الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3136 -
«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةً. فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
3136 -
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ جَارِيَةً) أَيْ: بَنَتًا (بِكْرًا) أَيْ: وَهِيَ بَالِغَةٌ (أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنْ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ) فِيهِ أَنَّهُ لَا إِجْبَارَ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْبَالِغَةِ وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ الطِّيبِيُّ: " قَيَّدَهَا بِالْبَكَارَةِ دُونَ الصِّغَرِ لِاعْتِبَارِ كَرَاهَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمَا اعْتُبِرَتْ كَرَاهَتُهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ وَهِيَ كَارِهَةُ حَالٌ وَبَيَانٌ لِهَيْئَةِ الْمَفْعُولِ عِنْدَ التَّزْوِيجِ (فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: بَيْنَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا صَحِيحٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ خَنْسَاءُ بِنْتُ خِدَامٍ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْهُ فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهُ فَإِنَّ هَذِهِ بِكْرٌ وَتِلْكَ ثَيِّبٌ اه. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ خَنْسَاءَ أَيْضًا كَانَتْ بِكْرًا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَهَا وَفِيهِ: أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا لَكِنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ تَتَرَجَّحُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا اثْنَتَانِ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ نِكَاحَ ثَيِّبٍ وَبِكْرٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا وَهُمَا كَارِهَتَانِ» .
3137 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3137 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُزَوِّجِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَقِيلَ: نَهْيٌ وَهُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ عِنْدِنَا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ زَوَاجُ الْمَرْأَةِ عَلَى يَدِ الْوَلِيِّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي (وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ) أَيْ: أَحَدًا (نَفْسَهَا) أَيْ: بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ كُفُؤٍ عِنْدَنَا وَبِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله تَعَالَى (فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا) وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ فَهِيَ زَانِيَةٌ» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
3138 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيُحْسِنِ اسْمَهُ وَأَدَبَهُ فَإِذَا بَلَغَ فَلْيُزَوِّجْهُ فَإِنْ بَلَغَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَأَصَابَ إِثْمًا فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى أَبِيهِ» .
ــ
3138 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ) أَيْ: ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (فَلْيُحْسِنِ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (اسْمَهُ وَأَدَبَهُ) أَيْ: مَعْرِفَةَ أَدَبِهِ الشَّرْعِيِّ (وَإِذَا بَلَغَ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْفَاءِ (فَلْيُزَوِّجْهُ) وَفِي مَعْنَاهُ التَّسَرِّي (إِنْ بَلَغَ) أَيْ: وَهُوَ فَقِيرٌ (وَلَمْ يُزَوِّجْهُ) أَيْ: الْأَبُ وَهُوَ قَادِرٌ (فَأَصَابَ) أَيْ: الْوَلَدُ (إِثْمًا) أَيْ: مِنَ الزِّنَا وَمُقَدَّمَاتِهِ (فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى أَبِيهِ) أَيْ: جَزَاءُ الْإِثْمِ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّهْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ جَزَاءُ الْإِثْمِ عَلَيْهِ حَقِيقِيَّةٌ وَدَلَّ هُنَا الْحَصْرُ عَلَى أَنْ لَا إِثْمَ عَلَى الْوَلَدِ مُبَالَغَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ لِمَا يَتَفَادَى وَلَدُهُ مَنْ أَصَابَهُ الْإِثْمُ.
3139 -
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ: مَنْ بَلَغَتِ ابْنَتُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ يُزَوِّجْهَا فَأَصَابَتْ إِثْمًا فَإِثْمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.
ــ
3139 -
(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ مَنْ بَلَغَتِ ابْنَتُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ يُزَوِّجْهَا) أَيْ: وَوَجَدَ لَهَا كُفُؤًا (فَأَصَابَتْ إِثْمًا) أَيْ: مَا أَثِمَ بِهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ (فَإِثْمُ ذَلِكَ) أَيْ: إِصَابَتُهَا (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَبِيهَا (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .
[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]
(بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3140 -
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: «جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ: دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
(بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ) أَيْ: عَقْدُهُ (وَالْخِطْبَةِ) رُوِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى النِّكَاحِ أَوْ عَلَى الْإِعْلَانِ وَبِكَسْرِ الْخَاءِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْإِعْلَانِ (وَالشَّرْطِ) عَطْفٌ عَلَى الْإِعْلَانِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3140 -
(عَنِ الرُّبَيِّعِ) اسْمُ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ (بِنْتُ مُعَوِّذٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ (ابْنِ عَفْرَاءَ) اسْمُ الْأُمِّ (قَالَتْ) أَيْ: الرُّبَيِّعِ (جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ) أَيْ: فِي بَيْتِي (حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ سُلِّمْتُ وَزُفِفْتُ إِلَى زَوْجِي (فَجَلَسَ) أَيْ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) خِطَابٌ لِمَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْهَا وَهُوَ خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ:" وَالَّذِي وَضُحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ "، وَهَذَا غَرِيبٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا وَلَا عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا بَلْ يُنَافِيهَا مَقَامُ الزِّفَافِ وَكَذَا قَوْلُهَا:(فَجَعَلَتْ) أَيْ: شَرَعَتْ (جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا) بِالتَّصْغِيرِ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِنَّ بَنَاتُ الْأَنْصَارِ لَا الْمَمْلُوكَاتُ (يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ) قِيلَ تِلْكَ الْبَنَاتُ لَمْ يَكُنَّ بَالِغَاتٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَكَانَ دُفُّهُنَّ غَيْرَ مَصْحُوبٍ بِالْجَلَاجِلِ، قَالَ أَكْمَلُ الدِّينِ: " الدُّفُّ بِضَمِّ الدَّالِّ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ وَيُرْوَى بِالْفَتْحِ أَيْضًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الدُّفِّ عِنْدَ النِّكَاحِ وَالزِّفَافِ لِلْإِعْلَانِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمُ الْخِتَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْقُدُومَ مِنَ السَّفَرِ وَمُجْتَمَعَ الْأَحْبَابِ لِلسُّرُورِ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ الدُّفُّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ الْجَلَاجِلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا بِالِاتِّفَاقِ (وَيَنْدُبْنَ) بِضَمِّ الدَّالِّ مِنَ النَّدْبِ وَهُوَ عَدُّ خِصَالِ الْمَيِّتِ وَمَحَاسِنِهِ أَيْ يَقُلْنَّ مُرْثِيَّاتٍ (مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي) وَشَجَاعَتِهِمْ فَإِنَّ مُعَاذًا وَأَخَاهُ قُتِلَا (يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ) أَيْ: إِحْدَى الْجُوَيْرِيَاتِ (
وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ
) بِالتَّنْوِينِ وَقِيلَ بِإِشْبَاعِ الدَّالِ أَيْ فِينَا نَبِيٌّ يُخْبَرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَيَقَعُ عَلَى وَفْقِهِ (فَقَالَ دَعِي هَذِهِ) أَيْ: اتْرُكِي هَذِهِ الْحِكَايَةَ أَوِ الْقِصَّةَ أَوِ الْمَقَالَةَ (وَقُولِي بِالَّذِي تَقُولِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ: (وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ) أَيْ: مِنْ ذِكْرِ الْمَقْتُولِينَ وَنَحْوِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِنْشَادِ شِعْرٍ لَيْسَ فِيهِ فُحْشٌ وَكَذِبٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْقَائِلَةَ مَقُوَلَهَا: وَفِينَا نَبِيٌّ إِلَخْ. لِكَرَاهَةِ نِسْبَةِ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الرَّسُولُ مِنَ الْغَيْبِ مَا أُخْبِرَهُ أَوْ لِكَرَاهَةِ أَنْ يَذْكُرَ فِي أَثْنَاءِ ضَرْبِ الدُّفِّ وَأَثْنَاءِ مَرْثِيَّةِ الْقَتْلَى لِعُلُوِّ مَنْصِبِهِ عَنْ ذَلِكَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
3141 -
«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: زُفَّتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3141 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ زُفَّتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) أَيْ: نُقِلَتْ إِلَى بَيْتِهِ (فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟) مَا نَافِيَةٌ وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ مُقَدَرَةٌ أَيْ: أَلَمْ يَكُنْ مَعَكُمْ ضَرْبُ دُفٍّ وَقِرَاءَةُ شِعْرٍ لَيْسَ فِيهِ إِثْمٌ (فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوَ وَهَذَا رُخْصَةٌ عِنْدَ الْعُرْسِ كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَلَّا أَرْسَلْتُمْ مَعَهُمْ مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ» . الْحَدِيثَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
3142 -
ــ
3142 -
(وَعَنْهَا) أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي) أَيْ: دَخَلَ مَعِي وَزُفَّ بِي (فِي شَوَّالٍ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: " يُقَالُ بَنَى عَلَى أَهْلِهِ بِنَاءً أَيْ زَفَّهَا، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ بَنَى بِأَهْلِهِ وَهُوَ خَطَأٌ وَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّاخِلَ بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا قُبَّةً لَيْلَةَ دُخُولِهِ بِهَا فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِلٍ بِأَهْلِهِ بِانٍ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ وَالْقَاضِي بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا وَبَالَغَا فِي التَّخْطِئَةِ حَتَّى تَجَاوَزَا إِلَى تَخْطِئَةِ الرَّاوِي قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ اسْتِعْمَالَ بَنَى عَلَيْهَا بِمَعْنَى زَفَّهَا فِي بَدْءِ الْأَمْرِ كِنَايَةٌ فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الزِّفَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ بِنَاءٍ فَأَيُّ بُعْدٍ فِي أَنْ يُنْقَلَ مِنَ الْمَعْنَى الثَّانِي إِلَى ثَالِثٍ فَيَكُونُ بِمَعْنَى أَعْرَسَ بِي وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُعْرِسَ كَانَ يَبْنِي عَلَى أَهْلِهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ خِبَاءً، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى كُنَّى بِهِ عَنِ الْوَطْءِ اه، وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الشُّرَّاحِ إِنَّمَا هُوَ صِحَّةُ تَعْدِيَةِ الْبَنَّاءِ بِالْبَاءِ وَهُمْ لَا يَنْفُونَ تَعْدِيَةَ مُرَادِفِهِ لَهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِالتَّضْمِينِ نَعَمْ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ بَنَى بِامْرَأَتِهِ بِالْبَاءِ كَأَعْرَسَ بِهَا لَوْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ الْمُوَلَّدِينَ فَفِيهِ لُغَتَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ: بَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَبِهَا: زَفَّهَا، وَفِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لِلسُّيُوطِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ هُوَ أَيْضًا (فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى) أَيْ: أَقْرَبَ إِلَيْهِ وَأَسْعَدَ بِهِ أَوْ أَكْثَرَ نَصِيبًا (عِنْدَهُ مِنِّي) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: كَانَ أَحْظَى مِنِّي نَظَرًا إِلَى لَفْظِ أَيِّ وَمِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: أَيَّةُ امْرَأَةٍ فَاعْتُبِرَ فِي الْإِضَافَةِ الْجَمْعُ وَذَكَرَهُ لِيُؤْذِنَ كَثْرَةَ نِسَائِهِ الْمُفَضِّلَاتِ عَلَيْهِنَّ، وَهِيَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، قِيلَ: إِنَّمَا قَالَتْ هَذَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ يُمْنًا فِي التَّزَوُّجِ وَالْعُرْسِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا سَمِعَتْ بَعْضَ النَّاسِ يَنْظُرُونَ بِبِنَاءِ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ فِي شَوَّالٍ لِتَوَهُّمِ اشْتِقَاقِ شَوَّالٍ مَنْ أَشَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ فَحَكَتْ مَا حَكَتْ رَدًّا لِذَلِكَ وَإِزَاحَةً لِلْوَهْمِ، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِأَبِي الْمَكَارِمِ: كَرِهَ بَعْضُ الرَّوَافِضِ النِّكَاحَ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: إِنَّمَا كَرِهَ النَّاسُ أَنْ يَتَزَوَّجُوا فِي شَوَّالٍ لِطَاعُونٍ وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ اه. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ قَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا رَدَّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَمَا يَتِمُّ يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
3143 -
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3143 -
(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ الشُّرُوطِ) مُبْتَدَأٌ (أَنْ تُوفُوا بِهِ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ بَدَلٌ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْخَبَرِ (مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِالشُّرُوطِ هَاهُنَا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوطُ فِي مُقَابَلَةِ الْبِضْعِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِمُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَهَا بِالْعَقْدِ فَكَأَنَّهَا شَرَطَتْ فِيهِ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا شَرَطَ الزَّوْجُ تَرْغِيبًا لِلْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ مَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطٍ لَا يُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ، وَيَكُونُ مِنْ مَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا وَكُسْوَتَهَا وَسُكْنَاهَا، وَمِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَصُومَ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ غَيْرَهُ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَتَصَرَّفَ فِي مَتَاعِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَا يُنْفِقُ وَلَا يُسَافِرُ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ يَكُونُ لَغْوًا، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِكُلِّ شَرْطٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَعَلَى هَذَا الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ لِلتَّغْلِيبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مَا