الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَعَلِّقٌ بِاللُّقَطَةِ وَالتَّغْيِيبُ بِالضَّالَّةِ (فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا (فَهُوَ مَالُ اللَّهِ) أَيْ: رِزْقُهُ (يُؤْتِيهِ) أَيْ: يُعْطِيهِ (مَنْ يَشَاءُ) أَيْ: عَلَى وَجْهٍ يَشَاؤُهُ وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ رحمه الله قَوْلُهُ: " فَهُوَ مَالُ اللَّهِ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: رِزْقُ اللَّهِ وَهُمَا عِبَارَتَانِ عَنِ الْحَلَالِ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِهِ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَيْسَ بِرِزْقٍ لِأَنَّ الْمَقَامُ مَقَامُ مَدْحِ اللُّقْطَةِ لَا بَيَانَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ " فَهُوَ مَالُ اللَّهِ " جَوَابٌ لِلشَّرْطِ وَيَجُوزُ إِسْقَاطُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " وَإِلَّا اسْتَمْتَعَ بِهَا " قَالَ الْمَالِكِيُّ: حَذَفَ الْفَاءَ وَالْمُبْتَدَأَ فِي الْحَدِيثِ مَعًا مِنْ جَوَابِ الشَّرْطِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) .
3040 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذُكِرَ حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ " أَلَا لَا يَحِلُّ " فِي بَابِ الِاعْتِصَامِ.
ــ
3040 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَصَا)، بِالْقَصْرِ ( «وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ» ) صِفَةٌ أَوْ حَالٌ (يَنْتَفِعُ بِهِ) أَيِ: الْحُكْمُ فِيهَا أَنْ يَنْتَفِعَ الْمُلْتَقِطُ بِهِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفِ سَنَةٍ أَوْ مُطْلَقًا، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَرَّفُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا دُونُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَلِيلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الدِّينَارُ فَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَالَ قَوْمٌ: الْقَلِيلُ التَّافِهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ كَالنَّعْلِ وَالسَّوْطِ وَالْجِرَابِ وَنَحْوِهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ رَفْعُ اللُّقْطَةِ لِصَاحِبِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحِلُّ رَفْعُهَا، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَقَالَ الْمُتَعَسِّفَةَ: لَا يَحِلُّ رَفْعُهَا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا، وَالْحِمَارُ وَالْفَرَسُ وَالْإِبِلُ التَّرْكُ أَفْضَلُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ فَتَرْكُ الدَّابَّةِ أَفْضَلُ وَإِذَا رَفَعَ اللُّقْطَةَ يُعَرِّفُهَا وَيَقُولُ: الْتَقَطْتُ لُقْطَةً أَوْ وَجَدْتُ ضَالَّةً أَوْ عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَطْلُبُ فَدُلُّوهُ عَلَيَّ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ: يُعَرِّفُهَا حَوْلًا وَلَمْ يُفَصِّلْ فِيمَا إِذَا كَانَتِ اللُّقْطَةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةٍ: إِنْ كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهَا يُعَرِّفُهَا حَوْلًا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَهَا يُعَرِّفُهَا شَهْرًا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى خَمْسَةٍ يَحْفَظُهَا يَوْمًا وَاحِدًا، وَفِي الْخَمْسَةِ إِلَى الْعَشْرَةِ يَحْفَظُهَا أَيَّامًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى الْمِائَةِ يُعَرِّفُهَا شَهْرًا وَفِي الْمِائَةِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ يَحْفَظُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَفِي الْمِائَتَيْنِ إِلَى الْأَلْفِ أَوْ أَكْثَرَ يَحْفَظُهَا حَوْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ يَحْفَظُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي الدَّانَقِ فَصَاعِدَا يَحْفَظُهُ يَوْمًا وَيُعَرِّفُهُ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ يَنْظُرُ يَمْنَةً وَيُسْرَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنِ أَبِي سَهْلِ السَّرَخْسِيُّ: " لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ بَلْ يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ يُعَرِّفُ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ ذَلِكَ إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا حَتَّى يَجِيئَ صَاحِبُهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ تَصَدَّقَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا كَانَ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَجَازَ الصَّدَقَةَ وَيَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُجِزِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ كَانَتِ اللُّقْطَةُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ يَأْخُذُهَا مِنَ الْفَقِيرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفَقِيرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ، وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَيَنْبَغِي لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يَرْفَعُهَا لِصَاحِبِهَا فَإِنْ أَشْهَدَ كَانَتِ اللُّقْطَةُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ كَانَ عَاصِيًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمهم الله: هِيَ أَمَانَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْحِفْظُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُضَمَّنُ الْمُلْتَقِطُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا أَوْ بِالْمَنْعِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَهُنَا إِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُشْهِدَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُشْهِدُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ الرَّفْعِ يَأْخُذُ مِنْهُ الظَّالِمُ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَذُكِرَ حَدِيثُ الْمِقْدَامِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (ابْنِ مَعْدِيكَرِبَ) بِلَا انْصِرَافٍ (أَلَا لَا يَحِلُّ) أَيْ: لَكُمُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِي عَنْهَا صَاحِبُهَا (فِي بَابِ الِاعْتِصَامِ) أَيْ: فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَثَرُهُ مُنَاسِبٌ لِذَلِكَ الْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْفَرَائِضِ]
(بَابُ الْفَرَائِضِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3041 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(بَابُ الْفَرَائِضِ)
بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيِ: الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَتْرُوكَاتِ الْمَالِيَّةِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْفَرْضُ أَصْلُهُ الْقَطْعُ، قَالَ: فَرَضْتُ لِفُلَانٍ إِذَا قَطَعْتُ لَهُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا، وَفِي الْمُغْرِبِ: الْفَرِيضَةُ اسْمُ مَا يُفْرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَقَدْ يُسَمَّى بِهَا كُلُّ مُقَدِّرٍ، فَقِيلَ لِأَنْصِبَاءِ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ لِلْعِلْمِ بِمَسَائِلِ الْمِيرَاثِ عِلْمٌ وَفِي الْفَرَائِضِ وَلِلْعَالَمِ بِهِ فَرَضِيٌّ وَفَارِضٌ، وَفِي الْحَدِيثِ:«أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» أَيْ: أَعْلَمُكُمْ بِهَذَا النَّوْعِ.
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3041 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ) أَيْ: فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَشَفَقَتِي عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَكُونُ أَوْلَى بِقَضَاءِ دِيُونِهِمْ ( «فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» ) أَيْ: بَعْدَ قَضَاءِ دِيُونِهِ وَوَصِيَّتِهِ وَمِنْهُ أَخْذُ التَّرِكَةِ، فِي الْفَائِقِ: التَّرِكَةُ اسْمٌ لِلْمَتْرُوكِ كَمَا أَنَّ الطَّلِبَةَ اسْمٌ لِلْمَطْلُوبِ وَمِنْهُ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ (وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا» ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَيُكْسَرُ أَيْ: عِيَالًا ( «فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ» ) أَيْ: وَلِيُّهُ وَكَافِلُ أَمْرِهِ قَالَ الْقَاضِيَ رحمه الله: ضَيَاعًا بِالْفَتْحِ يُرِيدُ بِهِ الْعِيَالَ الْعَالَةَ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ مَقَامَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْعَدْلِ وَالصَّوْمِ وَرُوِيَ بِالْكَسْرِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ ضَائِعٍ كَجِيَاعٍ فِي جَمْعٍ جَائِعٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الضَّيَاعُ اسْمُ مَا هُوَ فِي مَعْرَضٍ أَنْ يَضِيعَ إِنْ لَمْ يُتَعَهَّدْ كَالذُّرِّيَّةِ الصِّغَارِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا يَقُومُونَ بِأَمْرِ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُمْ (وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا» ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: ثِقَلًا قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: 76] وَهُوَ يَشْمَلُ الدَّيْنَ وَالْعِيَالَ (فَإِلَيْنَا) أَيْ: مَرْجِعُهُ وَمَأْوَاهُ أَوْ فَلْيَأْتِ إِلَيْنَا أَيْ: أَنَا أَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَأَنْصُرُهُمْ فَوْقَ مَا كَانَ مِنْهُمْ لَوْ عَاشُوا، فَإِنْ تَرَكُوا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ فَأَذُبُّ الْمُسْتَأْكِلَةَ مِنَ الظَّلَمَةِ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَهُ فَيَخْلُصُ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوا وَتَرَكُوا ضَيَاعًا وَكَلًّا مِنَ الْأَوْلَادِ فَأَنَا كَافِلُهُمْ وَإِلَيْنَا مَلْجَأُهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوا دَيْنًا فَعَلَيَّ أَدَاؤُهُ، وَلِهَذَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ -:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وَقَوْلِهِ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَسَّرَ الْآيَةُ أَيْضًا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ " {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] " إِنَّمَا يَتَلَاءَمُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَالْأَبِ الْمُشْفِقِ بَلْ هُوَ أَرْأَفُ وَأَرْحَمُهُمْ بِهِمْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
