الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتوت الآية بيان مصير المؤمنين الصالحين في الآخرة مقابلة لمصير الكافرين الظالمين. وجاءت بصيغة الماضي للسياق السابق. ولا شك في أنها استهدفت فيما استهدفته بثّ الطمأنينة في نفوس المؤمنين وإثارة الرغبة في غيرهم وقد تكرر ذلك أسلوبا وصيغة كثيرا في حكاية المواقف المماثلة ومرّ منه أمثلة عديدة.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27)
. (1) أصلها: كناية عن جذورها.
(2)
فرعها: كناية عن ارتفاعها في الجو.
(3)
اجتثّت: اقتلعت. والجملة التي فيها الكلمة لبيان عدم إمكان استقرار الشجرة في الأرض حينما تكون رديئة الجنس والصنف وبيان سهولة اقتلاعها.
ولقد روى الطبري وغيره من المفسرين روايات متنوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه وتابعيهم عن مدى بعض العبارات الواردة في الآيات. من ذلك حديث نبوي عن أنس رواه الترمذي أيضا بصيغة جامعة فنقلناها عنه. وقد جاء فيها:
«أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع عليه رطب فقال مثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها قال هي النخلة. ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار قال هي
الحنظل» «1» . ومن ذلك في مدى كلمتي (الطيبة والخبيثة) حيث قيل إن الأولى هي كلمة التوحيد أو الإيمان أو المؤمن أو العمل الصالح مطلقا. وإن الثانية هي الشرك أو الجحود أو البغي والظلم، وكل هذه الأقوال وجيهة.
وعلى ضوء ذلك وضوء فحوى الآيات وروحها نقول إن الآيات الثلاث الأولى نبهت السامع إلى التشابه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة وبين الكلمة الخبيثة والشجرة الخبيثة كمثل مضروب للتذكير والعظة. فكما أن الشجرة الطيبة الجنس هي التي ترسخ في الأرض وتعلو في الجو وتنمو على أحسن وجه وتؤتي ثمرا طيبا في كل موسم بدون إخلال كذلك الكلمة الطيبة هي التي تكون ذات أثر مفيد صالح ومستمر في كلّ وقت ومجال. وكما أن الشجرة إذا خبث جنسها لا ترسخ في الأرض ولا تعلو في السماء ولا تؤتي إلّا أردأ الثمر وتقتلع بسهولة، كذلك الكلمة الخبيثة فإنّها لا قرار ولا ثبات لها ولا نفع فيها.
أما الآية الرابعة فهي في مثابة التوجيه والتعقيب: فالذين آمنوا بالله يثبتهم الله بالقول الثابت الصالح النافع في الدنيا والآخرة. وأما الظالمون أي الذين فسدت قلوبهم ودرجوا على البغي والإجرام والانحراف فهم محرومون من هذه العناية الربانية بسبب ظلمهم. والذي يريده الله هو الذي يكون على النحو الذي يشاؤه.
وورود الآيات بعد بيان مصير كل من المؤمنين والكافرين في الآخرة يجعل الصلة بينها وبين ما قبلها قائمة كما هو المتبادر.
ويلفت النظر إلى أسلوب ومضمون الآية الأخيرة. فقد انطويا على إزالة ما يمكن أن يقوم من وهم تحتيم الله سبحانه بضلال ضالين وإيمان مؤمنين بأعيانهم، وعلى تقرير كون عناية الله وتثبيته قد كانا للمؤمن بعد إيمانه لأنه أثبت بذلك حسن نيته وصدق رغبته، وكون سخط الله وإضلاله قد كانا للظالم الكافر المنحرف لأنه اتصف بهذه الصفات أو درج عليها.
(1) التاج ج 4 ص 136.