المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اللَّهَ تَعَالَى وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَحْفَظُونَ فُرُوجَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْفُرُوجِ إِلَّا - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: اللَّهَ تَعَالَى وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَحْفَظُونَ فُرُوجَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْفُرُوجِ إِلَّا

اللَّهَ تَعَالَى وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَحْفَظُونَ فُرُوجَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْفُرُوجِ إِلَّا عَنِ الْأَزْوَاجِ وَالسَّرَارِي وَالْمُسْتَمْتَعَةُ لَيْسَتْ زَوْجَةً لِانْتِفَاءِ التَّوَارُثِ إِجْمَاعًا وَلَا مَمْلُوكَةً بَلْ هِيَ مُسْتَأْجَرَةٌ نَفْسُهَا أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ:" إِنَّ الْمُسْتَمْتَعَةَ لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحِلُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ لَحَصَلَ التَّوَارُثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] "(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ وَحَكَاهُ " اه. وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِهِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ وَقَيَّدَ جَوَازَهُ بِحَالِ الرُّخْصَةِ وَالْعَجَبُ مِنَ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ وَتَرَكُوا مَذْهَبَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمْرِ الْإِنْسِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ حِينَ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يَفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ فَنَادَاهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٌّ فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبَ نَفْسَكَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلَتْهَا لِأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ. الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعَرَّضُ بِهِ وَكَانَ قَدْ كَفَّ بَصَرُهُ فَلِذَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: كَمَا أَعْمَى أَبْصَارُهُمْ، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي حَالِ خِلَافَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُسْتَمِرُّ الْقَوْلِ عَلَى جَوَازِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَسْنَدَ الْحَازِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَابِيِّ إِلَى الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ لَقَدْ سَارَتْ بِفِتْيَاكَ الرُّكْبَانُ وَقَالَ فِيهَا الشُّعَرَاءُ قَالَ: وَمَا قَالُوا: قُلْتُ قَالُوا:

قَدْ قُلْتُ لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مَحْبِسُهُ

يَا صَاحٍ هَلْ لَكَ فِي فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسِ

هَلْ لَكَ فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةٌ

تَكُونُ مَثْوَاكَ حَتَّى مَصْدَرِ النَّاسِ

فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهُ مَا بِهَذَا أَفْتَيْتُ وَمَا هِيَ إِلَّا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَا تَحِلُّ إِلَّا لِلْمُضْطَرِّ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 2075

3159 -

وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ، وَإِذَا جِوَارٍ يُغَنِّينَ، فَقُلْتُ: أَيْ صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلَ بَدْرٍ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَا: اجْلِسْ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ، فَإِنَّهُ قَدْ رَخَّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ. رَوَاهُ النَّسَائِيِّ.

ــ

3159 -

(وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى قَرَظَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالظَّاءِ مُعْجَمَةً (ابْنِ كَعْبٍ) أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ (وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جِوَارٍ) أَيْ: بَنَاتٌ صَغِيرَاتٌ أَوْ مَمْلُوكَاتٌ (يُغَنِّينَ فَقُلْتُ: أَيْ صَاحِبَيْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَصْبِ التَّثْنِيَةِ عَلَى النِّدَاءِ وَحَذْفِ النُّونِ لِلْإِضَافَةِ (وَأَهْلَ بَدْرٍ) بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُنَادِي (يُفْعَلُ هَذَا) أَيِ: التَّغَنِّي (عِنْدَكُمْ) فِيهِ تَغْلِيبٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: خَصَّهُمْ بِهِ لِأَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يُفْعَلُ هَذَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَنْتُمْ مِنْ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ تُنْكِرُوا فَهُوَ بَعِيدٌ مِنْكُمْ وَمُنَافٍ لِحَالِكُمْ (فَقَالَا اجْلِسْ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ فَإِنَّهُ قَدْ رَخَّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ) أَيْ: وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ص: 2075

[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

ص: 2075

بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3160 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ)

الْحَرَامُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، فِي الْمُغْرِبِ: " الْمُحَرَّمُ الْحَرَامُ وَالْحُرْمَةُ أَيْضًا وَحَقِيقَتُهُ مَوْضِعُ الْحُرْمَةِ وَمِنْهُ هِيَ لَهُ مُحَرَّمٌ وَهُوَ لَهَا مُحَرَّمٌ، وَقَدْ ضَبَطَهَا ابْنُ الْهُمَامِ ضَبْطًا حَسَنًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ فَقَالَ: انْتِفَاءُ مَحَلِّيَّةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا بِأَسْبَابٍ، الْأَوَّلُ: النَّسَبُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ فُرُوعُهُ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ وَأُصُولُهُ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَوَقَعَ فِي النُّسَخِ وَأَبْنَائِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَآبَائِهِ وَهُوَ سَهْوٌ مِنَ النُّسَّاخِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلْنَ فَيَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتَ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلْنَ وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ بِبَطْنٍ وَاحِدٍ ; فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ. الثَّانِي: الْمُصَاهَرَةُ يَحْرُمُ بِهَا فَرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَإِنْ نَزَلْنَ وَأُمَّهَاتُ الزَّوْجَاتِ وَجَدَّاتُهُنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَإِنْ عَلَوْا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ وَتُحْرَمُ مَوْطُوءَاتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودَاتُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَمَوْطُوءَاتُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودَاتُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، الثَّالِثُ: الرِّضَاعُ يُحَرِّمُ كَالنَّسَبِ وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَحَلِّهِ، الرَّابِعُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ يَعْنِي كَالْأُخْتَيْنِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا أَوِ الْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْأَمَةِ مَعَ الْحُرَّةِ السَّابِقَةِ، الْخَامِسُ: حَقُّ الْغَيْرِ كَالْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ، السَّادِسُ: عَدَمُ الدِّينِ السَّمَاوِيِّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ، السَّابِعُ: التَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ وَالسَّيِّدِةِ عَبْدَهَا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3160 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَجْمَعُ) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَكَذَا فِي الْوَطْءِ بِمَلْكِ الْيَمِينِ (بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ سُفْلَى كَأُخْتِ الْأَبِ أَوْ عُلْيَا كَأُخْتِ الْجَدِّ مَثَلًا (وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) أَيْ: كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:" أَيْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَمَّةً وَخَالَةً حَقِيقِيَّةً أَوْ مَجَازِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ وَأَبِي الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَأُخْتُ أَمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتِي الْأُمِّ وَالْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ، فَكُلُّهُنَّ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَأَمَّا فِي الْأَقَارِبِ كَبَنِي الْعَمَّتَيْنِ وَبَنِي الْخَالَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا فَجَائِزٌ، وَكَذَا بَيْنَ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] " فِي الْهِدَايَةِ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوِ ابْنَةِ أَخِيهَا أَوِ ابْنَةِ أُخْتِهَا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: تَكْرَارٌ لِغَيْرِ دَاعٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الْجَمْعِ بِخِلَافِ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنِهِ أُخْتِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَنْعُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مَنْعُ الْقَلْبِ ; لِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ بِمَنْعِ نِكَاحِ ابْنَةِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَيْهِمَا دُونَ إِدْخَالِهِمَا عَلَى الِابْنَةِ لِزِيَادَةِ تَكْرِمَتِهِمَا عَلَى الِابْنَةِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» " فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَيُؤْنِسُهُ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَعَ جَوَازِ الْقَلْبِ ; فَكَانَ التَّكْرَارُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إِلَّا بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ الْوَهْمُ، وَغَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَدَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى قَوْلِ:" «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» "، ثُمَّ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " ثَنَّى بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ بِأَصْلٍ كُلِّيٍّ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ هُوَ وَغَيْرُهُ كَحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَمَّ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةَ الْأُخْرَى، أَوْ يَتَزَوَّجُ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ وَيُولَدُ لَهُمَا بِنْتَانِ فَكُلٌّ مِنَ الْبِنْتَيْنِ خَالَةٌ لِلْأُخْرَى فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ

ص: 2076

الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ ; فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحَكَمِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إِلَى كُلِّ قَرَابَةٍ يَفْرِضُ وَصْلَهَا وَهِيَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ وَبِهِ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَعُثْمَانَ الْبَنَّاءِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ وَدَاوْدَ الظَّاهِرِيِّ فِي إِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ رَجُلٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَهُوَ جَائِزٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَقَالَ: جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ.

ص: 2077

3161 -

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

3161 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَكْسَرُ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ وَفِعْلُهُ فِي الْفَصِيحِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ يَعْلَمُ وَأَهْلُ نَجْدٍ قَالُوهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَذُمُّ عُلَمَاءَ زَمَانِهِ - وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضِعُونَهَا - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَصُّ اللَّبَنِ مِنَ الثَّدْيِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَئِيمُ مَرَاضِعَ أَيْ: يَرْضِعُ غَنَمَهُ وَلَا يَحْلِبُهَا مَخَافَةَ أَنْ يُسْمَعَ صَوْتُ حَلْبِهِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ اللَّبَنُ، وَفِي الشَّرْعِ: مَصَّ الرَّضِيعُ اللَّبَنَ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، فِي الْهِدَايَةِ: إِذَا شَرِبَ صِبْيَانٌ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رِضَاعَ مُحَرَّمٌ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمَ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا (مَا يُحَرَّمُ مِنَ الْوِلَادَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيِ النَّسَبِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْضَ الْمَسَائِلِ وَقَدْ جُمِعَتْ فِي قَوْلِهِ: يُفَارِقُ النَّسَبَ الرِّضَاعُ فِي صُوَرٍ كَأُمٍّ نَافِلَةٍ وَجَدَةِ الْوَلَدِ وَأَمِّ عَمٍّ وَأُخْتِ ابْنٍ وَأُمِّ أَخٍ وَأُمِّ خَالٍ عَمَّةِ ابْنٍ اعْتَمَدِ ثُمَّ قَالَ طَائِفَةٌ: هَذَا الْإِخْرَاجُ تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا ; لِأَنَّهُ أَحَالَ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ تَحْرِيمِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَأَخَوَاتِكُمْ وَعَمَّاتِكُمْ وَخَالَاتِكُمْ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ فَمَا كَانَ مِنْ مُسَمَّى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَحَقِّقًا فِي الرِّضَاعِ حَرُمَ فِيهِ وَالْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مُسَمَّى تِلْكَ فَكَيْفَ تَكُونُ مَخْصُوصَةً وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاوَلَةٍ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الرِّضَاعِ كَحُرْمَةِ النَّسَبِ فِي الْمَنَاكَحِ فَإِذَا أَرْضَعَتِ الْمَرْأَةُ رَضِيعًا يَحْرُمُ عَلَى الرَّضِيعِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ أَقَارِبِ الْمُرْضِعَةِ كُلُّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِهَا مِنَ النَّسَبِ وَلَا تَحْرُمُ الْمُرْضِعَةُ عَلَى أَبِي الرَّضِيعِ وَلَا عَلَى أَخِيهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَمُّ أُخْتِكَ مِنَ الرِّضَاعِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ أَمًّا لَكَ وَلَا زَوْجَةَ أَبِيكَ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الرِّضَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي النَّسَبِ أَمُّ أُخْتٍ إِلَّا وَهِيَ أَمٌّ لَكَ أَوْ زَوْجَةٌ لِأَبِيكَ، وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ نَافِلَتُكَ مِنَ الرِّضَاعِ إِذَا لَمْ تَكُنِ ابْنَتَكَ أَوْ زَوْجَةَ ابْنِكَ وَلَا جَدَّةُ وَلَدِكَ مِنَ الرِّضَاعِ إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّكَ أَوْ أُمَّ زَوْجَتِكَ وَلَا أُخْتُ وَلَدَكَ مِنَ الرِّضَاعِ إِذَا لَمْ تَكُنِ ابْنَتَكَ أَوْ رَبِيبَتَكَ قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَةَ إِذَا أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ الزِّنَا رَضِيعًا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ الزَّانِي وَأَهْلِ نَسَبِهِ كَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، قَالَ النَّوَوِيُّ:" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ النِّكَاحُ وَيَحُلُّ النَّظَرُ وَالْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ لَكِنْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُمُورِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَإِلَّا يَسْقُطُ عَنْهَا الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " نُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الصَّحِيحِ أَفْتَى فِي بُخَارَا بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا شَاهً فَاجْتَمَعَ عُلَمَاؤُهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ "، وَمَنْ لَمْ يُدَقِقْ نَظَرَهُ فِي مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَحُكْمِهَا كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَهُوَ لِدَةُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا مَعًا وِلِدَا فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ عَامُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اه، فَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ص: 2077

3162 -

«وَعَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ قَالَ: إِنَّهُ عَمَّكِ فَأْذَنِي لَهُ، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3162 -

(وَعَنْهَا أَيْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ) هُوَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بِقَافٍ وَعَيْنٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا كَذَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ أُمَّ أَبِيهَا أَرْضَعَتْ أَبَاهَا لَكِنَّ قَوْلَهَا بِمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ يُبَيِّنُ أَنَّ الرَّجُلَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهَا فَدَعَتْهُ الْعَمَّ هَذَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ اخْتِلَافٌ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ هُوَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ وَكُنْيَتُهُ أَفْلَحُ أَبُو الْجَعْدِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَحْرُمُ حَتَّى تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ فِي جِهَةِ صَاحِبِ اللَّبَنِ كَمَا تَثْبُتُ مِنْ جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَثْبَتَ عُمُومَةَ الرِّضَاعِ وَأَلْحَقَهَا بِالنَّسَبِ (فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ) بِالْمَدِّ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: عَنْ جَوَازِ دُخُولِهِ عَلَيَّ (فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: أَنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ) أَيْ: بِالدُّخُولِ عَلَيْكِ (قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ) أَيْ: حَصَلَتْ فِي الرَّضَاعَةِ فِي جِهَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ فَكَأَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تَسْرِى إِلَى الرِّجَالِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ) أَيْ: فَلْيَدْخُلْ (عَلَيْكِ) ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا وَتَأَيْيِدًا (وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ) أَيْ: بَعْدَ مَا أُمِرْنَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ بِضَرْبِ الْحِجَابِ وَوَضْعِ النِّقَابِ عِنْدَ الْأَجَانِبِ دُونَ الْأَقَارِبِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

) .

