المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المساقاة والمزارعة] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب المساقاة والمزارعة]

مُوَحَّدَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى الْحُبْشِ حَيٍّ مِنَ الْيَمَنِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَطَعَ ") بِالتَّخْفِيفِ (" سِدْرَةً ") بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ: شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ النَّبِقِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (" صَوَّبَ اللَّهُ ") بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ: نَكَّسَ وَخَفَضَ (" رَأْسَهُ فِي النَّارِ ") قِيلَ: الْمُرَادُ سِدْرَةُ مَكَّةَ لِأَنَّهَا حَرَمٌ، وَقِيلَ: سِدْرَةُ الْمَدِينَةِ نَهَى عَنْ قَطْعِهَا لِيُسْتَظَلَّ بِهَا، وَلِئَلَّا يَتَوَحَّشَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهَا أَنَّ ظِلَّهَا أَبْرَدُ مَنْ ظِلِّ غَيْرِهَا، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا بَلْ عَامٌّ فِي كُلِّ شَجَرٍ يَسْتَظِلُّ بِهِ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ بِالْجُلُوسِ تَحْتَهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا الضِّيَاءُ (وَقَالَ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ (هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ) أَيْ: مَعْنًى فَمَعْنَاهُ مُوجَزٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ مُقْتَصِرًا (يَعْنِي: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ: مَفَازَةٍ (يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ: مُلَازِمُ الطَّرِيقِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ (وَالْبَهَائِمُ) أَيْ: فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ (غَشْمًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ هُوَ الظُّلْمُ (وَظُلْمًا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَجَمَعَ بَيْنِهِمَا تَأْكِيدًا (بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا) صِفَةُ حَقٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ النَّفْعُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظْلِمُ أَحَدٌ ظُلْمًا، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ وَهُنَا بِخِلَافِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42](صَوَّبَ اللَّهُ) أَيْ: أَلْقَى (رَأْسَهُ) أَيِ: ابْتَلَاهُ أَوْ رَمَاهُ بِرَأْسِهِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ بَدَنُهُ جَمِيعُهُ (فِي النَّارِ) .

ص: 1985

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2971 -

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فَحْلِ النَّخْلِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2971 -

(عَنْ عُثْمَانِ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا» ) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: " لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا فِي عَقَارٍ مُحْتَمِلٍ لِلْقِسْمَةِ "(وَلَا فَحْلِ النَّخْلِ) فِي النِّهَايَةِ: " فَحْلُ النَّخْلِ ذَكَرُهَا تُلَقَّحُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ لَهُمْ نَخِيلٌ فِي حَائِطٍ فَيَتَوَارَثُونَهَا وَيَقْتَسِمُونَهَا وَلَهُمْ فَحْلٌ يُلَقِّحُونَ مِنْهُ نَخِيلَهُمْ، فَإِذَا بَاعَ أَخَذَهُمْ نَصِيبَهُ الْمَقْسُومَ مِنْ ذَلِكَ الْحَائِطِ بِحُقُوقِهِ مِنَ الْفَحْلِ وَغَيْرِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشُّرَكَاءِ فِي الْفَحْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ (رَوَاهُ مَالِكٌ) .

ص: 1985

[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2972 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» .

ــ

(13)

بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ

الْمُسَاقَاةُ: هِيَ أَنْ يُعَامِلَ إِنْسَانًا عَلَى شَجَرَةٍ يَتَعَهَّدُهَا بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الثَّمَرَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا الْمُزَارَعَةُ فِي الْأَرَاضِي.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2972 -

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ) مَوْضِعٍ قُرِيبَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ (نَخِيلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا) أَيْ: بَعْدَ مَا مَلَكَهَا قَهْرًا حَيْثُ فُتِحَتْ خَيْبَرُ عَنْوَةَ فَصَارَ أَهْلُهَا

