المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَلَكَ رَغْبَةٌ فِي الْمَبِيعِ؟ فَإِنْ أُرِيدَ الْإِقَالَةَ أَقَالَهُ، فَيُوَافِقُ الْحَدِيثَ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: أَلَكَ رَغْبَةٌ فِي الْمَبِيعِ؟ فَإِنْ أُرِيدَ الْإِقَالَةَ أَقَالَهُ، فَيُوَافِقُ الْحَدِيثَ

أَلَكَ رَغْبَةٌ فِي الْمَبِيعِ؟ فَإِنْ أُرِيدَ الْإِقَالَةَ أَقَالَهُ، فَيُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مَعْنًى، وَهَذَا فِي تَنْزِيهٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حِلِّ الْمُفَارَقَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْآخَرِ وَلَا عِلْمِهِ، وَيُرِيدُ مَذْهَبُنَا أَيْضًا إِطْلَاقَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَهَذَا عَقْدٌ قَبْلَ التَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] أَمْرٌ بِالتَّوَثُّقِ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يَقَعَ التَّجَاحُدُ لِلْبَيْعِ وَالْبَيْعُ يُصَدَّقُ قَبْلَ الْخِيَارِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَعَدَمُ اللُّزُومِ قَبْلَهُ كَانَ إِبْطَالًا لِهَذِهِ النُّصُوصِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله الْمَلِكُ الْمُسْتَعَانُ: وَأَمَّا حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا ابْتَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ» ) فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ وَأَخَّرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِيَارَ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالِاشْتِرَاطِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا أَصْلِ الْخِيَارَ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّفَرُّقُ الَّذِي هُوَ غَايَةُ قَبُولِ الْخِيَارِ بِتَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ بَعْدَ الْإِيجَابِ: لَا أَشْتَرِي أَوْ يَرْجِعُ الْمُوجِبُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِسْنَادُ التَّفَرُّقِ إِلَى النَّاسِ مُرَادًا تَفَرُّقُ أَقْوَالِهِمْ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ: قَالَ - تَعَالَى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» " وَحِينَئِذٍ فَيُرَادُ بِأَحَدِهِمَا فِي قَوْلِهِ: أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرِ الْمُوجِبَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ لِلْآخَرِ اخْتَرْ أَتَقْبَلُ أَوْ لَا؟ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: اخْتَرْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، بَلْ حَتَّى يَخْتَارَ الْبَيْعَ بَعْدَ قَوْلِهِ: اخْتَرْ فَكَذَا اخْتِيَارُ الْقَبُولِ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتِمُّ بِلَا خِيَارِ الْمَجْلِسِ، بَلْ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا فَكَذَا الْبَيْعُ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: عَنْ تَرَاضٍ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَيْ: لَا يَتَفَرَّقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا تَفَرُّقًا صَادِرًا عَنْ تَرَاضٍ. قَالَ الْأَشْرَفُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ بَيْنَ الْعَاقِدِينَ لِانْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إِلَّا بِرِضَاهُمَا اهـ، وَتَقَدَّمُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِجْمَاعًا وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَهُمَا، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْقَوْلِ حِينَئِذٍ اهـ وَأَنْتَ عَلِمْتَ مَعْنَى الْقَوْلِ فِيمَا سَبَقَ وَتُحِقِّقَ.

ص: 1915

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2806 -

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2806 -

(عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ أَعْرَابِيًا)، أَيْ: بَدَوِيًّا (بَعْدَ الْبَيْعِ) أَيْ: بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ثَابِتًا بِالْعَقْدِ كَانَ التَّخْيِيرُ عَبَثًا، وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَصٌّ دَافِعٌ لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَحَسَنٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

ص: 1915

[بَابُ الرِّبَا]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2807 -

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: (هُمْ سَوَاءٌ) » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

(4)

بَابُ الرِّبَا وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، لَكِنْ خُصَّ فِي الشَّرِيعَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَبِاعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ قَالَ - تَعَالَى - {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، إِنَّ الزِّيَادَةَ الْمَعْقُولَةَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْبَرَكَةِ مُرْتَفِعَةٌ عَنِ الرِّبَا. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: الرِّبَا مَقْصُورٌ مِنْ رَبَا يَرْبُو، فَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ وَتُثَنِّيهُ بِالْيَاءِ لِكَسْرَةِ أَوَّلِهِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لِأَنَّ أَهْلَ

ص: 1915

الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مَنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَلُغَتُهُمُ الرِّبُو فَعَلِمُوا صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ. قَالَ: وَكَذَا قَرَأَهَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْعَدَوِيُّ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ لِكَسْرَةِ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ: فَيَجُوزُ كَتْبُهُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لِلرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حُوبًا، أَصْغَرُهَا كَمَنْ أَتَى أَمَّهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَدِرْهَمٌ مِنَ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ زِنْيَةً: قَالَ: وَيَأْذَنُ اللَّهُ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْقِيَامِ إِلَّا لِآكِلِ الرِّبَا، فَعَنْهُ لَا يَقُومُ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطْهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2807 -

(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا» )، أَيْ: آخِذَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10](وَمُؤَكِّلَهُ) : بِهَمْزَةٍ وَيُبْدَلُ أَيْ: مُعْطِيهِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ هُوَ الْأَغْلَبُ أَوِ الْأَعْظَمُ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، إِذْ كُلٌّ لَا يَتَوَصَّلُ إِلَى أَكْلِهِ إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِ وَمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ، فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْإِثْمِ كَمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُغْتَبِطًا بِفِعْلِهِ لَمْ يَسْتَفْضِلْهُ مِنَ الْبَيْعِ، وَالْآخَرُ مُنْهَضِمًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ النَّقْصِ، وَلِلَّهِ عز وجل حُدُودٌ فَلَا تُتَجَاوَزُ وَقْتَ الْوُجُودِ مِنَ الرِّبْحِ وَالْعَدَمِ وَعِنْدَ الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالضَّرُورَةُ لَا تَلْحَقُهُ بِوَجْهٍ فِي أَنْ يُوكِلَهُ الرِّبَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ السَّبِيلَ إِلَى أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى حَاجَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُبَايَعَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَعَلَّ هَذَا الِاضْطِرَارَ يَلْحَقُ بِمَوَكَّلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ صَرِيحِ الرِّبَا فَيَثْبُتُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمُبَايِعَةِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] لَكِنْ مَعَ وَجَلٍ وَخَوْفٍ شَدِيدٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْآكِلُ (وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمُتَرَابِيَيْنِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا وَبِتَحْرِيمِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ (وَقَالَ)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (هُمْ سَوَاءٌ)، أَيْ: فِي أَصْلِ الْإِثْمِ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي قَدْرِهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَأَخْرَجَهُ هُوَ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ عَنْهُ سِوَى " «آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ» " وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَلَفْظُهُ:" «لَعَنَ اللَّهُ الرِّبَا وَآكِلَهُ وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهَدَهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» ".