3042 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3042 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلْحِقُوا) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَكَسْرِ حَاءٍ أَيْ: أَوْصِلُوا (الْفَرَائِضَ) أَيِ: الْحِصَصَ الْمُقَدَّرَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (بِأَهْلِهَا) أَيِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فَمَا بَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ: فَمَا فَضَلَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمَالِ (فَهُوَ لِأَوْلَى) أَيْ: أَقْرَبِ (رَجُلٍ) أَيْ: مِنَ الْمَيِّتِ (ذَكَرٍ) تَأْكِيدٌ أَوِ احْتِرَازٌ مِنَ الْخُنْثَى وَقِيلَ أَيْ: صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيُّ رحمه الله قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ بِالْأَوْلَى الْأَقْرَبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَصَفَ الرَّجُلَ بِالذَّكَرِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ وَهِيَ الذُّكُورَةُ الَّتِي سَبَبُ الْعُصُوبَةِ وَسَبَبُ التَّرْجِيحِ فِي الْإِرْثِ ; وَلِهَذَا جَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الرِّجَالَ يَلْحَقُهُمْ مُؤَنٌ كَثِيرَةٌ فِي الْقِيَامِ بِالْعِيَالِ وَالضَّيْفَانِ وَإِرْفَادِ الْقَاصِدِينَ وَمُوَاسَاةِ السَّائِلِينَ وَتَحَمُّلِ الْغَرَامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله:
لَيْسَ أَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى أَحَقِّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بَلْ هُوَ بِمَعْنَى أَقْرَبِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَقْرَبُ هُوَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ تَعْيِينِ أَرْبَابِ الْفَرَائِضِ {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11] يَعْنِي وَإِنَّمَا نَحْنُ نَعْلَمُ وَقَدْ تَوَلَّيْنَا أَمْرَ الْوِرَاثَةِ وَحَكَمْنَا عَلَيْكُمْ وَمَا فَوَّضْنَاهُ إِلَيْكُمْ قَالَ: وَالْمُرَادُ قُرْبُ النَّسَبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَكَرًا بَعْدَ الرَّجُلِ لِتَأْكِيدِ أَحَقَّ لِأَنَّ الرَّجُلَ فِي الْمَشْهُورِ هُوَ الذَّكَرُ الْبَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقِيلَ: لِلِاحْتِرَازِ مِنَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ عَصَبَةً وَلَا صَاحِبَ فَرْضٍ جَزْمًا بَلْ لَهُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ وَهُوَ الْأَقَلُّ عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَقِيلَ: بَيَانُ أَنَّ الْعَصَبَةَ يَرِثُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بِخِلَافِ عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعْطُونَ الْمِيرَاثَ إِلَّا مَنْ بَلَغَ حَدَّ الرُّجُولِيَّةِ. وَقِيلَ: ذُكِرَ لِنَفْيِ الْمَجَازِ إِذِ الْمَرْأَةُ الْقَوِيَّةُ قَدْ تُسَمَّى رَجُلًا قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَدْ أَوْقَعَ الْمَوْصُوفَ مَعَ الصِّفَةِ مَوْقِعَ الْعَصَبَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَقْرَبِ عَصَبَةٍ، وَسُمُّوا عَصَبَةً لِأَنَّهُمْ يَعْصِبُونَهُ وَيُتَعَصَّبُ بِهِ أَيْ: يُحِيطُونَ بِهِ وَيَشْتَدُّ بِهِمْ وَالْعَصَبَةُ أَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ فَهُوَ لِلْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَلَا يَرِثُ عَاصِبٌ بَعِيدٌ مَعَ وُجُودِ قَرِيبٍ، وَجُمْلَةُ عَصَبَاتِ النَّسَبِ الِابْنُ وَالْأَبُ وَمَنْ يُدْلِي بِهِمَا وَيُقَدَّمُ مِنْهُمُ الْأَبْنَاءُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ الْجِدُّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَهُمْ فِي دَرَجَةٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَحْجُبُ الْبَعْضَ وَالْحَجْبُ نَوْعَانِ حَجْبُ نُقْصَانٍ وَحَجْبُ حِرْمَانٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
3043 -
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3043 -
(وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» ) قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ فَفِيهِ خِلَافٌ، فَالْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَيْضًا، وَذَهَبَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَمُعَاوِيَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمَسْرُوقٌ رحمهم الله وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَرِثُ مِنَ الْكُفَّارِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» . وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، وَالْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ فَضْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْمِيرَاثِ فَلَا يُتْرَكُ النَّصُّ الصَّرِيحُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَرِثُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ مِنَ الْمُرْتَدِّ فَفِيهِ أَيْضًا الْخِلَافُ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: مَا اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي مُوَطَّئِهِ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَالْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ فَيَرِثُ الْيَهُودِيُّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيُّ مِنَ الْيَهُودِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ.
