الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال إنك منارة الأنام وغاية الهدى وأمير القرى وأشهد على ذلك إنك كذلك» .
والتكلف والهوى الحزبي بارزان على هذه الأحاديث شأنها شأن أحاديث وروايات كثيرة سبق إيرادها والتعليق عليها، ولقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وقال إن فيها نكارة شديدة.
[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 13]
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)
. (1) تغيض: تنقص وتشحّ.
(2)
سارب: سائر وذاهب في طريقه.
(3)
معقّبات: موكلون يتعاقبون على مراقبته.
(4)
من أمر الله: بمعنى بأمر الله.
(5)
وال: ملجأ وولي.
(6)
شديد المحال: شديد الأخذ، أو شديد العذاب، أو شديد الحيلة والكيد والمكر والخصومة.
في هذه الآيات:
1-
تقرير بإحاطة علم الله بكل شيء: فهو يعلم ما تحمل كل أنثى في رحمها
وما يطرأ على أرحام الإناث من أسباب الولادة والعقم والزيادة والنقص. وكل شيء مقدر من لدنه بمقدار يجري وفقه. وهو يعلم بكل حاضر وغائب وظاهر وخفي. ولا فرق في علمه بين ما يقوله الناس سرّا أو جهرا وبين ما يعملونه وهم مستخفون في ظلال الليل أو ظاهرون متحركون في النهار. وله على كل امرئ مراقبون وحفظة من أمامه وخلفه يراقبون حركاته وسكناته بأمر الله ومهيأون لتنفيذ أمر الله فيه.
2-
وإشارة إلى خضوع الظواهر الجوية لمشيئته وتصريفه: فالبرق الذي يرى الناس فيه ما يخيفهم ويطمعهم إنما يرونه بأمره ويسير بتسييره. والسحب المثقلة بالماء إنما تنشأ وتتألف بتقديره. والرعد المثير لفزع الناس هو خاضع لهيبته مسبّح بحمده، والملائكة الذين لهم في النفوس الصور العظيمة هم مستشعرون دائما بخوفه، وهو الذي يرسل الصواعق من السماء فتصيب من تصيب بتقديره ومشيئته.
3-
وتعقيب تنديدي بالذين يجادلون في الله وهو المحيط بعلمه المطلق في تصرفه الذي يخضع له كل قوى الكون. وإنذار لهم بنقمة الله وبطشه. فإنه شديد الحول والكيد والقوّة.
4-
والفقرتان الثانية والرابعة من الآية الرابعة استطراديتان فيما هو المتبادر.
فالله الذي له على كل امرئ مراقبون وحفظة قد جعل تغيير ما عليه أي قوم من حالات وأطوار منوطا بما يبدو في خاصة أنفسهم من تغير. فإذا ما استحق قوم نقمة الله بسبب سوء تصرفهم فلا يمكن أن يكون لها دافع ولا راد، ولا يمكن أن يكون لهم ناصرون وأولياء ومعاذ من دونه مما ينطوي فيه إنذار قاصم لهم.
ويروي المفسرون «1» بعض روايات في نزول بعض هذه الآيات منها أن رسول الله أرسل يدعو إليه أحد عتاة العرب وفراعنتهم فلما قال له الرسول (رسول الله يدعوك) قال وما رسول الله وما الله أمن ذهب هو أم من فضة أم من لؤلؤ. فرجع الرسول إلى النبي فأمره بالعودة إليه ثانية ودعوته ففعل فكرر مقالته فأمر بالعودة إليه
(1) انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن والطبرسي وابن كثير وغيرهم.
ثالثة فكرر مقالته فلم يلبث أن بعث الله سبحانه حيال رأسه وهو يتكلم ويجادل فرعدت ثم وقعت منها صاعقة ذهبت بقحف رأسه فأنزل الله وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ ومنها أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة قدما على رسول الله فسأله عامر ماذا يجعل له إذا هو اتّبعه وطلب أن يكون له المشرق وللنبي المغرب أو الوبر وللنبي المدر أو يكون الأمر مشتركا بينهما فأتى النبي فقال له أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا فقال له رسول الله يأبى الله عليك وأبناء قيلة- أي الأوس والخزرج- وقد حاولا أن يجدا غرة منه لقتله فمنع الله رسوله فخرجا يجمعان الناس لحربه فأرسل الله صاعقة فأحرقت أربد وطاعونا أهلك عامرا. فأنزل الله هذه الآية أو الآية السابقة لها أو الاثنتين معا. ومما جاء في الروايات أن جملة لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عنت رسول الله حين حفظه الله من الرجلين الذين تآمرا على قتله.
ولسنا نرى تناسبا منطقيا بين الروايات وبين الآيات كسبب للنزول. ويلحظ أن الآيات منسجمة مع بعضها كل الانسجام ومنسجمة في الوقت نفسه مع الآيات السابقة بحيث تبدو السلسلة وحدة تامة. لذلك فنحن نتوقف في صحة الروايات كسبب لنزول الآيات ونرجّح أن الآيات استمرار للسياق وتعقيب عليه. كأنما أريد القول بها والله أعلم أن الكفار الذين كانوا موضوع الكلام في الآيات السابقة يجادلون في الله ويستعجلون عقابه ويشكّون في لقائه ويتحدّون رسوله بالمعجزات في حين أن الآيات والبراهين على عظمته وقدرته وجبروته وإحاطته بهم قائمة في كل شيء يشاهدونه في الكون وفي أنفسهم.