ص: 1985

عَبِيدًا لَهُ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ أَهْلِهَا الْيَهُودِ مِنْهَا، وَالْتَمَسُوا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ (عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا) أَيْ: يَسْعَوْا فِيهَا بِمَا فِيهِ عِمَارَةُ أَرْضِهَا وَإِصْلَاحِهَا، وَيَسْتَعْمِلُوا آلَاتِ الْعَمَلِ كُلَّهَا مِنَ الْفَأْسِ وَالْمِنْجَلِ وَغَيْرِهَا (مِنْ أَمْوَالِهِمْ) نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ (وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا) أَيْ: نَصِفُهُ وَكَانَ الْمُرَادُ مِنَ الثَّمَرِ مَا يَعُمُّ الزَّرْعَ ; وَلِذَا اكْتَفَى بِهِ أَوْ تَرَكَ مَا يُقَابِلُهُ لِلْمُقَايَسَةِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ " فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ إِلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى أَرِيحَاءَ وَأَذْرَعَاتِ الشَّامِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

(وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا) أَيْ: عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا (وَيَزْرَعُوهَا) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ (وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) أَيْ: مِنَ التَّمْرِ وَالزَّرْعِ، وَقِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ حِصَّةَ الْعَمَلِ وَسَكَتَ عَنْ حِصَّةِ نَفْسِهِ جَازَ وَلَوْ عَكَسَ، قِيلَ: يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الْعَكْسِ، قَالَ الْقَاضِي:" لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنَعَ مِنَ الْمُسَاقَاةِ مُطْلَقًا غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَالدَّلِيْلُ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَاعَ عَنْهُ حَتَّى تَوَاتَرَ أَنَّهُ سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ بِنَخِيلِهَا عَلَى الشَّطْرِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ. وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا اسْتَعْمَلَهُمْ فِي ذَلِكَ بَدَلَ الْجِزْيَةِ، وَأَنَّ الشَّطْرَ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِمْ كَانَ مِنْحَةً مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَمَعُونَةً لَهُمْ عَلَى مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ، بِعِيدٌ كَمَا تَرَى، أَقُولُ: التَّأْوِيلُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعِيدًا حَيْثُ يُرَى، وَإِنَّمَا يُلْجَأُ إِلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى مَا يُرْوَى، قَالَ: وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ وَهِيَ أَنْ تُسَلِّمَ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِ الْمَالِكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرُّبْعُ بَيْنَهُمَا مُسَاهَمَةً فَهِيَ عِنْدَنَا جَائِزَةٌ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ خِلَالَ النَّخْلِ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَوْ يَعْسُرُ إِفْرَازُهَا بِالْعَمَلِ كَمَا فِي خَيْبَرَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا يَجُوزُ إِفْرَادُهَا ; لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا حَتَّى سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا "، وَمَنَعَ مِنْهَا مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَعُمْرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: كَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمْ، كَالزُّهْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - إِلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا ; لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ اه. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: " فِي الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَتَأَوَّلَ الْأَحَادِيثَ بِأَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتَ عَنْوَةً فَمَا أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ:" عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ "، وَبِقَوْلِهِ:" «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ» " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَبِيدًا، وَفِي كَوْنِهِ صَرِيحًا نَظَرٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي خَيْبَرَ هَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، أَوْ بِجَلَاءِ أَهْلِهَا عَنْهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ، أَوْ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً وَبَعْضُهَا بِجَلَاءِ أَهْلِهَا؟ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ اه فَيُحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لِبَعْضِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ غَيْرَ مَا أَخَذُوا عَنْوَةً، لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ مَعَ وُجُودِ الِاحْتِمَالِ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ. قَالَ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ إِلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ إِذَا كَانَتْ لِلْمُسَاقَاةِ، وَلَا تَجُوزُ إِذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً كَمَا جَرَى فِي خَيْبَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: " لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ مُنْفَرِدَةً وَلَا تَبَعًا إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّجَرِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ فَاسِدَتَانِ مُطْلَقًا، وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ مُجْتَمِعَتَيْنِ وَمُنْفَرِدَتَيْنِ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِحَدِيثِ خَيْبَرَ، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى كَوْنِ الْمُزَارَعَةِ فِي خَيْبَرَ إِنَّمَا جَاءَتْ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، بَلْ جَاءَتْ مُسْتَقِلَّةً وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلْمُسَاقَاةِ مَوْجُودٌ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ; وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُزَارَعَةِ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ فَأُجِيبَ عَنْهَا: بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةً مُعَيَّنَةً مِنَ الْأَرْضِ، وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ خُزَيْمَةَ كِتَابًا فِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَاسْتَقْصَى فِيهِ وَأَجَادَ وَأَجَابَ عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ اهـ كَلَامُهُمْ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَنَّهُ مَائِلٌ إِلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.

