المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب إحياء الموات والشرب] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب إحياء الموات والشرب]

2990 -

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ فَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

2990 -

(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا) أَيْ: أَعْطَانِيهَا هَدِيَّةً، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْسَ فِي قَصِيدَتِهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْ تَأْنِيثِهِ (مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ) أَيِ: الْقُرْآنَ وَيُحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ (وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ) أَيْ: عَظِيمٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ:" الْجُمْلَةُ حَالٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْسًا لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ صِرْفَةٌ فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ أَهْدَى أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ " يُرِيدُ أَنَّ الْقَوْسَ لَمْ يَعْهَدْ فِي التَّعَارُفِ أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ أَوْ لَيْسَتْ بِمَالٍ أَقْتَنِيهِ لِلْبَيْعِ بَلْ هِيَ عُدَّةٌ (فَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ تَجْعَلُ الْقَوْسَ (طَوْقًا) أَيْ: تُطَوَّقُ أَنْتَ بِطَوْقٍ (مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا) وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله:" وَوَجْهُهُ أَنَّ عُبَادَةَ لَمْ يَرَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَاسْتَفْتَى أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَهْوَ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ أَمْ لَا، أَنْتَهِي عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ فَآخُذُهُ؟ فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأُجْرَةِ فِي شَيْءٍ لِتَأْخُذَ حَقًّا لَكَ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُبْطِلُ إِخْلَاصَكَ الَّذِي نَوَيْتَهُ فِي التَّعْلِيمِ فَانْتَهِ عَنْهُ اه كَلَامُهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُلَائِمُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَمَرَامِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: "«مَنْ أَخَذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ قَوْسًا قَلَّدَهُ اللَّهُ مَكَانَهُ قَوْسًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".

ص: 1995

[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

2991 -

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ، قَالَ عُرْوَةُ: " قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

(بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَالشِّرْبِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، فِي الْمُغْرِبِ:" الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الْخَرَابُ وَخِلَافُهُ الْعَامِرُ "، وَعَنِ الطَّحَاوِيِّ: هُوَ مَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ وَلَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ وَكَانَتْ خَارِجَةَ الْعَامِرِ سَوَاءٌ قَرُبَتْ مِنْهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَالشِّرْبُ بِالْكَسْرِ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْبَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ سَقْيًا لِلْمَزَارِعِ أَوِ الدَّوَابِّ.

2991 -

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)(عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ عَمَرَ أَرْضًا) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِهَا، وَفِي بَعْضِ نَسْخِ الْمَصَابِيحِ بِزِيَادَةِ أَلْفٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ أَعْمَرْتُ الْأَرْضَ وَجَدْتُهَا عَامِرَةً وَمَا جَاءَ بِمَعْنَى عَمَّرَ، وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ " مَنْ عَمَرَ "، وَقِيلَ: جَوَابُهُ أَنَّهُ جَاءَ أَعْمَرَ اللَّهُ بِكَ مَنْزِلَكَ. بِمَعْنَى عَمَّرَ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ أَعْمَرْتُ الْأَرْضَ بِمَعْنَى عَمَّرْتُهَا إِذِ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ وَفِي الْحَقَائِقِ اطِّرَادُهَا، قَالَ الْإِشْرَافُ:" وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الْجَوْهَرِيَّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ " أَعْمَرَ اللَّهُ بِكَ مَنْزِلَكَ "، " وَعَمَّرَ اللَّهُ بِكَ "، ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ أَعْمَرَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ بِالْأَلِفِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي زَيْدٍ. وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَسْقَلَانِيِّ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: " مَنْ أَعْمَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ كَذَا وَقَعَ، وَالصَّوَابُ عَمَرَ ثُلَاثِيًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم: 9] ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَيْ نَفْسِهِ فِيهَا عَمَارًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: " وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مِنَ اعْتَمَرَ أَرْضًا أَيِ اتَّخَذَهَا وَسَقَطَتِ التَّاءُ مِنَ الْأَصْلِ " وَقَالَ

ص: 1995

غَيْرُهُ: قَدْ سُمِعَ فِيهِ الرُّبَاعِيُّ يُقَالُ: أَعْمَرَ اللَّهُ بِكَ مَنْزِلَكَ، فَالْمُرَادُ مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا بِالْإِحْيَاءِ (لَيْسَتْ) أَيْ: تِلْكَ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً (لِأَحَدٍ) بِأَنْ يَكُونَ مَوَاتًا (فَهُوَ) أَيِ: الْعَامِرُ (أَحَقُّ) أَيْ: بِهَا كَمَا فِي نُسْخَةٍ يَعْنِي بِتِلْكَ الْأَرْضِ لَكِنْ بِشَرْطِ إِذْنِ الْإِمَامِ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِخَبَرِ " لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ "، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنْ يُحْمَلَ السَّاكِتُ عَلَى النَّاطِقِ إِذَا كَانَ فِي حَادِثَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ أَحَقُّ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَيْ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: مَنْ أُعْمِرَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَعْمَرُهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْإِمَامَ وَذَكَرَهُ الْحَمِيدِيُّ فِي جَامِعِهِ بِلَفْظِ: مَنْ عَمَرَ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ "، وَقَالَ الْقَاضِي: " مَنْطُوقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ كَافِيَةٌ فِي التَّمْلِيكِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ السُّلْطَانِ، وَمَفْهُومُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّحَجُّرِ وَالْإِعْلَامِ لَا يُمَلِّكُ بَلْ مِنَ الْعِمَارَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ (قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ) أَيْ: حَكَمَ بِذَلِكَ (عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ) أَيْ: بِلَا إِنْكَارٍ عَلَيْهِ فَلَا نَسْخَ لِهَذَا الْحَدِيثِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 1996