والروايات مدنية، وتقتضي أن تكون الآيات مدنية مع أن الأسلوب المكي قوي البروز عليها بالإضافة إلى انسجامها الشديد بالآيات السابقة لها على ما نبّهنا عليه ولعل الروايات من أسباب رواية مدنية السورة.
ومن المحتمل أن تكون الأحداث التي ترويها الروايات قد وقعت فعلا وأن
تكون الآيات تليت من قبيل الاستشهاد حين حلّ عذاب الله بالكافرين فالتبس الأمر على الرواة والله أعلم.
ومحتويات الآيات مما تكرر متفرقا ومجتمعا في مواضع عديدة لتكرر المواقف. وهي هنا مجموعة رائعة قوية النفوذ إلى العقول والقلوب كما هو شأن مطلع السورة. وقد تكون بسبيل ما ضمناه من الموقف الجدلي الوجاهي بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار.
وقد أورد المفسرون ورووا بعض الأقوال والتعليقات على بعض الآيات «1» .
ومن ذلك ما يتعلق بحمل المرأة ومدته وأيام حيضها وأيام غيض هذا الحيض مما لم نر في إيراده طائلا وفائدة.
ومنها ما يتعلق بجملة لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فيما قيل وروي في ذلك أنها تعني الجلاوزة والحرس الذين يحيط أصحاب السلطان بهم أنفسهم للمحافظة عليهم مما قدر الله أن يصيبهم بقصد بيان أن ذلك لن يجديهم إذا ما أراد الله بهم سوءا. ومنها قيل إنها عنت رسول الله حين حفظ من اللذين أرادا قتله على ما جاء في الرواية التي أوردناها آنفا. غير أن معظم التأويلات والأقوال في جانب كون المقصود من المعقبات هم الملائكة الموكلون بمراقبة الناس. وقد فسرت جملة مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بمعنى (بإذن الله) وبذلك استقام المعنى. ونرى هذا التأويل لمدى الآية هو الأوجه من القول الأول كما هو المتبادر.
ولقد علقنا على موضوع توكيل الله الملائكة لمراقبة الناس وإحصاء عملهم في سورة (ق) وأوردنا بعض الأحاديث المروية في صدد ذلك. ومن جملتها أحاديث وردت في سياق هذه الآيات. وذكرنا ما تبادر لنا من حكمة التنزيل والحديث من ذكر ذلك بالأسلوب الذي ذكر به فلا نرى ضرورة للإعادة أو الزيادة.
(1) انظر كتب التفسير المذكورة آنفا.
ومن ذلك في صدد تسبيح الرعد، حيث روى بعضهم أن الرعد اسم لملك من ملائكة الله وبعضهم أنه زفرة ملك السحاب وهو يسوقه. والقولان يعنيان أن الملك هو المسبّح لله تعالى. وقد أورد بعضهم حديثا رواه الترمذي عن ابن عباس في تأكيد ذلك حيث جاء فيه: «أقبلت يهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال:
زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالوا صدقت» «1» . ويظهر أن هناك من لم يثبت عنده هذا الحديث حيث قال الطبرسي في تخريج الجملة إن الرعد يدل بنفسه على عظمة الله وصولته وهذا معنى تسبيحه. وقال الخازن إن صوت الرعد يسبّح الله عز وجل لأن التسبيح والتقديس عبارة عن تنزيه الله عز وجل عن جميع النقائص. ووجود هذا الصوت المسموع من الرعد وحدوثه دليل على وجود موجود خالق قادر متعال عن النقائص فهذا تسبيح ومن ذلك قوله تعالى:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: 44] وإلى هذا قال الخازن قولا آخر وهو أن المراد من تسبيح الرعد أن من سمعه سبّح الله فلهذا المعنى أضيف التسبيح إليه، ونحن نميل إلى الأخذ بهذه الأقوال الظاهرة وجاهتها في تأويل وتخريج الجملة القرآنية.
ومن ذلك في تعريف الصواعق حيث قالوا إنها نار تنزل من السماء فتحرق ما تصادفه من مواد قابلة للاحتراق. ومما جاء في كشاف الزمخشري بصيغة قالوا إنها نار تنقدح من السحاب إذا اصطكت بأجرامه وهي نار لا تمرّ بشيء إلّا أتت عليه إلّا أنها مع حدتها سريعة الخمود. وهي من فعل صعق الذي يفيد شدة الذهول أو الموت المفاجئ بسبب حادث أو صوت قوي يشهده المرء أو يسمعه. ومن هذا ما وصف به موسى حينما تجلّى ربّه للجبل بهذه الجملة فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الأعراف: 143] وما وصف به ما يطرأ على
(1) التاج ج 4 ص 135، وقد قال المؤولون إن مخاريق النار هي البرق.