الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الآيات:
1-
إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
2-
وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
3-
وبيان بأنهم استحقوا ذلك لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها وتفضيلا لذلك على الآخرة.
4-
وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصمّ العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
5-
وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدّوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها وتوفّى كل نفس ما عملت من خير وشرّ دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وما بعدها
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [106 و 110] من هذه الآيات «1» . ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه وأعطاهم ما أرادوا بلسانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له: ما وراءك؟
قال: شرّ يا رسول الله نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له: كيف وجدت
(1) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.
قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول: إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حقّ جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [110] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم فقتل بعضهم ونجا بعضهم فأنزل الله بحقهم الآية [110] كما رووا أنها نزلت في حقّ جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة.
وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حقّ عبد الله بن أبي سرح وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان فعفى النبي عنه ونزلت في حقّه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [110] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية [106] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش
وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [106 و 110] وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة. وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان وأن بعض هؤلاء أو جميعهم- إن كانوا أكثر من واحد- قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم وجاهدوا وصبروا على ما لا قوة من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [107] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان وظلّ وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين واحتوت الآية [110] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعلّ من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [110] وفي كلّ ذلك صور من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [91- 97] التي سبقت