الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2676 -
وَعَنْهَا قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ فَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2676 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ ( «قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ» ) : أَيْ: طَافَ لِلزِّيَارَةِ فِي آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ النَّحْرِ (حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى ثُمَّ أَفَاضَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ لِاتِّفَاقِهَا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بَعْدَ الطَّوَافِ مَعَ اخْتِلَافِهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى. نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى يَوْمٍ آخَرَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، بِأَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَنَزَلَ فِي آخِرِ يَوْمِهِ مَعَ نِسَائِهِ لِطَوَافِ زِيَارَتِهِنَّ. وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ رحمه الله فِي قَوْلِهِ: حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ:(وَالْعَصْرَ مَعًا) فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَوَقَفَ، ثُمَّ أَفَاضَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَبَقَ اهـ. وَبَعَّدَهُ حَيْثُ لَيْسَ هَذَا فِي مَحَلِّهِ لَا يَخْفَى، بَلْ لَا يَصِحُّ كَمَا يُعْلَمُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ لِقَوْلِهَا:(ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ لَبِثَ وَبَاتَ (بِهَا) : أَيْ: بِمِنًى ( «لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلَّ جَمْرَةٍ» ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ (وَبِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى) أَيْ: أُولَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ (وَالثَّانِيَةِ) : وَهِيَ الْوُسْطَى (فَيُطِيلُ الْقِيَامَ) : لِلْأَذْكَارِ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّمْجِيدِ. (وَيَتَضَرَّعُ) : أَيْ: إِلَى اللَّهِ بِأَنْوَاعِ الدَّعَوَاتِ وَعَرْضِ الْحَاجَاتِ (وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ) : وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ (فَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) : أَيْ: لِلدُّعَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو عِنْدَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِضِيقِ الْمَقَامِ وَازْدِحَامِ الْأَنَامِ، وَإِلَّا فَالدُّعَاءُ انْسَبُ بَعْدَ الِاخْتِتَامِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله بِقَوْلِهِ: تَفَاؤُلًا بِقَبُولِ الْوَقُوفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ.
2677 -
وَعَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهم قَالَ:«رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ: أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَرْمُوهُ فِي أَحَدِهِمَا» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ.
ــ
2677 -
(وَعَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (ابْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ: عَاصِمٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَقِيلَ هُوَ ابْنُ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَبُو الْبَدَّاحِ لَقَبٌ غَلَبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ فَقِيلَ: لَهُ إِدْرَاكٌ، وَقِيلَ: إِنَّ الصُّحْبَةَ لِأَبِيهِ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرِعَاةِ الْإِبِلِ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ، جَمْعُ رَاعٍ أَيْ: لِرِعَاتِهَا (فِي الْبَيْتُوتَةِ) : أَيْ: فِي تَرْكِهَا (أَنْ يَرْمُوا) : أَيْ: جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (يَوْمَ النَّحْرِ) : أَيْ: فِي أَوَّلِ أَيَّامِهِ (ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَرْمُوهُ) : أَيْ: رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ (فِي أَحَدِهِمَا) : أَيْ: فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ لِأَنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِرَعْيِ الْإِبِلِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ: رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ لَا يَبِيتُوا بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنْ يَرْمُوا يَوْمَ الْعِيدِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يَرْمُوا فِي الْغَدِ، بَلْ يَرْمُوا بَعْدَ الْغَدِ رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ، وَلَمْ يُجَوِّزِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَالِكٌ رحمه الله أَنْ يُقَدِّمُوا الرَّمْيَ فِي الْغَدِ اهـ. هُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا. (وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى، وَأَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا ثُمَّ يَتَدَارَكُونَهُ» .
[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]
(11)
بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2678 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: " لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: "«وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» ".
ــ
(11)
بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ
أَيْ: مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، يَعْنِي: وَمَا لَا يَجْتَنِبُهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2678 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ» ) : مِنْ لَبِسَ بِكَسْرِ الْبَاءِ يَلْبَسُ بِفَتْحِهَا لُبْسًا بِضَمِّ اللَّامِ، لَا مِنْ لَبَسَ بِفَتْحٍ يَلْبِسُ بِكَسْرِهَا لَبْسَا بِالْفَتْحِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْخَلْطِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 42] وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ مَعَ كَمَالِ وُضُوحِهِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الطَّلَبَةِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فَيَقَعُونَ فِي اللَّبْسِ لِلِالْتِبَاسِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ: عَمَّا يَلْبَسُ، أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ (سَأَلَ) يَتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِعَنْ وَإِلَى الْأَوَّلِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] وَ {عَنِ الْمَحِيضِ - عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 222 - 1] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " مَا " اسْتِفْهَامِيَّةً أَيْ: سَأَلْتُهُ مَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 215](مِنَ الثِّيَابِ) ؟ أَيْ: مِنْ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ وَهُوَ بَيَانٌ وَالْمَعْنَى سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ مِنَ اللِّبَاسِ وَمَا يَحْرُمُ (فَقَالَ: " لَا تَلْبَسُوا) : أَيْ: أَيُّهَا الْمُحْرِمُونَ أَوْ مُرِيدُو الْإِحْرَامِ مِنَ الرِّجَالِ (الْقُمُصَ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ قَمِيصٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَجَابَ بِمَا يَحْرُمُ لُبْسُهُ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ (وَلَا الْعَمَائِمَ) : جَمْعُ الْعِمَامَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ) : جَمْعٌ أَوْ جَمْعُ الْجَمْعِ (وَلَا الْبَرَانِسَ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ الْبُرْنُسِ بِضَمِّهِمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هُوَ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ كَانَ يَلْبَسُهَا النُّسَّاكُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَفِي النِّهَايَةِ: ثَوْبٌ يَكُونُ رَأْسُهُ مُلْتَزِقًا مِنْ جُبَّةٍ أَوْ ذِرَاعِهِ اهـ. وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْقَلَنْسُوَةِ، وَكُلُّ مَا يُغَطِّي الرَّأْسَ إِلَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنَ اللُّبْسِ عُرْفًا كَوَضْعِ الْإِجَّانَةِ، وَحَمْلِ الْعِدْلِ عَلَى الرَّأْسِ. (وَلَا الْخِفَافَ) : بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ خُفٍّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ لُبْسِ شَيْءٍ بِمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. (إِلَّا أَحَدٌ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ وَاوِ الضَّمِيرِ ( «لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» ) : أَيِ: اللَّذَيْنِ وَسَطَ الْقَدَمَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله حَيْثُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْكَعْبَيْنِ هُنَا الْمُرَادُ بِهِمَا فِي الْوُضُوءِ " وَلَا تَلْبَسُوا ": نُكْتَةُ الْإِعَادَةِ - وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ - اشْتِرَاكُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ إِمَّا عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيبِ أَوْ عَلَى التَّبَعِيَّةِ. (مِنَ الثِّيَابِ) : بَيَانٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُبَيَّنِ هُوَ (شَيْئًا) : صِفَتُهُ (مَسَّهُ) : أَيْ: صَبَغَهُ (زَعْفَرَانٌ) : لِمَا فِيهِ مِنَ الطِّيبِ (وَلَا وَرْسٌ) : وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ مُشَابِهٌ لِلزَّعْفَرَانِ يُصْبَغُ بِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْعُصْفُرُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: " وَلَا تَنْتَقِبُ) : نَفِيٌ أَوْ فِي مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ أَو الِافْتِعَالِ أَيْ: لَا تَسْتُرْ وَجْهَهَا بِالْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ (الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ) وَلَوْ سَدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا مُجَافِيًا جَازَ، وَتَغْطِيَةُ وَجْهِ الرَّجُلِ حَرَامٌ كَالْمَرْأَةِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رحمهم الله فِي رِوَايَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله (وَلَا تَلْبَسْ) : بِالْوَجْهَيْنِ أَيِ: الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ (الْقُفَّازَيْنِ) : الْقُفَّازُ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَبِالزَّايِ، شَيْءٌ تَلْبَسُهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ فِي أَيْدِيهِنَّ يُغَطِّي الْأَصَابِعَ وَالْكَفَّ وَالسَّاعِدَيْنِ مِنَ الْبَرْدِ، وَيَكُونُ فِيهِ قُطْنٌ مَحْشُوٌّ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقِيلَ: يَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ يُزَرُّ عَلَى السَّاعِدِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ؟ قَالَ: (لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ
أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ، فَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ (الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» ) . زَادُوا إِلَّا مُسْلِمًا وَابْنَ مَاجَهْ:" «وَلَا تَنْتَقِبِ " الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ» قِيلَ: قَوْلُهُ: وَلَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ إِلَى آخِرِهِ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ، إِذْ قَدْ يُفْتِي الرَّاوِي بِمَا يَرْوِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْنِدَهُ أَحْيَانًا، مَعَ أَنَّ هُنَا قَرِينَةً عَلَى الرَّفْعِ، وَهِيَ أَنَّهُ وَرَدَ إِفْرَادُ النَّهْيِ عَنِ النِّقَابِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» ". وَلِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ الْمَذْكُورِ وَإِبَاحَةِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ ; هِيَ أَنْ يَبْعُدَ عَنِ التَّرَفُّهِ وَيَتَّصِفَ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ الذَّلِيلِ، وَلِيَكُونَ عَلَى ذِكْرِهِ دَائِمًا أَنَّهُ مُحَرِمٌ، فَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ، وَلَا يَفْتُرُ عَنِ الْأَذْكَارِ، وَيَصُونُ نَفْسَهَ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلِيَتَذَكَّرْ بِهِ الْمَوْتَ وَلُبْسَ الْأَكْفَاءِ، وَالْبَعْثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَبْعُدَ عَنِ التَّنَعُّمِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَلَاذِّهَا، إِذِ الْحَاجُّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ، وَأَنْ يَجْمَعَ هَمَّهُ لِمَقَاصِدِ الْآخِرَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ تَعْظِيمُ بَيْتِ اللَّهِ وَحُرْمَةُ مَنْ قَتَلَ صَيْدَهَ وَقَطَعَ شَجَرَهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَحْمَدُ: يَجُوزُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِحَالِهِمَا، وَلَا يَجِبُ قَطْعُهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُصَرِّحِ بِقَطْعِهِمَا، وَزَعَمُوا إِلَى قَطْعِهِمَا إِضَاعَةَ مَالٍ، وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ لُبْسُهُمَا إِلَّا بَعْدَ قَطْعِهِمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُقَيَّدٌ، وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ إِضَاعَةُ مَالٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا أُمِرَ بِهِ فَلَيْسَ بِإِضَاعَةٍ، بَلْ حَقٌّ يَجِبُ الْإِذْعَانُ لَهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي لَابِسِ الْخُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله وَمَنْ وَافَقَهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِهِ فِيهِ لِبَيَّنَهَا عليه الصلاة والسلام. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ رحمهم الله: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَا إِذَا احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ الرَّأْسِ فَيَحْلِقُهُ وَيَفْدِي، وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ مِنَ التَّحْقِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. ثُمَّ نَحْوَ الْهَوْدَجِ إِنْ مَسَّ الرَّأْسَ فَمَحْظُورٌ وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ وَسَقْفُ الْخَيْمَةِ.
وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه، مَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا فِي سَفَرِ حَجِّهِ، وَعَنِ ابْنِهِ أَنَّهُ أَمَرَ مَنِ اسْتَظَلَّ عَلَى بَعِيرٍ بِأَنْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ، وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:" «مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إِلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» "، فَلَا مُتَمَسِّكَ فِي ذَلِكَ لِمَنْعِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ الِاسْتِظْلَالَ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ جُلُوسِهِ فِي خَيْمَةٍ وَتَحْتَ سَقْفٍ، وَلِأَنَّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ لَا نَهْيَ فِيهِ، أَوْ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ، وَالْخَبَرُ ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: عَلَى أَنَّ خَبَرَ مُسْلِمٍ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَا خَالَفَهُ، وَهُوَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سُتِرَ بِثَوْبٍ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ صَرَاحَةً أَنَّهُ كَانَ حَالَ إِحْرَامِهِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ.
2679 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: " إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ لَبَسَ خُفَّيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا لَبَسَ سَرَاوِيلَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2679 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: " إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ لَبَسَ الْخُفَّيْنِ» ) : أَيْ: بَعْدَ قَطْعِهِمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ " «وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا لَبَسَ سَرَاوِيلَ» ": وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَيْسَ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ، فَقِيلَ: يَشُقُّهُ وَيَأْتَزِرُ بِهِ وَلَوْ لَبَسَهُ مِنْ غَيْرِ فَتْقٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: يَجُوزُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ مِنْ غَيْرِ فَتْقٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِزَارِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، كَالْحَالِقِ لِلْأَذَى، وَلُبْسِ الْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ، وَقَدْ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي الْآثَارِ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ مَعَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. فَقَالَ بَعْدَ مَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَنَحْوَهُ: ذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الْآثَارِ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَجِدْهُمَا لَبَسَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْخُفَّيْنِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ، فَنَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ، وَنُبِيحُ لَهُ لُبْسَهُ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ بِهِ وَلَكِنْ نُوجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ
الْكَفَّارَةَ، وَلَيْسَ فِيمَا رَأَيْتُمُوهُ نَفْيٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَلَا فِيهِ وَلَا فِي قَوْلِنَا خِلَافُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ: لَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، وَلَا السَّرَاوِيلَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ، وَلَوْ قُلْنَا ذَلِكَ كُنَّا مُخَالِفِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ قَدْ أَبَحْنَا لَهُ اللِّبَاسَ، كَمَا أَبَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ بِالدَّلَائِلِ الْقَائِمَةِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَبَ هَذَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رحمهم الله تَعَالَى - اهـ.
وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ جَمَاعَةَ: وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ الْخُفَّيْنِ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَلَبَسَهُمَا وَلَا فِدْيَةَ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ اهـ، وَأَغْرَبَ الطَّبَرَيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَالْقُرْطُبِيُّ، وَابْنُ حَجَرٍ رحمهم الله، فَحَكَوْا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إِذَا لَبَسَ الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْقَطْعِ عِنْدَ عَدَمِ النَّعْلَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، بَلْ قَالَ فِي مَطْلَبِ الْفَائِقِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَ لَهَا وُجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ مُنْتَقَدَةٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَتْقُ السَّرَاوِيلِ، حَتَّى يَصِيرَ غَيْرَ مَخِيطٍ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ مَالٍ فَمَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ، نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَتْقِ لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ فَتْقٍ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ وَاجِبٌ إِلَّا أَنَّهُ يَفْدِي، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ رحمه الله: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ: امْتِنَاعُ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ عَلَى هَيْئَتِهِ مُطْلَقًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ عَنْهُمَا.
2680 -
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنهما قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحْرَمْتُ بِالْعُمْرَةِ، وَهَذِهِ عَلَيَّ. فَقَالَ: " أَمَا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2680 -
(وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ عَلَى الصَّحِيحِ، مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ حُدُودِ الْحَرَمِ، أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعُمْرَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ الْقَوْلِيَّ أَقْوَى عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ قَصْدِهِ، وَالْفِعْلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقِيًّا لَا قَصْدِيًّا، وَقَدْ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنْ تَعْتَمِرَ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ مِنَ الْحَرَمِ. (إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ) : مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَعْرَابِ، وَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ، أَيْ بَدَوِيٌّ (عَلَيْهِ جُبَّةٌ) : ثَوْبٌ مَعْرُوفٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جُبَّةُ الْبَرْدِ، جَنَّةُ الْبَرْدِ. (وَهُوَ) : أَيِ الرَّجُلُ (مُتَمَضِّحٌ بِالْخَلُوقِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ حَتَّى كَادَ يَتَقَاطَرَ الطِّيبُ مِنْ بَدَنِهِ، ( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحْرَمْتُ بِالْعُمْرَةِ وَهَذِهِ» ) : أَيْ: الْجُبَّةُ (عَلَيَّ. فَقَالَ: " أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ) : أَيْ: لُصِقَ بِبَدَنِكَ مِنَ الْجُبَّةِ ( «فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا» ) : بِكَسْرِ الزَّايِ أَيِ: اقْلَعْهَا فَوْرًا وَأَخْرِجْهَا، ذِكْرُ الثَّلَاثِ إِنَّمَا هُوَ لِتَوَقُّفِ إِزَالَةِ الْخَلُوقِ عَلَيْهَا غَالِبًا، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ إِزَالَةُ الْعَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبَسَ جَاهِلًا فِدْيَةٌ عَلَيْهِ، إِذْ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" فَانْزِعْهَا " رَدٌّ لِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ أَوْ جُبَّةٍ مُزِّقَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اعْتِذَارُ ابْنِ حَجَرٍ رحمه الله بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَمَّدِ لِتَعَدِّيهِ، وَالَّذِي فِي الْخَبَرِ فِي جَاهِلٍ مَعْذُورٍ فَلَا يَصِحُّ، إِذِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. ( «ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّاءِ أَيِ اجْتَنِبْ فِي الْعُمْرَةِ مَا تَجْتَنِبُ مِنْهُ فِي الْحَجِّ، أَوِ افْعَلِ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ، وَبِالْجُمْلَةِ الْأَفْعَالَ الْمُشْتَرِكَةَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَفْعَلُهَا فِي الْحَجِّ، وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ عَالِمًا بِصِفَةِ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالتَّشْبِيهِ زِيَادَةُ الْإِفَادَةِ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ مَا يَجْتَنِبُ فِي الْعُمْرَةِ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الِاشْتِرَاكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى إِذَا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِ، وَمِنْهُ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: يَغْسِلُ فَمَهُ بِمِيَاهٍ كَأَنْفِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ ; فَإِنْ كَانَ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ وَمَنَعَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إِذَا ارْتُكِبَتْ عَمْدًا يَجِبُ فِيهَا الْفِدْيَةُ إِجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رحمهم الله وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رحمهم الله وَمَنْ تَبِعَهُمَا.
