الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على سلكها في عداد السور المكية. ويؤيد ذلك مضمونها وأسلوبها. وموضوعها من المواضيع التي ذكرت في سور مكية على ما ذكرناه آنفا. والذي يتبادر لنا أن الآيات تليت في موقف ما في المدينة على سبيل الإنذار والتقريع، فأدّى ذلك إلى الالتباس. وهو ما نرجّحه في كثير من الآيات التي يروى أنها مدنية ووردت في سور مكيّة.
ولقد روى البخاري والترمذي في سياق آية يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ حديثا عن ابن عمر قال «قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم يقوم الناس لربّ العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» «1» . وهناك حديث آخر رواه البغوي بطرقه فيه توضيح لتعبير (رشحه) عن المقداد قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين فتصهرهم فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما» . وفي الحديثين تنبيه إنذاري متساوق مع التنبيه القرآني كما هو واضح.
[سورة المطففين (83) : الآيات 7 الى 17]
كَلَاّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)
وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16)
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
. (1) إن كتاب الفجار لفي سجّين: قيل في تخريج كلمة سجّين اللغوي إنها صفة مبالغة من السجن على سبيل التخليد لمن يدخلونه. وقيل إنها المكان السحيق أو العميق المظلم أو الأرض السفلى وقيل إنها بئر في جهنّم وعلى كل حال فالذي
(1) التاج ج 4 ص 253.
يتبادر من الجملة أن المقصود من الكلمة مكان العذاب الذي يعذّب فيه الكفار في الآخرة وأن المقصود من الجملة بيان كون الذي كتب وقضى على الفجار هو أن يكونوا في سجّين. وجملة وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ في الآيات والإشارة إلى يوم القيامة في الآيات السابقة قرائن أو دلائل على ذلك.
(2)
وما أدراك ما سجّين: تعبير بقصد تهويل أمر سجين.
(3)
مرقوم: بمعنى مكتوب أي إن مصير الفجّار قد كتب عليهم وتقرر.
(4)
ران: غطّى أو حجب.
في الآيات حملة شديدة على الفجّار المكذّبين بيوم الدين. وقد ابتدأت بالردع والزجر للتنبيه على أن الأمر أعظم مما يظنون. ثم آذنتهم بأن مصير الفجّار قد كتب وتقرر في الهوة السحيقة المظلمة المعدّة لعذابهم يوم القيامة. وما أعظم هولها. والويل لهم في يوم الجزاء الذي يكذّبون به. ولا يكذّب به إلّا كل أثيم باغ إذا سمع آيات الله هزأ بها وقال إنها ليست إلّا أساطير الأولين. والحقيقة من أمرهم أن ما اقترفوه من آثام وجبلت عليه نفوسهم من شر وخبث قد غطّى على بصائرهم وحجّر قلوبهم. وإنهم لمبعدون عن الله ورضوانه. ولسوف يصلون الجحيم، ويقال لهم عند ذلك هذا الذي كنتم به تكذّبون.
ويربط بين هذه الآيات وما قبلها الإنذار بالبعث ليوم الدين العظيم الذي يقف الناس فيه بين يديّ الله. فهي والحالة هذه متصلة بها سياقا وموضوعا.
والحملة قويّة مفزعة من شأنها بالإضافة إلى واجب الإيمان بالمشهد الأخروي إثارة الرعب في قلوب السامعين وحملهم على الارعواء من جهة، وقد انطوت على صورة لما كان عليه الكفار من شدّة العناد والمكابرة حين نزولها من جهة أخرى، والإنذار متحقق بالنسبة للذين ظلوا على كفرهم وإثمهم.
ولقد روى الترمذي في سياق الآية [14] حديثا عن أبي هريرة قال:
«قال النبي صلى الله عليه وسلم إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكره الله