الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُنْصَرِفٍ وَقَدْ يُصْرَفُ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ التَّنْعِيمِ بَنَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ، وَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ عَجَائِبِ التَّوَارِيخِ وَقَعَ الْهَنَاءُ وَالْعَزَاءُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرِيقِ. (قَالَ) : أَيِ: ابْنُ عَبَّاسٍ (هَذِهِ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا) : بِضَمِّ التَّاءِ فِيهِمَا أَيْ لَا تُعَجِّلُوهَا وَلَا تُحَرِّكُوهَا بِقُوَّةٍ. (وَارْفُقُوا بِهَا) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيِ الْطُفُوا بِهَا، وَعَظِّمُوا شَأْنَهَا (فَإِنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنَ ( «كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ كَانَ يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ» ) : أَيْ: لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا قَالَ الطِّيبِيُّ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ أَيْ مِنَ اللَّوَاتِي كَانَ يَهْتَمُّ صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِنَّ فَيَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْوِيَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَهْمٌ، بَلْ إِنَّمَا هِيَ سَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَهَبَتْ يَوْمَهَا، وَالْغَلَطُ فِيهِ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَعَلَّ رِوَايَتَهُ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] قِيلَ إِنَّ الَّتِي أَرْجَاهَا سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَصَفِيَّةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ، وَالَّتِي أَوَى عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ وَحَفْصَةُ وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَوَى إِلَى جَمِيعِهِنَّ إِلَّا صَفِيَّةَ أَرْجَاهَا وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَأَخْبَرَ عَطَاءٌ عَنْ آخِرِ الْأَمْرِ (وَكَانَتْ) : أَيْ: صَفِيَّةُ (آخِرِهُنَّ مَوْتًا مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ) : أَيْ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ وَمَاتَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: سِتٍّ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَمَاتَتْ عَائِشَةُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَتْ سَوْدَةُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَتْ حَفْصَةُ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمَاتَتْ زَيْنَبُ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَمَاتَتْ جُوَيْرِيَةُ سَنَةَ خَمْسِينَ، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَدِيجَةَ رضي الله عنها مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَوْنُ صَفِيَّةَ آخِرَهُنَّ مَوْتًا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ جُعِلَ ضَمِيرُ " كَانَتْ " رَاجِعًا إِلَى مَيْمُونَةَ فَلَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ " مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ " فَلَا يَخْلُو الْكَلَامُ عَنِ الْإِشْكَالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ رَزِينٌ قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ هِيَ) : أَيِ: الَّتِي كَانَ لَا يَقْسِمُ لَهَا (سَوْدَةُ وَهُوَ) : أَيْ: هَذَا الْقَوْلُ (أَصَحُّ) : أَيْ: مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ هِيَ صَفِيَّةُ (وَهَبَتْ) : أَيْ: سَوْدَةُ (يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ ( «حِينَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَاقَهَا فَقَالَتْ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَقَدْ وَهَبْتُ يَوْمِي لِعَائِشَةَ لَعَلِّي أَنْ أَكُونَ مِنْ نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ» ) : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُطَلِّقْهَا بِخِلَافِ مَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رحمه الله: بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: اعْتَدِّي، فَسَأَلَتْهُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيَجْعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ لِأَنْ تُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَزْوَاجِهِ» ، وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بَلْ أَنَّهَا جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَالَّذِي فِي الْمُسْتَدْرَكِ يُفِيدُ عَدَمَهُ، وَهُوَ مَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَوْدَةُ: حِينَ اسْتَنَّتْ وَفَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفِيهَا وَفِي أَشْبَاهِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] الْآيَةَ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَيُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَالِي إِلَى الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ، قَالَ: فَرَاجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» ، اهـ. وَهُوَ مُرْسَلٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ بَلْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ فَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَافَتْ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْحَالُ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ فَيُفَارِقَهَا، وَلَا يُنَافِيهِ بَلَاغُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْكِنَايَاتِ " اعْتَدِّي "، وَالْوَاقِعُ بِهَذِهِ الرَّجْعِيُّ لَا الْبَائِنُ.
[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3238 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسْرَتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ) :
الْعِشْرَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِمَعْنَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ، قَالَ تَعَالَى جل جلاله:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] وَقَالَ عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] .
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3238 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: السِّينُ لِلطَّلَبِ أَيِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي حَقِّهِنَّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جل جلاله {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 89] فَنَقَلَ بَاءَ بِخَيْرٍ مِنْهُ إِلَى النِّسَاءِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الِاسْتِيصَاءُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ، اهـ. وَالْمَقْصُودُ الْمُدَارَةُ مَعَهُنَّ، وَقَطْعُ الطَّمَعِ عَنِ اسْتِقَامَتِهِنَّ، وَالثَّبَاتُ مَعَ اعْوِجَاجِهِنَّ، كَمَا قِيلَ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِنَّ أَهْوَنُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى النَّارِ، قَالَ تَعَالَى جل جلاله، {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25] أَيْ عَلَيْهِنَّ أَوْ عَنْهُنَّ (فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ) : بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَاحِدُ الْأَضْلَاعِ وَهُوَ عَظْمٌ مُعْوَجٌّ اسْتُعِيرَ لِلْمُعْوَجِّ صُورَةً أَوْ مَعْنًى، أَيْ خُلِقْنَ خَلْقًا فِيهِ اعْوِجَاجٌ فَكَأَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ أَصْلٍ مُعْوَجٍّ، وَقِيلَ: ذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُنَّ أَوَّلَ النِّسَاءِ وَهِيَ حَوَّاءُ خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَجِ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الضِّلَعُ الْأَعْلَى، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَهُنَّ مِمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُنَّ، فَلَا يَتَهَيَّأُ الِانْتِفَاعُ بِهِنَّ إِلَّا بِمُدَارَاتِهِنَّ وَالصَّبْرِ عَلَى اعْوِجَاجِهِنَّ فِيمَا لَا إِثْمَ فِي مُعَاشَرَتِهِنَّ. (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أُمَّهُنَّ خُلِقَتْ مِنْهُ. (فَإِنْ ذَهَبْتَ) : أَيْ: شَرَعْتَ وَأَرَدْتَ (تُقِيمُهُ) : أَيْ: إِقَامَتَهُ وَاسْتِقَامَتَهُ (كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرْكْتَهُ) : أَيْ: مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) : كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَإِشَارَةً إِلَى النَّتِيجَةِ وَالْفَذْلَكَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالنِّسَاءِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ وَالصَّبْرِ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ وَاحْتِمَالِ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَكَرَاهَةِ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِقَامَتِهِنَّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3239 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
3239 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْمَرْأَةَ) : أَيْ: أَصْلَهَا أَوْ جِنْسَهَا أَوْ أُمَّهَا (خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) : أَيْ: مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ أَوْ مِنْ عِوَجٍ، وَنُطِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37](لَنْ تَسْتَقِيمَ) : أَيْ: لَنْ تَسْتَمِرَّ وَلَنْ تَدُومَ (عَلَى طَرِيقَةٍ) : أَيْ: عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ بَلْ تَنْقَلِبُ عَنْ حَالِهَا مِنَ الشُّكْرِ إِلَى الْكُفْرَانِ، وَمِنَ الْإِطَاعَةِ إِلَى الْعِصْيَانِ، وَمِنَ الْقَنَاعَةِ إِلَى الطُّغْيَانِ. (فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا) : أَيْ: أَرَدْتَ أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِهَا (اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا) : أَيْ: حَاصِلٌ وَثَابِتٌ (عِوَجٌ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ، لَا انْفِكَاكَ لَهَا عَنْهُ. (وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا) : أَيْ: تَرُدُّهَا إِلَى إِقَامَةِ الِاسْتِقَامَةِ، وَبَالَغْتَ فِيهَا، وَمَا سَامَحْتَهَا فِي أُمُورِهَا، وَمَا تَغَافَلْتَ عَنْ بَعْضِ أَفْعَالِهَا. (كَسَرْتَهَا) : كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْمُعْوَجِّ الشَّدِيدِ الْيَابِسِ فِي الْحِسِّ. (وَكَسْرُهَا) : أَيِ: الْمَعْنَوِيُّ (طَلَاقُهَا) : فَإِنَّهُ انْفِصَالٌ شَرْعِيٌّ وَانْقِطَاعٌ عُرْفِيٌّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِشْعَارٌ بِاسْتِحَالَةِ تَقْوِيمِهَا أَيْ: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْكَسْرِ فَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا، ثُمَّ الْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا، وَقِيلَ: الْفَتْحُ فِي الْأَجْسَامِ وَالْكَسْرُ فِي الْمَعَانِي فَفِي الْكَشَّافِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف: 1] الْعِوَجُ فِي الْمَعَانِي كَالْعِوَجِ فِي الْأَعْيَانِ، وَفِي الْقَامُوسِ: عَوِجَ كَفَرِحَ، وَالِاسْمُ كَعِنَبٍ، أَوْ يُقَالُ: فِي كُلِّ مُنْتَصِبٍ كَالْحَائِطِ وَالْعَصَا فِيهِ عَوَجٌ مُحَرَّكَةً، وَفِي نَحْوِ الْأَرْضِ وَالدِّينِ كَالْعِنَبِ، اهـ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} [طه: 107] وَفِي النِّهَايَةِ: الْعَوَجُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُخْتَصٌّ بِكُلِّ شَخْصٍ مَرْئِيٍّ كَالْأَجْسَامِ، وَبِالْكَسْرِ فِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّأْيِ وَالْقَوْلِ، وَقِيلَ: الْكَسْرُ يُقَالُ فِيهِمَا مَعًا وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ.
3240 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
3240 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَفْرَكْ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ مَجْزُومًا أَوْ مَرْفُوعًا مِنَ الْفِرْكِ بِالْكَسْرِ: بُغْضُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مِنْ بَابِ عَلِمَ، وَكَنَصَرَ شَاذٌّ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ خَبَرٌ لَا نَهْيٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ، وَلَوْ رُوِيَ مَرْفُوعًا لَكَانَ نَهْيًا بِلَفْظِ الْخَبَرِ، أَيْ لَا يُبْغِضْ (مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً) : أَيْ: مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ (إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا) : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي (رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) : أَيْ: خُلُقًا آخَرَ قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ لَا يَفْرَكْ نَفْيٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُبْغِضَهَا لِمَا يَرَى مِنْهَا فَيَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَرِهَ شَيْئًا رَضِيَ شَيْئًا آخَرَ، فَلْيُقَابِلْ هَذَا بِذَاكَ، اهـ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّاحِبَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ عَيْبٍ فَإِنْ أَرَادَ الشَّخْصُ بَرِيئًا مِنَ الْعَيْبِ يَبْقَى بِلَا صَاحِبٍ وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ سِيَّمَا الْمُؤْمِنُ عَنْ بَعْضِ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَهَا وَيَسْتُرَ مَا بَقِيِّهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
3241 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3241 -
(عَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ) : أَيْ: فِي زَمَنِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام، (لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ) : بِفَتْحِ النُّونِ، مِنْ خَنِزَ اللَّحْمُ بِالْكَسْرِ تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ خَنَزَ اللَّحْمِ بِشَيْءٍ عُوقِبَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، حَيْثُ كَفَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - حَيْثُ ادَّخَرُوا السَّلْوَى وَقَدْ نَهَاهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى جل جلاله عَنِ الِادِّخَارِ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّحْمُ يُضَرُّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَحَدَثَ التَّغَيُّرُ لِسُوءِ صَنِيعِهِمْ وَهُوَ الِادِّخَارُ النَّاشِئُ مِنْ عَدَمِ الثِّقَةِ بِاللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - جَلَّ شَأْنُهُ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] ثُمَّ اسْتَمَرَّ النَّتْنُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْبَادِئَ لِلشَّيْءِ كَالْحَامِلِ لِلْغَيْرِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، أَوْ لِأَنْ يَعْتَبِرَ غَيْرُهُمْ بِهِمْ فَيَتْرُكُوا الْمُخَالَفَةَ قَالَ - تَعَالَى جل جلاله {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَنُّوا ادِّخَارَ اللَّحْمِ حَتَّى خَنِزَ لَمَا ادُّخِرَ فَلَمْ يَخْنَزْ. (وَلَوْلَا حَوَّاءُ) : بِالْمَدِّ أَيْ لَوْلَا خِيَانَتُهَا فِي مُخَالَفَتِهَا. (لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا) : أَيْ: لَمْ تُخَالِفْهُ (الدَّهْرَ) : أَيْ: أَبَدًا، وَكَأَنَّ الْخِيَانَةَ تَحْصُلُ مِنَ الْعِوَجِ الَّذِي فِي طِينَتِهَا أَوْ جِبِلَّتِهَا.
قَالَ الْقَاضِي: أَيْ لَوْلَا أَنَّ حَوَّاءَ خَانَتْ آدَمَ فِي إِغْرَائِهِ وَتَحْرِيضِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ بِتَنَاوُلِ الشَّجَرَةِ، وَسَنَّتْ هَذِهِ السُّنَّةَ لَمَا سَلَكَتْهَا أُنْثَى مَعَ زَوْجِهَا. اهـ. وَقِيلَ إِنَّ خِيَانَتَهَا أَنَّهَا ذَاقَتِ الشَّجَرَةَ قَبْلَ آدَمَ وَكَانَ قَدْ نَهَاهَا فَغَرَّتْهُ حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا، وَقِيلَ: خِيَانَتُهَا أَنَّهَا أَرْسَلَهَا آدَمَ لِقَطْعِ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَتْ سُنْبُلَتَيْنِ وَأَدَّتْهُ وَاحِدَةً، وَأَخْفَتْهُ أُخْرَى، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ " «لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ» ".
3242 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمَعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعْهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ يَوْمِهِ ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَالَ: لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3242 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمَعَةَ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: بِفَتْحَتَيْنِ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَقَدْ يُسَكَّنُ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ، وَقَالَ: الْمَعْنَى أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحْدِّثِينَ يُسْكِّنُونَ الْمِيمَ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ) : أَيْ: لَا يَضْرِبْ (امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ ضَرْبًا شَدِيدًا (ثُمَّ يُجَامِعْهَا) : بِالسُّكُونِ لِلْعَطْفِ عَلَى الْمَجْزُومِ (فِي آخِرِ الْيَوْمِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: ثُمَّ لِلِاسْتِبْعَادِ، أَيْ مُسْتَبْعَدٌ مِنَ الْعَاقِلِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ مِنَ الضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ وَالْمُضَاجَعَةِ. اهـ. وَلِذَا وَرَدَ أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بِغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بِغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا، أَوْ هَذَا مَعْنَى التَّدَبُّرِ فِي الْأَمْرِ أَيِ النَّظَرِ فِي عَاقِبَتِهِ. (وَفِي رِوَايَةٍ يَعْمِدُ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَقْصِدُ (أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا) : أَيْ: يَرْجِعُ إِلَى قَضَاءِ شَهْوَتِهِ مِنْهَا (فِي آخِرِ يَوْمِهِ) : أَيْ: يَوْمَ جَلْدِهِ فَلَا تُطَاوِعُهُ، قِيلَ: النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِهِنَّ كَانَ قَبْلَ أَمْرِهِ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّهْيَ مُقَيِّدٌ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَلَا يُنَافِيهِ أَمْرُهُ بِالضَّرْبِ الْمُطْلَقِ بَلْ يَخُصُّهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ لِلتَّأْدِيبِ إِذَا لَمْ يَتَأَدَّبُوا بِالْكَلَامِ الْغَلِيظِ، لَكِنَّ الْعَفْوَ أُولَى، وَفِيهِ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِنَّ. (ثُمَّ وَعَظَهُمْ) : هِيَ لِلتَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ بَعْدَ مَا تَكَلَّمَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ بِزَمَانٍ، رَآهُمْ يَضْحَكُونَ مِنَ الْفَعْلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوَعَظَهُمْ أَيْ نَصَحَهُمْ (فِي ضِحْكِهِمْ) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِي الْقَامُوسِ الضَّحِكُ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ وَبِكَسْرَتَيْنِ وَكَكَتِفٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَأَنَّ التَّبَسُّمَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ. (مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَالَ) : عَطْفٌ عَلَى وَعَظَ (لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ) : وَفِي نُسْخَةٍ " مِمَّا يَفْعَلُهُ " أَيْ هُوَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الضِّحْكَ لَا يَحْسُنُ إِلَّا مِنْ أَمْرٍ غَرِيبٍ وَشَأْنٍ عَجِيبٍ، وَلَا يُوجَدُ عَادَةً فَفِيهِ نَدْبُ التَّغَافُلِ عَنْ ضَرْطَةِ الْغَيْرِ؛ لِئَلَّا يَتَأَذَّى فَاعِلُهَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ حَاتِمًا لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ وَإِنَّمَا سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَفِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَصَلَ مِنْهَا ضَرْطَةٌ، فَقَالَ ارْفَعِي صَوْتَكِ دَفْعًا لِخَجَالَتِهَا، فَحَسِبَتْ إِنَّهُ أَصَمُّ فَفَرِحَتْ ثُمَّ أَنَّهُ نَمَّ بِذَلِكَ الْحَالِ تَتْمِيمًا لِدَفْعِ الْمَقَالِ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْعَاقِلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعِيبَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ شَيْئًا أَنْ يَنْظُرَ فِي نَفْسِهِ أَوَّلًا هَلْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ أَوْ مُلْتَبِسٌ بِهِ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَرِيئًا، فَلِأَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَعِيبَهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
أَرَى كُلَّ إِنْسَانٍ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ
…
وَيَعْمَى عَنِ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ «نُهِيَ عَنِ الضِّحْكِ مِنَ الضَّرْطَةِ» .
3243 -
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَنْقَمِعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3243 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ) : جَمْعُ الْبِنْتِ وَالْمُرَادُ بِهَا اللُّعَبُ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الصَّبِيَّةُ قَالَهُ الْقَاضِي: فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوِ الْجَوَارِي فَهُوَ بِمَعْنَى مَعَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (عِنْدَ النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمَقْصُودُ إِفَادَةُ التَّقْرِيرِ (وَكَانَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَكَانَ (لِي صَوَاحِبُ) : جَمْعُ صَاحِبَةٍ أَيْ بَنَاتٍ صِغَارٍ (يَلْعَبْنَ مَعِي) : أَيْ: بِأَنْوَاعِ اللُّعْبَاتِ أَوْ بِلُعَبِ الْبَنَاتِ (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَنْقَمِعْنَ) : أَيْ: يَتَغَيَّبْنَ وَيَسْتَتِرْنَ حَيَاءً وَالِانْقِمَاعُ الدُّخُولُ فِي كِنٍّ (فَيُسَرِّبُهُنَّ) : مِنَ التَّسْرِيبِ أَيْ يُرْسِلُهُنَّ إِلَيَّ وَيُسَرِّحُهُنَّ، مِنْ سَرَبَ إِذَا ذَهَبَ قَالَ تَعَالَى {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10] أَوْ مِنَ السِّرْبِ وَهِيَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ، أَيْ يُرْسِلُهُنَّ إِلَيَّ سِرْبًا سِرْبًا (فَيَلْعَبْنَ مَعِي) : فِيهِ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الْأَهْلِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
) .