ص: 1916

2808 -

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2808 -

(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ ") بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ يُبَاعُ وَنَصْبٍ بِتَقْدِيرِ بِيعُوا بِالذَّهَبِ (" وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ ") : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ الْحِنْطَةُ (بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سِوَاءً بِسَوَاءٍ) : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي السُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْعِلَّةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا جِنْسَيِ الْأَثْمَانِ، فَلَا يَتَعَدَّى الرِّبَا مِنْهُمَا إِلَى غَيْرِ مَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِمَا، لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَعْنَى، وَالْعِلَّةُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَطْعُومَةً فَيَتَعَدَّى الرِّبَا مِنْهَا إِلَى كُلِّ مَطْعُومٍ، سَوَاءٌ كَانَ قُوتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا كَالْأِهِلِيلَجِ وَالسَّقْمُونْيَا، وَمَا أُكِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الزَّعْفَرَانِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْعِلَّةُ فِيهَا كَوْنُهَا تُدَّخَرُ لِلْقُوتِ، فَعَدَّاهُ إِلَى الزَّبِيبِ لِأَنَّهُ كَالتَّمْرِ، وَإِلَى السَّلْتِ لِأَنَّهُ كَالْبُرِّ

ص: 1916

وَالشَّعِيرِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الْعِلَّةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْوَزْنُ فَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَوْزُونٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْكَيْلُ فَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَكِيلٍ كَالْجِصِّ وَالْأَسْنَانِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْقَدِيمِ: الْعِلَّةُ فِي الْأَرْبَعَةِ الدَّمُ وَالْوَزْنُ وَالْكَيْلُ، فَمَعْنَى هَذَا لَا رِبَا فِي الْبَطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي الْقَدْرِ بِخِلَافِ الْمُسَاوَاةِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقَدْرِ مَقْبُوضَيْنِ (" يَدًا بِيَدٍ ") : وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَمَا مِنَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، إِذِ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمُمَاثَلَةُ بِالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ، وَبِالثَّانِي اتِّحَادُ مَجْلِسِ تَقَابُضِ الْعِوَضَيْنِ بِشَرْطِ عَدَمِ افْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ، وَبِالثَّالِثِ الْحُلُولُ لَا النَّسِيئَةُ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: وَجَدْنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ قَدْ ضَرَبَ عَلَى الْأَصْنَافِ وَأَثْبَتَ مَكَانَهَا الْأَجْنَاسَ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: الْأَصْنَافُ لَا غَيْرَ، وَأَرَى ذَلِكَ تَصَرُّفًا مِنْ بَعْضِ النُّسَّاخِ عَنْ ظَنٍّ مِنْهُ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَجْنَاسُ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَلَى حِدَتِهِ جِنْسٌ، وَالصِّنْفُ أَخَصُّ مِنْهُ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْأَصْنَافَ أَقْوَمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ الْجِنْسِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، فَعَدَّ أَصْنَافَهُ مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَارِبَةِ فِي الْمَعْنَى مَكَانَ بَعْضِهَا اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بِيعَ شَيْءٌ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، لَكِنْ يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) : لَكِنْ بِشَرْطِ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِقَوْلِهِ: (" إِذَا كَانَ ")، أَيِ: الْبَيْعُ (يَدًا بِيَدٍ)، أَيْ: حَالًا مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ افْتِرَاقِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ.

ص: 1917

2809 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2809 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ "، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ) : قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الرِّبَوِيَّاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِتٌّ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا، وَإِذَا ذُكِرَتْ لِيُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا (لِمَنْ زَادَ)، أَيْ: أَعْطَى الزِّيَادَةَ وَقَدَّمَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْلَى (" أَوِ اسْتَزَادَ ")، أَيْ: طَلَبَ الزِّيَادَةَ (" فَقَدْ أَرْبَى ")، أَيْ: أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي الرِّبَا، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله أَيْ: طَلَبَ الرِّبَا وَتَعَاطَاهُ وَمَعْنَى اللَّفْظِ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ، مِنْ رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو إِذَا زَادَ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ إِلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ، لِأَنَّ مَنِ اشْتَرَى الْفِضَّةَ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ بِمِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ فَالْمُشْتَرِي أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَلَيْسَ بِرِبًا (" الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ ")، أَيْ: فِي أَصْلِ إِثْمِ الرِّبَا (" سَوَاءٌ ") . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1917

2810 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفَى رِوَايَةٍ " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ» ".

ــ

2810 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ» .)، أَيْ: مَضْرُوبًا أَوْ غَيْرَهُ (إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ)، أَيْ: مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ (" وَلَا تُشِفُّوا ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدٍ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ: لَا تُفَضِّلُوا (" بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الضَّمِيرُ لِلذَّهَبِ، الْجَوْهَرِيُّ: مَعْرُوفٌ وَرُبَّمَا أُنِّثَ اهـ وَفِي الْقَامُوسِ: الذَّهَبُ التِّبْرُ وَيُؤَنَّثُ وَاحِدَتُهُ بَهَاءٍ اهـ

ص: 1917

وَالْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ بِالذَّهَبِ مَا يَشْمَلُ التِّبْرَ وَغَيْرَهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التَّأْنِيثَ لِلْجِنْسِ إِشْعَارًا بِأَنَّ أَصْنَافَ الذَّهَبِ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا تَمْيِيزُهَا، أَوِ الْمَعْنَى لَا تَزِيدُوا فِي الْبَيْعِ بَعْضَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ الَّتِي هِيَ الذَّهَبُ عَلَى بَعْضٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لَا يَجُوزُ إِلَّا وَلَا يَجُوزُ طَلَبُ الْفَضْلِ لِلصَّنْعَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ. (" وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ ") : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيِ: الْفِضَّةَ (بِالْوَرِقِ) : وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تِبْرًا وَغَيْرَهُ (إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا)، أَيْ: بَعْضَ الْوَرِقِ: وَأُنِّثَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِضَّةِ (" عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا ") أَيْ: مِنْ كُلٍّ (غَائِبًا)، أَيْ: نَسِيئَةً (" بِنَاجِزٍ ")، أَيْ: بِحَاضِرٍ وَنَقْدٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . (وَفِي رِوَايَةٍ: " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ» ") : بِزِيَادَةِ لَا لِلتَّأْكِيدِ (إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ)، أَيْ: مَوْزُونَيْنِ وَزْنًا مُقَابِلًا وَمُمَاثِلًا بِوَزْنٍ.

