المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الولي في النكاح واستئذان المرأة] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب الولي في النكاح واستئذان المرأة]

3125 -

وَعَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إِلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.

ــ

3125 -

(وَعَنِ الْحَسَنِ) أَيِ الْبَصْرِيِّ (مُرْسَلًا قَالَ: بَلَغَنِي) أَيْ عَنِ الصَّحَابَةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ) أَيْ بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ (وَالْمَنْظُورَ إِلَيْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَاضْطِرَارٍ، وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِيَعُمَّ جَمِيعَ مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ)

ص: 2059

[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

3126 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

ــ

(بَابٌ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ، وَاسْتِئْذَانُ الْمَرْأَةِ)

عَطْفٌ عَلَى الْوَلِيِّ، فِي النِّهَايَةِ: وَلِيُّ الْمَرْأَةِ مُتَوَلِّي أَمْرِهَا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْوَلِيُّ هُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ، وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْبَالِغُ بَكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوِلَايَةُ إِجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ.

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

3126 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ نَفْيًا لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ نَهْيًا (الْأَيِّمُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ لِقَوْلِهِ:(حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ صَرِيحًا إِذِ الِاسْتِئْمَارُ طَلَبُ الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ، قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ نُطْقِ الْبِكْرِ الزَّائِلِ بَكَارَتُهَا بِزِنًا أَوْ وَثْبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ; لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ الثَّيِّبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ; فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبِكْرِ عِنْدَهُ فِي أَنَّ سُكُوتَهَا إِذْنٌ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْمَجْنُونَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْأَمَةُ فَتُخَصُّ مِنْهُ أَيْضًا هَذِهِ، وَقِيلَ: هَذَا بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ إِجْبَارَ الْوَلِيِّ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ عَلَى النِّكَاحِ، وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ فَيُنَفِّذُ عَلَيْهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ وَمَدَارُ إِجْبَارِ الْوَلِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى الصِّغَرِ بِكْرًا وَثَيِّبًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْبَكَارَةِ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ (وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ) أَيِ الْبَالِغَةُ (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) أَيْ: يُطْلَبُ مِنْهَا الْإِذْنُ لِقَوْلِهِ: وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا، وَقِيلَ: الِاسْتِئْذَانُ الْإِعْلَامُ وَهَذَا لِإِطْلَاقِهِ حُجَّهٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ إِجْبَارَ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا) أَيْ: الْبِكْرِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْحَيَاءِ (قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ) أَيْ: إِذْنُهَا سُكُوتُهَا اخْتُلِفَ فِي أَنَّ السُّكُوتَ مِنَ الْبِكْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ الْقَاضِي: " وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَمُرَاجَعَةٍ وَوُقُوفٍ وَإِطْلَاعٍ عَلَى أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِتَصْرِيحِ إِذْنٍ مِنَ الثَّيِّبِ وَبِسُكُوتٍ مِنَ الْبِكْرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهَا أَنْ لَا تُظْهِرَ إِرَادَةَ النِّكَاحِ حَيَاءً، وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَفْصِيلٌ وَاخْتِلَافٌ فَذَهَبُوا جَمِيعًا إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ دُونَ إِذْنِهَا وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَخَصُّوا هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ بِمَا صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ تَكُنْ بَعْدُ بَالِغَةً وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِمَا.