ص: 1986

2973 -

وَعَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2973 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) أَيْ: نُزَارِعُ، أَوْ نَقُولُ بِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَنَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا (حَتَّى زَعَمَ) أَيْ: قَالَ (رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ) شَهِدَ أُحُدًا وَأَكْثَرَ الْمَشَاهِدِ بَعْدَهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) أَيِ: النَّهْيِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " لَا تَجُوزُ الْمُخَابَرَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ، لِأَنَّ الْبَذْرَ فِي الْمُخَابَرَةِ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ فَالْمُزَارَعَةُ اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْمُخَابَرَةُ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ الْأَرْضَ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ كَمَا سَبَقَ اه.

قَالَ الشَّمَنِيُّ: " لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهَا مُخَابَرَةٌ يَعْنِي وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ، وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَإِنَّمَا هُوَ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ بِطُرُقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمُ الْمُدَّةَ، وَالْمُزَارَعَةُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا إِلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: وَمِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ التَّمْرِ وَالْأَرْضِ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْجِزْيَةِ، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَلَا عُمَرُ إِلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جِزْيَةً لَأَخَذَ مِنْهُمْ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1987

2974 -

وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: " «أَخْبَرَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبَعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ، وَكَأَنَّ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2974 -

(وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ) أَيْ: الزُّرَقِيِّ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَتَابِعِيهِمْ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمَّايَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ تَثْنِيَةُ الْعَمِّ مُضَافًا إِلَى يَاءِ الْإِضَافَةِ (أَنَّهُمْ) أَيِ: الصَّحَابَةَ أَوِ النَّاسَ أَوْ أَعْمَامَهُ (كَانُوا يُكْرُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ: يُؤَجِّرُونَ (الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ) رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم " بِمَا يَنْبُتُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (عَلَى الْأَرْبَعَاءِ) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ مَمْدُودًا جَمْعِ رَبِيعٍ، وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَسْقِي الْمَزَارِعَ، فَقَالَ: رَبِيعٌ وَأَرْبَعَاءُ وَأَرْبِعَةٌ كَنَصِيبٍ وَأَنْصِبَاءَ وَأَنْصِبَةٍ قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: " مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهُ الْعَامِلُ بِبِذْرِهِ، وَيَكُونَ مَا يَنْبُتُ عَلَى أَطْرَافِ الْجَدَاوِلِ وَالسَّوَاقِي لِلْمُكْرِي أُجْرَةً لِأَرْضِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُكْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ بَذْرِهِ وَعَمَلِهِ (أَوْ بِشَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ) كَأَنْ يَقُولُ: مَا يَنْبُتُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ بِعَيْنِهَا فَهُوَ لِلْمُكْرِي، وَمَا يَنْبُتُ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ لِلْمُكْتَرِي، (فَنَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ) وَلَعَلَّ الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ مَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ إِذْ رُبَّمَا تَنْبُتُ الْقِطْعَةُ الْمُسَمَّاةُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَفُوزُ صَاحِبُهَا بِكُلِّ مَا حَصَلَ وَيَضِيعُ حَقُّ الْآخَرِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ثِمَارَ بَعْضِ النَّخِيلِ لِنَفْسِهِ وَبَعْضَهَا لِلْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ (فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ) أَيِ: الْمُخَابَرَةُ (بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ) إِذْ لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ (وَكَأَنَّ) بِالشَّدِيدِ (الَّذِي نُهِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ ذَلِكَ مَا) أَيْ: هُوَ الَّذِي (لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) بِوَاوَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الرِّوَايَةُ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذَوُو الْفَهْمِ بِوَاوَيْنِ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (لَمْ يُجِيزُوهُ) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ (ذُو الْفَهْمِ) بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِيَّةِ فِيهِ عُمُومٌ فَيُجِيزُ الضَّمِيرَ فِي لَمْ يُجِيزُوهُ اه وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي رِوَايَةِ [النَّسَفِيِّ وَابْنِ شَبُوَيْهِ] : ذُو الْفَهْمِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ وَقَالَ: لَمْ يُجِزْهُ [لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ] أَيِ: الْغَرَرِ وَالتَّوَرُّطِ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِكَوْنِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مَجْهُولَةً، وَالْمُخَاطَرَةُ مِنَ الْخَطَرِ الَّذِي هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ رَافِعٍ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أُدْرِجَتْ فِي حَدِيثِهِ، وَعَلَى هَذَا السِّيَاقِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَمْ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: اسْمُ كَانَ الْمَوْصُولُ مَعَ الصِّلَةِ وَخَبَرُهُ الْمَوْصُولُ الثَّانِي وَالْوَاوُ حَالٌ مِنْ خَبَرِ لَيْسَ، فَإِنَّ رَافِعًا لَمَّا اسْتُفْتِيَ عَنْ الِاكْتِرَاءِ بِالدِّرْهَمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَصٌّ فِيهِ وَلَمْ يَرَ الْعِلَّةَ فِيهَا جَامِعَةً لِيُقَاسَ بِهَا بَيَّنَ بِقَوْلِهِ وَكَأَنَّ الَّذِي نُهِيَ إِلَخْ، وَلَوْ بِالدِّرْهَمِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَرْتَبِطْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَالظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ رَافِعٍ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1987

