان العرب يعتقدون أن للكهان صلة بالجنّ يوحون إليهم بالأجوبة ويخبرونهم بأخبار الغيب والسماء. وكان الكهان يسبغون على أنفسهم مظهرا من الخطورة التي تجعل العرب يعتقدون ذلك فيهم.
ولعلّه كان في بعضهم بعض المواهب والقوى الغامضة إذا ذاك والتي تفسر اليوم بالقوى المغناطيسية والكهربائية وتظهر بمظهر قراءة الأفكار والشعور من البعد والتأثير الروحاني فكانوا يفسرون ذلك بوحي الجنّ. وقد كان من النساء كاهنات كما كان من الرجال كهان. وقد رويت روايات عديدة عنهم وعن أقوالهم قد يكون فيها صنعة ومبالغة ولكن وجود أناس يتسمون باسم الكهان واتصاف الكهان بمثل هذه الصفات أمران لا شك فيهما لأن ذكر الكهان في القرآن دليل حاسم على ذلك. والظاهر أن العرب رأوا في النبي ودعوته والقرآن الذي يتلوه شيئا مما كان يبدو من الكهان فنسبوا إليه الكهانة فيما نسبوا. وقد نفى القرآن عنه ذلك في هذه السورة وفي سورة الحاقة كما نفى عنه السحر والشعر والجنون والاتصال بالجن في آيات عديدة في سور عديدة مرّت أمثلة منها نفي تزييف وتنديد وتسخيف.
واقتران النفي هنا بذكر نعمة الله يتضمن توكيد صلة النبي بالله وتسفيه رؤية صورة الكهان وسجعهم فيه وفيما يتلوه كما يتضمن التذكير بأن الكاهن لم يكن بسبيل الدعوة إلى الله وحده ومكارم الأخلاق ومحاربة الشرك والفساد والآثام وبأن قصارى ما عرف عن الكهان أنهم يجولون في نطاق وأفق ضيقين وفي سبيل العيش وليسوا هم بسبيل دعوة عظمى لا يطلب صاحبها عليها أجرا ولا مغنما.