ص: 1918

2811 -

وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2811 -

(وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ) : هُوَ اسْمُ مَا يُؤْكَلُ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْبُرِّ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْبُرَّ قِيسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يُطْعَمُ يَعُمُّ الْمَشْرُوبَ أَيْضًا، فَيُحْمَلُ عَلَى اتِّفَاقِ الْجِنْسِ لِقَوْلِهِ: (" مِثْلًا بِمِثْلٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ص: 1918

2812 -

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . مُتَفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2812 -

(وَعَنْ عُمَرَ) رضي الله عنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ")، أَيْ: وَلَوْ مُتَسَاوِيَيْنِ (" رِبًا إِلَّا هَاءَ ") : بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، وَالْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ، وَيُقَالُ: بِالْكَسْرِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله: أَصْلُهُ هَاكَ أَيْ: خُذْ فَحَذَفَ الْكَافَ وَعَوَّضَ عَنْهَا بِالْمَدِّ وَالْهَمْزَةِ اهـ. وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ لَا تَخْفَى (" وَهَاءَ ")، أَيْ: مَقْبُوضَيْنِ وَمَأْخُوذَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: خُذْ هَذَا فَيَقُولُ الْآخَرُ مِثْلَهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُمَا خُذْ وَأَعْطِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ حَتَّى فِي النَّفِيسِ، وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْهُمَامِ، قَالَ أَبُو مُعَاذٍ رحمه الله: رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ جَاءَ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ فَوَضَعَ عِنْدَهُ فِلْسًا وَأَخَذَ رُمَّانَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَمَضَى (" «وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ) فِي الْفَائِقِ هَاءَ صَوْتٌ بِمَعْنَى خُذْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: قَالَ الْمَالِكِيُّ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] وَحَقُّ هَاءَ أَنْ لَا يَقَعَ بَعْدَ إِلَّا كَمَا لَا يَقَعُ بَعْدَهَا خُذْ وَبَعْدَ أَنْ وَقَعَ يَجِبُ تَقْدِيرُ قَوْلٍ قَبْلَهُ يَكُونُ بِهِ مَحْكِيًّا فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إِلَّا مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله فَإِذَنْ مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُقَدَّرٌ يَعْنَي بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ رِبًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إِلَّا حَالَ الْحُضُورِ وَالتَّقَابُضِ، فَكُنِّيَ عَنِ التَّقَابُضِ بِهَاءَ وَهَاءَ لِأَنَّهُ لَازِمَةٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1918

2813 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثِ. فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» ". وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2813 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا أَيْ جَعَلَهُ عَامِلًا (عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ) بِالْإِضَافَةِ وَعَدِمِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ بِفَتْحِ جِيمٍ وَكَسْرِ نُونٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ نَوْعٌ جَيِّدٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا) أَيْ مِثْلُ هَذَا الْجَيِّدِ (قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ) أَي مِنْ غَيْرِهِ تَارَةً (وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثِ) أَيْ تَارَةً، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ قِلَّةِ وَجُودِهِ وَكَثْرَتِهِ أَوْ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ (قَالَ لَا تَفْعَلْ) أَيْ مِثْلَ هَذَا وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِمَا وَقَعَ لِأَنَّهُ جَهِلَ حُرْمَتَهُ، وَالصَّحَابَةُ فِي زَمَنِ حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لِكَوْنِهِمْ مَنْ أَهْلِ إِنْشَاءِ الشَّرَائِعِ مَعْذُورُونَ بِمَا جَهِلُوهُ مِنْ بَعْضِ الْفُرُوعِ الْخَفِيَّةِ كَمَا هُنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي نَسِيَهُ أَوْ حَذَفَهُ اقْتِصَارًا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ لَا تَشْتَرِ الْجَنِيبَ بِتَمْرِ الْآخَرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنَ الْآخَرِ، بَلْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَبِيعَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا (بِعِ الْجَمْعَ) وَهُوَ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ التَّمْرِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ أَوْ تَمْرٌ رَدِيءٌ أَوْ تَمْرٌ مُخْتَلِطٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ وَمَا يَخْتَلِطُ إِلَّا لِرِدَاءَتِهِ (بِالدَّرَاهِمِ) أَيْ مِثْلًا وَالْمُرَادُ مَالًا يَكُونُ مَالًا رِبَوِيًّا (ثُمَّ ابْتَعْ) أَيِ اشْتَرِ (بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا وَقَالَ:) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فِي الْمِيزَانِ) أَيْ فِيمَا يُوزَنُ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ إِذَا احْتِيجَ إِلَى بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ (مِثْلُ ذَلِكَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَفَى بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَالَ فِيهِ قَوْلًا مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ فِي الْكَيْلِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْجَيِّدِ يُبَاعُ ثُمَّ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ الْجَيِّدُ وَلَا يُؤْخَذُ جَيِّدٌ بِرَدِيءٍ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْوَزْنِ وَاتِّحَادِهِمَا فِي الْجِنْسِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبَدِّلَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَيَأْخُذَ فَضْلًا فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُغَيِّرَ جِنْسَهُ وَيَقْبِضَ مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا دُفِعَ إِلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَتَوْجِيهُ اسْتِدْلَالِهمْ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ لَا الطَّعْمُ وَالنَّقْدُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ التَّمْرِ وَهُوَ الْمَكِيلُ أَلْحَقَ بِهِ حُكْمَ الْمِيزَانِ، وَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ النَّقْدِيَّةَ وَالْمَطْعُومِيَّةَ لَقَالَ: وَفِي النَّقْدِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إِرْشَادٌ لِمَنْ ضَلَّ السَّبِيلَ وَوَقَعَ فِي الرِّبَا فَهَدَاهُ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْعَمَلِ، وَالْمَفْهُومُ فِيهِ مَسْدُودٌ وِفَاقًا اهـ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا الْجَوَابَ ظَهَرَ لَكَ إِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ سَبِيلِ الصَّوَابِ، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ يُؤَسَّسُ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحِيلَةَ الَّتِي يَعْمَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ تَوَسُّلًا إِلَى مَقْصُودِ الرِّبَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَتَيْنِ فَيَبِيعَهُ ثَوْبًا بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ بِمِائَةٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رحمهم الله: هُوَ حَرَامٌ اهـ وَالْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَقْدَمِ الْأَعْظَمِ وَتَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيَنْصُرُ قَوْلَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ مَا رَوَاهُ رَزِينُ بْنُ أَرْقَمَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أُمِّ يُونُسَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ وَلَدِ رَزِينِ ابْنِ أَرْقَمَ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: بِعْتُ جَارِيَةً مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ، وَكُنْتُ شَرَطْتُ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْكَ. فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رضي الله عنها: بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ. قَالَتْ: فَمَا يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى عَائِشَةَ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَفِّرُونَ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَقَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ عَابَتِ الْبَيْعَ إِلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ أَوْ لِكَوْنِهِ بَاعَ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَيْدٌ صَحَابِيٌّ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ، وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيُمْكِنُ أَنْ يُمْنَعَ تَجْهِيلُ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْعَطَاءَ هُوَ مَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ

ص: 1919

مَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ في أَجَلٍ مُسَمًّى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. قُلْتُ: وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ جَهَالَةٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي زَمَانِنَا هَذَا قَالَ. وَأَمَّا تَرْجِيحُ فِعْلِ زِيدٍ بِالْقِيَاسِ فَمُشْكِلٌ لِبُعْدِ الْجَامِعِ مَعَ أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ رَاجِحٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِذَا تَبَايَعْتُمُ الْعَيْنَةَ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» " وَالْعَيْنَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ وَفَتَحِ النُّونِ هُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1920

2814 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ: " أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِيهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2814 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ رَاءٍ فِي آخِرِهِ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَيْنَ هَذَا) أَيْ لَكَ (قَالَ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ) فَعِيلٌ مِنَ الرَّدَاءَةِ فَيَجُوزُ الْهَمْزُ وَالْإِدْغَامُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (فَبِعْتُ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الرَّدِيءِ (صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ: أَوَّهْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَهِيَ كَلِمَةُ تَحَسُّرٍ وَنَدَامَةٍ عَلَى لُحُوقِ ضَرَرٍ بِأَحَدٍ وَمَلَامَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ. فِي النِّهَايَةِ: هِيَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الرَّجُلُ عِنْدَ الشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ وَهِيَ سَاكِنَةُ الْوَاوِ مَكْسُورَةُ الْهَاءِ، وَرُبَّمَا قَلَبُوا الْوَاوَ أَلِفًا فَقَالُوا آهٍ مِنْ كَذَا وَرُبَّمَا شَدَّدُوا الْوَاوَ وَكَسَرُوهَا وَسَكَّنُوا الْهَاءَ وَبَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالتَّشْدِيدِ وَقَوْلُهُ (عَيْنُ الرِّبَا) أَيْ حَقِيقَةُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ (عَيْنُ الرِّبَا) كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا وَتَشْدِيدًا (لَا تَفْعَلْ) أَيْ كَذَا (وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ) أَيِ الْبَرْنِيَّ سَالِمًا مِنَ الرِّبَا (فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِيهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ الْبَرْنِيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ كَالَّذِي قَبْلَهُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْحِيلَةِ فِي الرِّبَا الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ الرَّدِيءَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِالْجَيِّدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْصِلَ فِي أَمْرِهِ فِي كَوْنِ الشِّرَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ وَإِلَّا لَبَّيْنَهُ لَهُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْوَقَائِعِ الْقَوْلِيَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ مَنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَنَالِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1920

2815 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بِعْنِيهِ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ وَلَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدَهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ أَوْ حُرٌّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2815 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: (جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرَةِ) ضُمِّنَ بَاعَ مَعْنَى عَاهَدَ فَعَدَّاهُ بِعَلَى (وَلَمْ يَشْعُرْ) أَيْ: وَلَمْ يَدْرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ) أَيْ يَطْلُبُهُ أَوْ يُرِيدُ خِدْمَتَهُ (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعْنِيهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْإِحْسَانِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ خَائِبًا مِمَّا قَصَدَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمُلَازِمَةِ الصُّحْبَةِ (فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) دَلَّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ مَالِ الرِّبَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ حَيَوَانٍ بِحَيَوَانَيْنِ نَقْدًا سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا. اشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدُهُمَا وَقَالَ: آتِيكَ بِالْآخَرِ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِنْ كَانَا مَأْكُولَيِ اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِلذَّبْحِ وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُخْتَلِفًا وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً فَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَمَّا كَانَ نَسِيئَةً فِي الطَّرَفَيْنِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الَّذِي فِي آخِرِ الْبَابِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً إِنَّمَا أَنْ يَكُونَ نَسَأً فِي الطَّرَفَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَرَخَصَّ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُجَهَّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ

ص: 1920

قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ (وَلَمْ يُبَايِعْ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَحَدًا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْعَبْدِ (حَتَّى يَسْأَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْأَحَدَ (أَعَبْدٌ هُوَ أَوْ حُرٌّ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ وَالْحُمَيْدِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ: أَوْ حُرٌّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أَمْ حُرٌّ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَأَوْ هُنَا أَوْقَعُ لِأَنَّ أَمْ يُؤْتَى بِهَا إِذَا ثَبَتَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَيَحْصُلُ التَّرَدُّدُ فِي التَّعْيِينِ، وَأَوْ سُؤَالٌ عَنْ نَفْسِ الثُّبُوتِ، يَعْنِي عَبْدِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ أَوْ حُرِّيَّتُهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1921

2816 -

وَعَنْهُ قَالَ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2816 -

(وَعَنْهُ أَيْ جَابِرٍ)(قَالَ: قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ» ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ وَهِيَ الطَّعَامُ الْمُجْتَمِعُ كَالْكُومَةِ (مِنَ التَّمْرِ) حَالٌ مِنْهُ (لَا يَعْلَمُ مَكِيلَتُهَا) أَيْ مِقْدَارَ كَيْلَتِهَا حَالٌ أُخْرَى (بِالْكَيْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْعِ (الْمُسَمَّى) أَيِ: الْمَعْلُومِ وَهُوَ صِفَةُ الْكَيْلِ (مِنَ التَّمْرِ) حَالٌ مِنْهُ أَيْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولِ مَكِيلَتُهَا بِالصُّبْرَةِ الْمَعْلُومَةِ مَكِيلَتُهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ جُزَافًا لِلْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ صُبْرَتِي هَذِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ صُبْرَتِكَ، أَوْ دِينَارِي بِمَا يُوَازِنُهُ مِنْ دِينَارِكَ جَازَ إِذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالْفَضْلُ مِنَ الدِّينَارِ الْكَبِيرِ وَالصُّبْرَةِ الْكَبِيرَةِ لِبَائِعِهَا، فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ جُزَافًا لِأَنَّ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ حَرَامٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1921

2817 -

«وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَفَصَّلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2817 -

(وَعَنْ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (ابْنِ عُبَيْدٍ) مُصَغَّرًا (قَالَ: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ) أَيْ فِي عَامِهَا (قِلَادَةً) بِكَسْرِ الْقَافِ مَا يُقَلَّدُ فِي الْعُنُقِ وَنَحْوَهُ (بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ فَزَايٍ مَعْرُوفٌ (فَفَصَّلْتُهَا) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مَيَّزْتُ ذَهَبَهَا وَخَرَزَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ (فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تُبَاعُ) أَيِ الْقِلَادَةُ بَعْدَ هَذَا نَفْيٌ بِمَعْنَى نَهْيٍ (حَتَّى تُفَصَّلَ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: وَيُرْوَى حَتَّى أَرَادَ بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْخَرَزِ وَالذَّهَبِ فِي الْعَقْدِ لَا تَمْيِيزَ عَيْنِ الْمَبِيعِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ آخَرُ مِثْلَ إِنْ بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِدِينَارَيْنِ أَوْ بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمَيْنِ وَثَوْبٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الصَّفْقَةِ يُوجِبُ تَوْزِيعَ مَا مُقَابَلَتُهُمَا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَالتَّقْوِيمُ تَقْدِيرٌ وَجَهْلٌ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةً فِي الرِّبَا اهـ. كَلَامُهُ وَفِيهِ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ إِنَّمَا هِيَ كَوْنُ مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَزِيَادَةِ الْفَضْلِ الْمُوجِبَةِ لِحُصُولِ الرِّبَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَهَبُ الْمَبِيعِ أَنْقَصَ مِنْ ذَهَبِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا إِلَى مَا عَدَا الذَّهَبَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِنِصْفِهِ وَفُلُوسٍ أَوْ طَعَامٍ لِلضَّرُورَةِ، وَمَنَعَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ اهـ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله: يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً أَيْ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ بِقِرَاءَةِ الصُّبْرَةِ، وَالْجَزْفُ فِي الْأَخْذِ بِكَثْرَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ جَزَفَ لَهُ فِي الْكَيْلِ إِذَا كَثُرَ وَمَرْجِعُهُ إِلَى الْمُسَاهَلَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَهَذَا يَعْنِي الْبَيْعَ مُجَازَفَةً مُقَيِّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ إِذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ إِذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا فَلَا تَجُوزُ مُجَازَفَةً لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَهُوَ مَانِعٌ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ مِنْهَا وَأَمَّا مَا لَا يَدْخُلُ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ فَيَجُوزُ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ فَقَالَ: مَا حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ حَرُمَ فِي الْقَلِيلِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1921

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

2818 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا أَكَلَ الرِّبَا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ بُخَارِهِ وَيُرْوَى مِنْ غُبَارِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّانِي) 2818 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا أَكَلَ الرِّبَا» ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَثْنَى صِفَةٌ (لِأَحَدٍ) وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ لَهُ وَصْفٌ إِلَّا وَصْفَ كَوْنِهِ أَكَلَ الرِّبَا فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ انْتِشَارِهِ فِي النَّاسِ بِحَيْثُ أَنَّهُ يَأْكُلُهُ كُلُّ أَحَدٍ (فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ بُخَارِهِ وَيُرْوَى مِنْ غُبَارِهِ) أَيْ يَصِلُ إِلَيْهِ أَثَرُهُ بِأَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي عَقْدِ الرِّبَا أَوْ كَاتِبًا أَوْ آكِلًا مِنْ ضِيَافَةِ آكِلِهِ أَوْ هَدِيَّتِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ أَحَدًا سَلِمَ مِنْ حَقِيقَتِهِ لَمْ يَسْلَمْ مَنْ آثَارِهِ، وَإِنْ قَلَّتْ جِدًّا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَعَمُّ: عَامُّ الْأَوْصَافِ نَفَى جَمِيعَ الْأَوْصَافِ إِلَّا الْأَكْلَ وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَمْ يَأْكُلْهُ حَقِيقَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْرَى عَلَى عُمُومِ الْمَجَازِ فَيَشْمَلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ وَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ التَّفْصِيلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ حَقِيقَةً يَأْكُلْهُ مَجَازًا، وَالْبُخَارُ وَالْغُبَارُ مُسْتَعَارَانِ بِمَا يُشَبَّهُ الرِّبَا بِهِ مِنَ النَّارِ وَالتُّرَابِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنِّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 1922

2819 -

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ» ". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

ــ

2819 -

(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ) أَيْ مِثْلًا بِمِثْلٍ فِي الْوَزْنِ أَوِ الْكَيْلِ (عَيْنًا) أَيْ حَاضِرًا (بِعَيْنٍ) أَيْ نَاجِزٍ يَعْنِي لَا بِنَسِيئَةٍ (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مَقْبُوضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ (وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ (كَيْفَ شِئْتُمْ) أَيْ فِي التَّفَاضُلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَكِنْ حَقُّهُ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا أَيْ لَا تَبِيعُوا النَّقْدَيْنِ وَلَا الْمَطْعُومَاتِ إِذَا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ وَلَكِنْ بِيعُوا إِذَا اخْتَلَفَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ " إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ " كَالِاسْتِطْرَادِ لِبَيَانِ التَّرْخِيصِ وَقَوْلُهُ:(يَدًا بِيَدٍ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: (عَيْنًا بِعَيْنٍ) مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَا كَانَ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) تَأْكِيدًا لِ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله) .

ص: 1922

2820 -

(وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:" «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ " فَقَالَ " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ "؟ فَقَالَ نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنِّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

2820 -

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ التَّمْرُ إِذَا يَبِسَ؟» ) مِنْ نَقْصِ اللَّازِمِ وَيَجُوزُ مِنَ الْمُتَعَدِّي (فَقَالَ) أَيِ السَّائِلُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ سُئِلَ (نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) قَالَ الْقَاضِي رحمه الله لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ اسْتِعْلَامَ الْقَضِيَّةِ فَإِنَّهَا جَلِيَّةٌ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الِاسْتِكْشَافِ بَلِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ تَحَقُّقُ الْمُمَاثِلَةِ حَالَ الْيُبُوسَةِ فَلَا يَكْفِي تَمَاثُلُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ عَلَى رُطُوبَتِهِ وَلَا عَلَى فَرْضِ الْيُبُوسَةِ لِأَنَّهُ تَخْمِينٌ وَخَرْصٌ لَا تَعَيُّنَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ إِذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا، وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْبَيْعِ نَسِيئَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ هَذَا الرَّاوِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً اهـ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَاللَّحْمِ الرَّطِبِ بِالْقَدِيدِ (رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 1922

2821 -

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» " قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ــ

2821 -

(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ (مُرْسَلًا) أَيْ بِحَذْفِ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ عَنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا لَمْ يَعْتَضِدْ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» ) بِالْحَرَكَاتِ الْحَيَوَانُ أَصْلُهُ الْحَيَيَانُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ فَالْمُرَادُ بِهِ النَّوْعُ (قَالَ سَعِيدٌ) أَيِ الرَّاوِي (كَانَ) أَيْ هَذَا الْبَيْعُ (مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ قِمَارُهُمْ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْمَيْسِرُ اللَّعِبُ بِالْقِدَاحِ أَوِ النَّرْدِ أَوْ كُلُّ قِمَارٍ، وَيَفْتَحُ السِّينَ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا فِيهِ أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَإِنْ كَانَتْ طَرِيقَةُ الْأَكْلِ فِيهَا مُخْتَلِفَةً فَتِلْكَ بِلَعِبٍ وَهَذِهِ بِعَقْدٍ. وَقَوْلُ الْخَطَابِيِّ: إِذَا امْتُنِعَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً فَأَوْلَى، هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ أَصْلًا كَمَا سَبَقَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله اشْتِقَاقُ الْمَيْسِرِ مِنَ الْيُسْرِ ; لِأَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الرَّجُلِ بِيُسْرٍ وَسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَتَعَبٍ أَوْ مِنَ الْيَسَارِ ; لِأَنَّهُ سَلْبُ يَسَارِهِ. قَالُوا: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّحْمُ مَنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله اهـ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ مَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً ; لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ. (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) .

ص: 1923

2822 -

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

2822 -

(وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) بِضَمِّ الدَّالِّ وَفَتْحِهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَهَمْزَةٍ فَهَاءٍ أَيْ بَيْعَ نَسِيئَةٍ أَوْ بِطْرِيقِ النَّسِيئَةِ وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 1923

2823 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

2823 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا) أَيْ يُهَيِّئُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعَسْكَرُ مِنْ مَرْكُوبٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِهِمَا (فَنَفِدَتْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَنِيَتْ أَوْ نَقَصَتْ (الْإِبِلُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ جَمَلًا وَبَقَى بَعْضُ الرِّجَالِ بِلَا مَرْكُوبٍ وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ فَبَعُدَتْ (بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ) أَيْ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ إِبِلٌ دَيْنًا (عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ) جَمْعُ قَلُوصٍ وَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ (فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ) أَيْ مُؤَجَّلًا إِلَى أَوَانِ حُصُولِ قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَسْتَقْرِضُ عَدَدًا مِنَ الْإِبِلِ حَتَّى يُتِمَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ لِيَرُدَّ بَدَلَهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَفِيهِ إِشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا: بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً. وَثَانِيهِمَا: عَدَمُ تَوْقِيتِ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى اهـ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَهُنَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ سَلَمِ الْحَيَوَانِ لَهُ مُتَفَاضِلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ سَمُرَةَ قَبْلَهُ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى أَنْ يَكُونَ كِلَا الْحَيَوَانَيْنِ نَسِيئَةً، وَعِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يُحَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَنُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَتَصْوِيرُ مَسْأَلَةِ كِلَا الْحَيَوَانَيْنِ نَسِيئَةً أَنْ يَقُولَ: بِعْتُ مِنْكَ فَرَسًا صِفَتُهُ كَذَا بِفَرَسٍ أَوْ جَمَلٍ صِفَتُهُ كَذَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 1923

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)

2824 -

(عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ) 2824 - (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الرِّبَا) التَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيِ الرِّبَا الَّذِي عُرِفَ كَوْنُهُ فِي النَّقْدَيْنِ وَالْمَطْعُومِ أَوِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عَلَى اخْتِلَافٍ ثَابِتٍ (فِي النَّسِيئَةِ) ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله (وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " لَا " رِبًا) بِالتَّنْوِينِ وَتَرَكَهُ وَالْأَوَّلُ: عَلَى إِلْغَاءِ كَلِمَةِ " لَا " وَجَعْلِهَا مُبْتَدَأً وَالثَّانِي: عَلَى أَنَّ اسْمَ لَا مُفْرَدٌ (كَانَ يَدًا بِيَدٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي بِشَرْطِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمُتَّفَقِ وَاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ فِي التَّفَاضُلِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا رِبًا فِيمَا قُبِضَ فِيهِ الْعِوَضَانِ فِي الْمَجْلِسِ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَمَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمُخْتَلِفِ. قِيلَ: وَأُرِيدَ بِالْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ عَنِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ فَكَأَنَّهُ فَاللَّهِ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ لَا رِبًا فِيهِ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ فِي التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ أَيْضًا، وَأَيْضًا رِبَا النَّسِيئَةِ كَانَ مَشْهُورًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ رِبَا النَّسَاءِ أَيِ التَّأْخِيرَ يَكْفُرُ، اخْتَلَفُوا فِي رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَا كَانَ يَرَى الرِّبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ لَكِنْ صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ لَمَّا شَدَّدَ عَلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ حَيْثُ قَالَ لَهُ: أَسَمِعْتَ وَشَهِدْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ نَسْمَعْ وَنَشْهَدْ؟ ثُمَّ رَوَى لَهُ الْحَدِيثَ الصَّرِيحَ بِتَحْرِيمِ الْكُلِّ، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي حَرَّمْتُهُ وَبَرِئْتُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1924

2825 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زِنْيَةً» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ وَقَالَ: " «مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» ".

ــ

2825 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقِصَّتُهُ مَضَتْ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَمُجْمَلُهَا: أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الصَّارِخَ إِلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ كَانَ مَعَ أَهْلِهِ فَأَفْرَطَ فِي الِاسْتِعْجَالِ فِي اسْتِجَابَةِ نَفِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى خَرَجَ جُنُبًا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَأُرِيدُ دَفْنُهُ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: فَدُفِنَ بِلَا غَسْلٍ لِأَنَّهُ شَهِيدٌ، لَكِنْ كَرَّمَهُ رَبُّهُ بِأَنْ أَنْزَلَ لَهُ مَلَائِكَةً غَسَّلُوهُ قَبْلَ دَفْنِهِ؛ فَلِذَا سُمِّيَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ) أَيِ الشَّخْصُ (وَهُوَ يَعْلَمُ) أَيْ أَنَّهُ رِبًا وَكَذَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَكِنَّهُ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَلْحَقُوا الْمُقَصِّرَ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَيْنًا بِالْعَالِمِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْإِثْمِ (أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زِنْيَةً) بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ زَجْرًا عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَحَثًّا عَلَى طَلَبِ الْحَلَالِ وَاجْتِنَابِ حَقِّ الْعِبَادِ، وَحِكْمَةُ الْعَدَدِ الْخَاصِّ مُفَوَّضٌ إِلَى الشَّارِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَشَدِيَّةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَتَكُونُ الْمَرَّةُ مِنَ الرِّبَا أَشَدَّ إِثْمًا مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ وَالثَلَاثِينَ زِنْيَةً لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَقَدْ يُطْلِعُ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ قِيلَ: لِأَنَّ الرِّبَا يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى خَاتِمَةِ السُّوءِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا أَخَذَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا فَمَنِ احْتَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا بِأَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى إِغْوَائِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِلَى أَنْ يُعْطِيَهُ، فَيَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ لِيَتَحَقَّقَ فِيهِ تِلْكَ الْمُحَارَبَةُ، وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] إِلَى قَوْلِهِ {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] إِيذَانٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ) أَيْ عَنْهُ (وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ) أَيِ الْبَيْهَقِيُّ أَوِ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَقَالَ أَيْ مَرْفُوعًا (مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ) أَيْ تَرَبَّى وَتَقَوَّى عَظْمُهُ (مِنَ السُّحْتِ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْحَاءِ وَسُكُونِهَا أَيِ الْحَرَامِ الشَّامِلِ لِلرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تُعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) أَيْ بِلَحْمِهِ أَوْ بِصَاحِبِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى وَجْهِ الْأَشَدِيَّةِ أَنَّ الرِّبَا إِذَا رَبَا عَلَى بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِصْيَانِ أَوْ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الرِّبَا غَامِضَةٌ فَرُبَّمَا يَسْتَحِلُّ الْجَاهِلُ فَيَكْفُرُ بِخِلَافِ أَمْرِ الزِّنَا فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ.

ص: 1924

2826 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «الرِّبَا سَبْعُونَ جُزْءًا أَيْسَرُهَا إِثْمًا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ» ".

ــ

2826 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرِّبَا) أَيْ إِثْمُهُ (سَبْعُونَ جُزْءًا) أَيْ بَابًا أَوْ حُوبًا كَمَا جَاءَ بِهِمَا الرِّوَايَةُ (أَيْسَرُهَا) أَيْ أَهْوَنُ السَبْعِينَ (إِثْمًا) وَأَدْنَاهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ (أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ) أَيْ يَطَأُهَا وَفِي رِوَايَةٍ: " «الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهَ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ» " رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. رِوَايَةُ: " «الرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ بَابًا أَدْنَاهَا مِثْلَ إِتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ» " رَوَاهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ الْبَرَاءِ. فَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ وَجْهَ زِيَادَةِ الرِّبَا عَلَى مَعْصِيَةِ الزِّنَا إِنَّمَا هُوَ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعِبَادِ إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ الزِّنَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِرِضَا الزَّانِيَةِ وَلِذَا قَدَّمَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] وَإِلَّا فَأَيُّ عِرْضٍ يَكُونُ فَوْقَ هَتْكِ الْحُرْمَةِ وَمَرْتَبَةِ الْقَذْفِ بِالزِّنَا دُونَ مَعْصِيَةِ الزِّنَا وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

ص: 1925

2827 -

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنِ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ» " رَوَاهَا ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَرَوَى أَحْمَدُ الْأَخِيرَ.

ــ

2827 -

(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الرِّبَا) أَيْ مَالَهُ (وَإِنْ كَثُرَ) أَيْ صُورَةً وَعَاجِلَةً (فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ) أَيْ آجِلَتَهُ وَحَقِيقَتَهُ (تَصِيرُ) أَيْ تَرْجِعُ وَتَئُولُ (إِلَى قُلٍّ) بِضَمِّ قَافٍ وَتَشْدِيدِ لَامٍ: فَقْرٍ وَذُلٍّ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْقُلُّ وَالْقِلَّةُ كَالذُّلِّ وَالذِّلَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ مَمْحُوقُ الْبَرَكَةِ (رَوَاهُمَا) أَيِ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا (ابْنُ مَاجَهْ) أَيْ فِي سُنَنِهِ (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَرَوَى أَحْمَدُ) أَيْ وكَذَا الْحَاكِمُ (الْأَخِيرَ) أَيِ الْحَدِيثَ الْآخِرَ مِنْهُمَا.