2975 -

عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ؟ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2975 -

(عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ قَافٍ، فِي الْمُغْرِبِ:" الْحَقْلُ الزَّرْعُ وَالْمُحَاقَلَةُ: بِيعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ، وَقِيلَ: اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ، وَقِيلَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلْثِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ (كَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ) أَيْ: أَحَدُنَا (هَذِهِ الْقِطْعَةُ) أَيْ: مَا يَخْرُجُ مِنْهَا (لِي وَهَذِهِ لَكَ) أَيْ: بِعَمَلِكَ (فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ) بِسُكُونِ الْهَاءِ وَبِإِشْبَاعِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " إِشَارَةٌ إِلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ الَّتِي يُشَارُ بِهَا إِلَى الْمُؤَنَّثِ يُقَالُ ذِي وَذِهْ وَالْهَاءُ سَاكِنَةٌ، هَذَا قَوْلُ رَافِعٍ، بَيَانٌ لِعَدَمِ الْجَوَازِ لِحُصُولِ الْمُخَاطَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، يَعْنِي فَرُبَّمَا تُخْرِجُ هَذِهِ الْقِطْعَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ وَلَمْ تُخْرِجْ سِوَاهَا أَوْ بِالْعَكْسِ فَيَفُوزُ صَاحِبُ هَذِهِ بِكُلِّ مَا حَصَلَ وَيَضِيعُ الْآخَرُ بِالْكُلِّيَّةِ (فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: لِلْغَرَرِ الْمُتَضَمِّنِ لِلضَّرَرِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1988

2976 -

وَعَنْ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لِطَاوُسٍ، لَوْ تُرِكَتِ الْمُخَابَرَةُ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ قَالَ أَيْ: عَمْرٌو: إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُعِينُهُمْ وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَقَالَ: «إِنْ يَمْنَحْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2976 -

