الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
حكاية تنديدية لعقيدة كفار العرب حيث أشارت إلى ما كانوا ينسبونه إلى الله من اتخاذ الأولاد.
2-
وردّ عليهم وتنزيه لله عن هذه النسبة وتوضيح لحقيقة أمر الذين ينسبونهم بالنبوة إليه: فهم عباده ولهم مقام التكريم عنده. وهم مطيعون لأوامره يقومون بما يأمرهم به. وهو محيط بهم كل الإحاطة مطلع على أحوالهم وسرّهم وعلنهم ولا يستطيع أحد منهم أن يتجاوز الحدّ المرسوم له أو يشفع لأحد لا يكون قد نال رضاء الله وهم دائمو الاستشعار بخوفه. وكل من يجرؤ منهم على دعوى الألوهية يكون جزاؤه جهنّم كما هو جزاء كل ظالم باغ متجاوز لحدوده.
والآيات متصلة بما سبقها سياقا وموضوعا كما هو المتبادر. وواضح أن المعني فيها هم الملائكة الذين كان العرب ينسبونهم بالنبوة إلى الله ويقولون إنهم بناته ويعبدونهم ويستشفعون بهم على هذا الأساس. وقد تكررت حكاية ذلك عنهم وعلقنا على الموضوع بما يغني عن التكرار. وكل ما يحسن أن نزيده أن الآيات قد تضمنت تزييفا لمشركي العرب ودعوة لهم للارعواء. فالذين يشركونهم مع الله هم عبيده الخاضعون له. فالأولى والأنفع لهم أن يحذوا حذوهم فيعبدوا الله ويتجهوا إليه وحده. وهذا المعنى وارد في الآيات السابقة لهذه الآية.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 33]
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
. (1) فجاجا سبلا: معابر وطرقا واسعة. والفج هو الطريق الواسع بين جبلين على ما ذكره بعض المفسرين.
تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل من التابعين وتابعيهم في مدى الرتق والفتق في الآية الأولى «1» . منها أن الرتق بمعنى الالتصاق والفتق بمعنى فصل الملصق. وأن السموات والأرض كانت ملتصقة أو كتلة واحدة ففصلهما الله عن بعضهما وجعل بينهما الهواء. ومنها أن الرتق بمعنى الجفاف وأن السماء كانت لا تمطر والأرض لا تنبت ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات واستأنس أصحاب هذا القول بجملة وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ التي جاءت في نفس الآية. وجمهورهم على أن كلمة سَقْفاً تعني كون السماء فوق الأرض بمثابة السقف. أما معنى مَحْفُوظاً فقد روي أنها بمعنى محروس من الشياطين مما ذكر بصراحة في آيات أخرى ورد بعضها في سور سبق تفسيرها مثل سورتي الحجر والصافات. كما روي أنها بمعنى المحفوظ من السقوط.
ورووا في صدد الفلك أن معنى الكلمة في الأصل الشكل الدائري وأنها تعني المدار السماوي الذي تجري فيه الشمس والقمر والنجوم وهو بين السماء والأرض كما قيل أنها تعني البروج التي تجري فيها الكواكب السماوية.
وقالوا في معنى أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ لئلا تنكفئ الأرض أو تنكفئ الجبال فجعلها الله رواسي ثابتة أو مثبتة.
ومهما يكن من أمر فالآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا كما هو المتبادر. وقد تضمنت تنديدا بالكفار لأنهم يغفلون عن مشاهد قدرة الله وعظمته ونواميسه في السماء والأرض وما بينهما وفي الجبال والشمس والقمر والليل والنهار الدالة على استحقاقه وحده للعبادة والاتجاه وينصرفون عن استجابة الدعوة إليه ويضلّون في تيه العقائد الباطلة.
وقد تكرر ما في هذه الآيات في سور أخرى مرّ تفسيرها. وتكرارها يفيد أن المناسبات التي تقيضها كانت تتكرر. وهي تكرر أو تجدد مواقف الدعوة النبوية مع
(1) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.