3244 -
ــ
3244 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ) : أَيْ: قَائِمًا وَعَدَلَ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ (عَلَى بَابِ حُجْرَتِي) : الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، أَوْ بِمَعْنَى اللَّامِ لِلِاخْتِصَاصِ وَيُحْتَمَلُ الْمِلْكُ (وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ) : الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (بِالْحِرَابِ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ الْحَرْبَةِ وَهِيَ رُمْحٌ قَصِيرٌ (فِي الْمَسْجِدِ) : أَيْ: فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، وَكَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَتْ: فِي الْمَسْجِدِ لِاتِّصَالِ الرَّحَبَةِ أَوْ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ لِتَضَايُقِ الْمَوْضِعِ بِهِمْ وَإِنَّمَا سُومِحُوا لِأَنَّ لَعِبَهُمْ بِالْحِرَابِ كَانَ يُعَدُّ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ مَعَ أَعْدَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَ عِبَادَةً بِالْقَصْدِ كَالرَّمْيِ قَالَ تَعَالَى جل جلاله {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَأَمَّا النَّظَرُ إِلَيْهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ كَذَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ (وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِأَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، فِي الْمِصْبَاحِ لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِبًا بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَلَمْ يُسْمَعْ فِي التَّخْفِيفِ فَتْحُ اللَّامِ مَعَ السُّكُونِ. اهـ كَلَامُهُ. لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ: لَعِبَ كَفَرِحَ لَعِبًا وَلِعْبًا وَلَعْبًا (بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ) : أَيْ: لِأَتَفَرَّجَ عَلَيْهِمْ مِمَّا بَيْنَهُمَا مِنْ (ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي) : أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ لَعِبِهِمْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقِفُ كَالسَّاتِرِ لِي (حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ) : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعَجِّلُ عَلَيَّ بِالرُّجُوعِ إِلَى دَاخِلِ حُجْرَتِي بَلْ كَانَ يُخَلِّينِي عَلَى مُهْلَتِي. (فَاقْدُرُوا) : بِضَمِّ الدَّالِّ مَنْ قَدَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا نَظَرْتَ فِيهِ وَدَبَّرْتَهُ أَيِ انْظُرُوا وَتَأَمَّلُوا، أَوْ مِنَ الْمِقْدَارِ أَيْ فَاقْدُرُوا مِنَ الزَّمَانِ. (قَدْرَ الْجَارِيَةِ) : أَيْ: مِقْدَارَ وَقْفَةِ الْجَارِيَةِ. (الْحَدِيثَةِ السِّنِّ) : أَيِ: الصَّغِيرَةِ فِي الْعُمْرِ (الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ) : أَيْ: عَلَى مَا تَتَلَهَّى بِهِ مِنَ اللَّعِبِ وَغَيْرِهِ كَمْ يَكُونُ قَدْرُ مُكْثِهَا فِي النَّظَرِ إِلَى اللَّعِبِ فَإِنَّمَا مَكَثَتْ ذَلِكَ الْقَدْرَ تُرِيدُ طُولَ مُكْثِهَا، وَمُصَابَرَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا، وَكَمَالَ رِعَايَتِهِ لِحَالِهَا، وَنِهَايَةَ مَحَبَّتِهِ لِجَمَالِهَا الْمُظْهِرِ لِكَمَالِهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3245 -
ــ
3245 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي لِأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى) : قَالَ السُّيُوطِيُّ: اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ عَلَى وُقُوعِ إِذَا مَفْعُولًا وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ شَأْنَكِ وَنَحْوَهُ. (قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ) : أَيْ: مَا ذَكَرْتَ أَمِنَ وَحَيٍ أَوْ مُكَاشَفَةٍ أَوْ فِرَاسَةٍ وَعَلَامَةٍ، (قَالَ: إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً) : أَيْ: فِي غَايَةٍ مِنَ الرِّضَا. (فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا) : أَيْ: مَثَلًا (وَرَبِّ مُحَمَّدٍ) : فَتَذْكُرِينَ اسْمِي فِي قَسَمِكِ. (وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ) : وَفِي نُسْخَةٍ عَنِّي (غَضْبَى) : أَيْ: مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُعَاشَرَةِ الزَّوْجِيَّةِ (قُلْتِ لَا) : وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا (وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ) : فَتَعْدِلِينَ عَنِ اسْمِي إِلَى اسْمِ إِبْرَاهِيمَ (قَالَتْ: قُلْتُ أَجَلْ) : أَيْ: نَعَمْ (وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ) : وَفِي نُسْخَةٍ لَا أَهْجُرُ أَيْ مَا أَتْرُكُ (إِلَّا اسْمَكَ) : أَيْ: ذِكْرَهُ عَنْ لِسَانِي مُدَّةَ غَضَبِي وَلَكِنَّ الْمَحَبَّةَ ثَابِتَةٌ دَائِمًا فِي قَلْبِي، قِيلَ: أَيْ هِجْرَانِي مَقْصُورٌ عَلَى تَرْكِ اسْمِكَ حَالَةَ الْغَضَبِ الَّذِي يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ لَا أَتَعَدَّى مِنْهُ إِلَى ذَاتِكَ الشَّرِيفِ الْمُخْتَارِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالِاسْمِ التَّسْمِيَةُ، وَبِهَا عَبَّرَتْ عَنِ التَّرْكِ بِالْهِجْرَانِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا تَتَأَلَّمُ مِنْ هَذَا التَّرْكِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهَا فِيهِ، وَأَنَّهَا فِي طَلَبِ الْوِصَالِ عَلَى طُرُقِ الْكَمَالِ، وَهُوَ التَّشَرُّفُ بِمَرْتَبَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُصُولِ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى وَاقْتِرَانِ اللِّسَانِ وَالْجَنَانِ فِي مَيْدَانِ الْمَحَبَّةِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجَنَانِ - ثَابِتَةٌ بِعَوْنِ اللَّهِ الْمَلَكِ الْمَنَّانِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
3246 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» .
ــ
3246 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ» ) : فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى جَوَازِ تَعَدُّدِ الْفِرَاشِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْمَيَلَانِ إِلَى الِاجْتِمَاعِ قَالَ تَعَالَى، جل جلاله {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى التَّسَتُّرِ حَالَةَ الْجِمَاعِ. (فَأَبَتْ) : أَيِ: امْتَنَعَتْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ (فَبَاتَ) : أَيْ: زَوْجُهَا (غَضْبَانَ) : أَيْ: عَلَيْهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ (لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ) : لِأَنَّهَا كَانَتْ مَأْمُورَةً إِلَى طَاعَةِ زَوْجِهَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ قِيلَ: وَالْحَيْضُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِمَا عَدَا الْفَرْجِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ. (حَتَّى تُصْبِحَ) : أَيِ: الْمَرْأَةُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ. قِيلَ: إِنَّمَا غَيَّا اللَّعْنَ بِالْإِصْبَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا بِحُدُوثِ الْمَانِعِ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ فِيهِ غَالِبًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَ النَّهَارِ كَذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا) : أَيْ: لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ فِي رِوَايَةٍ وَأَطْلَقَ تَكُونُ الرِّوَايَةُ لِأَحَدِهِمَا. (قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) : أَيْ: فِي قَبْضَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَإِرَادَتِهِ ( «مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ» ) : أَيْ: أَمْرُهُ وَحُكْمُهُ أَوْ مُلْكُهُ وَمَلَكُوتُهُ أَوِ الَّذِي هُوَ مَعْبُودٌ فِيهَا وَهُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَالَ: تَعَالَى، جل جلاله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَيَكُونُ الِاقْتِصَارُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْأَشْرَفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ، وَالْإِفْرَادُ لِلْجِنْسِ، وَيَلْتَئِمُ حِينَئِذٍ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا بَيْنَهُمَا تُلَازِمٌ. (سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى) : أَيِ: الزَّوْجُ (عَنْهَا) : فِيهِ أَنَّ سَخَطَ الزَّوْجِ يُوجِبُ سَخَطَ الرَّبِّ وَهَذَا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ فِي أَمْرِ الدِّينِ.
3247 -
وَعَنْ أَسْمَاءَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ: " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3247 -
(وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً) : أَيِ: امْرَأَةً أُخْرَى لِزَوْجِي وَسُمِّيَتْ ضَرَّةً إِمَّا لِأَنَّهَا تَضُرُّهَا أَوْ تُرِيدُ ضَرَرَهَا، أَوْ أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ كَرَجُلٍ عَدْلٍ، فَإِنَّ وَجُودَهَا ضَرَرٌ عِنْدِهَا وَأَهْلُ مَكَّةَ يُسَمُّونَهَا طُبْنَةً، وَلَعَلَّهَا مَنْ طَبِنَ كَفَرِحَ فَطِنَ، فَإِنَّهَا فَطِينَةٌ بِعَيْبِ صَاحِبَتِهَا. (فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ) : أَيْ: إِثْمٌ أَوْ بَأْسٌ (إِنْ تَشَبَّعْتُ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مِنْ أَنْ تَشَبَّعْتُ (مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي) : أَيْ: تَزَيَّنْتُ وَتَكَثَّرْتُ بِأَكْثَرِ مِمَّا عِنْدِي وَأَظْهَرْتُ لِضَرَّتِي إِنَّهُ يُعْطِينِي أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيهَا إِدْخَالًا لِلْغَيِّ عَلَيْهَا وَتَحْصِيلًا لِلضَّرَرِ بِهَا. (فَقَالَ: الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ) : أَيِ: الَّذِي يُظْهِرُ الشِّبَعَ وَلَيْسَ بِشَبْعَانَ (كَلَابِسِ ثَوْبَيِ زُورٍ) : قِيلَ هُوَ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً يَظَنُّ النَّاسُ أَنَّهُمَا لَهُ، وَلِبَاسُهُمَا لَا يَدُومُ وَيَفْتَضِحُ بِكَذِبِهِ أَوْ هُوَ الرَّجُلُ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُشْتَبِهَةَ كَثِيَابِ الزُّهَّادِ يُوهِمُ إِنَّهُ مِنْهُمْ، وَأَتَى بِالتَّثْنِيَةِ لِإِرَادَةِ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ إِذْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالزُّورِ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى قَدَمِهِ، وَقِيلَ: لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَ بِالتَّشَبُّعِ حَالَتَانِ مَذْمُومَتَانِ: فِقْدَانُ مَا يُشْبَعُ بِهِ وَإِظْهَارُ الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: كَانَ شَاهِدُ الزُّورِ يَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ، وَيَشْهَدُ فَيُقْبَلُ لِحُسْنِ ثَوْبَيْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ.