2681 -
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2681 -
(وَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ» ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَتَحْرِيكِ الْحَاءِ بِالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنَ النُّسَخِ، أَيْ: لَا يَتَزَوَّجُ لِنَفْسِهِ امْرَأَةً مِنْ نَكَحَ (وَلَا يُنْكَحْ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ مَجْزُومًا، أَيْ: لَا يُزَوَّجُ الرَّجُلُ امْرَأَةً إِمَّا بِالْوِلَايَةِ أَوْ بِالْوِكَالَةِ مِنْ أَنْكَحَ (وَلَا يَخْطُبْ) : بِضَمِّ الطَّاءِ مِنَ الْخِطْبَةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، أَيْ: لَا يَطْلُبُ امْرَأَةً لِنِكَاحٍ، وَرَوَى الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثَ بِالنَّفْيِ وَالنَّهْيِ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهَا عَلَى صِيغَةِ النَّهْيِ أَصَحُّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْضًا، بَلْ أَبْلَغُ، وَالْأَوَّلَانِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالثَّالِثُ لِلتَّنْزِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَلَا إِنْكَاحُهُ عِنْدَهُ، وَالْكُلُّ لِلتَّنْزِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيُّ. زَادَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ: وَلَا يَخْطُبُ. وَزَادَ ابْنُ حَبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيسَى، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي كُتُبِهِمْ، وَالَّذِي وَجَدْنَاهُ الْأَكْثَرُ فِيمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْإِثْبَاتُ، وَهُوَ الرَّفْعُ فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ.
2682 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2682 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) : وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَكَانَتْ أُخْتُهَا أَمُّ الْفَضْلِ لُبَابَةُ الْكُبْرَى تَحْتَ الْعَبَّاسِ، وَأُخْتُهَا لِأُمِّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ تَحْتَ جَعْفَرٍ، وَسَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ تَحْتَ حَمْزَةَ، وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَنْكَحَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا رَجَعَ بَنَى بِهَا بِسَرِفَ حَلَالًا.
وَمِنْ غَرِيبِ التَّارِيخِ أَنَّهَا دُفِنَتْ بِسَرِفَ أَيْضًا، وَهُوَ مِنَ الْمَشَاهِدِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ قَرِيبَ مَكَّةَ دُونَ الْوَادِي الْمَشْهُورِ بِوَادِي فَاطِمَةَ. قَالَ الطَّبَرَيُّ: وَهُوَ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُحْرِمٌ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْحَرَمِ ; فَفِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، وَلَيْسَ نَظِيرُهُ
قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا
. أَيْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ الصَّارِفَ عَنِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ ظَاهِرٌ، مَعَ احْتِمَالِ تَحَقُّقِهِ ; لِيَنَالَ ثَوَابَ الْمُتَلَبِّسِ بِالنُّسُكِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَخَاتِمَةِ أَمْرِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَا حَرْفَ لِلْمَدِينَةِ عِنْدَنَا فِي مَعْنَى حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، مَعَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْحَرَمِ بَلْ كَانَ ثَابِتًا فِيهِ، نَعَمْ لَوْ أُوِّلَ بِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَرُدُّهُ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ بَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ.
2683 -
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ «عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِ السُّنَّةِ رحمه الله: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرِفَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ.
ــ
2683 -
(وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا) : أَيْ: دَخَلَ بِهِمَا أَوْ أَظْهَرَ زَوَاجَهَا (وَهُوَ حَلَالٌ) أَيْ غَيْرُ مُحْرِمٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى أَحَادِيثَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ.
