الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وآيتا النساء [58] والأنفال [27] أوسع شمولا من نطاق التعامل الفردي حيث ينطوي فيهما تلقين لأولي أمر المسلمين وحكامهم وللمؤمنين في صدد مصلحة الإسلام والمسلمين العامة. وسوف نزيد هذا شرحا في مناسبة تفسير الآيتين.
تعليق على استفراش ملك اليمين
وبمناسبة ورود الإشارة إلى رفع الحظر عن استفراش ملك اليمين نقول إننا علقنا على موضوع الرقيق الذي كان يسمّى ملك اليمين في سياق سورة البلد تعليقا مختصرا مفيدا. غير أن الموضوع الذي جاء في هذه الآيات يتحمل تعليقا آخر لأنه صار من التشريعات الإسلامية وقد ذكر بعد هذه السورة في سور مكيّة ومدنيّة.
والموضوع هو إباحة استمتاع مالك الإماء بإمائه استفراشا بدون قيد وعقد.
وما قلناه في تعليقنا في سياق سورة البلد من أن الرقّ كان نظاما عاما مألوفا عند العرب وغيرهم قبل الإسلام ولم ينشئه الإسلام نقوله في صدد إباحة استفراش الإماء. حيث اقتضت حكمة التنزيل ذلك مماشاة للواقع الذي لا فحش فيه وفيه تخفيف وتيسير على المسلمين.
ولقد توسّع المسلمون في هذا الأمر فاعتبروا كلّ من أمكن خطفه أو شراؤه من السود وغير السود من غير المسلمين رقيقا واستباحوا استفراش النساء اللاتي ينالونهن بهذه الطريقة أو يولدون من آباء وأمهات نالوهم بهذه الطريقة في حين أن الشرع الإسلامي لا يعتبر رقيقا إلّا من كان رقيقا قبل الإسلام أو تولّد منه أو من استرقّه المسلمون من أسرى الحرب أو من الأعداء غير المسلمين أو تولّد منهم.
ولا يبيح استرقاق المسلمين أبدا. بل ولا غير المسلمين إذا لم يكونوا أعداء محاربين. ولا يعتبر كل غير مسلم عدوا محاربا، وإنما العدو المحارب هو المعتدي على المسلمين من غير المسلمين فقط. بل إن إباحته لاسترقاق أسرى الحرب من الأعداء المحاربين من غير المسلمين ليست واجبة بل ظلت في حدود
ضيقة حيث جعلت للأسرى سبيلا لعدم استرقاقهم على ما تلهمه آية سورة محمد هذه: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها «1» [4] وأكملت السنّة النبويّة المسكوت عنه في هذه الآية حيث أجازت استرقاق من لم يفتد نفسه أو من لم يرض ولي أمر المؤمنين أن يمنّ عليه بدون فداء ومن تولّد منهم.
وبناء على هذا فاستفراش النساء بصفة ملك اليمين إذا لم يكن رقّهم في نطاق هذه الحدود ليس من الشرع الإسلامي في شيء.
ولما كان فحوى وتلقين القرآن والسنّة النبويّة متجهين إلى تحرير الرقّ وإلغائه بمختلف الوسائل فمن الممكن أن يقال إن إلغاء الرقّ المتفق عليه في العصر الحاضر بين معظم دول الأرض ومن جملتها الدول الإسلامية هو متّسق مع ذلك. وهذا يجعل استمرار بعض المسلمين على اعتبار الرقّ مشروعا برغم ذلك ثم برغم خروج جلّ صوره أو كلها من نطاق الحدود الشرعية الإسلامية واستباحة استفراش النساء بصفة ملك اليمين محلّ نظر وعجب وتساؤل بل ومحلّ استنكار شرعي.
هذا، ولقد نبّه بعض المفسرين إلى أن جملة ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ محصورة الدلالة في الإماء دون الغلمان وأن إتيان الغلمان من ملك اليمين محرّم كإتيان غيرهم وهذا حقّ لا محلّ فيه لتوهّم ولا مكابرة ومتسق مع نصّ العبارة وروحها ومقامها.
كذلك نبهوا إلى أن هذه الجملة هي في صدد إباحة الإماء لمالكيهم من الرجال وأنه لا يجوز للحرة أن تمكّن منها عبدها تأوّلا للجملة وهذا حق وصواب.
ومتسق مع نصّ العبارة وروحها ومقامها معا.
(1) الآية الأولى من السورة وصفت الذين كفروا بوصف الذين صدوا عن سبيل الله أيضا. وهذا الوصف برر قتالهم الذي أمرت به هذه الآية.