الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاسع نفس المدة عمرا لنوح. ولا بدّ من أن يكون السامعون أو بعضهم يعرفون ذلك. وفي هذا ما يدعم تأثير تلك الحكمة والهدف. ولقد ورد في سورة القمر جملة مقاربة لجملة فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ في سياق قصة نوح وسفينته وطوفانه. وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 16 الى 27]
وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25)
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
. (1) تخلقون إفكا: تصنعون أشياء كاذبة من الأقوال والأصنام.
(2)
يئسوا من رحمتي: تعبير أسلوبي بمعنى أنهم لن ينالوا رحمتي.
(3)
إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا: القصد من هذه الجملة تقرير كون الأوثان لن تفيدكم إلّا صلات مودّة دنيوية لا فائدة منها في الآخرة ولا معول عليها. أو إنما اتخذتموها بهدف منفعة الدنيا على غير طائل.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجلّ ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء ممّا علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملّته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية.
فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جرّاء ذلك لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجّاه الله من النار إني مهاجر إلى ربي.
والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملّته هي ملّة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملّته متّبعة وما في ذلك من نصيب له في أجر المتّبعين. وكل هذا مما تتحمّله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسّر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مرّ تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [27] اقتصرت على القول إن الله وهب إبراهيم إسحق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء في الآية [72] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة (ص) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير» . وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي: «تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم» . وقد أورد ابن كثير هذا النصّ بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر