الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنبياء
في السورة حملات شديدة على الكفار وزعمائهم بسبب عنادهم واستخفافهم بالنبي ودعوته وحكاية لأقوالهم وتحدياتهم ومؤامراتهم، وردود قوية في البرهنة على وحدة الله وتنزهه عن الولد والشريك وطبيعة إرسال الرسل من البشر، وثناء على الملائكة وتقرير عبوديتهم لله ولفت نظر إلى مشاهد قدرة الله في السموات والأرض للتدليل على وحدة الله واستحقاقه وحده للعبادة وقدرته على تحقيق وعده الحق. وفيها سلسلة تتضمن ذكر بعض الأنبياء ورسالاتهم وثناء على إخلاصهم وعناية الله بهم في معرض التذكير والتثبيت والتطمين والبشرى، وبيان مصائر الكفار والصالحين في الآخرة وتقرير لمهمة الرسالة وأهدافها.
وفصول السورة مترابطة مما يسوغ القول إنها نزلت متتابعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
. (1) اقترب: صيغة الماضي تنطوي على التوكيد بالوقوع.
(2)
ذكر: بمعنى الآيات القرآنية.
(3)
محدث: جديد.
(4)
أسرّوا النجوى: كناية عن اجتماعاتهم الخفية في صدد التآمر على تكذيب النبي.
(5)
الذين ظلموا: جملة معترضة بسبيل التنديد بالمشركين.
(6)
إن هذا إلّا بشر مثلكم: هذا كلام الزعماء- الذين ظلموا- للناس عن النبي.
في الآيات:
1-
تنديد بالناس وتعجّب من موقفهم- والمعنى مصروف إلى الكفار- فبينما موعد وقوفهم أمام الله ومحاسبتهم يقترب ووقوعه أمر لا يتحمل الريب يظلون معرضين عن دعوة الله مرتكسين في غفلتهم وكلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم آيات جديدة من القرآن استمعوها بقلوب لاهية وبالاستخفاف والسخرية.
2-
وحكاية لما كانوا يفعلونه ويقولونه: حيث كانوا يعقدون الاجتماعات السرية للتآمر على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته. ويقول بعضهم لبعض أو زعماؤهم لعوامهم إنه ليس إلّا بشرا مثلكم ومظهره مظهر الساحر والسحر فكيف يصحّ تصديقه والانخداع به والاستماع إليه من ذوي عقل وبصيرة. وكانوا يقولون أيضا إنه يخترع ما يقول وينسبه إلى الله افتراء أو إن ما يقوله من تخاليط الأحلام أو إنه شاعر.
وكانوا يحاولون التأثير في السامعين ليتحدوا النبي صلى الله عليه وسلم بإحداث المعجزات كما حدثت على أيدي الرسل السابقين إن كان صادقا في دعواه.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأخيرة حديثا رواه ابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال: «كنّا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ بعض القرآن فجاء عبد الله بن أبيّ بن سلول ومعه نمرقة وزريبة فوضع واتكأ وكان صبيحا فصيحا جدلا فقال يا أبا بكر قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون. جاء موسى بالألواح وجاء داود بالزبور. وجاء صالح بالناقة. وجاء عيسى بالمائدة
والإنجيل فبكى أبو بكر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر قوموا بنا إلى رسول الله نستغيث به من هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يقام لي إنما يقام لله عز وجل.
فقلنا يا رسول الله إنا لقينا من هذا المنافق. فقال إن جبريل قال لي اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك وفضيلته التي فضلت بها فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود وأمرني أن أنذر الجنّ وأتاني كتاب وأنا أمّي وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر.
وذكر اسمي في الأذان وأمدني بالملائكة. وأتاني النصر وجعل الرعب أمامي.
وأتاني الكوثر. وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو رؤوسهم. وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس وأدخل في شفاعتي سبعين ألفا من أمتي بغير حساب وأتاني السلطان والملك وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم. فليس فوقي أحد إلّا الملائكة الذين يحملون العرش. وأحلّ لي ولأمتي الغنائم ولم تحلّ لأحد كان قبلنا» .
وعقب ابن كثير على الحديث فقال إنه غريب جدا. ومعظم ما جاء في الحديث قد ورد في أحاديث صحيحة أخرى كما ورد إلى بعض ما جاء فيه إشارات عديدة في القرآن. وحين يصف علماء الحديث حديثا بالغرابة فإنهم يعنون في الغالب غرابة طرق روايته ورواته.
ومهما يكن من أمر فليس في الحديث ما يفيد أن الآية نزلت لتحكي قول المنافق. فالصورة فيه مدنية ولا خلاف في مكية الآية. وليس هناك روايات أخرى فيما اطلعنا عليه في مناسبة الآيات التي احتوت صورا من المواقف العنيدة التي كان يقفها الكفار وبخاصة زعماؤهم والأقوال التي كانوا يقولونها في معرض مناوأة النبي وتحديه كلما تلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله. وقد احتوت تنديدا وإنذارا والمتبادر أنها جاءت مقدمة للسياق الذي جاء بعدها والذي احتوى حكاية أقوال ومواقف أخرى لهم وتنديدا بهم وإنذارا لهم عليها.
ولقد تكررت حكاية هذه الصور والأقوال مما يدل على أنها كانت تتكرر بتكرر المناسبات والمواقف. حيث كانت هذه تتكرر نتيجة لاستمرار النبي في دعوته ورسالته.