الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطاب في الآية موجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:
1-
أمر بالتساؤل عمّن هو ربّ السموات والأرض وبالإجابة على ذلك بأنه هو الله.
2-
وأمر ثان بتوجيه أسئلة تنطوي على التنديد والتسفيه إلى المشركين عمّا في اتخاذهم غيره أولياء ونصراء وشركاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فضلا عن غيرهم من سخف. وعما إذا كان يصح في عقل عاقل أن يسوى بين الأعمى والبصير وبين الظلمات والنور حتى تصحّ التسوية بين القادر والعاجز. وعما إذا كان شركاؤهم قد خلقوا شيئا مثل ما خلق الله فالتبس الأمر عليهم ورأوا فيهم قدرة أو مزية.
3-
وأمر ثالث بتقرير كون الله وحده هو خالق كل شيء وأنه هو الإله المتفرّد في الألوهية القهّار الذي يعنو لعظمته كل شيء.
والآية متصلة بالسياق كذلك كما هو المتبادر. وقد يكون فيها قرينة أخرى على أن السياق هو بسبيل مشهد من مشاهد الجدل الوجاهي بين النبي والمشركين.
وأسلوبها جدلي قوي وملزم كما هو ظاهر.
والأمر بالإجابة على السؤال الأول من قبل النبي وإن كان يبدو بذاته غير ملزم للمشركين في سياق الجدل فإن ما جاء في آيات كثيرة مرّت أمثلة منها في سورة يونس [31] والمؤمنون [84- 86] والزخرف [9 و 87] من حكاية جوابهم واعترافهم بأن خالقهم وخالق الكون هو الله يمكن أن يكون قرينة على أن هذا الجواب قد جاء كتقرير حقيقة لا يكابر فيها الفريق الآخر. وهذا سائغ مألوف في مواقف الجدل والمناظرة. وفي مضمون بقية الآية قرينة قوية على هذا التوجيه.
[سورة الرعد (13) : آية 17]
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (17)
.
(1)
الزبد: الرغوة والحبب الذي ينعقد على وجه السوائل عند شدّة حركتها أو غليانها.
(2)
رابيا: عاليا على السطح.
(3)
جفاء: هباء. وهي من جفأه السيل أي رمى به.
في هذه الآية تمثيل للحقّ والباطل وعاقبة كل منهما: فالله ينزل من السماء الماء فتسيل به الوديان بالقدر المقدر له فيعلو على سطحه من شدّة الحركة والجريان زبد ورغوة. والمعدن الذي يوقد الناس تحته النار لصنع الحلي والأدوات الأخرى يظهر على سطحه كذلك زبد وحبب من شدّة الغليان والحرارة. فكما أن الرغوة والزبد والحبب لا يلبث أن يزول حين خمود حركة السيل أو الحرارة ولا يبقى إلّا النافع الحقيقيّ من الماء أو المعدن فكذلك الباطل الذي ليس هو إلّا كالرغوة والزبد لا أصل له ولا مادة ولا يحصل إلّا في الحركة الصاخبة فإنه لا يلبث أن يزول ويزهق حين الموازنة الهادئة ولا يبقى ثابتا قائما إلّا الحقّ الذي هو النافع الحقيقي.
والآية متصلة بالسياق، والتمثيل متصل بعقيدتي التوحيد والشرك اللتين ووزن بينهما في الآية السابقة وندد فيها بالمشركين الذين يتخذون شركاء لا نفع ولا قدرة لهم كما هو المتبادر. والتمثيل قوي مقتطع من مشاهد السامعين ومألوفهم كما هو ظاهر، وفي الآية مثل من روائع الأمثال التي احتوى القرآن طائفة منها مرّت أمثلة منها في السور السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا ورد في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت