الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
ويخرج للناس من بطون الأنعام من بين الثفل والدم لبنا لذيذ الطعم شرابا لهم.
3-
ويكون لهم مما تحمله شجر النخيل والأعناب من التمر غذاء وشراب نافعان حسنان.
4-
وقد خلق الله النحل على ناموس عجيب. فهي تتخذ بإلهامه خلاياها في الجبال والأشجار والعرائش والسقوف ثم تنتشر منها كل إلى سبيل لتتناول غذاءها من كل الثمرات وتعود إليها لتخرج من بطونها شرابا مختلف الألوان فيه الشفاء والنفع للناس.
ففي كل هذا آيات بينات على قدرة الله وعظمته وإتقان نواميس كونه لمن تفتح ذهنه وحسن سمعه وأرهف قلبه فتفكر وتعقل.
والآيات متصلة كما هو المتبادر بالآيات السابقة. ففي الأولى نعي على الكفار لإشراكهم بالله وانصرافهم عن سماع الآيات البينة التي أنزلها على رسوله وفي هذه لفت للأنظار إلى آيات الله البينة في نواميس كونه البديعة وما في ذلك من نفع للناس ونعم من الله عليهم، مما فيه الحجج الدامغة على استحقاقه وحده للعبادة والخضوع يدركها من حسنت نيته وصدقت رغبته في الحقّ والهدى، ولا يكابر فيها إلّا من فقد ذلك. وقد تضمنت الآيات حثّا للناس على استعمال عقولهم والتفكّر في آيات الله وآلائه كما تضمنت تنويها بالذين آمنوا بالله ورسوله نتيجة لذلك، وهذا ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الآيات السابقة أيضا.
تعليق على جملة تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً
ولقد كانت هذه الجملة موضوع بحث طويل في تفسير الطبري وغيره وروي في صددها أقوال متنوعة عن ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله وتابعيهم.
وخلاصتها أن هناك من قال إن الامتنان الرباني يدل على أن الشراب المستخرج من
ثمرات النخيل والأعناب حلال مطلقا. وأن هناك من قال إن كلمة السكر تعني المسكر ويدخل في شمول معنى الخمر الذي هو المسكر، وأن المقصود من الجملة القرآنية هو النبيذ المستخرج من تلك الثمرات الذي كان مسكرا وأن تحريم الخمر الذي يدخل في مشموله النبيذ المسكر إنما كان تشريعا مدنيا. وكان قبل ذلك مباحا يمارسه المسلمون وغيرهم. فلم يكن في ذكره تناقض مع الواقع.
والمتبادر أن القول الثاني هو الأوجه ولا سيما أن القرآن قرر قبل تحريم الخمر أنها كانت ذات منافع اقتصادية في بيئة النبي عليه السلام كما ترى في آية سورة البقرة هذه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [219]، وهذه الآية نزلت قبل الآية التي نهت عن الصلاة في حالة السكر في آية سورة النساء هذه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [43]، ثم قبل الآيات التي تضمنت تحريم الخمر وهي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ سورة المائدة [90- 91] حيث تدل هذه الآيات على أن الخمر كان مما يمارسه المسلمون شربا وتجارة.
ويكون بناء على ذلك لا وجه لإباحة النبيذ المسكر استنادا على آية النحل التي نحن في صددها.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن ما يستخرج من ثمرات النخيل والأعناب من شراب غير مسكر مباح ولو سمّي نبيذا. لأن النبذ لغة هو نقع ثمرات النخيل والأعناب في الماء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب هذا النقيع على ما يستفاد من حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس جاء فيه أنه كان ينقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الزبيب مساء فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى أو يهراق «1» . ومن حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة جاء فيه: «كنّا ننبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في
(1) انظر التاج ج 3 ص 132.