اسْتُحِلَّتْ بِهِ الْفُرُوجُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3144 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3144 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ ") بِضَمِّ الْبَاءِ عَلَى أَنَّ لَا نَافِيهٌ وَبِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهَا نَاهِيَةٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ: الْكَسْرُ وَالنَّصْبُ عَلَى كَوْنِهِ نَهْيًا فَالْكَسْرُ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي تَحَرِّيكِ السَّاكِنِ وَالْفَتْحُ لِأَنَّهَا أَخَفُّ الْحَرَكَاتِ وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى كَوْنِهِ نَفْيًا اه. وَالْفَتْحُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ رِوَايَةً وَدِرَايَةً: (عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) أَيْ: الْمُسْلِمِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ فَوْقِهَا أَوْ بَعْدَهَا (حَتَّى يَنْكِحَ) أَيْ: كَيْ أَوْ إِلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (أَوْ يَتْرُكَ) أَيْ: نِكَاحَهَا قِيلَ الْخِطْبَةُ مَنْهِيَّةٌ إِذَا كَانَا رَاضِيَيْنِ وَتَعَيَّنَ الصَّدَاقُ لَكِنْ إِنْ تَزَوَّجَ الثَّانِي تِلْكَ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَوَّلِ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يَأْثَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3145 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3145 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ) بِالْجَزْمِ وَالرَّفْعِ (طَلَاقَ أُخْتِهَا) أَيْ: ضَرَّتِهَا يَعْنِي أُخْتَهَا فِي الدِّينِ أَوْ لِكَوْنِهِمَا مِنْ بَنَاتِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَسَمَّاهَا أُخْتًا لِتَمِيلَ إِلَيْهَا وَتَحِنَّ عَلَيْهَا وَاسْتِقْبَاحًا لِخَصْلَةِ النَّهْيِ عَنْهَا لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» " وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَكْرَهُ لِأَخِيهِ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ يَعْنِي لَا تَسْأَلُ الْمَخْطُوبَةُ الْخَاطِبَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لِتَكُونَ مُنْفَرِدَةً بِالْحَظِّ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا) أَيْ: لِتَجْعَلَ قَصْعَةَ أُخْتِهَا فَارِغَةً عَمَّا فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ وَهَذَا مِثْلُ ضَرْبِهِ لِحِيَازَةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صَاحِبَتِهَا لِنَفْسِهَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لِتَفُوزَ بِحَظِّهَا (وَلِتَنْكِحَ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ عَلَى لِتَسْتَفْرِغَ أَيْ وَلِتَنْكِحَ زَوْجَهَا لِيُكُونَ جَمِيعُ مَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لِلطَّالِبَةِ كَذَا قِيلَ، وَالْمَعْنَى لِتَنْكِحَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ خَاصَّةً وَإِسْنَادُ النِّكَاحِ إِلَى الْمَرْأَةِ شَائِعٌ قَالَ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أَيْ لِتَنْكِحَ طَالِبَةُ الطَّلَاقِ زَوْجَ تِلْكَ الْمُطَلَّقَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْمُطَالِبَةُ وَالْمَطْلُوبَةُ تَحْتَ رَجُلٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ ضَمِيرُهُ إِلَى الْمَطْلُوبَةِ يَعْنِي وَلِتَنْكِحَ ضَرَّتُهَا زَوْجًا آخَرَ فَلَا تَشْتَرِكُ مَعَهَا فِيهِ، أَوْ مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَسْأَلْ أَيْ وَلْتَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقِيلَ: بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِتُجْعَلَ مَنْكُوحَةً لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِي شَرْحِهِ لِلْمَشَارِقِ: رُوِيَ وَلْتَنْكِحْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الْمَعْلُومِ أَوِ الْمَجْهُولِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ " لَا تَسْأَلْ " يَعْنِي لِتَثْبُتَ الْمَرْأَةُ الْمَنْكُوحَةُ عَلَى نِكَاحِهَا الْكَائِنِ عَلَى الضَّرَّةِ قَانِعَةً بِمَا يَحْصُلُ لَهَا فِيهِ أَوْ مَعْنَاهُ لِتَنْكِحْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْغَيْرُ الْمَنْكُوحَةِ زَوْجًا غَيْرَ زَوْجِ أُخْتِهَا وَلْتَتْرُكْ ذَلِكَ الزَّوْجَ أَوْ مَعْنَاهُ لِتَنْكِحْ تِلْكَ الْمَخْطُوبَةُ زَوْجَ أُخْتِهَا وَلِتَكُنْ ضَرَّةً عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِلْجَمْعِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ طَلَاقَ أُخْتِهَا (فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) أَيْ: لَنْ تَعْدُوَ بِذَلِكَ مَا قُسِمَ لَهَا وَلَنْ تَسْتَزِيدَ بِهِ شَيْئًا وَفِي الْمَصَابِيحِ فَإِنَّ مَالَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَا فِي مَا لَهَا مَوْصُولَةٌ وَالْجُمْلَةُ الظَّرْفِيَّةُ صِلَتُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالٌ اسْمَ جِنْسٍ مُضَافًا إِلَى الْهَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنَّمَا مُتَّصِلٌ فَتَكُونُ مَا كَافَّةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3146 -
ــ
3146 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ) بِالْكَسْرِ (وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ) أَوْ أُخْتَهُ (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ) أَوْ أُخْتَهُ (وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مَهْرُ الْمَرْأَةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رحمه الله: " وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الزَّوْجُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنِ الْآخَرِ أَيْ صَدَاقًا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقِلْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقِيلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا وَلَهُ زَادَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بِضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ فَلَمْ يَقْبَلِ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ ثُمَّ حُكْمُ هَذَا الْعَقْدِ عِنْدَنَا صِحَّتُهُ وَفَسَادُ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَطَلَ الْعَقْدُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنَ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ
عَنْهُ وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا وَعَنْهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام " «قَالَ لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» ". وَالنَّفْيُ رَفْعٌ لِوُجُودِهِ فِي الشَّرْعِ وَعُرِفَ مِنْهُ التَّعَدِّي أَيْ: كُلُّ وَلِيٍّ يُزَوِّجُ مُولِيَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ مُولِيَتَهُ كَسَيِّدِ الْأَمَةِ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ عَلَى تَزَوُّجِ الْأَخَرِ مُولِيَتَهُ كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ مُسَمَّى الشِّغَارِ وَمَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ خُلُوُّهُ مِنَ الصَّدَاقِ وَكَوْنُ الْبُضْعِ صَدَاقًا، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِنَفْيِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَمَا يُصَدَّقُ عَلَيْهَا شَرْعًا فَلَا نُثْبِتُ النِّكَاحَ كَذَلِكَ بَلْ نُبْطِلُهُ فَيَبْقَى نِكَاحًا سُمِّيَ فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ الْمُسَمَّى فِيهِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ لَمْ نُثْبِتْهُ، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بَلِ اقْتَضَتِ الْعُمُومَاتِ صِحَّتُهُ أَعْنِي مَا يُفِيدُ الِانْعِقَادَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ الْمَهْرَ وَتَسْمِيَتِهِ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَظَهَرَ أَنَا قَائِلُونَ بِمُوجِبِ الْمَنْقُولِ حَيْثُ نَفَيْنَاهُ.