2992 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2992 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ اللَّيْثِيُّ كَانَ يَنْزِلُ وَدَّانَ وَالْأَبْوَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا حِمَى) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ وَهُوَ مَكَانٌ يُحْمَى مِنَ النَّاسِ وَالْمَاشِيَةِ لِيَكْثُرَ كَلَؤُهُ (إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْمِي لِخَيْلِ الْجِهَادِ وَإِبِلِ الصَّدَقَةِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:" كَانَتْ رُؤَسَاءُ الْأَحْيَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَحْمُونَ الْمَكَانَ الْخَصِيبَ لِخَيْلِهِمْ وَإِبِلِهِمْ وَسَائِرِ مَوَاشِيهِمْ فَأَبْطَلَهُ صلى الله عليه وسلم وَمَنَعَهُ أَنْ يَحْمِيَ إِلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ " وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَإِنَّمَا حَمَى النَّقِيعَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلِلْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ وَاسِعًا فَتَضِيقُ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْمِيَ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحْمِي لِلْمَصَالِحِ؟ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ لِلْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ عَلَى نَحْوِ مَا حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ ضَرَرُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:" الْمَعْنَى لَا حِمَى لِأَحَدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَمَاهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ " وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ: " كَانَ الشَّرِيفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا نَزَلَ أَرْضًا فِي حَيِّهِ اسْتَعْوَى كَلْبًا فَحَمَى مَدْعُوَاءَ الْكَلْبِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَهُوَ يُشَارِكُ الْقَوْمَ فِي سَائِرِ مَا يَرْعَوْنَ فِيهِ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ وَأَضَافَ الْحِمَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ أَيْ إِلَّا مَا يُحْمَى لِلْخَيْلِ الَّتِي تُرْصَدُ لِلْجِهَادِ وَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِبِلِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا كَمَا حَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّقِيعَ لِنِعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ص: 1996

2993 -

وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: «خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2993 -

(عَنْ عُرْوَةَ) أَيِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ (قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ) أَيِ: ابْنُ الْعَوَّامِ بْنِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهُوَ بْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً ; فَعَذَّبَهُ عَمُّهُ بِالدُّخَانِ ; لِيَتْرُكَ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَلَّ السَّيْفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَثَبَتَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ أَحَدُ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزَ بِسَفَوَانَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ فِي أَرْضِ الْبَصْرَةِ سَنَةَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِوَادِي السِّبَاعِ ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَقَبَرُهُ مَشْهُورٌ بِهَا، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَاكَمَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرَاجٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْجِيمِ مَسَايِلُ الْمَاءِ أَحَدُهَا شُرْجَةٌ (مِنَ الْحَرَّةِ) أَيْ: أَرْضٍ ذَاتِ الْحِجَارَةِ السُّودِ إِذْ كَانَا يَسْقِيَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ جَارٍ فَتَنَازَعَا فِي تَقْدِيمِ السَّقْيِ فَتَدَافَعَا إِلَيْهِ

