الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا: كالتي حلّت ما غزلت من خيطان وجعلته كما كان بعد أن غزلته وقوي بالغزل والإبرام.
(2)
دخلا: بمعنى دغلا أو خديعة أو مكرا.
(3)
أربى: أكثر أو أقوى.
شرح الآية وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ
…
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية:
1-
يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء لا سيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
2-
وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
3-
وعليهم أن لا يكونوا كالحمقاء التي تغزل الغزل حتى إذا قوي بالبرم
عادت فنكثته وجعلته فتائل كما كان قبل الغزل.
4-
وعليهم أن لا يجعلوا أيمانهم وعهودهم وسيلة للتغرير والخداع وأن لا ينقضوها كمن يفعل ذلك مداراة لقوم يظنون أنهم أكثر وأقوى من الذين حلفوا لهم وعاهدوهم.
5-
وليعلموا أن الله يختبر أخلاقهم وأعمالهم في ما يعرض لهم من أحداث ثم يبين لهم يوم القيامة أعمالهم ويوفيهم عليها بما يستحقون.
6-
وليعلموا كذلك أن الله لو شاء لجعل الناس على وتيرة واحدة ولكن حكمته اقتضت أن يتركهم لقابلية الاختيار التي أودعها فيهم فيهدي بها من أراد الهدى ويضل بها من أراد الضلال. ولذلك فهو لا بدّ من أن يسألهم يوم القيامة عما كانوا يفعلون ويختلفون فيه ويحاسبهم عليه.
7-
وعليهم- للمرة الثانية- ألا يتخذوا أيمانهم وعهودهم وسيلة خداع وتضليل. ففي ذلك تورّط وسقوط بعد الطمأنينة والوثوق، وفيه صد عن طريق الله حيث يجعل الناس لا يثقون في أيمان بعضهم لبعضهم باسم الله.
8-
وعليهم ألا تغريهم المنافع العاجلة فينقضوا عهودهم التي عاهدوا عليها باسم الله، فذلك خير لهم لو علموا لأن ما عند الناس ينفد مهما عظم والباقي الدائم هو ما عند الله ومن واجب الإنسان- وبخاصة المسلم- أن يفضل الدائم الذي هو عند الله على الزائل الذي هو عند الناس.
9-
ولقد كتب الله على نفسه بأن يجزي الذين يثبتون على الحقّ والعهد بأحسن ما عملوا وبجزاء يفوق قيمة عملهم، وأن يحيي كل مؤمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى الحياة السعيدة الطيبة في الدنيا وأن يجزيه في الآخرة بأحسن أعماله وبجزاء يفوق قيمتها كذلك.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [91] روايتين أولاهما أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية فأمرهم الله عز وجل أن
يوفوا به في الإسلام «1» . وثانيتهما أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [95- 97] عن ابن عباس أن رجلا من حضرموت اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا أنكر فطلب منه أن يحلف فقال عبدان إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال: إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إلى آخر الآيتين
…
فقرأهما رسول الله فقال امرؤ القيس: أما ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها فنزل فيه مَنْ عَمِلَ صالِحاً الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلّا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها ومنسجمة معها سبكا وموضوعا مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا
(1) المتبادر أن المقصود بهذا الحلف هو الحلف الذي عرف بحلف الفضول والذي انعقد بين بطون قريش لمنع المظالم في حرم الله. وقد شهده النبي عليه السلام، وروي عنه فيه حديث جاء فيه:«ما أحبّ أن لي بحلف حضرته بدار ابن جدعان حمر النعم وأني أغدر به ولو دعيت به لأجبت» انظر طبقات ابن سعد ج 1 ص 110- 111.
بحيث يسوغ القول إنها لم تنزل وحدها وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعدّ من روائع المجموعات القرآنية في بابها وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [96] هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حثّ المسلم على الثبات على العهد الذي يكون عاهد الله عليه حينما أمن به وحده وصدق برسالة رسوله وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي لأن الباقي هو ما عند الله وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة حيث تضمنت أولا وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا نصّا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه على ما سوف نشرحه بعد بحيث يصح أن يقال بجزم إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.