ص: 2059

3127 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تَسْتَأْذِنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3127 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْأَيِّمُ) أَيْ: مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ: " قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَرٌ: الْأَيِّمُ هُنَا كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ بَلَغَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَعَقْدُهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالنِّكَاحِ صَحِيحٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزَّهْرِيُّ قَالُوا: وَلَيْسَ الْوَلِيُّ مِنْ أَرْكَانِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بَلْ مِنْ تَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مِنْ وَلِيِّهَا وَعَقْدُ مَا عَلَى نَفْسِهَا بِالنِّكَاحِ صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ قَالُوا: حَتَّى لَا تُزَوَّجَ إِلَّا أَنْ تَأْذَنَ بِالنُّطْقِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ تَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمَعْنَى (أَحَقُّ) وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا آكَدُ مِنْ حَقِّهِ ; فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ ; وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفُؤًا وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ وَلَوْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي (وَالْبِكْرُ) أَيْ: الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ (تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ سُكُوتًا يَعْنِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ صَرِيحٍ مِنْهَا بَلْ يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا، لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لَهَا، كَأُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ ضِمْنَ الْعَامِّ لَا كُلَّ عَامٍّ نَحْوَ: مِنْ جِيرَانِي أَوْ بَنِي عَمَى وَهُمْ مَحْصُورُونَ مَعْرُوفُونَ لَهَا لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا مُعَارِضٌ، بِخِلَافِهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ مِنْ رَجُلٍ لِأَنَّهُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ يَضْعُفُ الظَّنُّ (وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ النَّبِيُّ:«أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ» ) أَيْ: تُسْتَأْذَنُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( «وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا» ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ( «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا» ) أَيْ: وَنَحْوُهُ مِنْ سَائِرِ أَوْلِيَائِهَا وَهُوَ يُفْهَمُ بِالطُّرُقِ الْأُولَى (فِي نَفْسِهَا) أَيْ: فِي أَمْرِ نِكَاحِهَا ( «وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا» ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا» . بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَصَّ الثَّيِّبَ بِأَنَّهَا أَحَقُّ، فَأَفَادَ أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ، فَاسْتِفَادَةُ ذَلِكَ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَنَا وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يُعَارِضُ الْمَفْهُومَ الصَّرِيحَ الَّذِي سَيَأْتِي مِنْ رَدِّهِ وَلَوْ سَلِمَ فَنَفْسُ نَظْمِ بَاقِي الْحَدِيثِ يُخَالِفُ الْمَفْهُومَ وَهُوَ قَوْلِهِ (وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا) إِلَخْ إِذْ وُجُوبُ الِاسْتِئْمَارِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ مُنَافٍ لِلْإِجْبَارِ كَأَنَّهُ طَلَبَ الْأَمْرَ أَوِ الْإِذْنَ وَفَائِدَتُهُ الظَّاهِرَةُ لَيْسَتْ إِلَّا لِيَسْتَعْلِمَ رِضَاهَا أَوْ عَدَمَهُ فَيَعْمَلُ عَلَى وَفْقِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ طَلَبِ الِاسْتِئْذَانِ فَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ لَوْ عَارَضَهُ، وَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ مِنَ اللَّفْظِ إِثْبَاتُ الْأَحَقِّيَّةِ لِلثَّيِّبِ بِنَفْسِهَا مُطْلَقًا ثُمَّ إِثْبَاتُ مِثْلِهِ لِلْبِكْرِ حَيْثُ أُثْبِتَ لَهَا حَقٌّ أَنْ تُسْتَأْمَرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَحَقِّيَّةِ كُلٍّ مِنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ بِلَفْظٍ يَخُصُّهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا أَيْضًا غَيْرُ أَنَّهُ أَفَادَ أَحَقِّيَّةَ الْبِكْرِ بِإِخْرَاجِهِ فِي ضِمْنِ إِثْبَاتِ حَقِّ الِاسْتِئْمَارِ لَهَا وَسَبَبُهُ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُخْطَبُ إِلَى نَفْسِهَا عَادَةً بَلْ إِلَى وَلِيِّهَا بِخِلَافِ الثَّيِّبِ فَلَمَّا كَانَ الْحَالُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَخِطْبَتُهَا تَقَعُ لِلْوَلِيِّ صَرَّحَ بِإِيجَابِ اسْتِئْمَارِهِ إِيَّاهَا فَلَا يَفْتَاتُنَّ عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ رِضَاهَا بِالْخَاطِبِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا» .

ص: 2060

3128 -

«وَعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ رضي الله عنها أَنْ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ " نِكَاحَ أَبِيهَا ".

ــ

3128 -

(وَعَنْ خَنْسَاءَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ (بِنْتِ خِذَامٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَخِفَّةِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ كَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ مُطَابَقَةٌ لِمَا فِي الْأَسْمَاءِ لِلْمُؤَلِّفِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ مَيْرَكُ: " صَحِيحٌ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَفِي شَرْحِ الْكِرْمَانِيِّ لِلْبُخَارِيِّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَخَالَفَهُمَا الْعَسْقَلَانِيُّ فَصَحَّحَهُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ "(إِنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) أَيْ: وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهَا وَهِيَ بَالِغَةٌ (فَكَرِهَتْ ذَلِكَ) أَيْ: لِلْعَقْدِ أَوْ ذَلِكَ الرَّجُلَ (فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا) أَيْ: تَزْوِيجَ الْأَبِ أَوْ تَزَوُّجَ الزَّوْجِ

ص: 2060

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " قَوْلُهُ نِكَاحُهُ كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَالْحُمَيْدِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ نِكَاحُهَا أَيْ عَقْدُهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ نِكَاحُ أَبِيهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: " لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ إِجْمَاعًا وَلَا خِيَارَ لَهَا إِلَّا عِنْدَ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ "، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: " لَهُ ذَلِكَ وَلَهَا الْخِيَارُ ".

ص: 2061

3129 -

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3129 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: كَذَا فِي رِوَايَةٍ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ قَالَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا سِتٌّ وَكَسْرٌ فَفِي رِوَايَةٍ اقْتَصَرَتْ عَلَى السِّتِّ وَفِي أُخْرَى عُدَّتِ السَّنَةُ الَّتِي دَخَلَتْ فِيهَا (وَزُفَّتْ إِلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الزِّفَافِ أَيْ أُرْسِلَتْ إِلَى بَيْتِهِ عليه الصلاة والسلام (وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ لُعْبَةٍ وَهِيَ مَا يُلْعَبُ بِهِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:" اللُّعَبُ جَمْعُ لُعْبَةٍ كَرُكَبٍ أَرَادَتْ مَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِهِ وَكُلُّ مَلْعُوبٍ فَهُوَ لُعْبَةٌ وَإِذَا فَتَحَ اللَّامَ فَهُوَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ اللَّعِبِ وَإِذَا كُسِرَتْ فَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي عَلَيْهَا اللَّاعِبُ "، وَقَالَ النَّوَوِيُّ:" الْمُرَادُ هَذِهِ اللُّعْبَةُ الْمُسَامَةُ بِالْبَنَاتِ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الْجَوَارِي الصِّغَارُ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى صِغَرِ سِنِّهَا "، قَالَ الْقَاضِي رحمه الله:" وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ اللَّعِبِ وَإِبَاحَةِ لَعِبِ الْجَوَارِي بِهِنَّ وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَأَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَالُوا: وَسَبَبُهُ تَدْرِيبُهُنَّ لِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ وَإِصْلَاحِ شَأْنِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ " اه. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَضِيَّةَ عَائِشَةَ رضي الله عنها هَذِهِ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصُّورَةِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:" وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إِذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَأَثْبَتَ الْعِدَّةَ لِلصَّغِيرَةِ وَهِيَ فَرْعُ تَصَوُّرِ نِكَاحِهَا شَرْعًا فَبَطَلَ بِهِ مَنَعَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ مِنْهُ، وَتَزْوِيجُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَوَاتِرِ، وَتَزَوُّجِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ بِنْتَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ وُلِدَتْ مَعَ عِلْمِ الصَّحَابَةِ نَصٌّ فِي فَهْمِ الصَّحَابَةِ عَدَمَ الْخُصُوصِيَّةِ فِي نِكَاحِ عَائِشَةَ رضي الله عنها "، قَالَ النَّوَوِيُّ: " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَبِ بِنْتَهُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِذَا بَلَغَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي فَسْخِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحِجَازِيِّينَ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: لَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجُوهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: يَجُوزُ لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ فَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهَا (وَمَاتَ أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا) أَيْ: تَجَاوُزًا (وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِيَ) بِالْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ (عَشْرَةَ) بِإِسْكَانِ الشِّينِ وَيُكْسَرُ وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2061

الْفَصْلُ الثَّانِي

3130 -

وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

3130 -

(عَنْ أَبِي مُوسَى) أَيِ: الْأَشْعَرِيِّ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: " عَمِلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَا: لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَتْ أَصْلِيَّةً أَوْ وَكِيلَةً. قُلْتُ: الْمُرَادُ مِنْهُ النِّكَاحُ الَّذِي لَا يَصِحُّ إِلَّا بِعَقْدِ وَلِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ كَعَقْدِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ. وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبَ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ دَنِيئَةً جَازَ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا أَوْ تُوَكِّلَ مَنْ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً لَا بُدَّ مِنْ وَلِيِّهَا وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: حَاصِلُ مَا فِي الْوَلِيِّ مِنْ عُلَمَائِنَا سَبْعُ رِوَايَاتٍ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَحَدُهُمَا تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ عَقْدَ نِكَاحِهَا وَنِكَاحِ غَيْرِهَا مُطْلَقًا إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ إِنْ عَقَدَتْ مَعَ كُفُؤٍ

ص: 2061

جَازَ وَمَعَ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَاخْتِيرَتْ لِلْفَتْوَى لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ، وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يُتْرَكُ؛ أَنَفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْيِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَانَ مَنْعُهُ دَفْعًا لَهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءٌ ; لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفَعًا لِضَرَرِهِمْ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْرِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:" الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَنَحْوُهُ مَعَارَضٌ بُقُولِهِ عليه الصلاة والسلام ( «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنَ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إِذَا رَضِيَتْ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ وَبَعْدَ هَذَا إِمَّا أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا رَوَوْا حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ أَوْ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَرَجَّحُ هَذَا بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ "«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» " فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ فِي إِسْنَادِهِ وَفِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها الْآتِي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ إِعْمَالُ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ فَبِأَنْ يُحْمَلَ عُمُومُهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَذَلِكَ شَائِعٌ وَهَذَا يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بَعْدَ جَوَازِ كَوَنِ النَّفْيِ لِلْكَمَالِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهَا: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا تَلِي وَلَا يَنْكِحْنَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِأَنْ يُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهِ أَيْ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِيَنْفِيَ نِكَاحَ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْحَدِيثِ عَامٌّ غَيْرُ مُقَيَّدٍ وَيَخُصُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفُؤِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ أَوْ حِكْمَةٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ وَيُثْبِتُ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي إِطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَافِعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ ; فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إِذَا نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ. فَثَبَتَ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيُحِبُّ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأُولَى.