(وَعَنْ عَمْرٍو) قِيلَ: هُوَ ابْنُ دِينَارٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ: " عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُكَنَّى أَبَا يَحْيَى، رَوَى عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ الْحَمَّادَانِ وَمُعْتَمِرٌ، وَعِدَّةٌ ضَعَّفُوهُ، وَعَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ هُوَ الدِّمَشْقِيُّ رَوَى عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَعِدَّةٍ، وَعَنْهُ النُّفَيْلِيُّ وَهُشَامُ بْنُ عَمَّارٍ تَرَكُوهُ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَأَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَلْقَهُ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَعَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَالَ قُلْتُ: لِطَاوُسٍ لَوْ تُرِكَتِ الْمُخَابَرَةُ) أَيْ: لَكَانَ حَسَنًا أَوْ لَوْ لِلتَّمَنِّي (فَإِنَّهُمْ) أَيْ: عَامَّةَ النَّاسِ (يَزْعُمُونَ) أَيْ: يَقُولُونَ وَيَظُنُّونَ وَلَا يَتَيَقَّنُونَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَابَرَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الزَّرْعِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ (قَالَ) أَيْ: طَاوُسٌ (أَيْ عَمْرُو) أَيْ: يَا عَمْرُو (إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُعِينُهُمْ) مِنِ الْإِعَانَةِ (وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ) أَيْ: أَعْلَمَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالصَّحَابَةِ الَّذِينَ فِي زَمَنِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: " الضَّمِيرُ فِي أَعْلَمِهِمْ إِلَى مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي يَزْعُمُونَ وَهُمْ جَمَاعَةٌ ذَهَبُوا إِلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ طَاوُسٌ مِنْ فِعْلِ الْمُخَابَرَةِ وَلِذَلِكَ أَتَى بِلَفْظِ الزَّعْمِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عِلْمًا (أَخْبَرَنِي يَعْنِي) يَعْنِي يُرِيدُ طَاوُسٌ بِأَعْلَمِهِمْ (ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ (وَلَكِنْ قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَنْ يَمْنَحَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ عَلَى أَنَّهَا تَعْلِيلِيَّةٌ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ذَكَرَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَصْدَرِيَّةٌ مَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ، وَيَمْنَحَ بِفَتْحَتَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْفَاعِلُ قَوْلُهُ (أَحَدُكُمْ) وَالْمَعْنَى إِعْطَاءُ أَحَدِكُمْ أَرْضَهُ (أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا أَيْ أَجْرًا (مَعْلُومًا) لِاحْتِمَالِ أَنْ تُمْسِكَ السَّمَاءُ مَطَرَهَا أَوِ الْأَرْضُ رِيحَهَا فَيَذْهَبَ مَالُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:" أَحَادِيثُ الْمُزَارَعَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُؤَلِّفُ وَمَا يَثْبُتُ مِنْهَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فِي ظَوَاهِرِهَا تَبَايُنٌ وَاخْتِلَافٌ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي الْوَجْهِ الْجَامِعِ بَيْنَهَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ سَمِعَ أَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ وَعِلَلُهَا مُتَنَوِّعَةٌ فَنَظَمَ سَائِرَهَا فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ فَلِهَذَا مَرَّةً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَارَةً يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي وَأُخْرَى وَأَخْبَرَنِي عَمَّايَ، وَالْعِلَّةُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا فَاسِدَةً، وَيَتَعَامَلُونَ عَلَى أُجْرَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ فَنُهُوا عَنْهَا، وَفِي الْبَعْضِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَازَعُونَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى أَفْضَى بِهِمْ إِلَى التَّقَابُلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "«إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ» "، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي حَدِيثِهِ، وَفِي الْبَعْضِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ خَرْجًا مَعْلُومًا مِنْ أَخِيهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا أَوْ تُخْلِفُ الْأَرْضُ رَيْعَهَا فَيَذْهَبُ مَالُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ; فَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ التَّنَافُرُ وَالْبَغْضَاءُ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "«مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا» " الْحَدِيثَ، وَذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الْمُرُوءَةِ وَالْمُوَاسَاةِ، وَفِي الْبَعْضِ أَنَّهُ كَرِهَ لَهُمُ الِافْتِتَانَ بِالْحِرَاثَةِ وَالْحِرْصَ عَلَيْهَا وَالتَّفَرُّغَ لَهَا فَتُقْعِدُهُمْ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتُفَوِّتُهُمُ الْحَظَّ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الِاضْطِرَابُ الْمَرْوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لِمَا فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مِنْ الِاضْطِرَابِ ; مَرَّةً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَرَّةً يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي لَا عَلَى الِاضْطِرَابِ الْمُصْطَلَحِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّعْفِ، وَجُلُّ جَنَابِ الشَّيْخَيْنِ أَنْ يُورِدَا فِي الْكِتَابَيْنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ شَيْئًا.