3248 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3248 -
(عَنْ أَنَسٍ قَالَ آلَى) : بِالْمَدِّ أَيْ حَلَفَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ) : أَيْ: عَلَى أَزْوَاجِهِ (مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا) : وَعَدَّاهُ بِمِنْ لِتَضْمِينِهِ إِيَّاهُ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الدُّخُولِ. قَالَ فِي الْأَزْهَارِ: وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْإِيلَاءِ الْمَشْهُورِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لِلْإِيلَاءِ فِي الْفِقْهِ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ لَا يُسَمَّى إِيلَاءً دُونَهَا (وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ) : أَيِ
انْفَرَجَتْ وَزَالَتْ مِنَ الْمِفْصَلِ، وَالِانْفِكَاكُ الزَّوَالُ وَالِانْفِسَاخُ، قِيلَ: كَأَنَّهَا انْفَرَجَتْ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ: كَانَ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَخَرَجَ عَظْمُ رِجْلِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالِانْفِكَاكُ ضَرْبٌ مِنَ الْوَهْنِ وَالْخَلْعِ، وَهُوَ أَنْ يَنْفَكَّ بَعْضُ أَجْزَائِهَا عَنْ بَعْضٍ (فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَيُفْتَحُ، أَيْ فِي غُرْفَةٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَشْرُبَةُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْغُرْفَةُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُشْرَبُ مِنْهُ كَالْمَشَرَعَةِ (تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ) : أَيْ: مِنَ الْغُرْفَةِ إِلَيْهِنَّ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ) : أَيْ: قَدْ يَكُونُ (تِسْعًا وَعِشْرِينَ) : وَلَعَلَّ ذَلِكَ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَهُ.
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا إِذَا عَيَّنَ شَهْرًا، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرَ كَذَا فَخَرَجَ نَاقِصًا لَا يَلْزَمُهُ سِوَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ يَلْزَمَهُ صَوْمُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ الْبَغَوِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] الْآيَةَ، إِنَّ «نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلْنَهُ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا شَيْئًا وَطَلَبْنَ مِنْهُ زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ وَآذَيْنَهُ بِغَيْرَةِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، فَهَجَرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآلَى أَنْ لَا يَقْرَبَهُنَّ شَهْرًا، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ وَكَانُوا يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَأَعْلَمَنَّ لَكُمْ شَأْنَهُ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ فَأَنْزِلُ فَأُخْبِرُهُمْ بِأَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ، قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّخْيِيرِ» ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي الْمَعَالِمِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَعُدُّهُنَّ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: بَدَأَ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ إِنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا» .
3249 -
ــ
3249 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ) : أَيْ: أَرَادَ الدُّخُولَ (يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (فَوَجَدَ) : أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (النَّاسَ) : أَيْ: عُمُومَهُمْ (جُلُوسًا) : أَيْ: جَالِسِينَ أَوْ ذَوِي جُلُوسٍ (بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ) : أَيْ: جَابِرٌ (فَأُذِنَ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَيُفْتَحُ (لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ) : أَيْ: عُمَرُ (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ) : لَعَلَّ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ (وَاجِمًا) : أَيْ: حَزِينًا مُهْتَمًّا (سَاكِتًا) : فِي النِّهَايَةِ: الْوَاجِمُ مَنْ أَسْكَتَهُ الْهَمُّ وَعَلَتْهُ الْكَآبَةُ. (فَقَالَ) : أَيْ: عُمَرُ فِي نَفْسِهِ وَفِي نُسْخَةٍ (قُلْتُ لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ يُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِضْحَاكِ، وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الضَّحِكِ، فَالتَّقْدِيرُ يَضْحَكُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُرَادُ حُصُولُ السُّرُورِ وَالِانْشِرَاحِ، وَرَفْعُ الْكُدُورَةِ بِالْمِزَاحِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَوْلُهُ " يُضْحِكُ " فِي نُسْخَةٍ " أُضْحِكُ " فِيهِ نَدْبٌ مِثْلُ هَذَا، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ حَزِينًا أَنْ يُحَدِّثَهُ حَتَّى يَضْحَكَ أَوْ يَشْغَلَهُ وَيُطَيِّبَ نَفْسَهُ. اهـ. وَفِي آدَابِ الْمُرِيدِينَ لِلسَّهْرَوَرْدِيِّ رحمه الله، «عَنْ عَلَيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا رَآهُ مَغْمُومًا بِالْمُدَاعَبَةِ» . (فَقَالَ) : أَيْ: عُمَرُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ) : أَيْ: لَوْ عَلِمْتَ (بِنْتَ خَارِجَةَ) : يَعْنِي بِهَا زَوْجَتَهُ وَلَوْ لِلتَّمَنِّي (سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ) : أَيِ: الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ فَوْقَ الْحَاجَةِ (فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ) : بِالْهَمْزِ أَيْ ضَرَبْتُ (عُنُقَهَا) : بِكَفِّي، فِي الْمُغْرِبِ: الْوَجْأُ الضَّرْبُ بِالْيَدِ يُقَالُ وَجَأَ فِي عُنُقِهِ مِنْ بَابِ مَنَعَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْوَجْأُ الضَّرْبُ، وَالْعَرَبُ تَحْتَرِزُ عَنْ لَفْظِ الضَّرْبِ؛ فَلِذَلِكَ عُدِلَ إِلَى الْوَجَأِ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَجَأَهُ بِالْيَدِ وَالسِّكِّينِ كَوَضَعَهُ ضَرَبَهُ، اهـ. وَجَاءَ الْوَجْأُ بِمَعْنَى الدَّقِّ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: هُنَّ) : أَيْ: نِسَائِي (حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ) : أَيْ: زِيَادَتَهَا عَنْ عَادَتِهَا (فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها يَجِأُ) : أَيْ: يَدُقُّ (عُنُقَهَا وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجِأُ عُنُقَهَا كِلَاهُمَا يَقُولُ) : خِطَابًا لِبِنْتِهِ (تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ) : أَيْ: عِنْدَهُنَّ أَوْ مَا عِنْدِي أَنَّ التَّثْنِيَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ (وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ: بَعْدَ هَذَا (شَيْئًا) : أَيْ: مِنَ الْأَشْيَاءِ (أَبَدًا) : تَأْكِيدُ " أَلَّا نَسْأَلَ "(لَيْسَ عِنْدَهُ) : أَيْ: ذَلِكَ الشَّيْءُ (ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ) : بِنَاءً عَلَى يَمِينِهِ السَّابِقِ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فَتَرَدَّدَ فِيهِ ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] : وَهُوَ {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا - وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ} [الأحزاب: 28 - 29] إِلَخْ (قَالَ) : أَيْ: جَابِرٌ (فَبَدَأَ) : أَيْ: فِي التَّخْيِيرِ (بِعَائِشَةَ رضي الله عنها : فَإِنَّهَا أَعْقَلُهُنَّ وَأَفْضَلُهُنَّ (فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ) : أَيْ: فِي جَوَابِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكِ (حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ) : خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ صِغَرِ سِنِّهَا الْمُقْتَضِي إِرَادَةَ زِينَةِ الدُّنْيَا أَنْ لَا تَخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا " وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوِيَّ لَمْ يَكُونَا لَيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ " قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: إِنَّمَا قَالَ " لَا تَعْجَلِي " شَفَقَةً عَلَيْهَا وَعَلَى أَبَوَيْهَا، وَنَصِيحَةً لَهُمْ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سَنِّهَا وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ، فَتَتَضَرَّرَ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا. (قَالَتْ: وَمَا هُوَ) : أَيْ: ذَلِكَ الْأَمْرُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ) : أَيِ: الْمَذْكُورَةَ (قَالَتْ: أَفِيكَ) : أَيْ: فِي فِرَاقِكَ أَوْ فِي وِصَالِكَ أَوْ فِي حَقِّكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَشِيرُ أَبَوِيَّ) : لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ فَرْعُ التَّرَدُّدِ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُخْتَارَةِ (بَلْ) : أَيْ: لَا أَسْتَشِيرُ أَحَدًا (أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) : وَفِي الْكَلَامِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِرَادَةَ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَطَلَبَ الدَّارِ الْآخِرَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» ". (وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبَرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ) : أَمَا أَنَّهَا أَرَادَتِ اخْتِيَارَهُنَّ الدُّنْيَا لِيَخْلُصَ لَهَا الْوِصَالُ فِي الدُّنْيَا وَالْكَمَالُ فِي الْعُقْبَى (قَالَ لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا) : لِأَعِينَهَا بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُخْتَارِ تَقْلِيدًا أَوْ تَحْقِيقًا (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا) : بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مُوقِعًا أَحَدًا فِي أَمْرٍ شَدِيدٍ وَالْعَنَةُ الْمَشَقَّةُ وَالْإِثْمُ أَيْضًا (وَلَا مُتَعَنِّتًا) : أَيْ: طَالِبًا لِزَلَّةِ أَحَدٍ (وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا) : أَيْ: لِلْخَيْرِ (مُيَسِّرًا) : أَيْ: مُسَهِّلًا لِلْأَمْرِ وَفِي نُسْخَةٍ مُبَشِّرًا أَيْ لِمَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّعِيمِ وَلِمَنِ اخْتَارَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ بِالْأَجْرِ الْعَامِّ، قَالَ: قَتَادَةُ فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ عَلَى ذَلِكَ وَقَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ احْتِجَابِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَاتِهِمُ الْمُهِمَّةِ وَالْغَالِبُ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا، فَاتِّخَاذُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ضَرُورَةٌ، وَفِيهِ وُجُوبُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مَنْزِلِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ فِي احْتِيَاجِ الِاسْتِئْذَانِ، وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَبِرَ فَاسْتَقَلَّ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزِّهَادَةِ فِيهَا، وَفِيهِ جَوَازُ سَكَنِ الْغُرْفَةِ لِذَاتِ الزَّوْجِ، وَاتِّخَاذُ الْخِزَانَةِ، وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَخْيِيرَ زَوْجَتِهِ وَاعْتِزَالَهُ عَنْهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ وَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ، وَرَوَى عَنْ عَلَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِنَفْسِ التَّخَيُّرِ طَلْقَةً بَائِنَةً سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا، وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ يَبْلُغْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ اهـ. وَسَيَأْتِي بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَبُرْهَانٍ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
3250 -
«وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] قُلْتُ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ» ذُكِرَ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ــ
3250 -
( «وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّائِى وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ أَعِيبُ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّ مَنْ غَارَ عَابَ لِئَلَّا يَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ فَلَا يُكْثِرُ النِّسَاءَ وَيَقْصُرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ تَحْتَهُ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ تَعِيبُ عَلَيْهِنَّ لِلْإِشْعَارِ عَلَى حِرْصِهِنَّ وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى قِلَّةِ حَيَائِهِنَّ حَيْثُ خَالَفْنَ طَبِيعَةَ جِنْسِ النِّسَاءِ مِنْ تَعَزُّزِهِنَّ وَإِظْهَارِ قِلَّةِ مَيْلِهِنَّ، وَإِنَّمَا هِبَةُ النَّفْسِ كَانَتْ مَحْمُودَةً مِنْهُنَّ لِمَكَانِهِ صلى الله عليه وسلم وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُهَا (قُلْتُ: أَيْ بِطَرِيقِ الْإِنْكَارِ أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) : وَفِي رِوَايَةٍ " أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ ". (فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (تُرْجِئُ) بِالْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ قِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ مَنْ أَرْجَأَ مَهْمُوزًا أَوْ مَنْقُوصًا أَيْ تُؤَخِّرُ وَتَتْرُكُ وَتُبْعِدُ (مَنْ تَشَاءُ) : أَيْ: مُضَاجَعَةَ مَنْ تَشَاءُ (مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي) : أَيْ: تَضُمُّ (إِلَيْكَ) : وَتُضَاجِعُ (مَنْ تَشَاءُ) : أَوْ تُطَلِّقُ مَنْ تَشَاءُ وَتُمْسِكُ مَنْ تَشَاءُ أَوْ مَعْنَى الْآيَةِ تَتْرُكُ تَزَوُّجَ مَنْ شِئْتَ مِنْ نِسَاءِ أُمَّتِكَ وَتَتَزَوَّجُ مَنْ شِئْتَ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَا تُوُفِّيَ حَتَّى أُبِيحَ لَهُ النِّسَاءُ مَعَ أَزْوَاجِهِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: أَشْهَرُ الْأَقَاوِيلِ أَنَّهُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سَقَطَ عَنْهُ وَصَارَ الِاخْتِيَارُ إِلَيْهِ فِيهِنَّ. (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) : أَيْ: طَلَبْتَ وَأَرَدْتَ أَنْ تُؤْوِيَ إِلَيْكَ امْرَأَةً (مِمَّنْ عَزَلْتَ) : عَنِ الْقِسْمَةِ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) : أَيْ: فَلَا إِثْمَ فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَرْكَ الْقَسْمِ لَهُنَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُؤَخِّرُ مَنْ يَشَاءُ فِي نَوْبَتِهَا وَيَطَأُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا، وَيَرُدُّ إِلَى فِرَاشِهِ مَنْ عَزَلَهَا تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى سَائِرِ الرِّجَالِ. (قَالَتْ مَا أَرَى) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَوْ ضَمِّهَا أَيْ مَا أَظُنُّ (رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ) : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ (فِي هَوَاكَ) : أَيْ: يُوَصِّلُ إِلَيْكَ مَا تَتَمَنَّاهُ سَرِيعًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ يُخَفِّفُ عَنْكَ وَيُوَسِّعُ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ وَلِذَا خَيَّرَ لَنَا اهـ. ثُمَّ الْوَاهِبَةُ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ: مَيْمُونَةُ وَقِيلَ: أُمُّ شَرِيكٍ وَقِيلَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ وَقِيلَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْهِبَةَ وَقَعَتْ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] لِأَنَّ النَّكِرَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْعُمُومُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ اتَّقُوا اللَّهَ) : أَيْ: مُخَالَفَتَهُ أَوْ مُعَاقَبَتَهُ (فِي النِّسَاءِ) : أَيْ: فِي حَقِّهِنَّ وَالتَّخْصِيصُ لِضَعْفِهِنَّ وَحَبْسِهِنَّ (ذُكِرَ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) : أَيْ: فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ هُنَا مُكَرَّرًا وَلِذَا أَسْقَطَهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
3251 -
«عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي قَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
3251 -
(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ) : أَيْ غَالَبْتُهُ فِي السَّبْقِ أَيْ فِي الْعَدْوِ وَالْجَرْيِ (فَسَبَقْتُهُ) : أَيْ: غَلَبْتُهُ وَتَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ (عَلَى رِجْلِيَّ) : أَيْ: لَا عَلَى دَابَّةٍ قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهَا عَلَى رِجْلِيَّ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي سَابَقْتُهُ أَيْ عَدْوًّا عَلَى رِجْلِيَّ وَفَائِدَتُهُ زِيَادَةُ بَيَانِ الْمُدَاعَبَةِ كَمَا يُقَالُ أَخَذْتُ بِيَدِي، وَمَشَيْتُ بِرِجْلِي، وَنَظَرْتُ بِعَيْنِي وَفِيهِ بَيَانُ حُسْنِ خُلُقِهِ وَتَلَطُّفِهِ بِنِسَائِهِ، يُقْتَدَى بِهِ، (فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ) : أَيْ: سَمِنْتُ (سَابَقْتُهُ) : أَيْ: مَرَّةً أُخْرَى (فَسَبَقَنِي قَالَ: هَذِهِ) : أَيِ: السَّبْقَةُ (بِتِلْكَ السَّبْقَةِ) : بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا أَيْ تَقَدُّمِي عَلَيْكِ فِي هَذِهِ النَّوْبَةِ فِي مُقَابَلَةِ تَقَدُّمِكِ فِي النَّوْبَةِ الْأُولَى وَالْمُرَادُ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ، قَالَ قَاضِي خَانْ: يَجُوزُ السِّبَاقُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ فِي الْخُفِّ يَعْنِي الْبَعِيرَ، وَفِي الْحَافِرِ يَعْنِي الْفَرَسَ، وَفِي النَّصْلِ مِنَ الرَّمْيِ، وَالْمَشْيِ بِالْأَقْدَامِ يَعْنِي بِهِ الْعَدْوَ وَيَجُوزُ إِذَا كَانَ الْبَدَلُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ إِنْ سَبَقْتُكَ فَلِي كَذَا وَإِنْ سَبَقْتَنِي فَلَا شَيْءَ لَكَ، وَإِنْ شُرِطَ الْبَدَلُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ قِمَارٌ إِلَّا إِذَا أَدْخَلَا مُحَلِّلًا بَيْنَهُمَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ إِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلِي كَذَا وَإِنْ سَبَقَ الثَّالِثُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَحَلَالٌ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْجَوَازِ الطِّيبُ وَالْحِلُّ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا، وَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ لِاثْنَيْنِ أَيُّكُمَا سَبَقَ فَلَهُ كَذَا وَإِنَّمَا جُوِّزَ السَّبْقُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِوُجُودِ الْآثَارِ فِيهَا وَلَا أَثَرَ فِي غَيْرِهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3252 -
وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3252 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» ) : لِدَلَالَتِهِ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ، وَالْأَهْلُ يَشْمَلُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبَ بَلِ الْأَجَانِبَ أَيْضًا، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) : فَإِنَّهُ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ) : أَيْ: وَاحِدٌ مِنْكُمْ وَمِنْ جُمْلَةِ أَهَالِيكُمْ (فَدَعُوهُ) : أَيِ: اتْرُكُوا ذِكْرَ مُسَاوِيهِ فَإِنَّ تَرْكَهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، دَلَّهُمْ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُجَامَلَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ " «اذْكُرُوا مَوْتَاكُمْ بِالْخَيْرِ» "، وَقِيلَ: إِذَا مَاتَ فَاتْرُكُوا مَحَبَّتَهُ وَالْبُكَاءَ عَلَيْهِ وَالتَّعَلُّقَ بِهِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: فَاتْرُكُوهُ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيمَا اخْتَارَ خَالِقُهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ أَيْ دَعُوا التَّحَسُّرَ وَالتَّلَهُّفَ عَلَيَّ فَإِنَّ فِي اللَّهِ خَلَفًا عَنْ كُلِّ فَائِتٍ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِذَا مُتُّ فَدَعُونِي وَلَا تُؤْذُونِي بِإِيذَاءِ عِتْرَتِي وَأَهْلِ بَيْتِي وَصَحَابَتِي وَأَتْبَاعِ مِلَّتِي (وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) : أَيْ: عَنْهَا.