ص: 2078

3163 -

«وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ عَمِّكَ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي مَنِ الرَّضَاعَةِ وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3163 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ) أَيْ: رَغْبَةٌ (فِي بِنْتِ عَمِّكَ حَمْزَةَ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَكَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَفِي مُتَعَلِّقٍ بِهِ أَيْ هَلْ لَدَيْكَ رَغْبَةٌ فِيهَا (فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ) أَيْ: أَحْسَنُ بَنَاتٍ وَأَكْمَلُ شَوَابٍّ (فِي قُرَيْشٍ) فَضْلًا عَنْ بَنِي هَاشِمٍ (قَالَ لَهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي مَنِ الرَّضَاعَةِ) أَرْضَعَتْهُمَا ثُوَيْبَةُ فِي زَمَانَيْنِ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أَسَنُّ مِنْهُ وَثُوَيْبَةُ مُصَغَّرًا مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، قَالَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله: نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَمْ تُرْضِعْهُ عليه الصلاة والسلام امْرَأَةٌ إِلَّا أَسْلَمَتْ، قَالَ: وَمُرْضِعَاتُهُ أَرْبَعٌ أُمُّهُ وَقَدْ وَرَدَ إِحْيَاؤُهَا وَإِيمَانُهَا فِي حَدِيثٍ وَحَلِيمَةُ وَثُوَيْبَةُ وَأُمُّ أَيْمَنَ (وَأَنَّ اللَّهَ) رُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ص: 2078

3164 -

وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ» .

ــ

3164 -

(وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ) أَيِ: امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةٍ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يُقَالُ: إِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ (قَالَتْ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُحَرِّمُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ فِي نُسْخِ الْمَصَابِيحِ (أَوِ الرَّضْعَتَانِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوْدُ: إِنَّ الثَّلَاثَ مُحَرِّمَةٌ بِنَاءً عَلَى مَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَفْهُومِ الْعَدَدِ ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ أَيْضًا.

ص: 2078

3165 -

وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَ: لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ أَوِ الْمَصَّتَانِ.

ــ

3165 -

(وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَ: لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ) .

ص: 2078

3166 -

وَفِي أُخْرَى لِأُمِّ الْفَضْلِ قَالَ: لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ أَوِ الْإِمْلَاجَتَانِ. هَذِهِ رِوَايَاتٌ لِمُسْلِمٍ.

ــ

3166 -

(وَفِي أُخْرَى لِأُمِّ الْفَضْلِ قَالَ: لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ) الْمَلْجُ الْمَصُّ يُقَالُ: مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهَ وَأَمْلَجَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيَّهَا وَالْإِمْلَاجَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ (هَذِهِ) أَيْ: الثَّلَاثُ (رِوَايَاتٍ لِمُسْلِمٍ) وَالرِّوَايَةُ الْوُسْطَى نَسَبَهَا السُّيُوطِيُّ إِلَى أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَإِلَى النَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ عَنِ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنَ الرِّضَاعِ فِي مُدَّةِ الرِّضَاعِ وَهُوَ حَوْلَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَحَوْلَانِ وَنِصْفٌ عِنْدٍ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَيِّدَ إِطْلَاقَ الْكِتَابِ وَلِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُحَرِّمُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ

ص: 2078

3167 -

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3167 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَفَتَحَ الضَّادَ (مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) أَيْ: مُشْبِعَاتٌ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا (فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ) أَيْ: آيَةُ خَمْسِ رَضَعَاتٍ (فِيمَا يُقْرَأُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِنَ الْقُرْآنِ) تَعْنِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَى الرَّسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَمَانِ الْوَحْيِ فَكَيْفَ بَعْدُ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَتْ بِذَلِكَ قُرْبَ زَمَانِ الْوَحْيِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ تِلَاوَتَهَا قَدْ كَانَتْ بَاقِيَةً فَتَرَكُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ قَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ عَنِ الِاخْتِلَالِ وَالنُّقْصَانِ وَتَوَلَّى حِفْظَهُ وَضِمْنَ صِيَانَتِهِ فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَالَ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] فَلَا يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ آيَةٌ وَلَا أَنْ يَنْخَرِمَ حَرْفٌ كَانَ يُتْلَى فِي زَمَانِ الرِّسَالَةِ إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْهُ، قَالَ الْأَشْرَفُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ عَائِشَةِ وَهُوَ (فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ) عَائِدٌ إِلَى عَشْرِ رَضَعَاتٍ وَحِينَئِذٍ احْتَاجَ الشَّيْخُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَقُومُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِمَنْ قَالَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَحْصُلُ بِأَقَلِّ مِنْ عَشْرِ رَضَعَاتٍ وَلَوْ جَعَلَ الضَّمِيرَ الْمَذْكُورَ عَائِدًا إِلَى خَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ مَعَ قُرْبَةٍ لَقَامَ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَاسْتُغْنِيَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَشْرَ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ وَاسْتَقَرَّ النَّسَخُ وَتَقَرَّرَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهَا فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نَسْخِ الْعَشْرَةِ بِالْخَمْسِ فِي حَالَةِ اسْتِقْرَارِ الْخَمْسِ وَكَوْنِهِ مَقْرُوءًا فِي الْقُرْآنِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْ: أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَّى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنْهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ، وَمَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ كَخَمْسِ رَضَعَاتٍ، وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا، وَمَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ، قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ الْكُلِّ وَإِلَّا لَزِمَ ضَيَاعُ بَعْضِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ فَيَثْبُتُ قَوْلُ الرَّوَافِضِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ فَلَا تَمَسُّكَ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا وَمَا قِيلَ لِيَكُنْ نَسْخَ الْكُلِّ وَيَكُونُ نَسْخَ التِّلَاوَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ وَأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ لَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ ادِّعَاءَ بَقَاءِ حُكْمِ الدَّالِّ بَعْدَ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ نَسْخَ الدَّالِّ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَمَا نَظَرَ بِهِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا فَلَوْلَا مَا عُلِمَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ.

ص: 2079

3168 -

وَعَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي فَقَالَ انْظُرْنَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3168 -

(وَعَنْهَا) أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَإِنَّهُ) أَيْ: النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام (كَرِهَ ذَلِكَ) أَيْ: ذَلِكَ الدُّخُولَ أَوْ ذَلِكَ الرَّجُلَ (فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي) أَيْ: مِنَ الرَّضَاعَةِ (فَقَالَ: انْظُرْنَ) أَيْ: تَفَكَّرْنَ وَاعْرِفْنَ (مِنْ إِخْوَانِكُنَّ) خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ رَضَاعَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ يُرْضِعْنَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِذَا ارْضَعْنَ فَلْيَحْفَظْنَ ذَلِكَ وَلِيُشْهِرْنَهُ وَلِيَكْتُبْنَهُ احْتِيَاطًا ( «فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» ) بِفَتْحِ الْمِيمِ يُرِيدُ أَنَّ الرَّضَاعَةَ الْمُعْتَدَّ بِهَا فِي الشَّرْعِ مَا يَسُدُّ الْجَوْعَةَ وَيَقُومُ مِنَ الرَّضِيعِ مَقَامَ الطَّعَامِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي الصِّغَرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِبَرِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ حَدًّا لَا يَسُدُّ اللَّبَنُ جَوْعَتَهُ وَلَا يُشْبِعُهُ إِلَّا الْخُبْزُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ

ص: 2079

كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ الرِّضَاعِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا حَوْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَوْلَيْنِ تَمَامُ مُدَّتِهَا فَإِذَا انْقَطَعَتِ انْقَطَعَ حُكْمُهَا يُرْوَى مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ حُكْمَ الْحَوْلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُدَّةُ الرِّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَهُوَ عِنْدُ الْأَكْثَرِينَ لِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرِّضَاعِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2080

3169 -

«وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ فَأَتَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ: وَالَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ قَدْ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي، فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا أَرْضَعْتَ صَاحِبَتُنَا، فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ، فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ» .