3147 -
«وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3147 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ) الْمُتْعَةُ أَنْ تَقُولَ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنَ الْمَالِ (يَوْمَ خَيْبَرٍ) بِغَيْرِ الصَّرْفِ وَقِيلَ: مُنْصَرِفٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ كَانَا مَرَّتَيْنِ كَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ خَيْبَرَ ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَامُ أَوْطَاسٍ لِاتِّصَالِهِمَا ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اه، يَعْنِي أَنَّ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَامَ أَوْطَاسٍ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَتْحِ بِيَسِيرٍ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ بَيَانٍ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي (وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ) بِضَمِّهِمَا جَمْعُ حِمَارٍ (الْإِنْسِيَّةِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِمَا، وَفِي أُخْرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ أَيِ الْأَهْلِيَّةِ ضِدُّ الْوَحْشِيَّةِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: رَوَى ابْنُ أَوْسٍ بِفُتْحَتَيْنِ وَالْمَشْهُورُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَالْإِنْسُ بِالْكَسْرِ النَّاسُ اه، وَفِي الْقَامُوسِ: الْأُنْسُ بِالضَّمِّ وَبِالتَّحْرِيكِ وَالْأَنَسَةِ مُحَرَّكَةٌ ضِدُّ الْوَحْشِيَّةِ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ نِسْبَةٌ إِلَى الْإِنْسِ وَهُمْ بَنُو آدَمَ وَالْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ، وَقِيلَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ نِسْبَةً إِلَى الْأُنْسِ ضِدُّ الْوَحْشَةِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ نِسْبَةً إِلَى الْأُنْسِ مَصْدَرُ أَنِسْتُ بِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3148 -
«وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
3148 -
(وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ) مَوْضِعٌ بِالطَّائِفِ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، وَقِيلَ: اسْمُ وَادٍ مِنْ دِيَارِ هَوَازِنَ قَسَّمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ حُنَيْنٍ (فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: أَيْ رَخَّصَ فِي الْمُتْعَةِ فِي هَذَا الْغَزْوِ ثَلَاثَ لَيَالٍ (ثُمَّ نَهَى عَنْهَا) وَاخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَيْهِمْ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَخَّصَ عَامَ أَوْطَاسٍ بَعْدَ مَا نَهَى عَنْهُ لِضَرُورَةٍ دَعَتْ إِلَيْهَا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا ثَانِيًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَرَخَّصَ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَفِي الْهِدَايَةِ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ جَائِزٌ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: نِسْبَتُهُ إِلَى مَالِكٍ غَلَطٌ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فَيَبْقَى إِلَى أَنْ يُظْهِرَ النَّسْخَ هَذَا مُتَمَسِّكٌ مَنْ يَقُولُ بِهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ. قُلْنَا: قَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنَّفِ وَلَيْسَتِ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً فِيهَا فَإِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقْدَّرَ مَحْذُوفٌ أَيْ بِسَبَبِ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِهِمْ أَيْ لَمَّا عَرَفَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ عَلِمَ أَنَّهُ نُسِخَ بِدَلِيلِ النَّسْخِ أَوْ هِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ لَمَّا ثَبَتَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ عُلِمَ مَعَهُ النَّسْخُ وَأَمَّا دَلِيلُ النَّسْخِ بِعَيْنِهِ فَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ، قِيلَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ الْمُتْعَةُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا يُحْتَاجُ إِلَى النَّاسِخِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا كَانَ أَبَاحَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِضَائِهَا تَنْتَهِي الْإِبَاحَةُ ; وَذَلِكَ لِمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَحَلَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الدَّهْرِ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ فِيهَا الْعُزُوبَةُ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا وَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ حِينَ صَدَرَتْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ; وَلِذَا قَالَ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا وَهُوَ يُشْبِهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شُبْرُمَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتْعَةِ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ
إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا فَقَالَتْ: مَا تُعْطِينِي فَقُلْتُ رِدَاءً لِي، وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي، وَكُنْتُ أَشْبَهَ فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيَّ أَعْجَبْتُهَا، ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ وَرِدَاؤُكَ يَكْفِينِي فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يُتَمَتَّعُ بِهِنَّ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فِي النِّسَاءِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ بَعْدَ مَا اشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ إِبَاحَتِهَا وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَبَاحَهُ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَالْعَنَتِ فِي الْأَسْفَارِ وَلِهَذَا قَالَ الْحَازِمِيُّ: " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ أَبَاحَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ وَأَبَاحَهَا لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِحَسَبِ الضَّرُورِيَّاتِ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي آخِرَ سَنَةٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ تَحْرِيمُ تَأْبِيدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الشِّيعَةِ " اه، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:" أَحَادِيثُ إِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ وَرَدَتْ فِي أَسْفَارِهِمْ فِي الْغَزْوِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَعُدْمِ النِّسَاءِ مَعَ أَنَّ بِلَادَهُمْ حَارَةٌ وَصَبْرَهُمْ عَنْهُنَّ قَلِيلٌ وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنِ اضْطَرَّ إِلَيْهَا كَالْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، إِلَّا مَا قَالَ زُفَرُ: مَنْ نَكَحَ مُتْعَةً تَأَبَّدَ نِكَاحُهُ. وَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ التَّأْجِيلِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تُلْغَى وَيَصِحُّ النِّكَاحُ " اه. وَفِيهِ أَنَّ زُفَرَ فَرَّقَ بَيْنَ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ وَبَيْنَ الْمُتْعَةِ فَالْمُتْعَةُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ وَالتَّمْتِيعِ سَوَاءٌ يَكُونُ مُؤَقَّتًا أَوْ لَا وَالْمُؤَقَّتُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالزَّوَاجِ مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَكَحَ مُطْلَقًا وَنِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا يَمْكُثُ مَعَهَا إِلَّا مُدَّةً فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
