الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسايرة الزعماء في بعض ما يقترحونه. ثم تنويها بالمؤمنين وتقريرا لرفعة شأنهم عند الله ولكون فضيلة الإيمان والعمل الصالح هي أعظم الفضائل وأن الذين يتحلون بها هم عند الله أفضل وأولى بالرعاية، ويجب أن يكونوا كذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي المجتمع الإسلامي. ولقد اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في موقفه اجتهادا يمتّ إلى هذا الأمر خلافا للأولى قبل أن ينزل وحي به فعوتب على ذلك على ما شرحناه في سورة عبس حيث يبدو في كل هذا تلقين جليل مستمر المدى ومبدأ من مبادئ القرآن المحكمة يلمح فيهما في الوقت نفسه عدم إقرار الفروق الاجتماعية كظاهرة واجبة الرعاية في المجتمع الإسلامي. وإذا لحظنا أنه كان لهذه الظاهرة اعتبار عظيم في حياة الأمم وتقاليدها على اختلافها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بدت روعة الهدف القرآني والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه، وبدا في هذا دليل لمن يعوزه الدليل على أن القرآن وحي من الله ينزل بما فيه الحقّ والحكمة ليصحح موقفا من المحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجنح إليه خلافا للأولى بدافع حرصه المذكور آنفا. وتبدو هذه الروعة أيضا في حكمة تكرار التنزيل القرآني حيث كانت هذه هي المرة الثالثة التي يوحى فيها بآيات تقرر وتؤكد ذلك الهدى والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه.
[سورة الكهف (18) : الآيات 29 الى 31]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)
. (1) سرادقها: السرادق كل ما له جهات أربع محيطة، والقصد هنا هو وصف شدة النار واشتغالها من كل ناحية.
(2)
وأن يستغيثوا: وأن يطلبوا الغيث والماء.
(3)
المهل: مرّ تفسيره في سورة الدخان.
(4)
مرتفقا: منزلا أو منتفعا.
(5)
يحلّون: من الحلية.
(6)
سندس وإستبرق: نوعان من نسيج الحرير واللفظان معرّبان.
(7)
الأرائك: جمع أريكة وهي السرير.
الآيات معطوفة على سابقاتها، واستمرار لها وتعقيب عليها كما هو المتبادر وعبارتها واضحة، وكأنما جاءت لتؤكد على النبي صلى الله عليه وسلم بحصر رعايته واهتمامه للذين آمنوا به مهما كان مركزهم الاجتماعي وحالتهم المادية ولتكون جوابا على الزعماء الذين روي موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وفقراء المؤمنين في سياق الآيات السابقة لتقول لهم إن ما طلبوه لن يكون، ولتهتف بهم بعد ذلك بأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق من الله ربّه وربّهم فمن شاء فليؤمن فينفع نفسه ومن شاء فليكفر فلا يضرّ إلّا نفسه، لأن الله قد أعدّ لكل من الفريقين ما يتناسب مع اختياره من شديد العذاب وهائله ومن عظيم النعيم ووسائله. وليس الأمر أمر مساومة ومسايرة ولا يتحملهما. ومثل هذا الجواب والهتاف قد تكرر في مواقف مماثلة حكتها آيات عديدة مرّ بعضها، حيث كانت المواقف تتكرر فتقتضي حكمة التنزيل تكرار الجواب والهتاف.
وقد تضمنت الآيات تثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم وتطمينا وبشرى للمؤمنين وإنذارا رهيبا للكفار. وأكدت المبدأ المحكم الذي احتوته آيات كثيرة بأن الناس يؤمنون ويكفرون وفق اختيارهم فيستحقون ما يستحقون من ثواب وعقاب حقا وعدلا.
ولقد روى الترمذي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لسرادق النار أربعة جدر كثف كلّ جدار مثل مسيرة أربعين سنة» «1» . والترهيب والإنذار من الحكمة الملموحة في الحديث كما هو المتبادر.
(1) التاج ج 5 ص 387.