(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ) : أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ رحمه الله (الْأَكْثَرُونَ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ، يَعْنِي الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ وَأَتْبَاعَهُمْ (عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ بَنَى) : أَيْ دَخَلَ بِهَا (وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرِفَ) : عَلَى وَزْنِ كَتِفٍ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، وَقِيلَ مُنْصَرِفٌ (فِي طَرِيقِ مَكَّةَ) : أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله: حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ لَمْ يَقْوَ قُوَّةَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَإِنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السِّتَّةُ، وَحَدِيثُ زَيْدٍ: لَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا النَّسَائِيُّ، وَأَيْضًا لَا يُقَاوَمُ بِابْنِ عَبَّاسٍ حِفْظًا وَاتِّفَاقًا، وَلِذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يُدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيُّ كَذَا وَكَذَا بِشَيْءٍ. قَالَ: أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا، لَمْ يُخَرَّجْ فِي وَاحِدٍ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَإِنْ رُوِيَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حَبَّانَ، فَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الصِّحَّةِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلِ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ سِوَى: حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، فَمُنْكَرٌ عَنْهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ بَعْدَ مَا اشْتُهِرَ إِلَى أَنْ كَادَ أَنْ يَبْلُغَ الْيَقِينَ عَنْهُ فِي خِلَافِهِ، وَلِذَا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ ذَلِكَ عَارَضَهُ بِأَنْ أَخْرَجَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ طَرِيقًا. أَنَّهُ «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» ، وَفِي لَفْظٍ:«وَهُمَا مُحْرِمَانِ» . وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ قَامَ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثَيْ عُثْمَانَ وَابْنِ الْأَصَمِّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَى مِنْهُمَا سَنَدًا، فَإِنْ رَجَّحْنَا بِاعْتِبَارِهِ كَانَ التَّرْجِيحُ مَعْنًى أَوْ بِقُوَّةِ ضَبْطِ الرُّوَاةِ وَفِقْهِهِمْ، فَإِنَّ الرُّوَاةَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ لَيْسُوا كَمَنْ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِقْهًا وَضَبْطًا، كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ رحمهم الله فَكَذَلِكَ وَإِنْ تَرَكْنَاهَا أَيِ الْأَدِلَّةَ تَسَاقَطَ لِلتَّعَارُضِ وَصِرْنَا إِلَى الْقِيَاسِ، فَهُوَ مَعْنِيٌّ لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يُتَلَفَّظُ بِهِمَا مِنْ شِرَاءِ الْأُمَّةِ لِلتَّسَرِّي وَغَيْرِهِ، وَلَا يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُودِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، وَلَوْ حُرِّمَ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ نَفْسِ الْوَطْءِ وَأَثَرِهِ فِي فَسَادِ الْحَجِّ، لَا فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ رَجَّحْنَا مِنْ حَيْثُ الْمَتْنِ كَانَ مَعْنِيٌّ لِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ نَافِيَةٌ، وَرِوَايَةُ يَزِيدَ مُثْبِتَةٌ لِمَا عُرِفَ، وَأَنَّ الْمُثْبِتَ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا عَلَى الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْحَلُّ طَارِئٌ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَالنَّافِي هُوَ أَرْجَحُ لِمَنْعِهَا لِأَنَّهُ يَنْفِي طَرُوَ طَارِئٍ، وَلَا يَشُكُّ أَنَّ الْإِحْرَامَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلِّ الطَّارِئِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَهُ كَيْفِيَّاتٌ خَاصَّةٌ مِنَ التَّجَرُّدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، فَكَانَ نَفْيًا مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ، فَيُعَارَضُ الْإِثْبَاتُ وَيُرَجَّحُ بِخَارِجٍ، وَهُوَ زِيَادَةُ قُوَّةِ السَّنَدِ، وَفِقْهُ الرَّاوِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلِّ اللَّاحِقِ، وَأَمَّا عَلَى إِرَادَةِ الْحَلِّ السَّابِقِ عَلَى الْإِحْرَامِ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، كَذَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِلْمُسْتَغْفَرِيِّ، فَابْنُ عَبَّاسٍ مُثْبِتٌ وَيَزِيدُ نَافٍ، وَيُرَجَّحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِذَاتِ الْمَتْنِ لِتَرَجُّحِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي، وَإِنْ وُفِّقْنَا لِدَفْعِ التَّعَارُضِ ; فَيَحْمِلُ لَفْظَ التَّزَوُّجِ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَصَمِّ عَلَى الْبِنَاءِ بِهَا مَجَازٌ بِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ الْعَادِيَّةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ» " إِمَّا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالنِّكَاحِ الْوَطْءِ.
وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ التَّمْكِينُ مِنَ الْوَطْءِ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ، أَيْ: لَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنَ الْوَطْءِ زَوْجَهَا، أَوْ عَلَى نَهْيِ الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شُغُلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ عَنِ الْإِحْسَانِ فِي الْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خِطْبَةِ مُرَاوِدَاتٍ وَدَعْوَةٍ وَاجْتِمَاعَاتٍ، وَيَتَضَمَّنُ تَنْبِيهَ النَّفْسِ لِطَلَبِ الْجِمَاعِ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِهِ:(وَلَا يَخْطُبْ) وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ صلى الله عليه وسلم بَاشَرَ الْمَكْرُوهَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: الْكَرَاهَةُ هُوَ عليه الصلاة والسلام مُنَزَّهٌ عَنْهُ، وَلَا بَعْدُ لِاخْتِلَافِ حُكْمٍ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فِيهِ وَفِينَا، كَالْوِصَالِ نَهَانَا عَنْهُ وَفَعَلَهُ اهـ. كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مُخْتَصَرًا.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، بَلْ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ - وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِإِرْسَالِ جَمَاعَةٍ إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ لِيَحْضُرَ نِكَاحَ مُحْرِمَيْنِ فَامْتَنَعَ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، فَسَكَتُوا عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ، وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا.
2684 -
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2684 -
(عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) : يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ غَسْلُ رَأْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ، فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَا: صَدَقَةُ: لَوْ غَسَلَ بِأُشْنَانٍ فِيهِ طِيبٌ، فَإِنْ كَانَ مَنْ رَآهُ سَمَّاهُ أُشْنَانًا فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ سَمَّاهُ طِيبًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ، كَذَا فِي قَاضِي خَانَ. وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْحُرْضِ وَالصَّابُونِ وَالسِّدْرِ وَنَحْوِهِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا، يَعْنِي: فَلَيْسَ فِيهِ فِدْيَةٌ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَالِكٍ أَنَّ فِي إِزَالَةِ الْوَسَخِ صَدَقَةٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْصِدَ بِغَسْلِهِ إِزَالَةَ الْوَسَخِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" «الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» ".