ص: 1925

2828 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

2828 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَيْتُ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ مَرَرْتُ وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُرَّ بِي (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي) بِالْإِضَافَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (عَلَى قَوْمٍ) مُتَعَلِّقٌ بَأَتَيْتُ لَا بِأُسْرِيَ كَمَا يُتَوَهَّمُ (بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّهَا، وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ قَوْمٍ (فِيهَا) أَيْ فِي بُطُونِهِمْ (الْحَيَّاتُ) جَمْعُ حَيَّةٍ (تُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُبْصَرُ الْحَيَّاتُ (مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ) تَشْنِيَةً لِحَالِهِمْ وَفَضِيحَةً لِمَآلِهِمْ (فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا) وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ أُمَّتِكَ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 1925

2829 -

وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ النَّوْحِ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

2829 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ» ) أَيْ مُطْلَقًا أَوْ مَعْنَاهُ تَارِكُ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ (وَكَانَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَنْهَى عَنِ النَّوْحِ) أَيْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ مَعَ نَحْوِ: وَاكَهْفَاهُ وَاجَبَلَاهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ص: 1925

2830 -

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " إِنَّ آخِرَ مَا نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ ". (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .

ــ

2830 -

(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِنَّ آخِرَ ما نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا) أَيْ آخِرُ آيَةٍ تَعَلَّقَتْ بِالْمُعَامَلَاتِ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ آخِرَ الْآيَاتِ نُزُولًا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3](وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) بِكَسْرِ إِنَّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ وَبِفَتْحِهَا لِلْعَطْفِ عَلَى إِنَّ. وَقَوْلُهُ: (قُبِضَ) أَيْ مَاتَ (وَلَمْ يُفَسِّرْهَا لَنَا) . أَيْ تَفْسِيرًا مُفَصَّلًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَهَا إِلَّا قَلِيلًا مَعَ اشْتِغَالِهِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ تَفْسِيرِهَا لَا سِيَّمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ وَاضِحٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ عَلَى تَفْسِيرِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ اللَّطَائِفِ وَالدَّقَائِقِ لَكِنْ مِثْلَ هَذِهِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ يَفِيضُهَا اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ حَضْرَتِهِ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِحَيَاتِهِ وَوَارِثِيهِ وَلَوْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله أَيِ الْآيَةُ الَّتِي نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] الْآيَاتُ إِلَى قَوْلِهِ {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ثَابِتَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ صَرِيحَةٌ غَيْرُ مُشْتَبِهَةٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يُفَسِّرْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَجْرَوْهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلَا تَرْتَابُوا فِيهَا وَاتْرُكُوا الْحِيلَةَ فِي حِلِّهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ (فَدَعُوا) أَيْ أَيُّهَا النَّاسُ (الرِّبَا وَالرِّيبَةَ) أَيْ شُبْهَةَ الرِّبَا أَوِ الشَّكَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَاتُ أَوِ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رُبَّمَا يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 1926

2831 -

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَي إِلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهُ وَلَا يَقْبَلْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» (رَوَاهُ ابْنَ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

ــ

2831 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ) أَيْ شَخْصًا (قَرْضًا) هُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِقْرَاضُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَقْرُوضِ فَيَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِأَقْرَضَ وَالْأَوَّلُ مُقَدَّرٌ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245](فَأَهْدَى) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصُ (إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى الْمُقْرِضِ شَيْئًا مِنَ الْهَدَايَا (أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ) أَيْ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ أَوْ دَابَّةِ الْمُقْرِضِ (فَلَا يَرْكَبْهُ) أَيِ الْمَرْكُوبَ وَفِي نُسْخَةٍ فَلَا يَرْكَبْهَا أَيِ الدَّابَّةَ (وَلَا يَقْبَلْهَا) أَيِ الْهَدِيَّةَ وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الضَّمِيرُ الْفَاعِلُ فِي: " فَأَهْدَى " عَائِدٌ إِلَى الْمَفْعُولِ الْمُقَدَّرِ: وَالضَّمِيرُ فِي " لَا يَقْبَلْهَا " رَاجِعٌ إِلَى مَصْدَرِ أَهْدَى وَقَوْلُهُ فَأَهْدَى عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ فَلَا يَرْكَبْهُ وَلَا يَقْبَلْهَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيِ الْمَذْكُورُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَالْإِهْدَاءِ (جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَالْمُقْرِضِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيِ الْإِقْرَاضِ لِمَا وَرَدَ " كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا ". قَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ هَدِيَّةُ الْمَدْيُونِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا قَبْلُ أَوْ حَدَثَ مُوجِبٌ لَهَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: وَنَظِيرُهُ الْإِهْدَاءُ لِلْقَاضِي وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ: فَالْأَوْلَى أَنْ يُثِيبَهُ بِقَدْرِ هَدِيَّتِهِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَقَدْ بَالَغَ إِمَامُ الْمُتَوَرِّعِينَ فِي زَمَنِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله حَيْثُ جَاءَ إِلَى دَارِ مَدِينِهِ لِيَتَقَاضَاهُ دَيْنَهُ وَكَانَ وَقْتَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلِجِدَارِ تِلْكَ الدَّارِ ظِلٌّ فَوَقَفَ فِي الشَّمْسِ إِلَى أَنْ خَرَجَ الْمَدِينُ بَعْدَ أَنْ طَالَ الْإِبْطَاءُ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الشَّمْسِ صَابِرٌ عَلَى حَرِّهَا غَيْرُ مُرْتَفِقٍ بِتِلْكَ الظِّلِّ لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ رِفْقٌ مِنْ جِهَةِ مَدِينِهِ، وَفِيهِ أَنَّ مَذْهَبَ ذَلِكَ الْإِمَامِ أَنَّ قَبُولَ رِفْقِ الْمَدِينِ حَرَامٌ كَالرِّبَا، وَمَذْهَبُنَا كَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إِلَّا إِنْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ الَّذِي وَجَبَ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِسَبَبِهِ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) أَيْ فِي سُنَنِهِ (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

ص: 1926

2832 -

وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا أَقْرَضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلَا يَأْخُذُ هَدِيَّةً» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، هَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى.

ــ

2832 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَنَسٍ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَقْرَضَ الرَّجُلُ أَحَدَكُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ: الرَّجُلَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (فَلَا يَأْخُذْ) أَيِ الْمُقْرِضُ مِنْ مَدِينِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ النَّفْيِ (هَدِيَّةً) وَتَنْوِينُهُ لِلتَّنْكِيرِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ هَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقٍ بِنُقْطَتَيْنِ وَالْقَافِ كِتَابٌ أَلَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى تَرْتِيبِ الْفِقْهِ.

ص: 1926