ص: 1996

- صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْقِ يَا زُبَيْرُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَقْطُوعَةِ وَبِكَسْرِهَا الْمَوْصُولَةِ (ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) فَإِنَّ أَرْضَ الزُّبَيْرِ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ (فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ حَكَمْتَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ أَوْ بِسَبَبِ أَنْ (كَانَ) أَيِ: الزُّبَيْرُ (ابْنَ عَمَّتِكَ) قَالَ الْقَاضِي: " وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِأَنْ أَوْ لِأَنْ وَحَرْفُ الْجَرِّ يُحْذَفُ مَعَهَا لِلتَّخْفِيفِ كَثِيرًا فَإِنَّ فِيهَا مَعَ صِلَتِهَا طُولًا أَيْ وَهَذَا التَّقْدِيمُ وَالتَّرْجِيحُ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ) وَبِسَبَبِهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] أَيْ لَا تُطِعْهُ مَعَ هَذِهِ الْمَثَالِبِ لِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَلِهَذَا الْمَقَالِ نُسِبَ الرَّجُلُ إِلَى النِّفَاقِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: وَقَدِ اجْتَرَأَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِنِسْبَةِ الرَّجُلِ تَارَةً إِلَى النِّفَاقِ قَالَ: وَأُخْرَى إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ زَائِغٌ عَنِ الْحَقِّ إِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا وَلَمْ يَكُنِ الْأَنْصَارُ مِنْ جُمْلَةِ الْيَهُودِ، وَلَوْ كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ لَمْ يَصِفُوهُ بِهَذَا الْوَصْفِ فَإِنَّهُ وَصْفُ مَدْحٍ، وَالْأَنْصَارُ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ يُرْمَى بِالنِّفَاقِ فَإِنَّ الْقَرْنَ الْأَوَّلَ وَالسَّلَفَ بَعْدَهُمْ تَحَرَّجُوا وَاحْتَرَزُوا أَنَّ يُطْلِقُوا عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِالنِّفَاقِ وَاشْتُهِرَ بِهِ الْأَنْصَارِيَّ، وَالْأَوْلَى بِالشَّحِيحِ بِدِينِهِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا قَوْلٌ أَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِتَمَكُّنِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَغَيْرُ مُسْتَبْدَعٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الِابْتِلَاءُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: " قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُنَافِقًا وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنْصَارِيٌّ لَا يُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ لَا مِنَ الْأَنْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] الْآيَةَ فَلِهَذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: لَوْ صَدَرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ كَافِرًا وَجَرَتْ عَلَى قَائِلِهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْقَتْلِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ وَيَدْفَعُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ وَيَقُولُ:«لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (فَتَلَوَّنُ وَجْهُهُ) أَيْ: تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّةِ وَقُبْحِ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ (ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ) أَيِ: امْسِكْهُ وَامْنَعْهُ (حَتَّى يَرْجِعَ) أَيْ: يَصِلَ الْمَاءُ (إِلَى الْجَدْرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَرُوِيَ بِضَمَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ جِدَارٍ، قِيلَ: إِنَّهُ الْمُسَنَّاةُ وَهِيَ لِلْأَرْضِ كَالْجِدَارِ لِلدَّارِ يَعْنِي الْحَائِلَ بَيْنَ الْمَشَارِبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْجِدَارُ وَقِيلَ: هُوَ أَصْلُ الْجِدَارِ وَقَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِأَنْ يَرْتَفِعَ الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى يَبْلُغَ كَعْبَ رِجْلِ الْإِنْسَانِ (ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) أَمَرَهُ بِمَدَى الْحُكْمِ (فَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَقَّهُ) أَيِ: اسْتَوْفَاهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوِعَاءِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ كَأَنَّهُ جَمَعَهُ فِي وِعَائِهِ، وَالْمَعْنَى أَعْطَى الزُّبَيْرَ حَقَّهُ تَامًّا (فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ) أَيْ: أَغْضَبَ (وَكَانَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَشَارَ) أَيْ: أَوَّلًا (لَهُمَا بِأَمْرٍ فِيهِ سَعَةٌ) أَيْ: مَنْفَعَةٌ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ إِلَى جَارِكَ كَانَ أَمْرًا لِلزُّبَيْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَخْذًا بِالْمُسَامَحَةِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى الْأَنْصَارِيَّ يَجْهَلُ مَوْضِعَ حَقِّهِ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرَ بِاسْتِيفَاءِ تَمَامِ حَقِّهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ التَّعْزِيرِ حَيْثُ لَمْ يُعَزِّرِ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِمَا أَغْضَبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ: كَانَ قَوْلُهُ الْآخَرُ عُقُوبَةً فِي مَالِهِ وَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ إِذْ ذَاكَ يَقَعُ بَعْضُهَا فِي الْأَمْوَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ فِي حَالِ غَضَبِهِ مَعَ نَهْيِهِ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ غَضْبَانُ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي السُّخْطِ وَالرِّضَا إِلَّا حَقًّا، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مِيَاهَ الْأَوْدِيَةِ وَالسُّيُولِ الَّتِي لَا يُمْلَكُ مَنَابِعُهَا وَمَجَارِيهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَالنَّاسُ شَرْعٌ وَسَوَاءٌ وَإِنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْبِ الْأَعْلَى مُقَدَّمُونَ عَلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ لِسَبْقِهِمْ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ عَمَّنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ بَعْدَمَا أَخَذَ مِنْهُ حَاجَتَهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1997

2994 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لَا تَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلَأِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2994 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ» ) أَيِ: الْمُبَاحِ، وَمَضَى شَرْحُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنَ الْبُيُوعِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1998

2995 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذُكِرَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ.

ــ

2995 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ: كَلَامَ الرِّضَا دُونَ كَلَامِ الْمُلَازَمَةِ (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) أَيْ: نَظَرَ رَحْمَةٍ دُونَ نَظَرِ نِقْمَةٍ (رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ) بِالْكَسْرِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ) كِلَا الْفِعْلَيْنِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهَذَا مَا حَلَفَ بِهِ الرَّجُلُ، وَلَوْ حَكَى قَوْلَهُ لَقِيلَ: قَدْ أُعْطِيتَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَهُ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ بِنَاءٌ لِلْمَفْعُولِ وَالثَّانِي لِلْفَاعِلِ، أَيْ طُلِبَ مِنِّي هَذَا الْمَتَاعِ قَبْلَ هَذَا بِأَزْيَدَ مِمَّا طَلَبَتْهُ (وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ) أَيْ: بِيَمِينٍ أَوْ عَلَى مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ غَيْرِ وَاقِعٍ وَهُوَ عَالِمٌ (بَعْدَ الْعَصْرِ) إِنَّمَا خُصَّ بِهِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ الْمُغَلَّظَةَ تَقَعُ فِيهِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ وَقْتُ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ بِغَيْرِ رِبْحٍ فَحَلَفَ كَاذِبًا بِالرِّبْحِ، وَقِيلَ: ذَكَرَهُ لِشَرَفِ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَغْلَظَ وَأَشْنَعَ ; وَلِذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْعُدُ لِلْحُكُومَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ (لِيَقْتَطِعَ) أَيْ: لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ (بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) وَكَذَا حَكَمَ مَالَ الذِّمِّيِّ (وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَضْلَ مَائِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ " «وَرَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ» " (فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَاءٍ) بِالْهَمْزِ (لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ) صِفَةُ مَاءٍ وَالرَّاجِعُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيهِ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ: خَرَجَ بِقُدْرَتِي لَا بِسَعْيِكَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذُكِرَ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه) أَيْ: قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» (فِي بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ) يَعْنِي فَإِنَّهُ أَنْسَبُ بِذَلِكَ الْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ص: 1998

