الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روته الروايات قد وقع فتليت الآيات بسبيل الرد على ابن الزبعري فالتبس الأمر على الرواة. ولقد احتوت آيات عديدة ما احتوته الآيات بسبيل ذكر مصير المؤمنين المخلصين وتطمينهم في المناسبات المماثلة حيث يدعم هذا ترجيحنا. وتكون الآيات بذلك متصلة سياقا وموضوعا بسابقاتها كما هو واضح.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 104 الى 107]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)
. (1) السجلّ: قيل إنه اسم كاتب من كتّاب النبي وقيل إنه اسم الملك الذي يطوي كتب أعمال الناس وقيل إنه صحيفة الورق التي يكتب عليها وأنكر الطبري القولين الأولين وقال إنه لا سند لهما ورجح القول الثالث وهو الصواب. وتكون الجملة بمعنى كطي الصحيفة التي يكتب عليها الكتب حين ما يريد كاتب أن يكتب وهذا هو الوجه والصواب فيما هو المتبادر.
(2)
الزبور: أكثر المفسرين على أن الكلمة هنا تعني كتب الله المنزلة مطلقا وهو الأوجه المتسق مع الآيات.
(3)
الذكر: قيل إن الكلمة كناية عن القرآن. أو كناية عن اللوح المحفوظ أو كناية عن التوراة أو إنها الكتب المنزلة مطلقا. ويتبادر لنا أنها في مقامها بمعنى التذكير، وورود كلمة الزبور قبلها قرينة على ذلك فيما نرى.
في الآية الأولى: وعد يقطعه الله على نفسه بأنه سوف يعيد الخلق ثانية كما بدأهم أول مرة، وإيذان بأنه محقق وعده وقادر عليه. وسيطوي السماء حينئذ كما تطوى صحيفة الورق المعدة للكتابة.
وفي الآية الثانية: إيذان بأن الله قرر في كتبه المنزلة بعد ما ذكر الناس وبين
لهم طريق الحق والهدى أن الأرض إنما يرثها عباده الصالحون.
وفي الآية الثالثة: تقرير بأن فيما يذكر من ذلك بلاغا كافيا لمن استنار قلبه فآمن وعبد الله وحده.
وفي الآية الرابعة: وجّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله إنما أرسله ليكون رحمة للعالمين بما يقوم به من تبليغ الناس أوامره ونواهيه وتوضيح طريق الحق والهدى والدعوة إليه.
وأسلوب الآيات قوي نافذ. وفي الآية الأخيرة معان قوية من التحبب والثناء والتطمين للنبي. ثم فيها إشارة قوية إلى مدى الرسالة المحمدية وما توخّى الله فيها من الرحمة الشاملة للعالمين في كل مكان وزمان.
والمتبادر أن طيّ السماء وتمثيلها بالورقة التي تطوى للكتابة إنما قصد به توكيد قدرة الله. فالناس يستعظمون ما يرونه من مشاهد الكون وبخاصة السماء ويستعظمون البعث بعد الموت: فكأنما أريد أن يقال لهم إن ما تستعظمونه ليس هو بالنسبة إلى قدرة الله إلّا شيئا تافها وأن يمثل لهم بمثل يستطيعون فهمه. وهذا المعنى قد تكرر في مواضع كثيرة في صدد القيامة وأحداثها بأساليب متنوعة.
والتنويع دليل على صحة ما نقرره إن شاء الله. وقصد تقرير قدرة الله على ذلك بارز في آية في سورة الزمر فيها عبارة مماثلة وهي: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) .
ولقد روى ابن كثير عن ابن عباس تأويلا لجملة وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ مفاده أن هذه الرحمة شاملة للمؤمنين وغير المؤمنين فيكون للأولين رحمة في الدنيا والآخرة. أما رحمة الآخرين فتتمثل في المعافاة مما أصاب الأمم السابقة من الخسف والقذف والمسخ والاستئصال. ويتبادر لنا أن في هذا التأويل تكلفا وبخاصة في شقه الثاني. وأن هدف الجملة هو تقرير كون الله قد جعل رسالة رسوله رحمة للعالمين جميعهم بسبيل تقرير ما فيها من هدى والحثّ على الانضواء إليها.