3044 -
وَعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3044 -
(وَعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَوْلَى الْقَوْمِ) أَيْ: مُعْتِقُهُمْ بِالْكَسْرِ (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أَيْ: يَرِثُهُ الْمُعْتِقُ بِالْعُصُوبَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ نِسْبِيَّةٌ، وَقِيلَ: مَوْلَى أَيْ مُعْتَقُهُمْ بِالْفَتْحِ مِنْهُمْ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ حَرَّمَ الصَّدَقَةَ عَلَى مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلِمَنْ قَالَ: الْوَصِيَّةُ لِبَنِي فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهُمْ مَوَالِيهُمْ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: الْمَوْلَى يَقَعُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَعَلَى الْعَتِيقِ، وَفَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الْمَوْلَى هُنَا بِالْمُعْتِقِ أَيْ: يَرِثُ مِنَ الْعَتِيقِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِهِ النِّسْبِيَّةِ وَلَا يَرِثُ الْعَتِيقُ الْمُعْتِقَ إِلَّا عِنْدَ طَاوُسٍ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
3045 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ: " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ» " فِي بَابٍ قَبْلَ بَابِ السَّلَمِ، وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ:" «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» " فِي بَابِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ــ
3045 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) قَالَ الْمُظْهِرُ: ابْنُ الْأُخْتِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ إِلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ رحمهم الله، وَإِنَّمَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ وَلَا ذُو فَرْضٍ، وَذَوُو الْأَرْحَامِ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ وَلَدُ الْبِنْتِ وَوَلَدُ الْأُخْتِ وَبِنْتُ الْأَخِ
وَبِنْتُ الْعَمِّ وَبِنْتُ الْعَمَّةِ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَأَبُو الْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالْعَمَّةُ وَوَلَدُ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَوْلَادُ الْبِنْتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأُخْتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِلْأُمِّ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ، وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْهُمْ فِي دَرَجَةٍ فَأَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى صَاحِبِ فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَأَبُو الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ أَخٍ مِنَ الْأُمِّ مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ وَأَوْلَادِ الْأُخْتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: مِنْ فِي قَوْلِهِ " مِنْهُمْ " اتِّصَالِيَّةٌ أَيِ: ابْنُ الْأُخْتِ مُتَّصِلٌ بِأَقْرِبَائِهِ فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ مِنَ التَّوَلِّي وَالنُّصْرَةِ وَالتَّوْرِيثِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أَيْ: فِي أَحْكَامِهِ وَفَرَائِضِهِ، وَالْكِتَابُ كَثِيرًا مَا يَجِيءُ بِمَعْنَى الْفَرِيضَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَيَنْصُرُهُ حَدِيثُ الْمِقْدَامِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي ( «وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» )(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ (وَذُكِرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ: لِمَنْ أَعْتَقَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ (فِي بَابٍ) أَيْ: غَيْرِ مُعَنْوَنٍ (قَبْلَ بَابِ السَّلَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ قِيلَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَتِيقِ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِهِ النِّسْبِيَّةِ (وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ: ابْنِ عَازِبٍ ( «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» ) أَيْ: فِي الْمِيرَاثِ فَلَوِ اجْتَمَعَتْ مَعَ الْعَمَّةِ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ وَالثُّلُثُ لِلْخَالَةِ (فِي بَابِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانَتِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ أَيْ: تَرْبِيَتِهِ فِي الصِّغَرِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ إِلَيْهِ مَعَ مُنَاسَبَتِهِ لِهَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ الْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، نَعَمْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
3046 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.
3047 -
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
3046 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَيِ: ابْنِ الْعَاصِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» ) بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ صِفَةُ أَهْلٍ أَيْ: مُتَفَرِّقُونَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: حَالٌ مِنْ فَاعِلِ لَا يَتَوَارَثُ أَيْ: مُتَفَرِّقِينَ مُخْتَلِفِينَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ الْمِلَّتَيْنِ أَيْ: مِلَّتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلَلِ فِي الْكُفْرِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. قُلْنَا: الْمُرَادُ هُنَا الْإِسْلَامُ وَالْكُفْرُ فَإِنَّ الْكَفَرَةَ كُلَّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مُقَابَلَتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ مِلَلٍ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: تَوْرِيثُ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ كَالْيَهُودِيِّ مَعَ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ، وَالْمَجُوسِيُّ مِنْهُمَا وَهُمَا مِنْهُ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ لَا يَرِثُ حَرْبِيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَلَا ذِمِّيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ وَكَذَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَحَارِبَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمْ يَتَوَارَثَا، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) أَيْ: عَنْهُ.
3047 -
(وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ) .
3048 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3048 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» ) أَيْ: مِنَ الْمَقْتُولِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا فِي الْقَتْلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسَّبَبِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ عِنْدَنَا. قَالَ الْمُظْهِرُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: قَتْلُ الصَّبِيِّ لَا يَمْنَعُ اه وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُكَلَّفَيْنِ فَفِعْلُهُمَا كَلَا فِعْلٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِذَا جَعَلَ الْعِلَّةَ نَفْسَ الْقَتْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَعُمُّ وَإِذَا ذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى وَمَا يُعْطِيهِ مِنْ قَطْعِ الْوَصْلَةِ فَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَاتِلِ عَلَى الْأَوَّلِ لِلْجِنْسِ وَعَلَى الثَّانِي لِلْعَهْدِ، وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى يَتَفَرَّعُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إِذَا قَتَلَ الْإِمَامُ مُورِّثَهُ حَدًّا فَفِي مَنْعِ التَّوْرِيثِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ مُنِعَ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا ; لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ قَاتِلٌ. وَفِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ: عِنْدَنَا يُحْرَمُ الْقَاتِلُ عَنِ الْمِيرَاثِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَتْلُ بِحَقٍّ، وَأَمَّا إِذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُحْرَمُ أَصْلًا وَكَذَا قَتْلُ الْعَادِلِ مُوَرِّثَهُ الْبَاغِي، وَفِي عَكْسِهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ:«لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنِ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ:«لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» .