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

2996 -

عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

2996 -

(الْفَصْلُ الثَّانِي)(عَنِ الْحَسَنِ) أَيِ: الْبَصْرِيِّ (عَنْ سَمُرَةَ) أَيِ: ابْنِ جُنْدُبٍ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا) أَيْ: جَعَلَ وَأَدَارَ حَائِطًا أَيْ جِدَارًا (عَلَى الْأَرْضِ) أَيْ: حَوْلَ أَرْضٍ مَوَاتٍ فَهُوَ أَيْ فَصَارَ ذَلِكَ الْمَحُوطُ (لَهُ) أَيْ: مِلْكًا لَهُ أَيْ مَا دَامَ فِيهِ كَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:" يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَرَى التَّمْلِيكَ بِالتَّحْجِيرِ وَلَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إِنَّمَا هُوَ بِالْإِحْيَاءِ وَتَحْجِيرُ الْأَرْضِ وَإِحَاطَتِهِ بِالْحَائِطِ لَيْسَ مِنَ الْإِحْيَاءِ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْبَيَانِ إِذْ لَيْسَ كُلُّ أَرْضٍ تُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ " قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " كَفَى بِهِ بَيَانًا قَوْلُهُ أَحَاطَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَنَى حَائِطًا مَانِعًا مُحِيطًا بِمَا يَتَوَسَّطُهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ نَحْوَ أَنْ يَبْنِي حَائِطًا لِحَظِيرَةِ غَنَمٍ أَوْ زَرِيبَةٍ لِلدَّوَابِّ "، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: " إِذَا أَرَادَ زَرِيبَةً لِلدَّوَابِّ أَوْ حَظِيرَةً يُجَفِّفُ فِيهَا الثِّمَارَ أَوْ يَجْمَعُ فِيهَا الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ اشْتُرِطَ التَّحْوِيطُ وَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ وَأَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 1998

2997 -

وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ لِلزُّبَيْرِ نَخِيلًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

2997 -

(عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: زَوْجَةِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ) أَيْ: أَعْطَى (لِلزُّبَيْرِ نَخِيلًا) قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: " الْإِقْطَاعُ تَعْيِينُ قِطْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ لِغَيْرِهِ " وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " الْإِقْطَاعُ نَوْعَانِ بِحَسَبِ مَحَلِّهِ إِقْطَاعُ تَمَلُّكٍ وَهُوَ الَّذِي تُمَلَّكُ فِيهِ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا مَرَّ وَإِقْطَاعُ إِرْفَاقٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِحَالٍ كَإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَقْعَدًا مِنْ مَقَاعِدِ السُّوقِ أَحَدًا لِيَقْعُدَ لِلْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَانَ إِقْطَاعُ الزُّبَيْرِ مِنِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: " النَّخْلُ مَالٌ ظَاهِرُ الْعَيْنِ حَاضِرُ النَّفْعِ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْخُمْسِ الَّذِي سَهْمُهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ فَيُتَمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 1999

2998 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ لِلزُّبَيْرِ حُضْرَ فَرَسِهِ فَأَجْرَى فَرَسَهَ حَتَّى قَامَ ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ فَقَالَ: أَعْطُوهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

2998 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَقْطَعَ لِلزُّبَيْرِ حُضْرَ فَرَسِهِ» ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ أَيْ: عَدْوَهَا وَنَصْبُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: قَدْرِ مَا تَعْدُو عَدْوَةً وَاحِدَةً (فَأَجْرَى فَرَسَهُ حَتَّى قَامَ) أَيْ: وَقَفَ مَرْكُوبُهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَمْشِي (ثُمَّ رَمَى) أَيِ: الزُّبَيْرَ (بِسَوْطِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةُ أَيْ حَذَفَهُ، فَقَالَ أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَعْطُوهُ) أَمَرَ بِالْإِعْطَاءِ (مِنْ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ) قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: " فِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِقْطَاعِ الْإِمَامِ الْأَرْضَ الْمَمْلُوكَةَ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ إِلَّا بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ ثُمَّ تَارَةً يَقْطَعُ رَقَبَتَهَا وَيُمَلِّكُهَا الْإِنْسَانَ بِمَا يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَيَجُوزُ تَمْلِيكُهَا كَمَا يَمْلِكُ مَا يُعْطِيهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا، وَتَارَةً يُقْطِعُهُ مَنْفَعَتَهَا فَيَسْتَحِقُّ بِهَا الِانْتِفَاعَ مُدَّةَ الِاقْتِطَاعِ وَأَمَّا الْمَوَاتُ فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ إِحْيَاؤُهُ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورِ " اه وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالْمُظَهَّرِ أَنَّ إِقْطَاعَ الزُّبَيْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَوَاتِ فَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 1999

2999 -

«وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ، قَالَ: فَأَرْسَلَ مَعِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَعْطِهَا إِيَّاهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

