الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه المعاني، مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة ترتيب النزول.
وينطوي في جملة لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) تقرير كون الله عز وجل قد أودع في الناس قابلية الاختيار والكسب وبيّن لهم طريق الخير والعمل الحسن وعكسها، وحملهم مسؤولية اختيارهم وأعمالهم. وهو ما قررته آيات كثيرة أخرى منها ما جاء بعبارة مماثلة لهذه العبارة، ومنها ما جاء بعبارة مغايرة، وقد مرّ من ذلك أمثلة عديدة بحيث يصح القول إن هذا من الأصول القرآنية المحكمة. وقد علقنا على عبارة مماثلة لها وردت في سورة هود فليرجع إليه القارئ ثانية ليستوعب مدى الآية.
[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 26]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَاّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18)
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَاّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)
إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)
.
(1)
الكهف: المغارة.
(2)
الرقيم: قيل إنه اسم لجبل أو لواد وقيل إنه بمعنى المكتوب من الرقم وإنه لوح وجد في مقبرة أصحاب الكهف مكتوب فيه أسماؤهم وقصتهم وهو الأوجه.
(3)
أوى: دخل ولجأ.
(4)
فتية: شباب.
(5)
ضربنا على آذانهم: جعلناهم يفقدون الوعي فلا يسمعون.
(6)
أحصى: أكثر إحصاء وحسابا وعلما.
(7)
ربطنا على قلوبهم: ثبتناهم وصبّرناهم.
(8)
شططا: بعدا عن الحق.
(9)
إذ اعتزلتموهم: ضمير الجمع الغائب راجع إلى الفتية. والجملة من
حكاية ما دار بينهم من حديث في صدد انحراف قومهم نحو الشرك.
(10)
مرفقا: بمعنى فرج أو نجاة.
(11)
تزاور: تميل.
(12)
تقرضهم: تعدل عنهم.
(13)
في فجوة منه: في ساحة من ساحاته أو متسع منه.
(14)
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود: تظنهم وهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال أنهم أيقاظ مع أنهم نائمون.
(15)
بالوصيد: بالباب.
(16)
بعثناهم: أيقظناهم.
(17)
ورقكم: عملتكم الفضية.
(18)
أزكى طعاما: أطيب طعاما.
(19)
وليتلطف: ليتحفظ وليحذر من إشعار الناس بهم.
(20)
إن يظهروا عليكم: إن يكشفوا أمركم.
(21)
أعثرنا عليهم: جعلنا قومهم يعثرون عليهم.
(22)
الذين غلبوا على أمرهم: كناية عن أصحاب السلطة والحكم.
(23)
فلا تمار فيهم: فلا تجادل في أمرهم أو فلا ترتب في أمرهم.
(24)
أبصر به وأسمع: ما أشدّ بصره وما أشدّ سمعه أو شديد السمع والبصر.
يحتوي هذا الفصل قصة أصحاب الكهف والرقيم، وتعليقا عليها.
وقد احتوت الآيات عن القصة ما مفاده: أن أصحاب الكهف والرقيم فتية استنارت بصائرهم فاهتدوا وآمنوا بالله وحده، في حين كان قومهم منحرفين مشركين يدعون مع الله آلهة أخرى. وقد تجهموا لهم وأرادوا ردهم إلى دينهم، فدعا الفتية الله أن يشملهم برحمته ويجعل لهم مخرجا من مأزقهم. ثم قرروا فيما بينهم أن يعتزلوا قومهم ويلجأوا إلى أحد الكهوف. فلما فعلوا سلط الله عليهم نوما طويلا جدا، وكانوا في ساحة من ساحات الكهف لا تصيبهم الشمس بأذاها حينما
تطلع وحينما تغرب حيث تميل عنهم في الطلوع وتعدل عنهم في الغروب. وكانوا يتقلبون بإذن الله يمينا وشمالا، لئلا تتهرّأ جنوبهم من طول الرقاد على ما هو المتبادر من العبارة، حتى ليحسبهم الناظر إليهم أنهم أيقاظ. وكان لهم كلب قد أقعى وبسط ذراعيه في باب الكهف، وصار منظرهم رهيبا يبعث الرعب في القلوب. ثم شاء الله أن يستيقظوا فأخذوا يتساءلون عن المدة التي قضوها نائمين، وظنّ أحدهم أنها يوم أو بعض يوم، ثم أرسلوا أحدهم بعملة فضية إلى المدينة ليأتيهم بطعام طيّب، ووصّوه بالتحفظ والحذر لئلا يكتشف قومهم مخبأهم فيرغموهم على الرجوع إلى دينهم القديم أو يزهقوا أرواحهم رجما. غير أن الله شاء أن يعثر قومهم على أمرهم، فهرعوا إلى الكهف ليروا آية الله تعالى فيهم، ويتيقنوا من الحق في وعد الله بالساعة، ثم تشاوروا فيما يفعلونه بهم فقرر أصحاب الأمر والسلطان أن يبنوا عليهم مسجدا، حيث يتبادر من ذلك أنهم لم يلبثوا أن توفّاهم الله عقب انكشاف أمرهم.
أما التعليق فهو:
1-
حكاية ما سوف يقوله السامعون عن عددهم حيث يقول فريق إنهم ثلاثة رابعهم كلبهم، وفريق إنهم خمسة سادسهم كلبهم، وفريق إنهم سبعة وثامنهم كلبهم.
2-
وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتفويض أمر العلم بهم إلى الله تعالى، وبالقول إنه لا يعلمهم إلّا قليل من الناس وبألا يجادل أو يشك في أمرهم أو يهتم بأمرهم اهتماما كبيرا، وبألا يسأل عنهم أحدا من السامعين، وبأن لا يقول إني فاعل هذا الشيء غدا إلا مع القول إلا أن يشاء الله مع واجب ذكر ربه إذا نسي أمرا ودعاء الله بأن يهديه إلى ما هو الأقرب إلى الرشد والحق.
3-
وإخبار بأنهم قد لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين.
4-
وأمر آخر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول إن الله هو أعلم بما لبثوا وهو العالم بما خفي من أمور السموات والأرض وهو الشديد السمع والبصر لا شريك له في حكمه وليس لأحد ولي حقيقي دونه.