ــ

3169 -

(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (فَأَتَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا فَقَالَ لَهَا) أَيْ: لِلْمُرْضِعَةِ (عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي) أَيْ: قَبْلَ ذَلِكَ (فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ) أَيْ: أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ (فَسَأَلَهُمْ) أَيْ: عَنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ (فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ) أَيْ: هِيَ (صَاحِبَتُنَا فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ) أَيْ: عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كَيْفَ سُؤَالٌ عَنِ الْحَالِ، وَقَدْ قِيلَ حَالٌ وَهُمَا يَسْتَدْعِيَانِ عَامِلًا يَعْمَلُ فِيهِمَا أَيْ كَيْفَ تُبَاشِرُهَا وَتُفْضِي إِلَيْهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّكَ أَخُوهَا إِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ ذِي الْمُرُوءَةِ وَالْوَرَعِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَوَاقِفَ التُّهَمِ وَالرِّيبَةِ وَإِنْ كَانَ نَقِيَّ الذَّيْلِ بَرِيءَ السَّاحَةِ وَأَنْشَدَ:

قَدْ قِيلَ ذَلِكَ إِنْ صَدَقَا وَإِنْ كَذِبَا

فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ شَيْءٍ إِذَا قِيلَا

قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ إِذْ لَيْسَ هُنَا إِلَّا إِخْبَارُ امْرَأَةٍ عَنْ فِعْلِهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالزَّوْجُ مُكَذِّبٌ لَهَا فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ شَرْعًا، وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ: يَثْبُتُ الرِّضَاعُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَقِيلَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِشَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ وَحَلِفِهَا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ الْمُرْضِعَةِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَنَّهُمَا ارْتَضَعَا مِنَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ فَيُطَلِّقُهَا وَيُعْطِيهَا نِصْفَ الْمَهْرِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَعَلَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرِّضَاعِ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنَ النِّسَاءِ (فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أَمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، قَالَ:«فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنِّي فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: " وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» .

ص: 2080

3170 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقُوا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » أَيْ لَهُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3170 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدُ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ يُصْرَفُ أَوْ لَا يُصْرَفُ اسْمُ مَوْضِعٍ أَوْ بُقْعَةٍ فِي الطَّائِفِ (فَلَقُوا عَدُوًّا) أَيْ: مِنَ الْكُفَّارِ (فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا) أَيْ: غَلَبُوا (عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا) جَمْعُ سَبِيَّةٍ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ وَلَهَا حَالٌ مِنْ سَبَايَا قُدِّمَ لِكَوْنِ ذِي الْحَالِ نَكِرَةً ( «فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا» ) أَيْ: تَجَنَّبُوا وَتَحَرَّزُوا (مِنْ غِشْيَانِهِنَّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ مِنْ مُجَامَعَتِهِنَّ خُرُوجًا عَنِ الْحَرَجِ وَالْإِثْمِ (مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ) أَيْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ لَهُنَّ أَزْوَاجًا ( «مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَالْمُحْصَنَاتُ» ) بِفَتْحِ الصَّادِ بِاتِّفَاقِ الْقُرَّاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (مِنَ النِّسَاءِ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ أَيْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمُحْصَنَاتُ أَيْ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّهُنَّ أَحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] أَيْ: إِلَّا مَا أَخَذْتُمْ مِنْ نِسَاءِ الْكُفَّارِ بِالسَّبْيِ وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِتَبَايُنِ الدَّارِينَ فَتَحِلُّ لِلْغَانِمِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ ( «أَيْ فَهُنَّ لَهُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ» ) أَيْ: بِحَيْضَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] أَيْ مِنَ اللَّوَاتِي لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي دَارِ الْكُفْرِ فَهُنَّ حَلَالٌ لِلْغُزَاةِ وَإِنْ كُنَّ مُزَوَّجَاتٍ وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

وَذَاتُ حَلِيلٍ أَنْكَحْتُهَا رِمَاحُنَا

حَلَالٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطَلَّقِ

قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافَقِيهِ أَنَّ الْمُسْبِيَّةَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ وَالَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تُسْلِمَ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ مَا دَامَتْ عَلَى دِينِهَا وَهَؤُلَاءِ الْمُسْبِيَّاتُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ بَعْدَ السَّبْيِ وَانْقَضَى اسْتِبْرَاؤُهُنَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مِنَ الْحَامِلِ وَبِحَيْضَةٍ مِنَ الْحَائِضِ اه، وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ عَنْهُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّ الْوَثَنِيَّ وَالْعَرَبِيَّ، ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ إِذَا بِيعَتِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْبِيَّاتِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2081

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

3171 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوِ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَالْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَالْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي النَّسَائِيِّ وَرِوَايَتُهُ إِلَى قَوْلِهِ بِنْتِ أُخْتِهَا.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

3171 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تَتَزَوَّجُ (عَلَى عَمَّتِهَا أَوِ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَالْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا أَوِ الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا) تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَلَيْهِ (لَا تُنْكَحُ) نَفْيٌ مَجْهُولٌ وَقِيلَ نَهْيٌ (الصُّغْرَى) أَيْ: بِنْتُ الْأَخِ أَوْ بِنْتُ الْأُخْتِ وَسُمِّيَتْ صُغْرَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ (عَلَى الْكُبْرَى) أَيْ: سِنًّا غَالِبًا أَوْ رُتْبَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالْبَيَانِ لِلْعِلَّةِ وَالتَّأْكِيدِ لِلْحُكْمِ فَلِذَا تَرَكَ الْعَاطِفَ (وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى) كَرَّرَ النَّفْيَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا إِلَخْ ; وَلِذَا لَمْ يَجِئْ بَيْنَهُمَا بِالْعَاطِفِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ الْعَمَّةِ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَالْخَالَةِ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ كَمَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ، قِيلَ: وَعِلَّةُ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَنَّهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ لَظَهَرَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَقَطِيعَةُ رَحِمٍ وَفِي تَعْدِيَتِهِ بِعَلَى إِيمَاءٌ إِلَى الْأَضْرَارِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِ) أَيْ: النَّسَائِيِّ (إِلَى قَوْلِهِ بِنْتِ أُخْتِهَا) أَيْ: بِالتَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقٍ.