2999 -

(عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ الْحَضْرَمِيُّ كَانَ قَيْلًا مِنْ أَقْيَالِ حَضْرَمَوْتَ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُقَالُ إِنَّهُ بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ وَقَالَ:«يَأْتِيكُمْ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ مِنْ حَضْرَمَوْتَ طَائِعًا رَاغِبًا فِي اللَّهِ عز وجل» - وَفِي رَسُولِهِ، وَهُوَ بَقِيَّةُ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ مِنْ نَفْسِهِ وَبَسَطَ لَهُ رِدَاءَهُ فَأَجْلَسَهُ وَقَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي وَائِلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ» ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَقْيَالِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنَاهُ عَلْقَمَةُ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ وَغَيْرُهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ) أَيْ: وَائِلًا (أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ) اسْمُ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ بِالْعَلَمِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ: هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ بَلَدٌ وَقَبِيلَةٌ، وَيُقَالُ: حَضْرَ مَوْتَ وَيُضَافُ، فَيُقَالُ هَذَا حَضْرُ مَوْتَ، بِضَمِّ الرَّاءِ، وَإِنْ شِئْتَ لَا تُنَوِّنُ الثَّانِي، قَالَ السُّيُوطِيُّ: " نُقِلَ أَنَّ صَالِحًا لَمَّا هَلَكَ قَوْمُهُ جَاءَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ مَاتَ فَقِيلَ: حَضَرَ مَوْتٌ، وَذَكَرَ الْمُبَرِّدُ أَنَّهُ لَقَبُ عَامِرٍ جَدِّ الْيَمَانِيَةِ كَانَ لَا يَحْضُرُ حَرْبًا إِلَّا كَثُرَتْ فِيهِ الْقَتْلَى فَقَالَ عَنْهُ مَنْ رَآهُ: حَضَرَ مَوْتٌ، بِتَحْرِيكِ الضَّادِ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ فَسَكَنَتْ (قَالَ) أَيْ: وَائِلٌ (فَأَرْسَلَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَعِي مُعَاوِيَةَ قَالَ) أَيْ: لِمُعَاوِيَةَ (أَعْطِهَا إِيَّاهُ) أَيْ: وَائِلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مُعَاوِيَةَ هُوَ ابْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ أَوِ ابْنُ جَاهِمَةَ السُّلَمِيُّ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ وَأَبُوهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَرَامِ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقُ هَذَا الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ مَقَامٍ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 1999

3000 -

«عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالِ الْمَأْرِبِيِّ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ فَأَقْطَعُهُ إِيَّاهُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَقْطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ قَالَ: فَرَجَّعَهُ مِنْهُ، قَالَ: وَسَأَلَهُ مَاذَا يُحْمَى مِنَ الْآرَاكِ، قَالَ: لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

3000 -

(عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ (الْمَأْرِبِيِّ) الْمَنْسُوبِ إِلَى مَأْرِبَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَى مَأْرِبَ لِنُزُولِهِ فِيهِ وَكَانَ اسْمُهُ أَسْوَدَ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ، وَقِيلَ: مَأْرِبُ مِنْ بِلَادِ الْأَزْدِ وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ مِنْ صَنْعَاءَ (أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) هُوَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ (فَأَسْتَقْطَعَهُ) أَيْ: سَأَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ إِيَّاهُ (الْمِلْحَ) أَيْ: مَعْدِنِ الْمِلْحِ (الَّذِي بِمَأْرِبَ) مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ فَأَسْعَفَ إِلَى مُلْتَمِسِهِ (فِي قَطْعِهِ) أَيْ: بِالْمِلْحِ (إِيَّاهُ) أَيْ: لِظَنِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمِلْحُ بِعَمَلٍ وَكَدٍّ (فَلَمَّا وَلَّى) أَيْ: أَدْبَرَ (قَالَ رَجُلٌ) وَهُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسِ التَّيْمِيمِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ: إِنَّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَقْطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وَالْعِدُّ الْمُهَيَّأُ (قَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبْيَضُ الرَّاوِي (فَرَجَّعَهُ) أَيْ: فَرَدَّ الْمِلْحَ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ أَبْيَضَ، أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ الرَّجُلُ وَإِلَّا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَهُ فَرَجَّعَهُ مِنِّي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِثْلُ الْمَاءِ الْمُهَيَّأِ رَجَعَ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ إِقْطَاعَ الْمَعَادِنِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَتْ بَاطِنَةً لَا يُنَالُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا بِتَعَبٍ وَمُؤْنَةٍ كَالْمِلْحِ وَالنِّفْطِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهَا، وَمَا كَانَتْ ظَاهِرَةً يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَصَنْعَةٍ لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا، بَلِ النَّاسُ فِيهَا شَرَعٌ كَالْكَلَأِ وَمِيَاهِ الْأَوْدِيَةِ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا حَكَمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلَافِهِ يَنْقُضُ حُكْمَهُ وَيَرْجِعُ عَنْهُ (قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي (وَسَأَلَهُ) أَيِ: الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (مَاذَا يُحْمَى) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَإِسْنَادُهُ إِلَى مَا اسْتَكَنَّ فِيهِ مِنَ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إِلَى (مِنَ الْآرَاكِ) بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الْآرَاكٌ، قَالَ الْمُظْهِرُ: " الْمُرَادُ مِنَ الْحِمَى هُنَا الْإِحْيَاءُ إِذِ الْحِمَى الْمُتَعَارَفُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَا لَمْ تَنَلْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ لَمْ تَصِلْهُ (أَخْفَافُ الْإِبِلِ) وَمَعْنَاهُ مَا كَانَ بِمَعْزِلٍ مِنَ الْمَرَاعِي وَالْعِمَارَاتِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا إِحْيَاءَ بِقُرْبِ الْعِمَارَةِ لِاحْتِيَاجِ الْبَلَدِ إِلَيْهِ لِمَرْعَى مَوَاشِيهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ أَيْ لِيَكُنِ الْإِحْيَاءُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْإِبِلُ السَّارِحَةُ، وَفِي الْفَائِقِ قِيلَ: الْأَخْفَافُ مَسَانُّ الْإِبِلِ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْخُفُّ الْجَمَلُ الْمُسِنُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنَ الْمَرْعَى لَا يُحْمَى بَلْ يُتْرَكُ لِمَسَانِّ الْإِبِلِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الضِّعَافِ الَّتِي لَا تَقْوَى عَلَى الْإِمْعَانِ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحْمَى مَا يَنَالُهُ الْأَخْفَافُ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا إِلَّا وَيَنَالُهُ الْاَخْفَافُ "(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 2000