ص: 2062

3131 -

وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

3131 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ) أَيْ: نَفْسَهَا كَمَا فِي نُسْخَةِ وَأَيُّمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِبَعْضٍ دُونِ بَعْضِ أَيْ أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا ( «بِدُونِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ) فَهُوَ مُعَارِضُ الْحَدِيثَ " «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» " فَخَصَّ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفُؤِ كَمَا سَبَقَ شَرْحُهُ، وَفِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ:" حَمَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ "(فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: " أَيْ عَلَى صَدَدِ الْبُطْلَانِ وَمَصِيرُهُ إِلَى الْبُطْلَانِ إِنَّ اعْتِرَاضَ الْوَلِيِّ عَلَيْهَا إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ "، (فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) كَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ (فَإِنَّ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ) أَيْ: اسْتَمْتَعَ (مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا) أَيْ: اخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا أَيِ الْأَوْلِيَاءُ اخْتِلَافًا لِلْعَضْلِ كَانُوا كَالْمَعْدُومِينَ (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّزْوِيجِ فَكَأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلَيُّهَا وَإِلَّا فَلَا وِلَايَةَ لِلسُّلْطَانِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» .

ص: 2062

3132 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

3132 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَغَايَا) أَيْ: الزَّوَانِي جَمْعُ بَغِيٍّ وَهِيَ الزَّانِيَةُ مِنَ الْبِغَاءِ وَهُوَ الزِّنَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (اللَّاتِي يُنْكِحْنَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُزَوِّجْنَ (أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: " الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ إِمَّا الشَّاهِدُ فَبِدُونِهِ زِنًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَإِمَّا الْوَلِيُّ إِذَا بِهِ يَتَبَيَّنُ النِّكَاحُ فَالتَّسْمِيَةُ بِالْبِغَاءِ تَشْدِيدٌ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ " اه. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ إِذْ لَمْ يُعْهَدْ إِطْلَاقُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَلِيِّ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يُوجِبُ الْمَهْرَ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبَ فَمِنْ فَعَلَهُ عَامِدًا عُزِّرَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا قَوْمٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَبِي ثَوْرٍ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 2063

3133 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

3134 -

وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى.

ــ

3133 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَتِيمَةُ) هِيَ صَغِيرَةٌ لَا أَبَ لَهَا وَالْمُرَادُ هُنَا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ سَمَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] وَفَائِدَةُ التَّسْمِيَةِ مُرَاعَاةُ حَقِّهَا وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهَا فِي تَحَرِّي الْكِفَايَةِ وَالصَّلَاحِ فَإِنَّ الْيَتِيمَ مَظِنَّةُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ثُمَّ هِيَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا مَعْنَى لِإِذْنِهَا وَلَا لِإِبَائِهَا فَكَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام شَرَطَ بُلُوغَهَا فَمَعْنَاهُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَبْلُغَ فَتُسْتَأْمَرُ (تُسْتَأْمَرُ) أَيْ: تُسْتَأْذَنُ (فِي نَفْسِهَا فَإِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ فَلَا تَعَدِّيَ عَلَيْهَا (وَلَا إِجْبَارَ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي الْيَتِيمَةِ إِذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ إِجَازَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَنَاتِ الْمُوصِي وَإِنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ ذَلِكَ " وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: " لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْيَتِيمَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَجَازَ نِكَاحَ الْوَصِيِّ مَعَ كَرَاهَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَجَازَ مَالِكٌ إِنْ فَوَّضَهُ الْأَبُ إِلَيْهِ

3134 -

(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى) .

ص: 2063

3135 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

3135 -

(وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ: مَالِكِهِ (فَهُوَ عَاهِرٌ) أَيْ: زَانٍ قَالَ الْمُظْهِرُ: " لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَيَصِيرُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَهَا بِالْإِجَازَةِ بَعْدَهُ "، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِنْ أَجَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ) وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ " «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مُوَالِيهِ فَهُوَ زَانٍ» ".

ص: 2063