3049 -
وَعَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ تَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3049 -
(وَعَنْ بُرَيْدَةَ) بِالتَّصْغِيرِ أَيِ: ابْنِ الْحُصَيْبِ بِالتَّصْغِيرِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْأَسْلَمِيُّ أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا وَبَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَكَانَ مِنْ سَاكِنِي الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى خُرَاسَانَ غَازِيًا فَمَاتَ بِمَرْوَ مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْجَدَّةِ) أَيْ: لِأَبٍ وَأُمٍّ (السُّدُسَ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيُسَكَّنُ (إِذَا لَمْ تَكُنْ دُونَهَا) أَيْ: قُدَّامَهَا (أُمٌّ) يَعْنِي إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أُمُّ الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ أُمُّ الْمَيِّتِ لَا تَرِثُ الْجَدَّةُ لَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا أُمُّ الْأَبِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ: دُونَ هُنَا بِمَعْنَى قُدَّامَ لِأَنَّ الْحَاجِبَ كَالْحَاجِزِ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمِيرَاثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ عَدَّ السُّيُوطِيُّ فِي النِّقَابَةِ الْجَدَّةَ مِنَ الْوَارِثَاتِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدْسَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عُبَادَةَ وَصَحَّحَهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنَ الْمِيرَاثِ بِالسُّدْسِ بَيْنَهُمَا.»
3050 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوُرِّثَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3050 -
(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ» ) أَيْ: رَفَعَ صَوْتَهُ يَعْنِي عُلِمَ حَيَاتُهُ (صُلِّيَ عَلَيْهِ) أَيْ: بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ثُمَّ دُفِنَ كَسَائِرِ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ (وَوُرِّثَ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدِ رَاءٍ مَكْسُورٍ أَيْ: جُعِلَ وَارِثًا، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لَوْ مَاتَ إِنْسَانٌ وَوَارِثُهُ حَمْلٌ فِي الْبَطْنِ يُوقَفُ لَهُ الْمِيرَاثُ فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا كَانَ لَهُ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَلَا يُوَرَّثُ مِنْهُ بَلْ لِسَائِرِ وَرَثَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ يُوَرَّثُ مِنْهُ سَوَاءٌ اسْتَهَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ أَنْ وُجِدَتْ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ مِنْ عُطَاسٍ أَوْ تَنَفُّسٍ أَوْ حَرَكَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْحَيَاةِ سِوَى اخْتِلَاجِ الْخَارِجِ عَنِ الْمَضِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالِاسْتِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ عِنْدَ الْآخَرِينَ وُجُودُ أَمَارَةِ الْحَيَاةِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالِاسْتِهْلَالِ لِأَنَّهُ يَسْتَهِلُّ حَالَةَ الِانْفِصَالِ فِي الْأَغْلَبِ وَبِهِ تُعْرَفُ حَيَاتُهُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَى الْعُطَاسَ اسْتِهْلَالًا (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) .
3051 -
وَعَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
ــ
3051 -
(عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ: هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ الْمَدِينِيُّ، سَمِعَ أَبَاهُ وَرَوَى عَنْهُ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ (قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) سَبَقَ شَرْحُهُ ( «وَحَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ عَهِيدُهُمْ وَأُرِيدَ بِهِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُ يَرِثُ عِنْدَنَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ سِوَاهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " وَأَمَّا الْحَلِيفُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَالِفُونَ وَيَقُولُونَ دَمِي دَمُكَ وَهَدْمِي هَدْمُكَ وَسِلْمِي سِلْمُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ، أَرِثُ مِنْكَ وَتَرِثُ مِنِّي، فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ - عَلَيْهِ رَحْمَةُ الْبَارِي - فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] أَيْ: مَوَالِي الْمُوَالَاةِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، كَانَ الْحَلِيفُ يُوَرَّثُ السُّدُسَ مِنْ مَالِ حَلِيفِهِ فَنُسِخَ بِقَوْلِهِ:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] اه وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى نَفْيِ إِرْثِ الْحَلِيفِ لَا سِيَّمَا وَالْقَائِلُونَ بِهِ إِنَّمَا يُوَرِّثُونَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ وَأُولِي الْأَرْحَامِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَتَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَتَعَاقَلَا وَيَتَوَارَثَا صَحَّ وَوَرِثَ، قَالَ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ رحمه الله فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ: صُورَةُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ شَخْصٌ مَجْهُولُ النَّسَبِ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إِذَا مِتُّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إِذَا جَنَيْتُ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَبِلْتُ، فَعِنْدَنَا يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ وَيَصِيرُ الْقَائِلُ وَارِثًا عَاقِلًا وَيُسَمَّى مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَقَالَ لِلْأَوَّلِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَبِلَهُ وَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَعَقَلَ مِنْهُ، وَكَانَ النَّخَعِيُّ يَقُولُ: إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ ثُمَّ أَوْلَاهُ صَحَّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَيْسَ الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ: لَا وَلَاءَ إِلَّا وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَهُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - ( «وَابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) أَيْ: مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَمَرَّ بَيَانُهُ (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَلَفْظُهُ:«حَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» .
