الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث يستحكم بذلك الإنذار والوعظ القرآنيان. ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا رواه البخاري ومسلم عن النبي جاء فيه: «إنّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» «1» حيث يتساوق الإنذار النبوي مع الإنذار القرآني كما هو أي في شأن آخر.
[سورة الرعد (13) : الآيات 33 الى 35]
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35)
. في هذه الآيات:
1-
تساؤل استنكاري عمّا إذا كان الأحقّ بالألوهية والعبادة ذلك الإله المراقب لكل امرئ والعالم بما كسب والقادر على جزائه عليه، أم معبود عاجز لا يعلم شيئا ولا يقدر على شيء.
2-
وتنديد بالمشركين الذين يناقضون هذه البديهة فيجعلون لله شركاء من الطراز الثاني.
3-
وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتحدّيهم في تسمية هؤلاء الشركاء ووصفهم حتى تتبين حقيقتهم. وبسؤالهم سؤالا تنديديا عمّا إذا كانوا بسبيل إخبار الله بوجود شركاء له في الأرض لا يعرفهم أو إذا كان أمرهم منهم هو التعلّق بألفاظ تقليدية ليس لها حقيقة وليسوا منها على حقيقة. وتنبيههم إلى ما في هذا وذاك من سخف.
4-
وبيان لحقيقة أمر الكفار فيما هم عليه من موقف وعقيدة بيانا فيه تنديد من جهة وتسرية عن النبي والمؤمنين من جهة أخرى: فقد زيّن لهم المكر والكيد لرسالة النبي ودعوته فاندفعوا فيهما. وقد عميت أبصارهم فضلّوا عن طريق الحق.
(1) انظر التاج ج 4 ص 131.
5-
وإنذار لهم وبشرى للمؤمنين بالمقابلة: فمن كان أمره كذلك فقد ضلّ فلا تجدي فيه دعوة ولا هداية. ومثل هؤلاء قد حقّ عليهم عذاب الدنيا أولا ثم عذاب الآخرة الذي هو أشدّ وأشقّ دون أن يكون لهم من يقيهم ويحميهم من غضب الله ونقمته. وعقباهم الأخروية النار في حين أن عاقبة المتقين ما وعدهم الله به من الجنات التي تجري تحتها الأنهار الدائمة الثمر والظل جزاء إيمانهم وتقواهم.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول هذه الآيات والمتبادر أنها هي الأخرى متصلة بالسياق والموقف الجدلي. وهي بسبيل التنديد والتسفيه والإفحام للمشركين وعقائدهم والتطمين والبشرى للمسلمين الذين أخلصوا إيمانهم بالله وحده. وقد تكرر فيها الإنذار بالبلاء الدنيوي الذي احتوته إحدى الآيات السابقة وآيات سور أخرى سابقة أيضا. ومما لا ريب فيه أنه قصد إلى تبشير المؤمنين بذلك فضلا عن إنذار المشركين.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأخيرة بعض الأحاديث عن مشاهد الجنة ونعيمها. منها حديث عن أبي عقيل قال: «بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدّم رسول الله فتقدّمنا ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر فلما قضى الصلاة قال له أبيّ بن كعب يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه فقال إني عرضت عليّ الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه» «1» . ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن عتبة بن عبد السلمي قال: «إنّ أعرابيا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الجنة فقال فيها عنب قال نعم قال فما عظم العنقود قال مسيرة شهر للغراب الأبتع ولا يفتر» . ومنها حديث أخرجه الطبراني عن ثوبان قال:
(1) روى هذا الحديث بشيء من الزيادة والنقص الشيخان والنسائي أيضا. وقد جاء فيه: (إني رأيت الجنة فتناولت عنقودا ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا
…
إلخ) . انظر التاج ج 1 ص 279.