ص: 2081

3172 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «مَرَّ بِي خَالِيَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَقُلْتُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ آتِيهِ بِرَأْسِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، وَلِلنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيِّ " «فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ» " وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ " عَمِّي " بَدَلَ " خَالِي "

ــ

3172 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَرَّ بِي خَالِيَ) قِيلَ: وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: مَرَّ بِي عَمِيَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ خَفِيفَةٌ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ (وَمَعَهُ لِوَاءٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ: عَلَمٌ، قَالَ الْمُظْهِرُ: وَكَانَ ذَلِكَ اللِّوَاءُ عَلَامَةَ كَوْنِهِ مَبْعُوثًا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ (فَقُلْتُ: أَيْنَ تَذْهَبُ) أَيْ: تُرِيدُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (قَالَ: بَعَثَنِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا أَيْ أَرْسَلَنِي (النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ وَفِي رِوَايَةٍ نَكَحَ (امْرَأَةَ أَبِيهِ آتِيهِ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (بِرَأْسِهِ) أَيْ: بِرَأْسِ ذَلِكَ الرَّجُلِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَقَالَ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ: لِأَبِي دَاوُدَ (وَلِلنَّسَائِيِّ) أَيْ: بِإِعَادَةِ اللَّامِ مُرَاعَاةً لِلْأَفْصَحِ (وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ «فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ» ) ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُتَزَوِّجَ كَانَ مُسْتَحَلًّا لَهُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَصَارَ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا مُحَارِبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ; فَلِذَلِكَ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتَقِدُ حَلَّ هَذَا النِّكَاحِ، فَمَنِ اعْتَقَدَ حَلَّ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ كَفَرَ وَجَازَ قَتْلُهُ وَأَخْذُ مَالِهِ، وَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكْفُرْ، وَمَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهَا وَاعْتَقَدَ الْحُرْمَةَ فَسَقَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَعُزِّرَ، هَذَا إِذَا لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا دُخُولٌ وَإِلَّا فَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهَا فَهُوَ زَانٍ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الزِّنَا، وَإِنْ جَهِلَ فَهُوَ وَاطِئٌ بِالشُّبْهَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ كَأُمِّهِ أَوِ ابْنَتِهِ فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ رحمهم الله وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرًا مُقَدَّرًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ: يَجِبُ حَدُّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَحَارِمِ رِوَايَةٌ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّهُ يَضْرِبُ عُنُقَهُ " وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَصَرَ ابْنُ حَزْمٍ قَتْلَهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ امْرَأَةَ أَبِيهِ قَصَرَ الْحَدِيثَ الْبَرَاءُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلِأَحْمَدَ " يُضْرَبُ عُنُقُهُ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ "، وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَقَدَ مُسْتَحِلًّا فَارْتَدَّ بِذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ ضَرْبَ الْعُنُقِ وَأَخْذَ الْمَالِ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِلْكُفْرِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَدَّهُ مُعَاوِيَةَ إِلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَيُخَمِّسَ مَالَهُ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَارْتَدَّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالُوا جَازَ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَنَّهُ لِلِاسْتِحْلَالِ أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا (وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ) أَيْ: الْأَخِيرَةِ (قَالَ: عَمِّي بَدَلَ خَالِيَ) وَلَعَلَّ أَحَدَهُمَا مِنَ النَّسَبِ وَالْآخَرَ مِنَ الرَّضَاعَةِ.

ص: 2082

3173 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ فَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

3173 -

(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يُحْرِّمُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (مِنَ الرِّضَاعِ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ (وَإِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيِ الَّذِي شَقَّ أَمْعَاءَ الصَّبِيِّ كَالطَّعَامِ وَقَعَ مِنْهُ مَوْقِعَ الْغِذَاءِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَانِ الرِّضَاعِ وَالْأَمْعَاءِ جَمْعُ مِعًى وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّعَامِ مِنَ الْبَطْنِ كَذَا قِيلَ، وَقَوْلُهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الْغِذَاءِ احْتِرَازًا مِنْ أَنَّ تَقَيُّؤَ الْوَلَدِ اللَّبَنَ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْجَوْفِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ (فِي الثَّدْيِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ فَتَقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [الشعراء: 149] أَيْ كَائِنًا فِي الثَّدْيِ فَائِضًا مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِالِارْتِضَاعِ أَوْ بِالْإِيجَارِ وَلَمْ

ص: 2082

يُرِدْ بِهِ الِاشْتِرَاطَ فِي الرِّضَاعِ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّدْيِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَذِكْرُ الْفَتْقِ وَالْمَعَى وَالثَّدْيِ مَزِيدٌ لِإِرَادَةِ الرِّضَاعِ الْمُؤَثِّرِ تَأْثِيرًا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَكَانَ) أَيْ: الرِّضَاعُ (قَبْلَ الْفِطَامِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ زَمَنَ الْفِطَامِ الشَّرْعِيِّ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ حَتَّى لَوْ فُطِمَ قَبْلَ الْمُدَّةِ ثُمَّ أُرْضِعَ فِيهَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَّ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِذَا فُطِمَ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَصَارَ بِحَيْثُ يَكْتَفِي بِغَيْرِ اللَّبَنِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إِذَا رَضَعَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهَلْ يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ قِيلَ: لَا لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إِلَّا بِالضَّرُورَةِ وَقَدِ انْدَفَعَتْ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي وَأَهْلُ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ لِلَبَنِ الْبِنْتِ أَيِ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِ بِنْتٍ مُرْضِعَةٍ نَفْعًا لِلْعَيْنِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ، وَلَا يُخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مُتَعَذِّرَةٌ فَالْمُرَادُ إِذَا غُلِبَ عَلَى الظَّنِّ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الْمَنْعِ ثُمَّ إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرِّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرِّضَاعِ تَحْرِيمٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ أَبَدًا لِلْإِطْلَاقَاتٍ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَكَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ أَوْ بَعْضَ بَنَاتِ أُخْتِهَا أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسًا وَلِحَدِيثِ سَهْلَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«جَاءَتْ سَهْلَةُ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسًا تَحْرُمِينَ بِهَا عَلَيْهِ» ، إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَكَذَا السُّنَنُ الْمَشْهُورَةُ وَالْجَوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُطْلَقًا مَنْسُوخٌ صَرَّحَ بِنَسْخِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه حِينَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ الرَّضْعَةَ لَا تُحْرِّمُ، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: آلَ أَمْرُ الرَّضَاعَةِ إِلَى أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ ثُمَّ الَّذِي نَجْزِمُ بِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ أَنْ تُشْبِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي خَمْسِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَاتٍ جَائِعًا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُشْبِعُهُ مِنَ اللَّبَنِ رِطْلٌ وَلَا رِطْلَانِ فَأَيْنَ تَجِدُ الْآدَمِيَّةُ فِي ثَدْيِهَا قَدْرَ مَا يُشْبِعُهُ هَذَا مُحَالٌ عَادَةً. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْدُودَ خَمْسٍ فِيهِ الْمَصَّاتُ ثُمَّ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُبَاشِرَ عَوْرَتَهَا بِشَفَتَيْهِ؟ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنْ تَحْلِبَ لَهُ شَيْئًا مِقْدَارَ خَمْسٍ فَيَشْرَبُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ إِذَا عَرَفَتْ هَذَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كَانَ ثُمَّ نُسِخَ بِآثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ تَقَيَّدَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَيْهِ مِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «لَا رِضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي حَوْلَيْنِ» " رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَمِنْهَا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ " «لَا يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَرَ الْعَظْمَ» " يُرْوَى بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَحْيَاهُ، وَبِالزَّايِ أَيْ رَفَعَهُ، وَبِزِيَادَةِ الْحَجْمِ يَرْتَفِعُ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: إِنِّي مَصَصْتُ عَنِ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي. قَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أَرَاهَا إِلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: انْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا كَانَ فِي حَوْلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. هَذِهِ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ. فَرُجُوعُهُ إِلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ النُّصُوصِ الْمُطْلِقَةِ وَعَمَّا أَفْتَاهُ بِالْحُرْمَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِذِكْرِهِ النَّاسِخِ لَهُ أَوْ لِتَذَكُّرِهِ عِنْدَهُ وَغَيْرِ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْبَيْنَ ذَلِكَ وَيَقُلْنَ: لَا نَرَى هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا رُخْصَةً لِسَهْلَةَ خَاصَّةً. وَلَعَلَّ سَبَبَهُ مَا تَضَمَّنُهُ مِمَّا خَالَفَ أُصُولَ الشَّرْعِ حَيْثُ يَسْتَلْزِمُ مَسَّهُ عَوْرَتِهَا بِشَفَتَيْهِ فَحَكَمْنَ بِأَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ، وَقِيلَ يُشْبِهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَجَعَتْ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ فَكُنْتُ أُصِيبُهَا فَعَمَدَتِ امْرَأَتِي إِلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: دُونَكَ قَدْ وَاللَّهِ أَرْضَعْتُهَا قَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَائِتِ جَارِيَتَكَ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصِّغَرِ.