3052 -
وَعَنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيْنَا، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ وَأَفُكُّ عَانَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُ مَالَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3052 -
(وَعَنِ الْمِقْدَامِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيِ: ابْنِ مَعْدِيكَرِبَ (قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ» ) هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَشَرْحُهُ ( «فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً» ) أَيْ: عِيَالًا (فَإِلَيْنَا) أَيْ: رُجُوعُهُمْ أَوْ مُفَوَّضُ أَمْرِهِمْ إِلَيْنَا ( «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» ) أَيْ: بَعْدَ أَدَاءِ دَيْنِهِ وَقَضَاءِ وَصِيَّتِهِ ( «وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ» ) أَيْ: وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ (أَرِثُ مَالَهُ) قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: يُرِيدُ بِهِ صَرْفَ مَالِهِ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (وَأَفُكُّ عَانَهُ) أَيْ: أُخَلِّصُ أَسْرَهُ بِالْفِدَاءِ عَنْهُ، وَأَصْلُهُ (عَانِيَهُ) حُذِفَ الْيَاءُ تَخْفِيفًا كَمَا فِي يَدٍ يُقَالُ عَنَا يَعْنُو إِذَا خَضَعَ وَذَلَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْحُقُوقُ بِسَبَبِ الْجِنَايَاتِ ( «وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُ مَالَهُ» ) أَيْ: إِنْ مَاتَ ابْنُ أُخْتِهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَ خَالِهِ فَهُوَ يَرِثُهُ، دَلَّ عَلَى إِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ فَقْدِ الْوَرَثَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ لَا يُوَرِّثُهُمْ قَوْلُهُ " «الْخَالُ وَارْثُ مَنْ لَا وَارِثَ» " بِمِثْلِ قَوْلِهِمُ: الْجُوعُ زَادُ مَنْ لَا زَادَ لَهُ، وَحَمَلُوا قَوْلَهُ " يَرِثُ مَالَهُ " كَالتَّقْرِيرِ لِقَوْلِهِ " «وَالْخَالُ وَارِثُ» " وَالتَّقْرِيرُ إِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ فِي الْمَعْنَى السَّابِقِ التَّجَوُّزُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ تَقْرِيرًا لِلتَّجَوُّزِ - رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَذْعَنَ لِلْحَقِّ وَأَنْصَفَ وَتَرَكَ التَّعَصُّبَ وَلَمْ يَتَعَسَّفْ - وَاعْلَمْ أَنَّ ذَا الرَّحِمِ هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ، فَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَشْهُورَةٍ وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَتَابَعَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ عَلْقَمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ: لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَيُوضَعُ الْمَالُ عِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْفَرْضِ وَالْعَصَبَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَتَابَعَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ النَّافُونَ بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ نَصِيبَ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَوِي الْأَرْحَامِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَبَيَّنَهُ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَبِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا اسْتُخْبِرَ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] إِذْ مَعْنَاهُ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍ كَمَا كَتَبَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتِ التَّوَارُثَ بِالْمُوَالَاةِ كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ قُدُومِهِ عليه الصلاة والسلام الْمَدِينَةَ فَمَا كَانَ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ صَارَ مَصْرُوفًا إِلَى ذَوِي الرَّحِمِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ إِرْثُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ صَارَ مُتَأَخِّرًا عَنْ إِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَقَدْ شَرَعَ لَهُمُ الْمِيرَاثَ بَلْ فَصَّلَ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ لَهُ فَرْضٌ أَوْ تَعْصِيبٌ، وَذِي رَحِمٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَيَكُونُ ثَابِتًا لِلْكُلِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَجِبُ تَفْصِيلُهُمْ كُلُّهُمْ فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَأَيْضًا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا رَمَى سَهْمًا إِلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا خَالُهُ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ فَأَجَابَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» . لَا يُقَالُ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ النَّفْيُ دُونَ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ: الصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَالصَّبْرُ لَيْسَ بِحِيلَةٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ كَانَ وَارِثَهُ الْخَالُ فَلَا وَارِثَ لَهُ ; لِأَنَّا نَقُولُ: صَدْرُ الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا الْمَعْنَى بَلْ نَقُولُ: بَيَانُ الشَّرْعِ بِلَفْظِ الْإِثْبَاتِ وَإِرَادَةِ النَّفْيِ تُؤَدِّي إِلَى الِالْتِبَاسِ، فَلَا يَجُوزُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الْكَاشِفِ عَنْهَا، وَأَيْضًا «لَمَّا مَاتَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحِ قَالَ عليه الصلاة والسلام لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ نَسَبًا فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ غَرِيبًا فِينَا فَلَا نَعْرِفُ لَهُ إِلَّا ابْنَ أُخْتٍ هُوَ أَبُو لُبَابَةَ ابْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَهُ لَهُ» . وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا رَوَيْنَاهُ مُوَافِقًا لِلْقُرْآنِ وَبَيْنَ مَا رَوَيْتُمُوهُ مُخَالِفًا لَهُ أَنْ يُحْمَلَ مَا رَوَيْتُمُوهُ عَلَى مَا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا تَرِثَانِ مَعَ عَصَبَةٍ وَلَا مَعَ ذِي فَرْضٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الرَّدَّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَ مَعَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ (وَيَفُكُّ) أَيِ: الْخَالُ (عَانَهُ) أَيْ: بِأَدَاءِ الدِّيَةِ عَنْهُ أَوْ يُفَادِيهِ عِنْدَ أَسْرِهِ (وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ» ) أَيْ: أُؤَدِّي عَنْهُ مَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أَعْقِلُهُ يُقَالُ عَقَلْتُ لَهُ دَمَ فُلَانٍ إِذَا تَرَكْتُ الْقَوَدَ لِلدِّيَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أُعْطِي لَهُ وَأَقْضِي عَنْهُ وَأَرِثُهُ أَيْ: مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ أَيْ: إِذَا جِيءَ ابْنُ أُخْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ يُؤَدِّي الْخَالُ عَنْهُ الدِّيَةَ كَالْعَصَبَةِ (وَيَرِثُهُ) أَيِ: الْخَالُ إِيَّاهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «الْخَالُ وَارْثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ.»
3053 -
وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَوَارِيثَ، عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَنْهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3053 -
(عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ) أَيِ: اللَّيْثِيِّ أَسْلَمَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُجَهِّزُ إِلَى تَبُوكَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ خَدَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ ذَكَرُهُ الْمُؤَلِّفُ (قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَحُوزُ الْمَرْأَةُ» ) أَيْ: تَجْمَعُ وَتُحِيطُ (ثَلَاثَ مَوَارِيثَ)
جَمْعُ مِيرَاثٍ (عَتِيقَهَا) أَيْ: مِيرَاثَ عَتِيقِهَا فَإِنَّهَا إِذَا أَعْتَقَتْ عَبَدًا وَمَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ تَرِثُ مَالَهُ بِالْوَلَاءِ (وَلَقِيطَهَا) أَيْ: مَلْقُوطَهَا فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَرِثُ مِنَ اللَّقِيطِ عَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَصَّهُ بِالْمُعْتِقِ بِقَوْلِهِ " «لَا وَلَاءَ إِلَّا وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ» " فَلَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُمْ (وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ قَبْلِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا تَأْخُذُ مِيرَاثَ عَتِيقِهَا وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي نَفَاهُ الرَّجُلُ بِاللِّعَانِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَرِثُ الْآخَرَ لِأَنَّ التَّوَارُثَ بِسَبَبِ النَّسَبِ انْتَفَى بِاللِّعَانِ، وَأَمَّا نَسَبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَثَابِتٌ وَيَتَوَارَثَانِ، قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: وَحِيَازَةُ الْمُلْتَقِطَةِ مِيرَاثَ لَقِيطِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا أَوْلَى بِأَنْ يُصْرَفَ إِلَيْهَا مَا خَلَّفَهُ مِنْ غَيْرِهَا صَرْفَ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى آحَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ تَرِكَتَهُ لَهُمْ لَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وِرَاثَةَ الْمُعْتِقَةِ مِنْ مُعْتَقِهَا، وَأَمَّا حُكْمُ وَلَدِ الزِّنَا فَحُكْمُ الْمَنْفِيِّ بِلَا فَرْقٍ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
3054 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَالْوَلَدُ وُلَدُ زِنًا لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3054 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) أَيِ: ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ» ) أَيْ: زَنَى (بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ) فِي النِّهَايَةِ: الْعَاهِرُ الزَّانِي وَقَدْ عَهَرَ إِذَا أَتَى الْمَرْأَةَ لَيْلًا لِلْفُجُورِ بِهَا ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الزَّانِي مُطْلَقًا (فَالْوَلَدُ وُلَدُ زِنًا) وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَدُ الزِّنَا (لَا يَرِثُ) أَيْ: مِنَ الْأَبِ (وَلَا يُورَثُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ لَا يَرِثُ ذَلِكَ الْوَلَدُ مِنَ الْوَاطِئِ وَلَا مِنْ أَقَارِبِهِ إِذِ الْوِرَاثَةُ بِالنَّسَبِ وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّانِي، وَلَا يَرِثُ الْوَاطِئُ وَلَا أَقَارِبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
3055 -
وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَتَرَكَ شَيْئًا وَلَمْ يَدَعْ حَمِيمًا وَلَا وَلَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
ــ