3001 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

3001 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ) قَالَ الْقَاضِي: " لَمَّا كَانَتِ الْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ أَنَّثَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَقَالَ فِي ثَلَاثٍ (فِي الْمَاءِ) بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ وَالْمُرَادُ الْمِيَاهُ الَّتِي لَمْ تَحْدُثْ بِاسْتِنْبَاطِ أَحَدٍ وَسَيْعِهِ كَمَاءِ الْقِنِيِّ وَالْآبَارِ وَلَمْ يُحْرَزْ فِي إِنَاءٍ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ جَدْوَلٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّهْرِ (وَالْكَلَأِ) مَا يَنْبُتُ فِي الْمَوَاتِ (وَالنَّارِ) يُرَادُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِصْبَاحِ مِنْهَا وَالِاسْتِضَاءَةِ بِضَوْئِهَا لَكِنْ لِلْمُسْتَوْقِدِ أَنْ يَمْنَعَ أَخْذَ جَذْوَةٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا وَيُؤَدِّي إِلَى إِطْفَائِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّارِ الْحِجَارَةُ الَّتِي تُورِي النَّارَ لَا يَمْنَعُ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ فِي مَوَاتٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا أَحْمَدُ.

ص: 2000

3002 -

وَعَنْ أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ فَقَالَ: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3002 -

(وَعَنْ أَسْمَرَ) كَأَحْمَدَ (ابْنِ مُضَرِّسٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: طَائِيٌّ صَحَابِيٌّ عِدَادُهُ فِي أَعْرَابِ الْبَصْرَةِ (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ) أَيْ: بَيْعَةَ الْإِسْلَامِ (قَالَ: مَنْ سَبَقَ إِلَى مَاءٍ) أَيْ: مُبَاحٍ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ كَالْكَلَأِ وَالْحَطَبِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي رِوَايَةٍ " إِلَى مَا " مَقْصُورَةٍ فَهِيَ مَوْصُولَةٌ أَيْ إِلَى مَا (لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ) أَيْ: مَا أَخَذَهُ صَارَ مِلْكًا لَهُ دُونَ مَا بَقِيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا الضِّيَاءُ عَنْ أُمِّ جُنْدُبٍ.

ص: 2001

3003 -

وَعَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ وَعَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

ــ

3003 -

(وَعَنْ طَاوُسٍ) كَدَاوُدَ (مُرْسَلًا) أَيْ: مَحْذُوفَ الصَّحَابِيِّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ طَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ الْخَوْلَانِيُّ الْهَمْدَانِيُّ مِنْ أَبْنَاءِ الْفُرْسِ، رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَخَلْقٌ سِوَاهُ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ:" مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِثْلَ طَاوُسٍ كَانَ رَأْسًا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَعَادِيُّ الْأَرْضِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ أَيِ: الْأَبْنِيَةُ وَالضِّيَاعُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا مَالِكٌ، نُسِبَتْ إِلَى عَادٍ قَوْمِ هُودٍ عليه الصلاة والسلام لِتَقَادُمِ زَمَانِهِمْ لِلْمُبَالَغَةِ يَعْنِي الْخَرَابَ (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ: فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَسْتَصْوِبُهُ (ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي) أَيْ: بِإِعْطَائِي إِيَّاهَا لَكُمْ بِإِذْنٍ أَذِنْتُ وَجَوَّزْتُ لَكُمْ أَنْ تُحْيُوهَا وَتُعَمِّرُوهَا، قَالَ الْقَاضِيَ رحمه الله: وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَمْهِيدٌ لِذِكْرِ رَسُولِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ صلى الله عليه وسلم حُكْمُ اللَّهِ وَلِذَلِكَ عَدَلَ مِنْ " لِي " إِلَى " رَسُولِهِ " وَفِيهِ الْتِفَاتٌ (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ) .

ص: 2001

3004 -

وَرُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ عِمَارَةِ الْأَنْصَارِ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالنَّخْلِ، فَقَالَ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إِذًا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ» .