ص: 2083

3174 -

وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرِّضَاعِ؟ فَقَالَ: غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

3174 -

(وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْحَجَّاجِ الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ ثَقَفِيٌّ ( «أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُذْهِبُ عَنِّي» ) أَيْ: يُزِيلُ (مَذَمَّةَ الرِّضَاعِ) أَيْ: حَقَّ الْإِرْضَاعِ أَوْ حَقَّ ذَاتِ الرِّضَاعِ، فِي الْفَائِقِ: الْمَذَمَّةُ وَالذِّمَامُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ الْحَقُّ وَالْحُرْمَةُ الَّتِي يُذَمُّ مُضَيِّعُهَا، يُقَالُ: رَعَيْتُ ذِمَامَ فُلَانٍ وَمَذِمَّتَهُ وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَذَمَّةُ بِالْكَسْرِ الذِّمَامُ وَبِالْفَتْحِ الذَّمُّ، قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ يُسْقِطُ عَنِّي حَقَّ الْإِرْضَاعِ حَتَّى أَكُونَ بِأَدَائِهِ مُؤَدِّيًا حَقَّ الْمُرْضِعَةِ بِكَمَالِهِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَرْضِخُوا لِلظِّئْرِ بِشَيْءٍ سِوَى الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْفِصَالِ وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ (فَقَالَ غُرَّةٌ) أَيْ: مَمْلُوكٌ (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٍ، وَقِيلَ: الْغُرَّةُ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْأَبْيَضِ مِنَ الرَّقِيقِ، وَقِيلَ: هِيَ أَنْفَسُ شَيْءٍ يُمْلَكُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْغُرَّةُ الْمَمْلُوكُ وَأَصْلُهَا الْبَيَاضُ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِأَكْرَمِ كُلِّ شَيْءٍ كَقَوْلِهِمْ غُرَّةُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ. وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ الْمَمْلُوكُ خَيْرَ مَا يُمْلَكُ سُمِّيَ غُرَّةً، وَلَمَّا جَعَلَتِ الظِّئْرُ نَفْسَهَا خَادِمَةً جُوزِيَتْ بِجِنْسِ فِعْلِهَا اه، وَلِذَا قِيلَ: مَنْ خَدَمَ خُدِمَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 2084

3175 -

وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ الْغَنَوِيِّ، قَالَ:«كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ حَتَّى قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا ذَهَبَتْ قِيلَ: هَذِهِ أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم» -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3175 -

(وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ) مُصَغَّرًا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ الْكِنَانِيُّ غَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ، أَدْرَكَ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِ سِنِينَ وَمَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَاثْنَتَيْنِ بِمَكَّةَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (الْغَنَوِيِّ) بِفَتْحِهِمَا (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ) بِلَا أَلِفٍ ( «أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ» ) أَيْ: تَعْظِيمًا لَهَا وَانْبِسَاطًا بِهَا ( «حَتَّى قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا ذَهَبَتْ» ) أَيْ: وَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ إِكْرَامِهِ إِيَّاهَا وَقَبُولِهَا الْقُعُودَ عَلَى رِدَائِهِ الْمُبَارَكِ (قِيلَ: هَذِهِ أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) فِي الْمَوَاهِبِ: أَنْ حَلِيمَةَ جَاءَتْهُ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَامَ إِلَيْهَا وَبَسَطَ رِدَاءَهُ لَهَا وَجَلَسَتْ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2084

3176 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ السَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

3176 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ غَيْلَانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ (ابْنَ سَلَمَةَ) وَفِي نُسْخَةٍ سَلَامَةَ ( «الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ) أَيْ: اتْرُكْ بَاقِيهِنَّ، قَالَ الْمُظْهِرُ: وَفِيهِ أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ حَتَّى إِذَا أَسْلَمُوا لَمْ يُؤَمَّرُوا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي نِكَاحِهِمْ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَأَنَّهُ إِذَا قَالَ اخْتَرْتُ فُلَانَةً وَفُلَانَةً لِلنِّكَاحِ ثَبَتَ نِكَاحُهُنَّ وَحَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سِوَى الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ اخْتَرْتُ فُلَانَةً مَثَلًا، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِهَذَا نَأْخُذُ يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَيَّتَهُنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فَقَالَ الْأَرْبَعُ الْأُوَلُ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رحمه الله قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ، وَقَالُوا: إِذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كَيْلَا يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا، وَأَجَازَ الرَّوَافِضُ تِسْعًا مِنَ الْحَرَائِرِ وَنُقِلَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَجَازَ الْخَوَارِجُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ إِبَاحَةُ أَيْ عَدَدٍ شَاءَ بِلَا حَصْرٍ، وَوُجُوهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَبْسُوطَةٌ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصَّ عَلَى التَّخْصِيصِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2084

3177 -

وَعَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:«أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا. فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً عِنْدِي عَاقِرٍ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا» . رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ــ

3177 -

وَعَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَيِ الدِّيلِيِّ بِكَسْرِ الدَّالِّ وَسُكُونِ الْيَاءِ، قِيلَ: إِنَّهُ عَمَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ سَنَةً وَفِي الْإِسْلَامِ سِتِّينَ وَقِيلَ: بَلْ عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ فَتْحُ مَكَّةَ وَكَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ ( «قَالَ أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا فَعَمَدْتُ» ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قَصَدْتُ ( «إِلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً عِنْدِي عَاقِرٍ» ) بِالْجَرِّ صِفَةُ أَقْدَمِهِنَّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: بَدَلٌ مِنْهُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ إِضَافَةَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ غَيْرُ مَحْضَةٍ وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ اللُّبَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [البقرة: 96] وَقَوْلُهُمْ مَرَرْتُ بِرِجْلٍ أَفْضَلِ النَّاسِ أَيْ مِنَ النَّاسِ عَلَى إِثْبَاتٍ مِنْ أَيْ غَيْرِ وَلُودٍ ( «مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا رَوَاهُ» ) أَيْ: الْبَغْوِيِّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) .