3149 -
«عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ، قَالَ: " التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضَلِّلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] » . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ. وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ فَسَّرَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَبَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3149 -
( «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَّةِ» ) أَيْ: مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالتَّشَهُّدُ إِظْهَارُ الشَّهَادَةِ بِالْإِيقَانِ أَوْ طَلَبُ التَّشَهُّدِ وَهُوَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ أَوْ طَلَبُ الشُّهُودِ وَهُوَ الْحُضُورُ وَالْعِرْفَانُ فِي مَقَامِ الْإِحْسَانِ (قَالَ) أَيْ: ابْنُ مَسْعُودٍ (التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: فِي آخِرِهَا ( «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ» ) قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ إِنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بِتَخْفِيفِ إِنَّ وَرَفْعِ الْحَمْدِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّشْدِيدِ وَالنَّصْبِ، قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ:" يَجُوزُ تَخْفِيفُ إِنَّ وَتَشْدِيدُهَا وَمَعَ التَّشْدِيدِ يَجُوزُ رَفْعُ الْحَمْدِ وَنَصْبُهُ وَرَوَيْنَاهُ بِذَلِكَ " اه، رَفْعُ الْحَمْدِ مَعَ التَّشْدِيدِ يَكُونُ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: " التَّشَهُّدُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ مُخْفِقَةٌ مِنَ الْمُثْقَلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] فَالْحَمْدُ هُنَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْأَفْعَالِ الْعِظَامِ وَالتَّعْرِيفِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَيُفِيدُ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لَيْسَتْ إِلَّا مِنْهُ وَكُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ لَهُ وَمِنْهُ وَإِلَيْهِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَفْعَالُ الْمُتَنَاسِقَةُ بَعْدَهُ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِعَاذَةِ (نَسْتَعِينُهُ) أَيْ: فِي حَمْدِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ جُمَلٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِأَحْوَالِ الْحَامِدِينَ (وَنَسْتَغْفِرُهُ) أَيْ: فِي تَقْصِيرِ عِبَادَتِهِ وَتَأْخِيرِ طَاعَتِهِ (وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا) أَيْ: مِنْ ظُهُورِ شُرُورِ أَخْلَاقِ نُفُوسِنَا الرَّدِيَّةِ وَأَحْوَالِ طِبَاعِ أَهْوَائِنَا الدَّنِيَّةِ (مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ) بِإِثْبَاتِ الضَّمِيرِ أَيْ مِنْ يُوَفِّقُهُ لِلْهِدَايَةِ (فَلَا مُضِلَّ لَهُ) أَيْ: مِنْ شَيْطَانٍ وَنَفْسٍ وَغَيْرِهِمَا (وَمَنْ يُضَلِّلُ) بِخَلْقِ الضَّلَالَةِ فِيهِ (فَلَا هَادِيَ لَهُ) أَيْ: لَا
مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَبِيٍّ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله:" أَضَافَ الشَّرَّ إِلَى الْأَنْفُسِ أَوَّلًا كَسْبًا وَالْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَانِيًا خُلُقًا وَتَقْدِيرًا "(وَأَشْهَدُ) أَيْ: بِإِعَانَتِهِ وَهِدَايَتِهِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَيْ: الْمُسْتَحِقُّ لِلْعُبُودِيَّةِ وَالثَّابِتُ الْأُلُوهِيَّةُ فِي تَوْحِيدِ ذَاتِهِ وَتَفْرِيدِ صِفَاتِهِ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) سَيِّدُ مَخْلُوقَاتِهِ وَسَنَدُ مَوْجُودَاتِهِ (وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " هَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَهُوَ يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَقْرَأُ أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] فِي الْمَعَالِمِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، قِيلَ: وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَقْوَى عَلَى هَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فَنُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقِيلَ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] أَيْ: مُؤْمِنُونَ أَوْ مُخْلِصُونَ أَوْ مُفَوَّضُونَ أَوْ مُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مُتَزَوِّجُونَ وَالنَّهْيُ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ وَإِنَّمَا نُهُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ تَرْكِ الْإِسْلَامِ وَمَعْنَاهُ دَاوِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يُصَادِفَكُمُ الْمَوْتُ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي) هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الْمِشْكَاةِ وَالْأَذْكَارِ وَتَيْسِيرِ الْوُصُولِ إِلَى جَامِعِ الْأُصُولِ وَبَعْضِ نَسْخِ الْحِصْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " وَلَعَلَّهُ هَكَذَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّ الْمُثَبَّتَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي} [النساء: 1] بِدُونِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلًا لِمَا فِي الْإِمَامِ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اللَّامَ فِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ الْمُؤْمِنُونَ، قُلْتُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) الْآيَةَ، مَعَ أَنَّ الْمَوْصُولَيْنِ يُلَائِمَانِ التَّخْصِيصَ (تَسَاءَلُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَبِتَشْدِيدِ السِّينِ قِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ (بِهِ) أَيْ: تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ حَوَائِجَكُمْ بِاللَّهِ كَمَا تَقُولُونَ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ؟ (وَالْأَرْحَامَ) بِالنَّصْبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْقُرَّاءِ أَيْ وَاتَّقَوُا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا وَفِيهِ عَظِيمُ مُبَالَغَةٍ فِي اجْتِنَابِ قَطْعِ الرَّحِمَ وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِالْخَفْضِ أَيْ بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ كَمَا فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُقَالُ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ، وَالْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِ فَصِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ، وَقِيلَ: الْجَرُّ لِلْجِوَارِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ لِلْقَسَمِ، وَقِيلَ: عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] أَيْ حَافِظًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [الأحزاب: 70] أَيْ مُخَالَفَتَهُ وَمُعَاقَبَتَهُ {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] أَيْ: صَوَابًا وَقِيلَ: عَدْلًا، وَقِيلَ: صِدْقًا، وَقِيلَ: مُسْتَقِيمًا، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ أَيْ دُومُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 71] أَيْ: يَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِكُمْ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 71] أَيْ: يَمْحُو سَيِّئَاتِكُمْ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 71] أَيْ: بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الزَّوَاجِرِ {فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] أَيْ: ظَفَرَ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَدْرَكَ مُلْكًا كَبِيرًا (رَوَاهُ أَحْمَدُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ (وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ فَسَّرَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ) أَقُولُ فَيُمْكِنُ الْغَلَطُ سَهْوًا مِنْهُ فَالْأَوْلَى أَنْ تُقْرَأَ الْآيَةُ عَلَى الْقُرَّاءِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنِ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]
فَهُوَ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ لِحَالِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ حَاجَةٍ (وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ) مَفْعُولُ زَادَ (وَبَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا) أَيْضًا مَفْعُولُ زَادَ (وَالدَّارِمِيُّ) عَطْفٌ عَلَى ابْنِ مَاجَهْ أَيْ وَزَادَ الدَّارِمِيُّ (بَعْدَهُ قَوْلَهُ عَظِيمًا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِحَاجَتِهِ) مَفْعُولُ زَادَ الْمُقَدَّرِ (وَرَوَى) أَيْ: الْبَغَوِيُّ (فِي وَالدَّارِمِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ عَظِيمًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِحَاجَتِهِ وَرَوَى فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ) وَالْمَفْهُومُ مِنَ الْحِصْنِ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ " أَيْ: قُدَّامَهَا، " مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِيهِمَا فَلَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا "، وَقَالَ صَاحِبُ السِّلَاحِ بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " زَادَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُطِعْهُ وَيُطِعْ رَسُولَهُ وَيَتَّبِعْ رِضْوَانَهُ وَيَجْتَنِبْ سُخْطَهُ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ أَيْ بِهِ مَوْجُودُونَ وَلَهُ مُنْقَادُونَ.
3150 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشْهَدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ــ
3150 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ خِطْبَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ التَّزَوُّجُ (لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٍ) أَيْ: حَمَدٌ وَثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ (فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ) أَيْ: الْمَقْطُوعَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا وَالْجَذْمُ سُرْعَةُ الْقَطْعِ، وَقِيلَ: الْجَذْمَاءُ مِنَ الْجُذَامِ وَهُوَ دَاءٌ مَعْرُوفٌ تَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:" وَأَصْلُ التَّشَهُّدِ قَوْلُكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الثَّنَاءِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ وَالشَّهَادَةُ الْخَبَرُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ أَصْدَقُ الشَّهَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا "، قُلْتُ: الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ، قَالَ الْمُظْهِرُ وَزَيْنُ الْعَرَبِ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَالْخِطْبَةُ بِالْكَسْرِ طَلَبُ التَّزَوُّجِ اه، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا هُنَا بِالْكَسْرِ لَكِنَّ فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِالضَّمِّ ; فَإِنَّ الشَّيْخَ اسْتَمْسَكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الِاسْتِشْكَالِ عَلَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ تَرَكَ فِي الْأَوَّلِ كِتَابَةَ الشَّهَادَةِ. قُلْتُ: فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِالْكَسْرِ أَوِ الْحَدِيثِ مِنْ أَصْلِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
3151 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3151 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ) أَيْ: ذِي شَأْنٍ وَاعْتِبَارٍ يُرْجَى مِنْهُ حُسْنُ مَآلٍ فِي النِّهَايَةِ الْبَالُ الْحَالُ وَالشَّأْنُ وَأَمْرٌ ذُو بَالٍ أَيْ: شَرِيفٌ يُحْتَفَلُ بِهِ وَيُهْتَمُّ وَالْبَالُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَلْبِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا قَالَ: ذُو بَالٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ وَكَأَنَّهُ صَاحِبُ بَالٍ (لَا يَبْدَأُ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَبْدَأْ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ) بِإِسْقَاطِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَبِإِثْبَاتِهَا حِكَايَةٌ (فَهُوَ) أَيْ: ذَلِكَ الْأَمْرُ (أَقْطَعُ) أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ أَيْ أَقْطَعُ مِنْ كُلِّ مَقْطُوعٍ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَهُوَ أَبْتَرُ أَيْ: ذَاهِبُ الْبَرَكَةِ، رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْجَامِعِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَهُوَ أَجْذَمُ، وَفِي رِوَايَةٍ " لَا يَبْدَأُ فِيهِ بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهَا ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
3152 -
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
3152 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْلَنُوا هَذَا النِّكَاحَ) أَيْ: بِالْبَيِّنَةِ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ بِالْإِظْهَارِ وَالِاشْتِهَارِ فَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِ (وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ) وَهُوَ إِمَّا لِأَنَّهُ أَدْعَى إِلَى الْإِعْلَانِ أَوْ لِحُصُولِ بِرْكَةِ الْمَكَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِيهِ أَيْضًا فَضِيلَةُ الزَّمَانِ لِيَكُونَ نُورًا عَلَى نُورٍ وَسُرُورًا عَلَى سُرُورٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:" يُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَكَوْنِهِ فِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ " اه، وَهُوَ إِمَّا تَفَاؤُلًا لِلِاجْتِمَاعِ أَوْ تَوَقُّعَ زِيَادَةِ الثَّوَابِ أَوْ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ الْإِعْلَانِ (وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النِّكَاحِ (بِالدُّفُوفِ) لَكِنْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ:" فِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْمَسْجِدِ لِلنِّكَاحِ " اه. وَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَنَقَلَ ابْنُ الْهُمَامِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، أَقُولُ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ الْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ وَأَمَّا صَدْرُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَمَّا اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ» ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الْإِشْهَادِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ " اشْتِرَاطُ الْإِعْلَانِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ "، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا زَادَ ذِكْرَ الْإِعْلَانِ تَتْمِيمًا لِنَقْلِ مَذْهَبِهِ. وَنَفَى اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلِي وَعُثْمَانَ الْبَنَّاءِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ. قِيلَ: وَزُوِّجَ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَكَذَا فَعَلَ الْحَسَنُ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بُقُولِهِ عليه الصلاة والسلام:" «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" الْبَغَايَا الَّتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ عَبْدِ الْأَعْلَى فِي التَّفْسِيرِ وَوَقَفَهُ فِي الطَّلَاقِ، لَكِنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«لَا نِكَاحَ إِلَّا بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» "، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: " لَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنَ غَيْرُ هَذَا وَلَشَتَّانَ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ فَخَرِ الْإِسْلَامِ إِنَّ حَدِيثَ الشُّهُودِ مَشْهُورٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَيَنْدَفِعُ بِهِ الْإِيرَادُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ لُزُومُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ رحمهم الله نَصَبُوا الْخِلَافَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْإِعْلَانِ وَاسْتَدَلُّوا لِمَالِكٍ فِي إِثْبَاتِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها هَذَا وَالَّذِي يُظْهِرُ أَنَّ هَذَا نَصَبٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ يَظْهَرُ ذَلِكَ عَنْ أَجْوِبَتِهِمْ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ كَلِمَتَهُمْ قَاطِعَةٌ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِمُوجِبِ دَلَائِلِ الْإِعْلَانِ وَادِّعَاءِ الْعَمَلِ بِهَا بِاشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ إِذْ بِهِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ، وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ: نِكَاحُ السِّرِّ مَا لَمْ يَحْضُرْهُ شُهُودٌ فَإِذَا حَضَرُوا فَقَدْ أُعْلِنَ، قَالَ:
وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ
…
وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ الْخَفِيُّ
، صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّ الْإِعْلَانَ الْمَشْرُوطَ هَلْ يَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ حَتَّى لَا يَضُرَّهُ بَعْدَهُ تَوْصِيَتُهُ لِلشُّهُودِ بِالْكِتْمَانِ أَوْ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِشْهَادِ حَتَّى يَضُرَّ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَالُوا: لَا وَلَوْ أَعْلَنَ بِدُونِ الْإِشْهَادِ لَا يَصِحُّ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَعِنْدَهُ يَصِحُّ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الْإِشْهَادِ يَحْصُلُ فِي ضِمْنِهِ الشَّرْطُ الْآخَرُ فَكُلُّ إِشْهَادٍ إِعْلَانٌ وَلَا يَنْعَكِسُ كَمَا لَوْ أَعْلَنُوا بِحَضْرَةِ صِبْيَانٍ أَوْ عَبِيدٍ.
3153 -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَصَلَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3153 -
(وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ) بِالْحَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (الْجُمَحِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، هَاجَرَ مَعَ أَخِيهِ خَطَّابِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرٍ إِلَىِ الْحَبَشَةِ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَصَلَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ» ) أَيْ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (الصَّوْتُ) أَيْ: الذِّكْرُ وَالتَّشْهِيرُ بَيْنَ النَّاسِ (وَالدُّفُّ) أَيْ: ضَرَبَهُ (فِي النِّكَاحِ) فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِهِ الْإِعْلَانُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: " لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ إِلَّا هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ الضِّدِّ بَلِ الْمُرَادُ التَّرْغِيبُ إِلَى إِعْلَانِ أَمْرِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْأَبَاعِدِ، فَالسُّنَّةُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِضَرْبِ الدُّفِّ وَأَصْوَاتِ الْحَاضِرِينَ بِالتَّهْنِئَةِ أَوِ النَّغْمَةِ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَعْنَاهُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ وَاضْطِرَابُ الصَّوْتِ بِهِ وَالذِّكْرُ فِي النَّاسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ قَدْ ذَهَبَ صَوْتُهُ فِي النَّاسِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِهِ إِلَى السَّمَاعِ وَهَذَا خَطَأٌ يَعْنِي السَّمَاعَ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ النَّاسِ الْآنَ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا الْحَاكِمُ بِلَفْظِ «فَصَلَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ضَرْبُ الدُّفِّ وَالصَّوْتِ فِي النِّكَاحِ»
3154 -
ــ
3154 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي جَارِيَةٌ) أَيْ: بِنْتٌ مَنْ أَقَارِبِهَا كَمَا سَيَأْتِي أَوْ يَتِيمَةٌ تَكَفَّلَتْ بِهَا (مِنَ الْأَنْصَارِ زَوَّجْتُهَا) أَيْ: مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَوْ غَيْرِهِمْ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا تُغَنِّينَ) يَحْتَمِلُ خِطَابُ الْجَمَاعَةِ وَالْإِفْرَادِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَوِ التَّفَعُّلِ فَإِنَّ غَنَّى وَتَغَنَّى بِمَعْنًى، فَفِي الْقَامُوسِ: غَنَّاهُ الشِّعْرَ وَبِهِ تَغْنِيَةً: تَغَنَّى بِهِ وَبِالْمَرْأَةِ تَغَزَّلَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِطَابِ الْغَيْبَةَ بِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْمُرَادُ مِنْهُنَّ مَنْ تَبِعَهَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِمَاءِ وَالسَّفَلَةِ فَإِنَّ الْحَرَائِرَ يَسْتَنْكِفْنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى خِطَابِ الْحُضُورِ لَهُنَّ وَيَكُونُ مِنْ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ وَالْآذِنِ فِيهِ "، قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ " أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ تَغَنِّي "، قَالَ: وَلَا يَحْسُنُ تَفْرِيدُ الْخِطَابِ هَاهُنَا لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِمَالِ وَقَدْ حَلَّ مَنْصِبُ الصَّدِيقَاتِ عَنْ مُعَانَاةٍ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِنَّ (فَإِنَّ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ يُحِبُّونَ الْغِنَاءَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيِ التَّغَنِّي وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ تَفَّعَلَ بِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ غَيْرُ عَزِيزٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ} [البقرة: 203] أَيِ اسْتَعْجَلَ فَإِذَا لَا حَاجَةَ إِلَى التَّكَلُّفِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ فَإِنَّ التَّمَنِّيَ فِيهِ مَعْنَى الطَّلَبِ (رَوَاهُ. . . . . . .) فِي الْأَصْلِ بَيَاضٌ هُنَا وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