ــ

3004 -

(وَرُوِيَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ وَقِيلَ: بِالْمَعْلُومِ فَالضَّمِيرُ إِلَى الْبَغَوِيِّ صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) كِتَابٍ مَشْهُورٍ لَهُ مُسْنَدٌ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَقْطَعَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ» ) قَالَ الْقَاضِي: " يُرِيدُ بِالدُّورِ الْمَنَازِلَ وَالْعَرْصَةَ الَّتِي أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ لِيَبْنِي فِيهَا وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ الْمُهَاجِرِينَ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ وَتَأَوَّلَ كَذَا أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْمَنْزِلَ دَارًا وَإِنْ لَمْ يُبْنَ فِيهِ بَعْدُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقْطَعَهَا لَهُ عَارِيَةً، وَكَذَا إِقْطَاعُهُ صلى الله عليه وسلم لِسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ دُورَهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُوَرَّثَ دُورَ الْمُهَاجِرِينَ نِسَاؤُهُمْ وَأَنَّ زَيْنَبَ زَوْجَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرِثَتْهُ دَارَهُ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَارٌ سِوَاهَا وَالْعَارِيَةُ لَا تُوَرَّثُ (وَهِيَ) أَيْ: تِلْكَ الدُّورُ أَوِ الْقِطْعَةُ (بَيْنَ ظَهْرَانَيْ عِمَارَةِ الْأَنْصَارِ) أَصْلُهُ ظَهْرَيْ عِمَارَتِكُمْ فَزِيدَتِ الْأَلِفُ وَالنُّونُ الْمَفْتُوحَةُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْمَعْنَى بَيْنَهَا وَوَسَطَهَا (مِنَ الْمَنَازِلِ وَالنَّخْلِ) بَيَانٌ لِلدُّورِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ الْمَحْفُوفَةَ بِالْعِمَارَاتِ يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا لِلْإِحْيَاءِ (قَالَ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ) بِضَمِّ زَاءٍ وَسُكُونِ هَاءٍ وَهُمْ حَيٌّ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ مِنْهُمْ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ (نَكِّبْ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ الْمَكْسُورَةِ أَيِ ابْعَدْ وَاصْرِفْ (عَنَّا) قَالَ تَعَالَى {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: 74] أَيْ عَادِلُونَ عَنِ الْقَصْدِ (ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ) أَيْ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ اسْتِهَانَةً بِقُرْبِهِ وَسَآمَةً، وَسَأَلُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ مَا أَقْطَعَهُ (قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلِمَ) أَيْ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ (ابْتَعَثَنِي اللَّهُ) افْتِعَالٌ مِنَ الْبَعْثِ أَيْ أَرْسَلَنِي اللَّهُ (إِذًا) بِالتَّنْوِينِ أَيْ إِذَا لَمْ أُسَوِّ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالْقَوِيِّ فِي أَخْذِ الْحَقِّ مِنْ صَاحِبِهِ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ، قَالَ الْقَاضِيَ: " وَإِنَّمَا بَعَثَنِي اللَّهُ لِإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ فَإِذَا كَانَ قَوْمِي يَذُبُّونَ الضَّعِيفَ عَنْ حَقِّهِ وَيَمْنَعُونَهُ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ابْتِعَاثِي (إِنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً) أَيْ: لَا يُطَهِّرُهَا وَلَا يُزَكِّيهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعُيُوبِ (لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ) أَيْ: فِيمَا بَيْنَهُمْ (حَقَّهُ) .

ص: 2001

3005 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي السَّيْلِ الْمَهْزُورِ أَنْ يُمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسَلَ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

3005 -

(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى) أَيْ: حَكَمَ (فِي السَّيْلِ الْمَهْزُورِ) بِلَامِ التَّعْرِيفِ فِيهِمَا وَتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ وَادٍ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْمَهْزُورُ بِتَقَدُّمِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الرَّاءِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ وَادٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْحِجَازِ، فَأَمَّا بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ فَمَوْضِعٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، تَصَدَّقَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا فِي الْفَائِقِ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَأَمَا مَهْزُولٌ بِاللَّامِ فَوَادٍ إِلَى أَصْلِ جَبَلِ يَثْرِبَ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله هَذَا اللَّفْظُ وَجَدْنَاهُ مَصْرُوفًا عَنْ وَجْهِهِ فَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي السَّيْلِ الْمَهْزُورِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَفِي بَعْضِهَا فِي سَيْلِ الْمَهْزُورِ بِالْإِضَافَةِ وَكَلَاهُمَا خَطَأٌ، وَصَوَابُهُ بِغَيْرِ أَلْفٍ وَلَامٍ فِيهِمَا بِصِيغَةِ الْإِضَافَةِ إِلَى عَلَمٍ، وَقَالَ الْقَاضِي:" لَمَّا كَانَ الْمَهْزُورُ عَلَمًا مَنْقُولًا مِنْ صِفَةٍ مُشْتَقَّةٍ مِنْ هَزَرَهُ إِذَا غَمَضَهُ جَازَ إِدْخَالُ اللَّامِ فِيهِ تَارَةً وَتَجْرِيدُهُ عَنْهُ أُخْرَى " اه.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَلْ فِيهِ لِلَمْحِ الْأَصْلِ وَهُوَ الصِّفَةُ وَمَعَ هَذَا كَانَ الظَّاهِرُ فِي سَيْلِ الْمَهْزُورِ فَكَانَ مَهْزُورٌ بَدَلًا مِنَ السَّيْلِ بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: سَيْلٍ مَهْزُورٍ (أَنْ يُمْسَكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ: الْمَاءُ فِي أَرْضِهِ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلَ) بِالنَّصْبِ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ أَيْ: يُنْزِلُ (الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ) أَيْ: إِلَى أَسْفَلَ مِنْهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2002

3006 -

«وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخِيلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، فَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيَتَأَذَّى بِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَبِيعَهُ فَأَبَى، فَطَلَبَ أَنْ يَنْقُلَهُ فَأَبَى، قَالَ: فَهَبْهُ لَهُ وَلَكَ كَذَا أَمْرًا رَغْبَةً فِيهِ فَأَبَى، فَقَالَ: أَنْتَ مُضَارٌّ، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: اذْهَبْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا " فِي بَابِ الْغَضَبِ بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أَبِي صِرْمَةَ «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ» فِي بَابِ مَا يَنْهِي عَنِ التَّهَاجُرِ.

