الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتلقين المنطوي في الآية في عدم جواز التحليل والتحريم جزافا ونسبة ذلك إلى الله افتراء ينسحب على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمؤمن أن ينسب إليه التحريم والتحليل جزافا بدون تثبت وتدبر وسند وثيق افتراء عليه كما هو المتبادر.
والآية الأخيرة وإن كانت على ما يتبادر متصلة بموضوع الآيات ودليلا على أن موضوعها مما أثير من بعض المسلمين أو بسبب تصرف بعضهم فإن فيها توكيدا لمبدأ التوبة القرآني وفي أسلوبها عمومية وشمول. ولقد علقنا على هذا المبدأ بما فيه الكفاية في سورة الفرقان والبروج فلا ضرورة للإعادة.
هذا وفي الآيات دلالة على أن سورة الأنعام قد سبقت في النزول هذه السورة كما هو واضح. لأن المحرمات على اليهود قد ذكرت في تلك السورة وعطف عليها هنا. وفي هذا نقض حاسم لترتيب بعض المستشرقين «1» لنزول سورة الأنعام كآخر السور أو من أواخرها نزولا.
[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
(1) المستشرق ويل.
(1)
كان أمة: بمعنى كان إماما يؤتمّ به أو كان صاحب ملّة. وقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود أن معنى الأمة معلم الخير والقانت المطيع «1» .
في الآيات:
1-
تقرير بأن إبراهيم كان إماما على طريق الحق خاضعا لله ملتزما حدوده غير منحرف عنها وغير مشرك بالله أحدا، وشاكرا لنعم الله، وبأن الله قد اصطفاه وشمله بعنايته وهداه إلى الطريق القويم وهيّأ له أسباب الخير والطمأنينة والفلاح في الدنيا وجعله في الآخرة في عداد الصالحين المستحقين لحسن الجزاء.
2-
وخطاب للنبي بأن الله قد أوحى إليه باتباع ملّة إبراهيم وطريقته التي ليس فيها انحراف ولا شرك.
3-
وبيان بأن الله قد جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وبأن الله سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول هذه الآيات أيضا، ويتبادر لنا أنها- وبخاصة الأربع الأولى منها- متصلة بالآيات السابقة. فقد كان العرب يردون ما يسيرون عليه من تقاليد دينية، ومن جملة ذلك تقاليد التحريم والتحليل إلى ملة إبراهيم فجاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة بقصد الردّ والتنديد وبيان جوهر هذه الملة. وكونها هي التي أوحى الله بها إلى النبي وكون ما جاء في القرآن من تحليل وتحريم- وبخاصة في الأطعمة الحيوانية- هو الصحيح من هذه الملة الذي يجب الأخذ به.
(1) التاج ج 4 ص 139.
ولقد تعددت أقوال المفسرين في الآية الأخيرة حيث قال بعضهم «1» استنادا إلى بعض الروايات والأحاديث: إن يوم الجمعة هو اليوم الذي كان يجب اتخاذه يوم عيد لأن الله انتهى فيه من خلق الكون فاختلف اليهود في الأمر ثم اختاروا يوم السبت لأنه كان يوم راحة الله من خلق الكون فأوجبه الله عليهم وحرّم فيه العمل فمنهم من ثبت على ذلك ومنهم من خالفه وقد أوردوا حديثا نبويا عن أبي هريرة رواه البخاري جاء فيه: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد» ، وحديثا آخر عن أبي هريرة وحذيفة رواه مسلم جاء فيه:«أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فهو تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة والمقضي بينهم قبل الخلائق» «2» وحيث قال بعضهم «3» : إن الآية تعني الإشارة إلى ما كان من احتيال اليهود على السبت في صيد السمك وما كان عقوبة الله لهم ومسخهم على هذا الإثم مما أشارت إليه آيات سورة الأعراف [163- 166] .
ونحن نرجح هذا القول لأننا نراه أشدّ اتصالا بموضوع التحريم والتحليل حيث يكون في الآية إنذار وتنبيه للمسلمين على عدم السير في طريق اليهود لئلا يعاقبهم الله بما عاقب هؤلاء وحيث تبدو الصلة واضحة بين هذه الآية والآيات الأربع ثم بين الآيات الخمس وما قبلها أيضا.
ولسنا نرى هذا الترجيح متعارضا مع الحديثين اللذين رواهما البخاري ومسلم من حيث إنهما ليسا في صدد تفسير الآية.
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي.
(2)
أورد الحديثين ابن كثير والبغوي انظر التاج ج 1 ص 244- 245.
(3)
انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري وتفسير الخازن.