ص: 2085

3178 -

وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، قَالَ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

3178 -

(وَعَنِ الضَّحَّاكِ) بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ (ابْنِ فَيْرُوزٍ) بِفَتْحِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ (الدَّيْلَمِيِّ) تَابِعِيٌّ (عَنْ أَبِيهِ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ فَيْرُوزٌ الدَّيْلَمِيُّ وَيُقَالُ لَهُ الْحِمْيَرِيُّ لِنُزُولِهِ بِحِمْيَرَ وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ مِنْ فُرْسِ صَنْعَاءَ وَكَانَ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَاتِلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِالْيَمَنِ قُتِلَ فِي آخِرِ أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَصَلَهُ خَبَرُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ الضَّحَّاكُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُمَا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (قَالَ:«قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، قَالَ: اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» ) قَالَ الْمُظْهِرُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ وَأَسْلَمَتَا مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إِحْدَاهُمَا سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُخْتَارَةُ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا أَوْ آخِرًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: إِنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا مُتَعَاقِبَتَيْنِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْأَخِيرَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2085

3179 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَعَلِمَتْ، بِإِسْلَامِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ، وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ» . وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3179 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا» ) أَيِ: الْأَوَّلُ ( «إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي» ) أَيْ: وَمَعَ هَذَا تَزَوَّجَتْ ( «فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَوْجِهَا الْآخِرِ» ) بِكَسْرِ الْخَاءِ ( «وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ» ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا ادَّعَتِ الْفِرَاقَ عَلَى الزَّوَاجِ بَعْدَ مَا عُلِمَ بَيْنَهُمَا النِّكَاحَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ نَكَحَتْ آخَرَ أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَيْنَنَا بَاقٍ وَقَالَتْ بَلْ أَسْلَمَ أَحَدُنَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنِنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ادَّعَى أَنَّهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ (وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهَا أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ) وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذَا الْحُكْمِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرُوِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَرَوَى بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ.

ص: 2085

3180 -

وَرُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: «أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ النِّسَاءِ رَدَّهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامَيْنِ بَعْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ. مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ مُغِيرَةَ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ فَلَمَّا قَدِمَ جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْيِيرَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى أَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ، وَأَسْلَمَتْ أَمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أَمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا» . رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلًا.

ــ

3180 -

(فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: «إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ النِّسَاءِ رَدَّهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامَيْنِ» ) أَيْ: إِسْلَامَيِ الزَّوْجَيْنِ (بَعْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ) قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي إِذَا أَسْلَمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثَبَتَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ كَالْكِتَابَيْنِ وَالْوَثَنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَانَ عَلَى دِينٍ وَالْآخَرُ عَلَى دِينٍ وَسَوَاءٌ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ فِي الْآخَرِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ أَوْ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْآخَرِ مَعَ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ أَوْ بِنَقْلِ أَحَدِهِمَا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارِ لَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحْدُثْ نِكَاحًا وَكَانَ قَدِ افْتَرَقَ بَيْنَهُمَا الدَّارُ» ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَلْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا، وَفِي أَنَّ السَّبْيَ هَلْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ أَمْ لَا، فَقُلْنَا: لَا، وَقَالَ: نَعَمْ، وَقَوْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيَتَفَرَّعُ أَرْبَعُ صُوَرٍ: وَفَاقِيَّتَانِ ; وَهُمَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ إِلَيْنَا مَعًا ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْتَأْمِنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا وَلَوْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا عِنْدَهُ لِلسَّبْيِّ وَعِنْدَنَا لِلتَّبَايُنِ، وَخِلَافِيَّتَانِ أَحَدُهُمَا مَا إِذَا خَرَجَ أَحَدَاهُمَا إِلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا عِنْدَنَا تَقَعُ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَالِ وَبِأُخْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَّا فِي الْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مُرَاغَمَةً لِزَوْجِهَا أَيْ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّهِ فَتَبِينُ عِنْدَهُ بِالْمُرَاغَمَةِ، وَالْأُخْرَى مَا إِذَا سُبِيَ الزَّوْجَانِ مَعًا فَعِنْدَهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ فَلِلسَّابِّيِّ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَعِنْدَنَا لَا تَقَعُ لِعَدَمِ تَبَايُنِ دَارَيْهِمَا اه، وَالْأَدِلَّةُ وَالْأَجْوِبَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَبْسُوطَةٌ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ فَعَلَيْكَ بِهَا إِنْ تُرِدِ النِّهَايَةَ (فَهُنَّ) أَيْ: مِنَ الْأَزْوَاجِ الَّتِي رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ (بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ مُغِيرَةَ) وَفِي نُسْخَةِ الْمُغِيرَةِ (كُنْتُ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) بِالتَّصْغِيرِ (فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: مُمْتَنِعًا عَنْهُ (فَبَعَثَ) أَيْ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِلَيْهِ ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) الظَّاهِرُ بِرِدَائِهِ فَوُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَفِي نُسْخَةٍ فَبُعِثَ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ وَرَفْعِ مَا بَعْدَهُ فَلَا إِشْكَالَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ بِرِدَائِهِ وَلَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ لِأَنَّ الْبَاعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَبْعُوثَ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، ذُكِرَ فِي الِاسْتِيعَابِ: كَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ اسْتَأْمَنَ لِصَفْوَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ هَرَبَ هُوَ وَابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَأَمَّنَهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَائِهِ أَمَانًا لِصَفْوَانَ أَيْ مِنْ قَتْلِهِ وَتَعَرُّضِهِ (فَلَمَّا قَدِمَ) أَيْ: صَفْوَانُ (جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْيِيرَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِضَافَةُ الْمُصَدِّرِ إِلَى الظُّرُوفِ عَلَى الِاتِّسَاعِ كَقَوْلِهِ يَا سَارِقَ اللَّيْلَةِ اه، وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ السَّيْرِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: سَيَّرَهُ مِنْ بَلَدِهِ أَيْ أَخْرَجَهُ وَأَجْلَاهُ وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ تَمْكِينُهُ مِنَ السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ آمِنًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَنْظُرَ فِي سِيرَتِهِمْ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] حَتَّى يَأْخُذُوا حَذَرَهُمْ وَيَسِيحُوا فِي أَرْضِ اللَّهِ حَيْثُ شَاءُوا فَيَنْظُرُوا فِي حَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَبِثَ فِيهِمْ زَمَانًا فَرَزَقَهُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ (حَتَّى أَسْلَمَ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: بَعْدَ إِسْلَامِ زَوْجَتِهِ بِشَهْرَيْنِ (فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَوْ بِنِكَاحٍ مُجَدَّدٍ فَلَا يَصْلُحُ

