الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
وإن لمن دلائل قدرته وبديع نواميس كونه أن يجعل الطير قادرة على التقلب في جو السماء دون أن تسقط، مما فيه آيات لمن صدقت رغبته في الإيمان.
5-
وهو الذي يسّر للسامعين أسباب اتخاذ البيوت لتكون لهم سكنا ويسّر لهم أسباب اتخاذ بيوت من جلود الأنعام خفيفة النقل عليهم في حلّهم وترحالهم ويسّر لهم أسباب صنع ما يحتاجون إليه من أثاث ولباس ومتاع من صوفها ووبرها وشعرها.
6-
وجعل لهم مما خلق من شجر وجبال ما يستظلون به لاتقاء حرارة الشمس وجعل لهم من الجبال أكنانا يستكنون بها لذلك أيضا، ويسّر لهم أسباب صنع الثياب لاتقاء الحرّ والبرد وأسباب صنع الدروع وغيرها لوقاية أنفسهم في ظروف الحروب والقتال.
7-
وبذلك كله يتم نعمته عليهم لعلهم يعترفون بفضله ويشكرونه ويسلمون وجوههم إليه وحده.
والصلة قائمة واضحة بين الآيات والسياق السابق. والخطاب فيها موجه إلى العقول والقلوب معا بأسلوب نافذ. وإذا كان ما عددته مستمدا مما كان يمارسه العرب من حياة ووسائل فلأنهم أول من خوطبوا به. غير أن ما تعنيه من التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ونواميسه في الكون مما يستقيم توجيهه إلى كل الناس في كل وقت ومكان أيضا. وقصد استرعاء الأذهان والأسماع والتدليل على قدرة الله وإحاطته بكل شيء وإتقان نواميس الكون وأسباب الحياة، ودعوة الناس إلى التفكير بما يتمتعون به من أفضال الله وشكره واستحقاقه وحده للاتجاه إليه وإسلام النفس له قوي ظاهر.
[سورة النحل (16) : الآيات 82 الى 83]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83)
.
الآية الأولى موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التطمين والتسلية: فإذا كان من السامعين من يكابر في قدرة الله ويعرض عن دعوته فليس عليه إلا التبليغ والبيان.
والآية الثانية احتوت تقريرا لواقع السامعين وتنديدا بهم فهم يعرفون أن ما يتمتعون به من نعم وأسباب ووسائل هي من فضل الله وتيسيره ومع ذلك فإن أكثرهم ينكرون بأفواههم وأفعالهم ويكفرون بالله ونعمه.
ولقد روى ابن كثير عن مجاهد أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقرأ عليه: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً فقال الأعرابي: نعم، قال: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً الآية
…
قال الأعرابي: نعم، ثم قرأ عليه كل ذلك، يقول الأعرابي نعم حتى بلغ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فولّى الأعرابي فأنزل الله يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها.
والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والمتبادر أن الآيتين جاءتا تعقيبا على الفصل السابق للتنديد بالكفار وإلزامهم بالحجة. والآية الثانية قوية الحجة والإلزام والتنديد معا. لأن الكفار كانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت المنعم المتفضّل الذي هو الملاذ والملجأ وكاشف الضرّ على ما مرّت حكايته عنهم في آيات كثيرة.
ويقف مفسرو الشيعة عند الآية الثانية ليرووا أنها نزلت للتنديد في كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يعرفون نعمة الله في اختصاص علي وأولاده من بعده بإمامة المسلمين فأنكروها وصار أكثرهم كافرين «1» . والهوى والحقد الحزبيان مع المفارقة العجيبة طابع هذه الرواية كما هو شأن ما يرويه مفسرو الشيعة من أمثالها. وتبدو المفارقة شديدة حينما يلاحظ أن الآية مكية ويعظم إثم روايتهم ومفارقتهم إذا ما لوحظ أنهما يهدفان إلى تكفير جمهور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) التفسير والمفسرون للذهبي ج 2 ص 169.