ص: 1988

2977 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2977 -

(وَعَنْ جَابِرٍ) رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا» ) أَمْرُ إِبَاحَةٍ أَيْ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِأَنْ يَزْرَعَهَا (أَوْ لِيَمْنَحْهَا) أَيْ: لِيُعْطِهَا مَجَّانًا (أَخَاهُ) أَيْ: لِيَزْرَعَهَا هُوَ لِنَفْسِهِ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ: صَاحِبُ الْأَرْضِ عَنِ الْأَمْرَيْنِ (فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ) فَالْأَمْرُ لِلتَّوْبِيخِ أَوِ التَّهْدِيدِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَإِنْ أَبَى أَخُوهُ عَنْ قَبُولِ الْعَارِيَةِ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ فَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ لَهُ فِيهِ، قَالَ الْمُظْهِرُ:" يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لِلْإِنْسَانِ نَفْعٌ مِنْ مَالِهِ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَيَزْرَعُهَا حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ نَفْعٌ مِنْهَا أَوْ لِيُعْطِهَا أَخَاهُ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ وَهَذَا تَوْبِيخٌ لِمَنْ لَهُ مَالٌ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ نَفْعٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " بَلْ هُوَ تَوْبِيخٌ عَلَى الْعُدُولِ عَنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إِلَى الثَّالِثِ مِنَ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِهِمَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: " جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ الْإِجَارَةَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ النَّهْيِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا إِجَارَتُهَا بِمَا يَزْرَعُ عَلَى الْمَاذِيَّانَاتِ وَهِيَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ وَهِيَ مَسَايِلُ الْمَاءِ وَقِيلَ: مَا يَنْبُتُ عَلَى حَافَّتَيِ الْمَسِيلِ وَالسَّوَاقِي وَهِيَ مُعَرَّبَةٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1989

2978 -

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ: «وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ الذُّلَّ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2978 -

(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ: وَرَأَى سِكَّةً) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالسِّكَّةُ بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تُشَقُّ وَتُحْرَثُ بِهَا الْأَرْضُ (وَشَيْئًا) أَيْ آخَرَ (مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ آلَةِ الْحَرْثِ (بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ) أَيِ: اللَّهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (الذُّلَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيِ: الْمَذَلَّةَ بِأَدَاءِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ، وَالْمَقْصُودُ التَّرْغِيبُ وَالْحَثُّ عَلَى الْجِهَادِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:" وَإِنَّمَا جَعَلَ آلَةَ الْحَرْثِ مَذَلَّةً لِلذُّلِّ لِأَنَّ أَصْحَابَهَا يَخْتَارُونَ ذَلِكَ إِمَّا بِالْجُبْنِ فِي النَّفْسِ، أَوْ قُصُورٍ فِي الْهِمَّةِ، ثُمَّ إِنَّ أَكْثَرَهُمْ مَلْزُومُونَ بِالْحُقُوقِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَلَوْ آثَرُوا الْخَرَاجَ لَدَرَّتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ وَاتَّسَعَتْ عَلَيْهِمُ الْمَذَاهِبُ، وَجَبَى لَهُمُ الْأَمْوَالَ مَكَانَ مَا يُجْبَى عَنْهُمْ. قِيلَ: قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ "«الْعِزُّ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ وَالذُّلُّ فِي أَذْنَابِ الْبَقَرِ» "، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ: " ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الزِّرَاعَةَ تُورِثُ الْمَذَلَّةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا لِلنَّاسِ، وَلِخَبَرِ:«اطْلُبُوا الْأَرْضَ مِنْ جَثَايَاهَا» ; بَلْ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ الصَّحَابَةُ بِالْعِمَارَاتِ وَبِتَرْكِ الْجِهَادِ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارُ. وَأَيُّ ذُلٍّ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُقَرِّبُ الْعَدُوَّ لِأَنَّهُ لَوِ اشْتَغَلَ بِالْحَرْثِ وَتَرَكَ الْجِهَادَ لَأَدَّى إِلَى الْإِذْلَالِ بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 1989

2979 -

(الْفَصْلُ الثَّانِي) عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

2979 -

(الْفَصْلُ الثَّانِي)(عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ» ") أَيْ: أَمْرِهِمْ وَرِضَاهُمْ (فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ) يَعْنِي مَا حَصَلَ مِنَ الزَّرْعِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ إِلَّا بَذْرُهُ، إِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا حَصَلَ مِنَ الزَّرْعِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِ غَصْبِهَا إِلَى يَوْمِ تَفْرِيغِهَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُظَّهَرُ (وَلَهُ نَفَقَتُهُ) أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَقِيلَ: خَرْجُهُ بَعْدَ الْحَاصِلِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " هَذَا حَدِيثٌ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيُحْكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ زَادَ أَبُو إِسْحَاقَ: " بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ "، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ هَذَا الْحَرْفَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: " إِذَا زَرَعَ الزَّارِعُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلزَّارِعِ الْأُجْرَةُ ".

ص: 1989