ص: 2086

لِلِاسْتِدْلَالِ مَعَ عَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُصُولِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ (وَأَسْلَمَتْ أَمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: مِنْ قُوَّةِ أَهْلِهِ وَشَوْكَتِهِمْ مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ (حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أَمُّ حَكِيمٍ) أَيْ: سَافَرَتْ وَرَاءَهُ (حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ) أَيْ: فِيهَا (فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَإِنَّمَا هَرَبَ إِلَى السَّاحِلِ وَهُوَ مِنْ حُدُودِ مَكَّةَ فَلَمْ تَتَبَايَنْ دَارُهُمْ، وَأَمَّا مَا اسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مُعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ أَتَى بِهِ الْعَبَّاسُ وَزَوْجَتُهُ هِنْدُ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ إِذْ ذَاكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا عليه الصلاة والسلام بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِمَا فَالْحَقُّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ بَلْ وَلَا بَعْدَ الْفَتْحِ وَهُوَ شَاهَدَ حُنَيْنًا عَلَى مَا تُفِيدُهُ السِّيَرُ الصَّحِيحَةُ مِنْ قَوْلِهِ حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ: لَا تَرْجِعُ هَزِيمَتُهُمْ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْأَزْلَامَ كَانَتْ مَعَهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا نُقِلَ مِنْ كَلَامِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَإِنَّمَا حَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رضي الله عنه وَالَّذِي كَانَ إِسْلَامُهُ حَسَنًا حِينَ أَسْلَمَ هُوَ أَبُو سَيْفَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَوْجِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَرَكَتْهُ بِمَكَّةَ عَلَى شِرْكِهِ ثُمَّ جَاءَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: سِتٍّ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ: إِنَّمَا رَدَّهُ عليه الصلاة والسلام بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْجَمْعُ إِذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إِهْدَارِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنًى بِسَبَبِ سَبْقِهِ مُرَاعَاةً لِحُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ: رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مَعْنَاهُ عَلَى مِثْلِهِ، لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ، هَذَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُثَبَتٌ، وَعَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ نَافٍ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى الْأَصْلِ، وَأَيْضًا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ زَيْنَبَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنَّهَا أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ حِينَ دَعَا، صلى الله عليه وسلم، خَدِيجَةَ وَبَنَاتِهِ ; فَقَدِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبَيَّنَ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِرَارًا وَوُلِدَتْ، وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ حِينَ خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ وَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ وَاسْتَمَرَّ أَبُو الرَّبِيعِ عَلَى شِرْكِهِ إِلَى مَا قَبْلَ الْفَتْحِ، فَخَرَجَ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ فَأَخَذَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا ثُمَّ دَخَلَ بِلَيْلٍ عَلَى زَيْنَبَ فَأَجَارَتْهُ ثُمَّ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّرِيَّةَ فَرَدُّوا مَالَهُ فَاحْتَمَلَ إِلَى مَكَّةَ فَأَدَّى الْوَدَائِعَ، وَمَا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَضَعُونَهُ مَعَهُ وَكَانَ رَجُلًا أَمِينًا كَرِيمًا فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ عَلَقَةٌ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ لَا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنَ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخَوُّفٌ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إِلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذُكِرَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَذَلِكَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ ; فَإِنَّمَا ذَاكَ مِنْ وَقْتٍ فَارَقَتْهُ بِالْأَبْدَانِ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَقَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ لِأَنَّهَا إِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ آمَنَتْ فَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إِلَى إِسْلَامِهِ وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ نَزَلَتْ {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فَأَكْثَرُ مِنْ عُشْرِ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ حَابِسَهَا قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أُسِرَ فِيمَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَرْسَلَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَائِهِ قِلَادَةً كَانَتْ خَدِيجَةُ أَعْطَتْهَا إِيَّاهَا فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهَا وَأَطْلَقَهُ لَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جَهَّزَهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

ص: 2087

وَسَلَّمَ، كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ وَاتَّفَقَ فِي مَخْرِجِهَا مَا اتَّفَقَ مِنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ اثْنَانِ وَبِهِ نَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ عَلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ كَمَا هُوَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَوَجَبَ تَأْوِيلُ رِوَايَةٍ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاعْلَمْ أَنَّ بَنَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَتَّصِفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِكُفْرٍ لِيُقَالَ آمَنَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً، فَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ قَطُّ نَبِيًّا أَشْرَكَ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَلَزِمَ أَنَّهُنَّ لَمْ تَكُنْ إِحْدَاهُنَّ قَطُّ إِلَّا مُسْلِمَةً، نَعَمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْإِسْلَامُ اتِّبَاعَ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْ حَيْثُ وَقَعَتِ الْبِعْثَةُ لَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ إِلَّا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ وَمِنْ أَوَّلِ ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَوْلَادِهِ لَمْ تَتَوَقَّفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَأَمَّا سَبَايَا أَوَطَاسٍ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ، وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تُفِيدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:«أَصَبْنَا سَبَايَا أَوَطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فَالْجَوَابُ: مَنْعُ وُجُودِ التَّبَايُنِ لِأَنَّ الْمُدَّعَيَ عَلَيْهِ مِنْهُ هُوَ التَّبَايُنُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ يَصِيرُ الْكَائِنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقَسَّمَ مِيرَاثُهُ وَالْكَائِنُ فِي دَارِنَا مَمْنُوعٌ مِنَ الرُّجُوعِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَإِذَا كَانَ فَإِذَا كَافَأْنَا مَا ذَكَرَ بَقِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى اللَّازِمِ لِلتَّبَايُنِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ عَالِمًا مِنَ الْمُعَارِضِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَدَلِيلُ السَّمْعِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إِلَى قَوْلِهِ {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَقَدْ أَفَادَ مِنْ ثَلَاثِ نُصُوصٍ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ اقْتِضَائِيٍ وَهُوَ {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ} [الممتحنة: 10](رَوَاهُ مَالِكٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِمَّا رُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَكِنَّ دَأْبَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْسُبُ الْحَدِيثَ إِلَى شَرْحِ السُّنَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُخْرِجِينَ أَسْنَدَهُ ; فَالْأَظْهَرُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ قَوْلُهُ مِنْهُنَّ إِلَخْ وَهَذَا أَقْرَبُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) أَيْ: الزُّهْرِيِّ (مُرْسَلًا) أَيْ: بِحَذْفِ الصَّحَابَةِ قِيلَ فَلَمَّا رَأَى صلى الله عليه وسلم عِكْرِمَةَ وَوَثَبَ إِلَيْهِ فِرَحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ عَلَى أَنْ بَايَعَهُ وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِمِيرَكِ شَاهْ قَدْ قَامَ صلى الله عليه وسلم لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ كَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -.

ص: 2088

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3181 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حُرِّمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ ثُمَّ قَرَأَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)

3181 -

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حُرِّمَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَجْهُولٌ أَيْ جُعِلَ حَرَامًا (مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ) أَيْ: نِسْوَةٌ وَهُنَّ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَالْأُخْتُ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ (وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ) فِي النِّهَايَةِ صَهَرَهُ وَاصْهَرَهُ إِذَا قَرَّبَهُ وَأَدَنَا هُوَ الصِّهْرَ حَرَمَهُ التَّزْوِيجَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَبِ أَنَّ النَّسَبَ مَا رَجَعَ إِلَى وِلَادَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالصِّهْرِ مَا كَانَ مِنْ خَلْطَةٍ يُشْبِهُ الْقَرَابَةَ يُحْدِثُهَا التَّزَوُّجُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُحَرَّمُ عَلَى التَّأْيِيدِ مِنَ الصِّهْرِ أُمُّ الزَّوْجَةِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ وَابْنُ الِابْنِ وَالِابْنَةِ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَبِنْتُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا عَلَى التَّأْيِيدِ أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا اه، وَفِيهِ إِنَّ عَمَّتَهَا وَخَالَتَهَا غَيْرُ مَفْهُومَتَيْنِ مِنَ الْآيَةِ أَوْ كَذَا زَوْجَةُ الْأَبِ مِنْهَا بَلْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِشْهَادُ بِهَا بِقَوْلِهِ ثُمَّ قَرَأَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادٌ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ لَكِنْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الصِّهْرِ تَغْلِيبًا وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْمُحْرِمَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَهُنَّ سَبْعٌ مِنَ النَّسَبِ وَسَبْعٌ مِنَ النَّسَبِ اه، فَعَلَى هَذَا كُلٌّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَفْهُومٌ مِنَ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالسَّبْعُ السَّبْيُ هِيَ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ الرِّضَاعِيَّتَانِ وَأُمُّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُهَا وَامْرَأَةُ الِابْنِ وَأُخْتُ الزَّوْجَةِ وَالْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) أَيْ: مَوْقُوفًا.

ص: 2088