3253 -
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ لِأَهْلِي.
ــ
3253 -
(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ لِأَهْلِي) : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ حَدِيثَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ فَلَا تُطْلَبُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّيُوطِيَّ ذَكَرَ هَذَا الْمِقْدَارَ وَقَالَ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِلنِّسَاءِ» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي مِنْ بَعْدِي» .
3254 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ» . رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ.
ــ
3254 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا) : أَيْ: خَمْسَ صَلَوَاتِهَا فِي أَوْقَاتِ طِهَارَتِهَا، وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ (وَصَامَتْ شَهْرَهَا) : أَيْ: شَهْرَ رَمَضَانَ أَدَاءً وَقَضَاءً (وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) : أَيْ: مَنَعَتْ نَفْسَهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ (وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا) : أَيْ: زَوْجَهَا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الطَّاعَةُ (فَلْتَدْخُلْ) : أَيِ: الْجَنَّةَ (مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ) : إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ دُخُولِهَا وَإِيمَاءٌ إِلَى سُرْعَةِ وُصُولِهَا وَحُصُولِهَا (رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ) : أَيْ: حِلْيَةُ الْأَبْرَارِ.
3255 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3255 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ) : وَالسُّجُودُ كَمَالُ الِانْقِيَادِ (لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) : أَيْ: لِكَثْرَةِ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا وَعَجْزِهَا عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا وَفِي هَذَا غَايَةُ الْمُبَالَغَةِ لِوُجُوبِ إِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ قَاضِي خَانْ: إِنْ سَجَدَ لِلسُّلْطَانِ إِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّعْظِيمَ وَالتَّحِيَّةَ دُونَ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا وَأَصْلُهُ أَمْرُ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَسُجُودُ إِخْوَةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
3256 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3256 -
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا) : أَيِ: الْعَالِمُ الْمُتَّقِي (عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ) : لِمُرَاعَاتِهَا حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ عِبَادِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
3257 -
وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3257 -
(وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَهُ) : هُنَا التَّرْكِيبُ مِنْ قَبِيلِ " {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] "(لِحَاجَتِهِ) : أَيِ: الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ (فَلْتَأْتِهِ) : أَيْ: لِتُجِبْ دَعْوَتَهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ) : أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ تَخْبِزُ عَلَى التَّنُّورِ مَعَ أَنَّهُ شُغْلٌ شَاغِلٌ لَا يُتَفَرَّغُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهُنَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُبْزُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ دَعَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ، وَتَلَفُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ وُقُوعِ الزَّوْجِ فِي الزِّنَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَلَفْظُهُ " «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْتُجِبْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ» .
3258 -
وَعَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
3258 -
(وَعَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُؤْذِي) : بِصِيغَةِ النَّفْيِ (امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجُهُ مِنَ الْحَوَرِ الْعَيْنَ: لَا تُؤْذِيهِ) : نَهْيُ مُخَاطَبَةٍ (قَاتَلَكِ اللَّهُ) : أَيْ: لَعَنَكِ عَنْ رَحْمَتِهِ وَأَبْعَدَكِ عَنْ جَنَّتِهِ (فَإِنَّمَا هُوَ) : أَيِ: الزَّوْجُ (عِنْدَكَ دَخِيلٌ) : أَيْ: ضَيْفٌ وَنَزِيلٌ (يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا) : أَيْ: وَاصِلًا إِلَيْنَا وَنَازِلًا عَلَيْنَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ لَعْنِ الْمَلَائِكَةِ لِعَاصِيَةِ الزَّوْجِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَأَ الْأَعْلَى يَطَّلِعُونَ عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
3259 -
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3259 -
(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي صُحْبَتِهِ نَظَرٌ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَكِيمِ وَقَتَادَةُ رضي الله عنهم (عَنْ أَبِيهِ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا) : بِالنَّصْبِ (إِذَا اكْتَسَيْتَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ اهْتِمَامًا بِثَبَاتِ مَا قَصَدَ مِنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَعْنِي كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، فَالْمُرَادُ بِالْخِطَابِ عَامٌّ لِكُلِّ زَوْجٍ أَيْ يَجِبُ عَلَيْكَ إِطْعَامُ الزَّوْجَةِ وَكِسْوْتُهَا عِنْدَ قُدْرَتِكَ عَلَيْهِمَا لِنَفْسِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: قَوْلُهُ إِذَا طَعِمْتَ بِتَاءِ الْخِطَابِ بِلَا تَأْنِيثٍ وَكَذَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَبِتَاءِ التَّأْنِيثِ فِيهِمَا غَلَطٌ أَيْ رِوَايَةٌ وَدِرَايَةٌ (وَلَا تَضْرِبْ) : أَيْ: وَأَنْ لَا تَضْرِبَ (الْوَجْهَ) : فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْإِعْضَاءِ وَأَظْهَرُهَا وَمُشْتَمِلٌ عَلَى أَجْزَاءٍ شَرِيفَةٍ وَأَعْضَاءٍ لَطِيفَةٍ، وَيَجُوزُ ضَرْبُ غَيْرِ الْوَجْهِ إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا فَاحِشَةٌ أَوْ تَرَكَتْ فَرِيضَةً، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ غَيْرِ الْوَجْهِ، قُلْتُ: فَكَانَ الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ فَاضْرِبُوهُنَّ قَالَ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ نَهْيًا عَامًّا يَعْنِي فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَوِ الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ " الْوَجْهُ " وَلَمْ يَقُلْ " وَجْهَهَا ": وَمِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لِلزَّوْجِ: أَنْ يَضْرِبَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا: تَرْكُ الزِّينَةِ إِذَا أَرَادَ الزَّوْجُ الزِّينَةَ، وَالثَّانِيَةُ: تَرْكُ الْإِجَابَةِ إِذَا أَرَادَ الْجِمَاعَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَالثَّالِثَةُ: تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَتَرْكُ الْغُسْلِ عَنِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالرَّابِعَةُ: الْخُرُوجُ عَنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (وَلَا تُقَبِّحْ) : بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ لَا تَقُلْ لَهَا قَوْلًا قَبِيحًا وَلَا تَشْتُمْهَا وَلَا قَبَّحَكِ اللَّهُ وَنَحْوَهُ (وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) : أَيْ: لَا تَتَحَوَّلْ عَنْهَا أَوْ لَا تُحَوِّلْهَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34](رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) .
3260 -
وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي امْرَأَةً فِي لِسَانِهَا شَيْءٌ يَعْنِي الْبَذَاءَ، قَالَ: طَلِّقْهَا، قُلْتُ: إِنَّ لِي مِنْهَا وَلَدًا وَلَهَا صُحْبَةٌ، قَالَ: فَمُرْهَا، يَقُولُ: عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَقْبَلُ، وَلَا تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَكَ ضَرْبَكَ أُمَيَّتَكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3260 -
(وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفِي أَسْمَاءِ الْمُصَنَّفِ لَقِيطُ بْنُ عَامِرِ بْنِ صَبِرَةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ (قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي امْرَأَةً فِي لِسَانِهَا شَيْءٌ يَعْنِي الْبَذَاءَ» ) : بِالْمَدِّ وَفَتَحِ الْبَاءِ أَيِ الْفُحْشَ وَالْإِيذَاءَ (قَالَ طَلِّقْهَا) : أَيْ: إِنْ لَمْ تَصْبِرْ عَلَيْهَا وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ (قُلْتُ إِنَّ لِي مِنْهَا وَلَدًا) : بِفَتْحَتَيْنِ يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ وَالْجَمْعَ (وَلَهَا صُحْبَةٌ) : أَيْ: مُعَاشَرَةٌ قَدِيمَةٌ (قَالَ فَمُرْهَا) : أَيْ: بِالْمُعَاشَرَةِ الْجَمِيلَةِ مُطْلَقًا، أَوْ عَنْ قِبَلِي وَعَلَى لِسَانِي (يَقُولُ) : هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي مُسْتَأْنَفٌ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ " مُرْهَا " يَعْنِي (عِظْهَا) : أَمْرٌ مِنَ الْوَعْظِ بِمَعْنَى النَّصِيحَةِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فَعِظُوهُنَّ (فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ) : أَيْ: شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ (فَسَتَقْبَلُ) : أَيْ: وَعْظَكَ (وَلَا تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَكَ) : أَيْ: زَوْجَتَكَ (ضَرَبَكَ أُمَيَّتَكَ) : بِالتَّصْغِيرِ أَيْ جُوَيْرِيَتَكَ أَيْ لَا تَضْرِبِ الْحُرَّةَ مِثْلَ ضَرْبِكَ لِلْأَمَةِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ لِطَيْفٌ إِلَى الْأَمْرِ بِالضَّرْبِ بَعْدَ عَدَمِ قَبُولِ الْوَعْظِ ; لَكِنْ يَكُونُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، ثُمَّ الظَّعِينَةُ فِي الْأَصْلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي فِي الْهَوْدَجِ كَنَّى بِهَا عَنِ الْكَرِيمَةِ، وَقِيلَ: هِيَ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا تَظْعَنُ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا مِنَ الظَّعْنِ وَهُوَ الذَّهَابُ، وَالْأَمَةُ أَصْلُهُ أَمَوَةٌ حُذِفَتِ الْوَاوُ ثُمَّ رُدَّتْ فِي التَّصْغِيرِ وَقُلِبَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ، وَإِنَّمَا صَغَّرَ الْأَمَةَ مُبَالَغَةً فِي حَقَارَتِهَا أَوْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ تَحْتَاجُ إِلَى الضَّرْبِ وَالتَّأْدِيبِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3261 -
وَعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءِ اللَّهِ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3261 -
(وَعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) : أَيِ: الدَّوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا نَعْرِفُ لَهُ صُحْبَةً لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ) : أَيْ: زَوْجَاتِكُمْ فَإِنَّهُنَّ جَوَارٍ لِلَّهِ كَمَا أَنَّ الرِّجَالَ عَبِيدٌ لَهُ تَعَالَى (فَجَاءَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَأَتَى (عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ) : مِنْ بَابِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثَ وَمِنْ وَادِي قَوْلِهِ تَعَالَى جل جلاله {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه: 62] أَيِ اجْتَرَأْنَ وَنَشَذْنَ وَغَلَبْنَ (عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ) فَأَطَافَ هَذَا بِالْهَمْزِ يُقَالُ أَطَافَ أَيْ طَافَ بِالشَّيْءِ أَلَمَّ بِهِ وَقَارَنَهُ أَيِ اجْتَمَعَ وَنَزَلَ (بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ: بِأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ (نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ) : أَيْ: مِنْ ضَرْبِهِمْ إِيَّاهُنَّ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ طَافَ) : هَذَا بِلَا هَمْزٍ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ لَقَدْ طَافَ صَحَّ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَالْأَوَّلُ هَمْزٌ وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ كَلَامًا بِالْهَمْزِ، اهـ. فَهُوَ مِنْ طَافَ حَوْلَ الشَّيْءِ أَيْ دَارَ (بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ) : دَلَّ عَلَى أَنَّ الْآلَ يَشْمَلُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (لَيْسَ أُولَئِكَ) : أَيِ: الرِّجَالُ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ نِسَائَهُمْ ضَرْبًا مُبَرِّحًا أَوْ مُطْلَقًا (بِخِيَارِكُمْ) : أَيْ: بَلْ خِيَارُكُمْ مَنْ لَا يَضْرِبُهُنَّ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُنَّ أَوْ يُؤَدِّبُهُنَّ وَلَا يَضْرِبُهُنَّ ضَرْبًا شَدِيدًا يُؤَدِّي إِلَى شِكَايَتِهِنَّ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ ضَرْبَ النِّسَاءِ فِي مَنْعِ حُقُوقِ النِّكَاحِ مُبَاحٌ إِلَّا أَنَّهُ يَضْرِبُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَوَجْهُ تَرَتُّبِ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ فِي الضَّرْبِ يُحْتَمَلُ أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرْبِهِنَّ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ثُمَّ لَمَّا ذَئِرَ النِّسَاءُ أَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مُؤَيِّدًا لَهُ ثُمَّ لَمَّا بَالَغُوا فِي الضَّرْبِ أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى شَكَاسَةِ أَخْلَاقِهِنَّ، فَالتَّحَمُّلُ وَالصَّبْرُ عَلَى سُوءِ أَخْلَاقِهِنَّ، وَتَرْكُ الضَّرْبِ أَفْضَلُ وَأَجْمَلُ، وَيُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ هَذَا الْمَعْنَى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) : فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: " «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ.
3262 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مِنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3262 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مِنَّا) : أَيْ: مِنْ أَتْبَاعِنَا (مِنْ خَبَّبَ) : بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْأُولَى بَعْدَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خَدَعَ وَأَفْسَدَ (امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا) : بِأَنْ يَذْكُرَ مَسَاوِئَ الزَّوْجِ عِنْدَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحَاسِنَ أَجْنَبِيٍّ عِنْدَهَا (أَوْ عَبْدًا) : أَيْ: أَفْسَدَهُ (عَلَى سَيِّدِهِ) : بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الْإِفْسَادِ، وَفِي مَعْنَاهُمَا إِفْسَادُ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ وَالْجَارِيَةِ عَلَى سَيِّدِهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَلَفْظُهُ " «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ وَمَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» ".
3263 -
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3263 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ مِنْ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ لِأَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ يُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ، وَالْإِحْسَانَ إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسَانِ (وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ) : أَيْ: عَلَى الْخُصُوصِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
3264 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ خُلُقًا.
ــ
3264 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا) : أَيْ: مِنْ خِيَارِكُمْ (أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) : أَيْ: مِنْ أَكْمَلِهِمْ (وَخِيَارُكُمْ) : أَيْ: مَعَ عُمُومِ الْخُلُقِ (خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ) : لِأَنَّهُنَّ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ لِضَعْفِهِنَّ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : أَيِ: الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ (وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ خُلُقًا) .
3265 -
ــ
3265 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ) : مَكَانٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ نِصْفُ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إِلَى دِمَشْقِ الشَّامِ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ وَكَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَذِكْرُ الْبُخَارِيِّ لَهَا بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَعَلَّهُ خَطَّأٌ مِنَ النُّسَّاخِ. (أَوْ خَيْبَرَ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي عَنْهَا وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَادٍ بِقُرْبِ ذِي الْمِجَازِ، وَقِيلَ مَاءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ لَيَالٍ قُرْبَ الطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ حِينَ فَتْحِ مَكَّةَ (وَفِي سَهْوَتِهَا) : بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ صُفَّتِهَا قُدَّامَ الْبَيْتِ وَقِيلَ: بَيْتٌ صَغِيرٌ مُنْحَدَرٌ فِي الْأَرْضِ قَلِيلًا شَبِيهٌ بِالْمَخْدَعِ وَقِيلَ هُوَ شَبِيهٌ بِالرَّفِّ وَالطَّاقُ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحَ قَوْلُهُ " وَفِي بَهْوَتِهَا "، الْبَهْوَةُ: الْبَيْتُ الْمُقَدَّمُ أَمَامَ الْبُيُوتِ، وَرُوِيَ " سَهْوَتِهَا " بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (سِتْرٌ) : بِكَسْرِ السِّينِ (فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ) : أَيْ: بَيَّنَتْ وَأَظْهَرَتْ (نَاحِيَةَ السِّتْرِ أَيْ طَرَفَهُ الْمَكْشُوفَ بِالرِّيحِ (عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ) : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ (قَالَ مَا هَذَا) : أَيِ: الَّذِي رَأَيْنَاهُ خَلْفَ السَّتْرِ (يَا عَائِشَةَ قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى) : أَيْ: وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مِنْهُنَّ) : أَيْ: بَيْنَ الْبَنَاتِ (فَرَسًا لَهُ) : أَيِ: الْفَرَسِ (جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رُقْعَةٍ وَهِيَ الْخِرْقَةُ وَمَا يُكْتُبُ عَلَيْهِ. (فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى) : أَيْ: أَبْصُرُهُ (وَسْطَهُنَّ) : بِالسُّكُونِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ بِمَعْنَى بَيْنَ نَحْوَ جَلَسْتُ وَسْطَ الْقَوْمِ أَيْ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ وَسْطَ الْقَوْمِ بِالتَّسْكِينِ، وَسَطَ الدَّارِ بِالتَّحْرِيكِ، وَقَالَ: كُلُّ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالتَّسْكِينِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ (قَالَتْ: فَرَسٌ قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ قَالَتْ: جَنَاحَانِ قَالَ: فَرَسٌ لَهُ
جَنَاحَانِ) : بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ) : أَيْ: مِنَ النَّاسِ (أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ) : أَيْ: أَوَاخِرَ أَسْنَانِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ عَدَمُ إِنْكَارِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَعِبِهَا بِالصُّورَةِ وَإِبْقَائِهَا فِي بَيْتِهَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ إِيَّاهَا، أَوْ يُقَالُ: لُعَبُ الصِّغَارِ مَظِنَّةُ الِاسْتِخْفَافِ، اهـ. وَالثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَزَوُّجَهَا بِمَكَّةَ فِي عَشْرٍ مِنْ شَوَّالَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثٍ وَلَهَا سِتُّ سِنِينَ، وَالْغَزْوَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَالْأُخْرَى سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَبِالْيَقِينِ تَجَاوَزَتْ عَائِشَةُ حِينَئِذٍ حَدَّ الْبُلُوغِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3266 -
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
3266 -
(عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْحِيرَةَ) : بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ بَلْدَةٌ قَدِيمَةٌ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ (فَرَأَيْتُهُمْ) : أَيْ: أَهْلَهَا (يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ) : وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الزَّايِ: الْفَارِسُ الشُّجَاعُ الْمُقَدَّمُ عَلَى قَوْمِهِ، دُونَ الْمَلِكِ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقِيلَ: أَهْلُ اللُّغَةِ يَضُمُّونَ مِيمَهُ ثُمَّ إِنَّهُ مُنْصَرِفٌ وَقَدْ لَا يَنْصَرِفُ (فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ " لَرَسُولُ اللَّهِ " بِلَامِ الِابْتِدَاءِ (صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ يُسْجُدَ لَهُ) : أَيْ: لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَكْرَمُ الْمَوْجُودَاتِ (فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ) : أَيْ: تَعْظِيمًا لَهُ وَتَكْرِيمًا (فَأَنْتَ أَحَقُّ) : أَيْ: أَوْلَى وَأَلْيَقُ (مِنْهُ بِأَنْ) : وَفِي نُسْخَةٍ أَنْ (يُسْجَدَ لَكَ فَقَالَ لِي) : إِظْهَارًا لِعَظَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَإِشْعَارًا لِمَذَلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ (أَرَأَيْتَ) : أَيْ: أَخْبَرَنِي (لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ) : أَيْ: لِلْقَبْرِ أَوْ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ (فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا) : خِطَابٌ عَامٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَيْ فِي الْبَلْدَةِ، كَذَلِكَ لَا تَسْجُدُوا قَالَ تَعَالَى {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيِ اسْجُدُوا لِلْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَلِمَنْ مُلْكُهُ لَا يَزُولُ فَإِنَّكَ إِنَّمَا تَسْجُدُ لِي الْآنَ مَهَابَةً وَإِجْلَالًا، فَإِذَا كُنْتُ رَهِينَ رَمْسٍ امْتَنَعْتَ عَنْهُ (لَوْ كُنْتُ آمُرُ) : بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَفِي رِوَايَةٍ " آمِرًا " بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ لَوْ صَحَّ فِي أَنْ آمُرَ، أَوْ لَوْ فُرِضَ أَنِّي كُنْتُ آمِرًا (أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ) : أَيْ: بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ لِعُمُومِ حَقِّهِمْ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ بِالْإِنْبَاءِ (لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ حَقٍّ) : وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الْحَقِّ فَالتَّنْوِينُ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْجِنْسِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ: عَنْ قَيْسٍ وَكَذَا الْحَاكِمُ.