2685 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2685 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: رَخَّصَ الْجُمْهُورُ فِي الْحِجَامَةِ إِذَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنِ الْمُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ؟ قَالَتْ: فَلْيَحُكَّ وَلْيُسَدِّدْ.
2686 -
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، حَدَّثَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ضَمَّدَهَا بِالصَّبِرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2686 -
(وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ) : أَيْ فِي حَقِّهِ وَشَأْنِهِ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ (إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ) : أَيْ: حِينَ شَكَا وَجَعَهُمَا أَوْ ضَعْفَ نَظَرِهِمَا (وَهُوَ مُحْرِمٌ ضَمَّدَهَا) : بِصِيغَةِ الْمَاضِي مُشَدَّدًا، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْأَمْرِ لِلْإِبَاحَةِ (بِالصَّبْرِ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَهُوَ دَوَاءٌ مَعْرُوفٌ، أَيِ: اكْتَحَلَ عَيْنَيْهِ بِالصَّبْرِ كَذَا فَسَّرُوا التَّضْمِيدَ، وَأَوْرَدَ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ فِي بَابِ التَّفْعِيلِ فِي الْحَدِيثِ ضَمَّدَ عَيْنَيْهِ أَيْ: وَضَعَ عَلَيْهِمَا الدَّوَاءَ. قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ: هُوَ شَيْءٌ أَحْمَرُ يُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكُحْلِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الصَّبْرُ كَكَتِفٍ وَلَا يُسَكَّنُ إِلَّا فَضَرُورَةُ شِعْرٍ، عُصَارَةُ شَجَرٍ، مَنْ ضَمَّدَ الْجُرْحَ يُضَمِّدُهُ، وَضَمَّدَهُ شَدَّهُ بِالضِّمَادِ وَهِيَ الْعِصَابَةُ كَالضِّمَادِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَصْلُ الضَّمْدِ الشَّدُّ، يُقَالُ: ضَمَّدَ رَأْسَهُ وَجَرَحَهُ إِذَا شَدَّهُ بِالضِّمَادِ، وَهُوَ خِرْقَةٌ يُشَدُّ بِهَا الْعُضْوُ الْمَأْفُوفُ أَيِ الْمُصَابُ بِالْآفَةِ، ثُمَّ قِيلَ: لِوَضْعِ الدَّوَاءِ عَلَى الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَدَّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إِنِ اكْتَحَلَ الْمُحْرِمُ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَوِ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَصَبَ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ، وَأَمَّا لَوْ غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ فَصَاعِدًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِي أَقَلَّ مِنَ الرُّبُعِ صَدَقَةٌ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: فِي الْإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ زِينَةٌ، نَحْنُ نَكْرَهُهُ وَلَا نُحَرِّمُهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ رحمهم الله إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى حِلِّهِ حَيْثُ لَا طِيبَ فِيهِ، وَأَمَّا الْحِنَّاءُ فَهُوَ طِيبٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَرُوِيَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ، أَيْ: مُرِيدَاتٌ لِلْإِحْرَامِ.
2687 -
ــ
2687 -
(وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا، وَأَحَدَهُمَا) : أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ أَحَدَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِلَالٌ (آخِذٌ) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : وَالْخِطَامُ بِكَسْرِ الْخَاءِ بِمَعْنَى الزِّمَامِ وَالْمِهَارُ كَكِتَابٍ (وَالْآخَرُ) : وَهُوَ أُسَامَةُ (رَافِعٌ) : بِالتَّنْوِينِ (ثَوْبَهُ) : أَيْ ثَوْبًا فِي يَدِهِ (يَسْتُرُهُ) : أَيْ: يُظِلُّهُ بِثَوْبٍ مُرْتَفِعٍ عَنْ رَأْسِهِ، بِحَيْثُ لَمْ يَصِلِ الثَّوْبُ إِلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مِنَ الْحَرِّ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِظْلَالِ لِلْمُحْرِمِ، وَفِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَقَوْلُهُ (حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) : نَصًّا فِي كَوْنِهِ أَوَّلَ أَيَّامٍ، فَالْأَوْلَى لِلِاسْتِدْلَالِ الِاسْتِظْلَالُ بِالْقُبَّةِ الْمَضْرُوبَةِ فِي عَرَفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
2688 -
ــ
2688 -
(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ) : فِيهِ تَجْرِيدٌ أَوِ الْتِفَاتٌ أَوْ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى (وَهُوَ) أَيْ كَعْبٌ (بِالْحُدَيْبِيَةِ) : بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ (قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ) : أَيْ: وَهُوَ يَتَوَقَّعُ دُخُولَهَا حِينَ لَمْ يَقَعْ مَنْعٌ عَنْ وُصُولِهَا (وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ) : مِنَ الْإِيقَادِ (تَحْتَ قِدْرٍ، وَالْقَمْلُ) : أَيْ: جِنُّهُ (تَتَهَافَتُ) : بِالتَّاءَيْنِ أَيْ: تَتَسَاقَطُ مِنْ رَأْسِهِ (عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم (أَيُؤْذِيكَ) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (هَوَامُّكَ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَّةٍ، وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تَسِيرُ عَلَى السُّكُونِ كَالنَّمْلِ وَالْقَمْلِ (قَالَ) أَيْ: كَعْبٌ (نَعَمْ) : وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هَوَامَّ الرَّأْسِ عُذْرٌ مَعَ أَنَّهَا لَا تُؤْذِي غَالِبًا، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ. (قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَكَ) : أَمَرَ أَمْرَ إِبَاحَةٍ (وَأَطْعِمْ) : وُجُوبٌ (فَرْقًا) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: بِالتَّحْرِيكِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ مُدًّا أَوْ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَفِي الْمَفَاتِيحِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمُحْدَثُونَ عَلَى السُّكُونِ، وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى التَّحْرِيكِ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْقُتَيْبِيُّ، فَقَالَ: الْفَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ مِنَ الْأَوَانِي وَالْمَقَادِيرِ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَبِالْفَتْحِ مِكْيَالٌ يَسَعُ ثَمَانِينَ رِطْلًا اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا يَأْتِي فِي الْأَصْلِ.
(بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ صَاعٍ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْأَطْعِمَةِ. قُلْتُ: إِنَّهُ مُطْلَقٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَرْدِ الْأَكْمَلِ وَهُوَ الْبُرُّ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا. (وَالْفَرَقُ) : بِالتَّحْرِيكِ وَيُسَكَّنُ (ثَلَاثَةُ آصُعٍ) : كَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَشَرْحِ السُّنَّةِ. وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أُصُوعٍ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ أَصَاعٍ، أَوْ خَطَأَ مَنْ قَالَ: آصُعٍ لَحْنٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: صَحَّ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْقَلْبِ وَأَصْلُهُ أَصُوعُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْقَلْبِ قَلْبُ الْمَكَانِيِّ بِأَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ مَكَانَ الصَّادِ، وَعَكْسُهُ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَةِ الْوَاوِ إِلَى الصَّادِ، ثُمَّ تُقْلَبُ الْوَاوُ أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا فِي الْأَصْلِ وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ. (أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً) أَيِ: اذْبَحْ ذَبِيحَةً، وَالْحَدِيثُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ فِيهِمَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: احْلِقْ ثُمَّ اذْبَحْ نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ.
الْفَصْلُ الثَّانِي 2689 - «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، مُعَصْفَرٍ، أَوْ خَزٍّ، أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
2689 -
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ) : أَيْ: عَنْ لُبْسِهِمَا فِي أَيْدِيهِنَّ (وَالنِّقَابِ) : أَيْ: الْبُرْقُعِ فِي وُجُوهِهِنَّ بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَى بَشْرَتِهِنَّ (وَمَا مَسَّ) أَيْ: وَعَمَّا صَبَغَهُ (الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كَأَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا تَلْبَسُ النِّسَاءُ الْقُفَّازَيْنِ وَلْتَلْبَسْ (بَعْدَ ذَلِكَ) : أَيْ ذَكَرَ (مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ) أَيْ: أَنْوَاعِهَا (مُعَصْفَرٍ) : بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ أَيِ الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ، وَأَمَّا الْمَفْهُومُ مِنَ الْمَذْهَبِ، فَهُوَ الْعُمُومُ، فَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْوَالِجِيِ وَغَيْرِهِمَا، أَنَّهُ لَوْ لَبَسَ الْمُحْرِمُ مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ مُشَبَّعًا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مُعَصْفَرٍ مَغْسُولٍ لَا يُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةٌ، أَوْ يُفَسَّرُ الْمُعَصْفَرُ بِمَا يُصْبَغُ بِالطَّبْنِ الْأَرْمَنِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: الْعُصْفُرُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَيُكَذِّبُهُ رِيحُهُ. (أَوْ خَزٍّ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ الْمُشَدَّدَةِ، ثَوْبٌ مِنْ إِبْرِيسِمٍ وَصُوفٍ، وَفِي الْمُغْرِبِ: الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ، سُمِّيَ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهَا خَزًّا (أَوْ حُلِيٍّ) : بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، مَا يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ مِنْ آلَاتِ الزِّينَةِ، كَالْخُرْصِ فِي الْأُذُنِ، وَالْحَجْلِ فِي الرِّجْلِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: جُعِلَ الْحُلِيُّ مِنَ الثِّيَابِ تَغْلِيبًا، أَوْ أُدْخِلَ فِي الثِّيَابِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ إِطْلَاقِ اللُّبْسِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12](أَوْ سَرَاوِيلَ) : اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ جَمْعٌ أَوْ مُفْرَدٌ (أَوْ قَمِيصٌ أَوْ خُفٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رحمه الله: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ مَا خَلَا ابْنَ إِسْحَاقَ اهـ. وَأَنْتَ عَلِمْتَ أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ حُجَّةٌ - قَالَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ.
2690 -
«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا جَاوَزُوا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» . رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ.
ــ
2690 -
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانِ) : بِضَمِّ الرَّاءِ، جَمْعُ الرَّكْبِ (يَمُرُّونَ) : أَيْ: مَارِّينَ (بِنَا) : أَيْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ (وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَيْ: مَكْشُوفَاتُ الْوُجُوهِ (فَإِذَا جَاوَزُوا) : أَيْ: مَرُّوا (بِنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: جَاوَزُونَا كَذَا كَتَبَهُ السَّيِّدُ عَلَى الْهَامِشِ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَعْنًى، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَقَعَ الْإِرْسَالُ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْمُرُورِ، وَلَكِنْ: لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْأَظْهَرِيَّةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إِذَا أَرَادُوا الْمُجَاوَزَةَ وَالْمُرُورَ بِنَا، وَكُتِبَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ بِلَفْظِ حَاذَوْنَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي نُسْخَةٍ: فَإِذَا جَاوَزْنَا، وَلَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ فَإِذَا جَاوَزُوا بِنَا، هَكَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي الْمَصَابِيحِ حَاذَوْنَا اهـ. وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ مِنَ الْمُحَاذَاةِ. بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مَعْنًى مِنَ الْكُلِّ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (سَدَلَتْ) : أَيْ أَرْسَلَتْ (إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا) : بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ بُرْقُعَهَا أَوْ طَرْفَ ثَوْبِهَا (مَنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا) : بِحَيْثُ لَمْ يَمَسُّ الْجِلْبَابُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ: سَدَلَتْ لَيْسَ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَلَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهِ اهـ. فَكَأَنَّ لَفْظَهُمَا دُلَّتْ مِنَ التَّدْلِيَةِ كَمَا هُوَ لَفْظُ الْمَصَابِيحِ، فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ بِالْمَعْنَى (فَإِذَا جَاوَزُونَا) : أَنْ تَعَدَّوا عَنَّا وَتَقَدَّمُوا عَلَيْنَا (كَشَفْنَاهُ) : أَيْ: أَزَلْنَا الْجِلْبَابَ، وَرَفَعْنَا النِّقَابَ، وَتَرَكْنَا الْحِجَابَ، وَلَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ إِلَى الْوَجْهِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ فَلَهُ وَجْهٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ (وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ) .