3155 -
ــ
3155 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنَكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنَ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَهَدَيْتُمْ) بِفَتْحِ الْهَاءِ (الْفَتَاةَ) أَيْ: الْجَارِيَةَ وَالْمُرَادُ بِهَا الْبِنْتُ وَالْمَهْدِيُّ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ أَيْ إِلَى بَعْلِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ:" الْهِدَاءُ مَصْدَرُ هُدِيَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا فَهِيَ مَهْدِيَّةٌ وَهُدِيَ أَيْضًا "، فِي الْقَامُوسِ:" هَدِيٌّ كَغَنِيٍّ: الْعَرُوسُ كَالْهَدِيَّةِ وَهَدَاهَا إِلَى بَعْلِهَا وَأَهْدَاهَا وَاهْتَدَاهَا " اه، فَيَصِحُّ أَيْضًا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ مِنْ ضَبْطِهَا أَهْدَيْتُمْ بِالسُّكُونِ (قَالُوا) أَيْ: بَعْضُهُمْ (نَعَمْ) وَفِي إِيرَادِ الضَّمِيرِ الْمُذَكَّرِ إِمَّا تَغْلِيبٌ لِمَا هُنَاكَ مِنْ أَقَارِبِهِمَا أَوْ خُدَّامِهَا أَوْ تَنْزِيلًا مِنْ مَنْزِلَةِ الرِّجَالِ فِي الْقِيَامِ بِحَقِّهَا (قَالَ: أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ تُغَنِّي) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِمَا عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ (قَالَتْ: لَا) تَصَدَّتْ لِلْجَوَابِ لِأَنَّهَا الرَّئِيسَةُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَيْلٌ إِلَى الْغِنَاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مُغَازَلَةُ النِّسَاءِ فِي مُحَادَثَتِهِنَّ وَمُرَاوَدَتِهِنَّ وَالِاسْمُ الْغَزَلُ (فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا) لَوْ لِلتَّمَنِّي وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَكَانَ حَسَنًا (مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ) أَيْ: هُنَا وَنَحْوَهُ (فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ) أَيْ: اللَّهُ تَعَالَى أَبْقَانَا وَأَبْقَاكُمْ وَسَلَّمَ إِيَّاكُمْ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:" أَيْ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ "، قِيلَ: وَتَمَامُهُ وَلَوْلَا الْحِنْطَةُ السَّمْرَاءُ لَمْ تَسْمَنْ عَذَارَاكُمْ أَيْ: بَنَاتُكُمُ الْبِكْرُ، وَالسَّمْرَاءُ أَيِ الْحَمْرَاءُ وَالسُّمْرَةُ بَيَاضٌ يَخْتَلِطَهُ حُمْرَةٌ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
3156 -
وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3156 -
(وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ) أَيْ: مُسْتَوَيَانِ وَأَحَدُهُمَا سَابِقٌ (فَهِيَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ: عَقْدًا لَا دُخُولًا (مِنْهُمَا) وَبَطَلَ عَقْدُ الثَّانِي دَخَلَ الثَّالِثُ بِهَا أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ لَهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ أَصْلًا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ (وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ) أَيْ: الْمَبِيعُ (لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) مِنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْعَقْدَانِ مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْبَيْعُ صَحَّ بِالِاشْتِرَاكِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوَيَانِ كُلٌّ مِنْ وَاحِدٍ فَسَكَتَتْ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله بَطَلَا كَمَا لَوْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُمَا يَتَوَقَّفَانِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3157 -
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
3157 -
(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو) أَيْ: نُجَاهِدُ الْكُفَّارَ وَنُقَاتِلُهُمْ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ) أَيْ: وَنَحْنُ نَشْتَهِيهِنَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ شَجَاعَتِهِمْ وَرُجُولِيَّتِهِمْ وَقُوَّةِ قُلُوبِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ (فَقُلْنَا: أَلَا نَخْتَصِي) أَيْ: حَتَّى نَتَخَلَّصَ مِنْ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ (فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: الِاخْتِصَاءِ (ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ) أَيْ: نَفْعَلُ الْمُتْعَةَ بِالنِّسَاءِ (فَإِنَّ أَحَدَنَا يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ) أَيْ: مُسَمًّى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَنْكِحُ يَتَمَتَّعُ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَالْأَوَّلُ اتَّفَقُوا عَلَى بُطْلَانِهِ، وَكَذَا الثَّانِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ زُفَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ نَوَاهَا فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ " اه، وَاللَّيْلِيَّاتُ بِالْجَوَازِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى (ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ إِبَاحَتُهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ رَجَعَ لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوِ اسْتَمَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّصُّ " اه، أَوْ يَقُولُ بِأَنَّهَا رُخْصَةٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْآخَرِ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ وَكَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3158 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ يُقْدِمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ تَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وَتُصْلِحُ لَهُ شَيَّهُ حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3158 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ) أَيْ: بِالنَّاسِ يَعْزَبُونَهُ (فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يُرَى) بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ يَظُنُّ (أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وَتُصْلِحُ لَهُ شَيَّهُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ طَبِيخَهُ، فِي الْقَامُوسِ: شَوَى اللَّحْمَ شَيًّا فَاشْتَوَى، وَقِيلَ: أَيْ أَسْبَابَهُ فَكَأَنَّهُ صَحَّفَهُ وَجَعَلَهُ مُفْرَدَ الْأَشْيَاءِ (حَتَّى إِذَا نَزَّلَتِ الْآيَةُ {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ أَنْ