3267 -
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
ــ
3267 -
(وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) : فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدُ عَنْ مُعَاذٍ وَالْحَاكِمُ عَنْ بُرَيْدَةَ.
3268 -
وَعَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3268 -
(وَعَنْ عُمَرَ) : رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ) : نَفْيُ مَجْهُولٍ (فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ) : أَيْ: إِذَا رَاعَى شُرُوطَ الضَّرْبِ وَحُدُودَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ النُّشُوزِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - جَلَّ شَأْنُهُ {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] إِلَى قَوْلِهِ {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَقَوْلُهُ " لَا يُسْأَلُ " عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّحَرُّجِ وَالتَّأَثُّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34] أَيْ أَزِيلُوا عَنْهُنَّ التَّعَرُّضَ بِالْأَذَى وَالتَّوْبِيخِ وَتُوبُوا عَلَيْهِنَّ وَاجْعَلُوا مَا كَانَ مِنْهُنَّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) .
3269 -
ــ
3269 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ قَالَتْ: زَوْجِي صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ) : بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ (يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ وَيُفَطِّرُنِي) : بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَأْمُرُنِي بِالْإِفْطَارِ أَوْ، يُبْطِلُ صَوْمِي (إِذَا صُمْتُ وَلَا يُصَلِّي الْفَجْرَ) أَيْ هُوَ بِنَفْسِهِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) : أَيْ: حَقِيقَةً، أَوْ يَقْرُبُ طُلُوعِهَا (قَالَ) : أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ (وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ) : أَيْ: عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ) : أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ (فَسَأَلَهُ) : أَيْ: صَفْوَانُ (عَمَّا قَالَتْ) : أَيِ: امْرَأَتُهُ (فَقَالَ) : أَيْ: صَفْوَانُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا قَوْلُهَا يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ) : أَيْ: طَوِيلَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ (وَقَدْ نَهَيْتُهَا) : أَيْ: عَنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ أَوْ إِطَالَةِ الصَّلَاةِ (قَالَ) : أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ (فَقَالَ لَهُ) : أَيْ: تَصْدِيقًا لِأَجْلِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَتْ) : اسْمُهُ يَعُودُ إِلَى مَصْدَرِ تَقْرَأُ، أَيْ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سُورَةً وَاحِدَةً) : أَيْ: أَيَّ سُورَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَقْصُرُهَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ سُورَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْفَاتِحَةُ (لَكَفَتِ النَّاسَ) : أَيْ: لَأَجْزَأَتْهُمْ كَافَّتَهُمْ جَمِيعًا وَإِفْرَادًا (قَالَ) : أَيْ: صَفْوَانُ (وَأَمَّا قَوْلُهَا يُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ) : أَيْ: تَذْهَبُ (تَصُومُ) : أَيْ: نَفْلًا (وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَا أَصْبِرُ) : وَفِي نُسْخَةٍ لَا أَصْبِرُ عَنْ جِمَاعِ النَّهَارِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ كَانَ مُشْتَغِلًا بِاللَّيْلِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) : أَيْ: فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ (وَأَمَّا قَوْلُهَا إِنِّي لَا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ) : أَيْ: إِنَّا أَهْلُ صَنْعَةٍ لَا نَنَامُ اللَّيْلَ (قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَلِكَ) : أَيْ: عَادَتُنَا ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْقُونَ الْمَاءَ فِي طُولِ اللَّيَالِي (لَا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ) : أَيْ: إِذَا رَقَدْنَا آخِرَ اللَّيْلِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) : حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا مُشَارَفَةً (قَالَ فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ يَا صَفْوَانُ فَصَلِّ) : أَيْ: أَدَاءً أَوْ قَضَاءً قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا قَبِلَ عُذْرَهُ مَعَ تَقْصِيرِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُقَصِّرْ إِيذَانًا بِحَقِّ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، اهـ. وَفِي إِثْبَاتِ التَّقْصِيرِ لَهُ وَنَفْيِهِ عَنْهَا مَحَلُّ بَحْثٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ فِي تَرْكِهِ التَّعْنِيفَ أَمْرٌ عَجِيبٌ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - بِعِبَادِهِ وَلُطْفِ نَبِيِّهِ وَرِفْقِهِ بِأُمَّتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَلَكَةِ الطَّبْعِ وَاسْتِيلَاءِ الْعَادَةِ، فَصَارَ كَالشَّيْءِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فَعَذَرَهُ فِيهِ، وَلِمَ يُثَرِّبْ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظُنَّ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا ذَلِكَ مَعَ زَوَالِ الْعُذْرِ بِوُقُوعِ التَّنْبِيهِ وَالْإِيقَاظِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَيُشَاهِدُهُ، اهـ. فَكَأَنَّهُ كَانَ إِذَا سَقَى الْمَاءَ طُولَ اللَّيْلِ يَنَامُ فِي مَكَانِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُوقِظُهُ فَيَكُونُ مَعْذُورًا وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) : وَلَيْسَ ابْنُ مَاجَهْ فِي نُسْخَةِ عَفِيفِ الدِّينِ.
3270 -
ــ
3270 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ) : رضي الله عنها (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي نَفَرٍ) : أَيْ: مَعَ جَمَاعَةٍ (مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَجَاءَ بِعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ) : أَيْ: لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَسْجُدُ لَكَ الْبَهَائِمُ وَالشَّجَرُ) : أَيْ: مَعَ قِلَّةِ فَهْمِهَا وَعَدَمِ تَكْلِيفِهَا بِتَعْظِيمِكَ (فَنَحْنُ أَحَقُّ) : أَيْ: مِنْهَا (أَنْ نَسْجُدَ لَكَ) : أَيْ: بِالسُّجُودِ لَكَ شُكْرًا لِنِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَوْلَى مِنَ التَّرْبِيَةِ الْأَبَوِيَّةِ (فَقَالَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ) : أَيْ: بِتَخْصِيصِ السَّجْدَةِ لَهُ فَإِنَّهَا غَايَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَنِهَايَةُ الْعِبَادَةِ (وَأَكْرِمُوا أَخَاكُمْ) : أَيْ: عَظِّمُوهُ تَعْظِيمًا يَلِيقُ لَهُ بِالْمَحَبَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِطَاعَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] وَإِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117] وَأَمَّا سَجْدَةُ الْبَعِيرِ فَخَرْقٌ لِلْعَادَةِ وَاقِعٌ بِتَسْخِيرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَمْرِهِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي فِعْلِهِ وَالْبَعِيرُ مَعْذُورٌ حَيْثُ أَنَّهُ مِنْ رَبِّهِ مَأْمُورٌ كَأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَلَائِكَتَهُ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَالَهُ تَوَاضُعًا وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ، يَعْنِي أَكْرِمُوا مَنْ هُوَ بِشْرٌ مِثْلُكُمْ وَمُفَرَّعٌ مِنْ صُلْبِ أَبِيكُمْ آدَمَ، وَأَكْرِمُوهُ لِمَا كَرَّمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] (وَلَوْ كُنْتُ آمُرُ) : وَفِي رِوَايَةٍ " آمِرًا "(أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ) : أَيْ: بِأَمْرِهِ تَعَالَى (لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) : مُبَالَغَةً فِي وُجُوبِ انْقِيَادِهَا (وَلَوْ أَمَرَهَا) : أَيْ: زَوْجُهَا (أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَصْفَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ) : أَيْ: أَحْجَارَ هَذَا إِلَى ذَاكَ مَعَ أَنَّهُ عَبَثٌ مُطْلَقٌ (وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ) : هُوَ ذَاكَ أَوْ غَيْرُهُ (إِلَى جَبَلٍ أَبْيَضَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كِنَايَةٌ عَنِ الْأَمْرِ الشَّاقِّ
لَنَقْلُ الصَّخْرِ مَنْ قُلَلِ الْجِبَالِ
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرِّجَالِ
وَتَخْصِيصُ اللَّوْنَيْنِ تَتْمِيمٌ لِلْمُبَالَغَةِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ أَحَدُهُمَا بِقُرْبِ الْآخَرِ (كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْعَلَهُ) : بِنَاءً عَلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْقِيَامِ بِشُكْرِ النِّعْمَةِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) ، وَذِكْرُهُ فِي الْمَوَاهِبِ أَبْسَطُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْقُونَ عَلَيْهِ أَيْ يَسْتَقُونَ وَإِنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، وَإِنَّ الْأَنْصَارَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْتَقِي عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْنَا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ وَقَدْ عَطِشَ النَّخْلُ وَالزَّرْعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَقَامُوا فَدَخَلَ الْحَائِطَ يَعْنِي الْبُسْتَانَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَةٍ فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ فَقَالَتْ: الْأَنْصَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَ قَطُّ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ وَنَحْنُ نَعْقِلُ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَوْ صَلَحَ لَبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لَعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» .