2691 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ وَهُوَ مُحْرِمٌ غَيْرَ الْمُقَتَّتِ " يَعْنِي غَيْرَ الْمُطَيَّبِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
2691 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدَّهِنُ) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ (بِالزَّيْتِ وَهُوَ مُحْرِمٌ غَيْرِ الْمُقَتَّتِ) : بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْأُولَى حَالٌ مِنَ الزَّيْتِ أَوْ صِفَةٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هُوَ مَا يُطْبَخُ فِيهِ الرَّيَاحِينُ حَتَّى تُرِيحَهُ (يَعْنِي) : هُوَ كَلَامُ بَعْضِ الرُّوَاةِ يَعْنِي يُرِيدُ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ الْمُقَتَّتِ (غَيْرِ الْمُطَيَّبِ) : اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا ادَّهَنَ بِدُهْنٍ مُطَيَّبٍ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الَّتِي فِيهَا الطِّيبُ عُضْوًا كَامِلًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنِ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ أَوْ خَلٍّ وَهُوَ الشَّيْرَجُ، أَيْ: دُهْنُ السِّمْسِمِ غَيْرَ مَخْلُوطَيْنِ بِطِيبٍ وَأَكْثَرَ مِنْهُ ; فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَدَقَةٌ عِنْدَهُمَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَا خَالِصَيْنِ عَنِ الطِّيبِ غَيْرَ مَطْبُوخَيْنِ، أَمَّا الْمُطَيَّبُ مِنْهُ وَهُوَ مَا أُلْقِيَ فِيهِ الْأَنْوَارُ كَالْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، فَيَجِبُ الدَّمُ بِاسْتِعْمَالِهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِذَا كَانَ الزَّيْتُ مَطْبُوخًا فَفِيهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَيْضًا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا اسْتَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنِ اسْتَقَلَّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ اتِّفَاقًا، ثُمَّ هَذَا إِذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، وَإِنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
2692 -
«عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَجَدَ الْقُرَّ، فَقَالَ: أَلْقِ عَلَيَّ ثَوْبًا يَا نَافِعُ ; فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ بُرْنُسًا. فَقَالَ: تُلْقِي عَلَيَّ هَذَا وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَهُ الْمُحْرِمُ» ؟ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
2692 -
(عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَجَدَ الْقُرَّ) : بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، أَيِ الْبَرَدَ مُطْلَقًا وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالشِّتَاءِ (فَقَالَ: أَلْقِ) : أَمْرٌ مِنَ الْإِلْقَاءِ، أَيِ: اطْرَحْ (عَلِيَّ ثَوْبًا يَا نَافِعُ ; فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ بُرْنُسًا) أَيْ: ثَوْبًا مُلْتَزِقَ الرَّأْسِ (فَقَالَ: تُلْقِي عَلِيَّ) : بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ (هَذَا) : أَيِ: الثَّوْبَ الْمَخِيطَ (وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَهُ الْمُحْرِمُ) : فَجَعَلَ طَرْحَهُ عَلَيْهِ لُبْسًا، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَتَغْطِيَةُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِالْمَخِيطِ، وَغَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَالْمَخِيطُ هُوَ الْمَلْبُوسُ الْمَعْمُولُ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، أَوْ قَدْرِ عُضْوٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ سَوَاءٌ بِخِيَاطَةٍ أَوْ نَسْجٍ أَوْ لَصْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ لُبْسِ الْمَخِيطِ عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ أَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي حِفْظِهِ إِلَى تَكَلُّفٍ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ، وَضِدُّهُ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلُبْسُ الْمَخِيطِ أَنْ يَجْعَلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالَهُ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِمْسَاكَهُ، فَأَيُّهُمَا انْتَفَى لُبْسُ الْمَخِيطِ، فَإِنْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ الْقَبَاءَ دُونَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ، أَوْ لَبَسَ الطَّيْلَسَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزَرَّ عَلَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الِاسْتِمْسَاكِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ زَرَّ الْقَبَاءَ أَوِ الطَّيْلَسَانَ يَوْمًا لَزِمَ دَمٌ لِحُصُولِ الِاسْتِمْسَاكِ بِالزَّرِّ مَعَ الِاشْتِمَالِ بِالْخِيَاطَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ الرِّدَاءَ أَوْ شَدَّ الْإِزَارَ بِحَبَلٍ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِلتَّشَبُّهِ بِالْمَخِيطِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الِاشْتِمَالِ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اهـ.
وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَرِهَ ذَلِكَ لِلتَّشَبُّهِ بِالْمَخِيطِ، وَأَطْلَقَ اللُّبْسَ عَلَى الطَّرْحِ مَجَازًا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَلْقَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ: غَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ أَلْقَى هَذَا الْإِلْقَاءَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ سَتْرِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَتِهِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَنَقَلَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ تَصْرِيحِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَاقْتِضَاءُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بِزَوَالِ الْعُذْرِ يَجِبُ النَّزْعُ فَوْرًا.