ــ

3006 -

(وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحِ الثَّانِي (أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَضَدٌ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمِّ الثَّانِي وَيُسَكَّنُ أَيْ: طَرِيقَةٌ (مِنْ نَخْلٍ) قِيلَ مَعْنَاهَا أَعْدَادٌ مِنْ نَخْلٍ قِصَارٍ مُصْطَفَّةٌ وَالطَّرِيقُ الطِّوَالُ مِنَ النَّخْلِ، وَقِيلَ: الطَّرِيقَةُ عَلَى صَفٍّ وَاحِدٍ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْعَضْدُ الطَّرِيقَةُ مِنَ النَّخْلِ وَبِالتَّحْرِيكِ الشَّجَرُ الْمَنْضُودُ اه فَقَوْلُهُ: مِنْ نَخْلٍ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِيدِ وَفِي الْفَائِقِ قَالُوا: لِلطَّرِيقِ مِنَ النَّخْلِ عَضَدٌ لِأَنَّهَا مُتَنَاضِرَةٌ فِي جِهَةٍ، وَرُوِيَ عَضِيدٌ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ:" إِذَا صَارَ لِلنَّخْلَةِ جِذْعٌ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ فَهِيَ الْعَضِيدُ وَالْجَمْعُ عَضُدَانِ وَقِيلَ هِيَ الْجَبَّارَةُ الْبَالِغَةُ غَايَةَ الطُّولِ (فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) قِيلَ: الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَقِيلَ: اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ وَقِيلَ: مَالِكُ بْنُ أَسْعَدَ وَكَانَ شَاعِرًا (وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ فَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الرَّجُلِ (فَيَتَأَذَّى بِهِ) أَيْ: بِدُخُولِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: " ذِكْرُ الْأَهْلِ وَالتَّأَذِّي دَالَّانِ عَلَى تَضَرُّرِ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ مُرُورِهِ " (فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ) أَيِ: الْأَمْرَ لَهُ (فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: سَمُرَةَ إِلَى مَجْلِسِهِ الشَّرِيفِ (لِيَبِيعَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " تَعْدِيَةُ طَلَبَ بِإِلَى يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْهَى إِلَيْهِ طَلَبَ الْبَيْعِ شَافِعًا وَكَذَا فِي الْبَاقِي " (فَأَبَى) أَيِ: امْتَنَعَ (فَطَلَبَ أَنْ يُنْقُلَهُ) أَيْ: يُبَادِلَ بِمِثْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (فَأَبَى فَقَالَ: فَهَبْهُ لَهُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: " لَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فَرْدُ نَخْلٍ لِتَعَاقُبِ الضَّمِيرِ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ لِيَبِيعَهُ وَيُنَاقِلُهُ وَفَهَبْهُ لَهُ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ طَرِيقَةً مِنَ النَّخْلِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِقَطْعِهَا لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ دُخُولِهِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ صَوَابَهُ عَضِيدٌ، قَالَ الْقَاضِي: إِفْرَادُ الضَّمِيرِ فِيهَا لِإِفْرَادِ اللَّفْظِ (وَلَكَ ذَلِكَ) أَيْ: فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْبَسَاتِينِ وَالْحُورِ وَالْقُصُورِ وَالْحُبُورِ وَالسُّرُورِ (أَمْرًا رَغْبَةً فِيهِ) أَيْ: فِي الْأَمْرِ وَنَصَبَهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالتَّفْسِيرُ لِقَوْلِهِ فَهَبْهُ لَهُ يَعْنِي هُوَ أَمْرٌ عَلَى سَبِيلِ التَّرْغِيبِ وَالِاسْتِشْفَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ " قَالَ " أَيْ: قَالَ آمِرًا مُرَغِّبًا فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ أَيْ: قَالَ قَوْلًا مُرَغَّبًا فِيهِ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ جَارِيَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ - أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4 - 5] كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ (فَأَبَى) أَيِ: امْتَنَعَ مِنْ هَذَا أَيْضًا (فَقَالَ: أَنْتِ مَضَارُّ) قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ إِذَا لَمْ تَقْبَلْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَسْتَ تُرِيدُ إِلَّا إِضْرَارَ النَّاسِ وَمَنْ يُرِيدُ إِضْرَارَ النَّاسِ جَازَ دَفْعُ ضَرَرِهِ، وَدَفْعُ ضَرَرِكَ أَنْ يُقْطَعَ شَجَرُكَ (فَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: اذْهَبْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُ) وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ الْأَنْصَارِيَّ بِقَطْعِ النَّخْلِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ سَمُرَةَ يُضَارُّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ غَرْسَهَا كَانَ بِالْعَارِيَةِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ) أَيِ: الْوَاقِعَ فِي الْمَصَابِيحِ (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا) أَيْ: مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ (بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) أَيْ: فِي الْمِشْكَاةِ (وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أَبِي صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ( «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ» ) كَذَا هُنَا فِي أَصْلِ الْمِشْكَاةِ (فِي بَابِ مَا يَنْهِي مِنَ التَّهَاجُرِ) بِلَفْظِ «ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ سَهْوُ قَلَمٍ.

ص: 2002