الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآيات: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35- 37] كاد قلبي أن يطير» «1» ، حيث ينطوي في الحديث صورة رائعة لما كان للآيات القرآنية الزاجرة من تأثير قوي في نفوس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم.
[سورة الطور (52) : الآيات 44 الى 49]
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)
. (1) كسفا: قطعة.
(2)
مركوم: متراكم.
(3)
يصعقون: وردت في القرآن كلمة فَصَعِقَ (الزمر/ 68) بمعنى الموت من نفخة الصور ووردت كلمة صاعِقَةً (فصلت/ 13) بمعنى عذاب الله. وعلى هذا فتكون الكلمة إما بمعنى الموت أو بمعنى عذاب الله.
(4)
بأعيننا: تحت نظرنا وملاحظتنا وحفظنا وعنايتنا.
وفي هذه الآيات:
1-
وصف لاستهانة الكفار بما ينذرون من عذاب الله حتى لو أنهم رأوا قطعة ساقطة من السماء عليهم لقالوا إنها ليست إلّا سحابا متراكما بعضه فوق بعض.
2-
وأمر للنبي بأن لا يغتمّ بموقفهم وبأن يكلهم إلى الله ويدعهم وما هم فيه
(1) التاج ج 4 ص 219.
من ضلال حتى يلاقوا اليوم الذي فيه يموتون ويصعقون بعذاب الله فيتحققوا حينئذ أنه لن يغني عنهم كيدهم ولا مكابرتهم شيئا ولن يجدوا لهم ناصرا.
3-
وإنذار للزعماء الذين يتولّون قيادة المناوأة والمعارضة فإنّ لهم عذابا إضافيا آخر يتناسب مع عظم جرمهم ولو لم يحسبوا حسابه ويوقنوا به.
4-
وحثّ للنبي على الصبر والثبات انتظارا لأمر الله وحكمه، وتطمين بأنه موضع عناية الله ونظره وحمايته ولن يصيبه من كيدهم شيء. وعليه أن يستمرّ على حمد الله وتسبيحه والتمسك بحبله والاعتماد عليه في جميع أوقاته وحركاته وظروفه وحينما يقوم من مجلسه أو منامه وحينما يغشاه الليل وحينما تغيب النجوم ويسفر النهار.
والآيات كما هو واضح استمرار للسياق. وأسلوبها التطميني للنبي قوي.
ولا شك في أنّ هذا الأسلوب التطميني الذي تكرر كثيرا لتكرر المناسبات كان مما يمدّ النبي صلى الله عليه وسلم بالقوّة والتأييد والتحمل ويجعله يستمر في مهمته غير مبال بقوة الكفار وكثرتهم ويستغرق في عبادة الله وذكره وهو مطمئن بحسن العاقبة.
وقد جاءت الآيات خاتمة للسورة. وطابع الختام ظاهر عليها وبخاصة على الآيتين الأخيرتين.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن المقصود من جملة عَذاباً دُونَ ذلِكَ هو عذاب القبر قبل عذاب القيامة وروى عن ابن زيد أنه مصائب تصيب الذين ظلموا في الدنيا عقوبة لهم قبل عذاب الآخرة. ويتبادر لنا من تعبير لِلَّذِينَ ظَلَمُوا في مقامه أنها في صدد زعماء الكفار وأن الإنذار بعذاب إضافي أو متقدم عن عذاب الآخرة لأنهم لا يكتفون بالإعراض عن الدعوة بل يحملون غيرهم على ذلك. وفي آية سورة النحل هذه الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) تدعيم لذلك. وقد يكون القول إن المقصود من العذاب المنذر به هو مصائب تصيب الظالمين في الدنيا عقوبة لهم هو الأكثر تناسبا مع ذلك. وفي هذا توكيد للتلقين القرآني الذي انطوى في الإنذار الرباني المتكرر.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق جملة وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ حديثا عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلّا كان كفارة لما بينهما» . وروى عن عائشة حديثا جاء فيه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك» حيث يفيد الحديث أن التسبيح المأمور به هو حين القيام للصلاة. وهناك من قال إنه المقصود هو تسبيح الله حين القيام من الفراش من النوم. وقد روى أبو داود «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلّم بعض بناته فيقول قولي حين تصبحين سبحان الله وبحمده لا قوّة إلّا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. أعلم أن الله على كلّ شيء قدير وأن الله قد أحاط بكلّ شيء علما، فإنه من قالهن حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهن حين يمسي حفظ حتى يصبح» «1» . وعلى كل حال فإن الأمر بتسبيح الله عز وجل في كل ظرف مما تكرر في القرآن ومرّ منه أمثلة عديدة لأن فيه ذكر الله الذي تطمئن بذكره القلوب. وفي هذا ما فيه من مدد روحاني ومعالجة نفسانية.
(1) التاج ج 5 ص 99، وهناك أحاديث أخرى في تسبيح الله وذكره، انظر ص 96 وما بعدها من الجزء المذكور.