3055 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ) رضي الله عنها ( «أَنَّ مَوْلًى) أَيْ: عَتِيقًا، لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَتَرَكَ شَيْئًا» ) أَيْ: قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (وَلَمْ يَدَعْ حَمِيمًا وَلَا وَلَدًا) أَيْ: لَمْ يَتْرُكْ قَرِيبًا يَهْتَمُّ لِأَمْرِهِ ( «قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» ) أَيْ: فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: إِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُعْطَى رَجُلًا مِنْ قَرْيَتِهِ تَصَدُّقًا مِنْهُ أَوْ تَرَفُّعًا أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَسَدُّ حَاجَاتِهِمْ، فَوَضَعَهُ فِيهِمْ لِمَا رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا لَا يُورَثُ عَنْهُمْ لَا يَرِثُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْأَنْبِيَاءُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - لَا يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُ عَنْهُمْ لِارْتِفَاعِ قَدْرِهِمْ عَنِ التَّلَبُّسِ بِالدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَانْقِطَاعِ أَسْبَابِهِمْ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ " «أَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ» " فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَيَّ فِي التَّصَدُّقِ بِهِ أَوْ صَرْفِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَمْلِيكِ غَيْرِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ) وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ وَرَدَ «أَنَّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَعَ مِنْ غَدْقِ نَخْلَةٍ فَمَاتَ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِيرَاثِهِ، فَقَالَ: فَانْظُرُوا لَهُ ذَا قَرَابَةٍ. قَالُوا: مَا لَهُ ذُو قَرَابَةٍ. قَالَ: انْظُرُوا هَمْشَهْرِيًّا لَهُ فَأَعْطُوهُ مِيرَاثَهُ يَعْنِي بَلَدِيًّا لَهُ» . كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ.
3056 -
وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «مَاتَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ: الْتَمِسُوا لَهُ وَارِثًا أَوْ ذَا رَحِمٍ. فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ وَارِثًا وَلَا ذَا رَحِمٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطُوهُ الْكُبْرَ مِنْ خُزَاعَةَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ: انْظُرُوا أَكْبَرَ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ.
ــ
3056 -
(وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَبِيلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْأَزْدِ (فَأُتِيَ النَّبِيُّ) أَيْ: جِيءَ (صلى الله عليه وسلم بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ: «الْتَمِسُوا لَهُ وَارِثًا أَوْ ذَا رَحِمٍ» ) أَيْ: قَرِيبًا لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَلَا مِنَ الْعَصَبَةِ ( «فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ وَارِثًا وَلَا ذَا رَحِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطُوهُ الْكُبْرَ» ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ: الْأَكْبَرَ (مِنْ خُزَاعَةَ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَرَادَ سَيِّدَ الْقَوْمِ وَرَئِيسَهُمْ وَهَذَا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ لَا بِطْرِيقِ الْإِرْثِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ غَيْرُهُمْ وَهُوَ أَقْرَبُكُمْ إِلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى وَهَذَا أَيْضًا تَفَضُّلٌ مِنْهُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْرِيثِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ: لِأَبِي دَاوُدَ ( «انْظُرُوا أَكْبَرَ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ» ) أَيْ: فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ. فِي النِّهَايَةِ: يُقَالُ: فُلَانٌ كُبْرُ قَوْمِهِ بِالضَّمِّ إِذَا كَانَ أَبْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ وَهُوَ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَى جَدِّهِ الْأَكْبَرِ بِآبَاءَ أَقَلَّ عَدَدًا مِنْ بَاقِي عَشِيرَتِهِ، وَقَوْلُهُ " أَكْبَرَ رَجُلٍ أَيْ: كَبِيرَهُمْ وَهُوَ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى اه وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَسَنَّ مُطْلَقًا.
3057 -
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ وَأَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ الرَّجُلُ يَرِثُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ قَالَ:«الْإِخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ إِلَخْ» .
ــ
3057 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَإِنَّ) بِكَسْرِ إِنَّ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ ( «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَأَنَّ» ) بِفَتْحِ أَنَّ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَيْ: وَقَضَى بِأَنَّ (أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ) أَيِ: الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنِ الشَّيْءِ وَهُوَ النَّفِيسُ مِنْهُ (يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ) وَهُمُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَأُمَّهَاتٍ شَتَّى، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَعْيَانُ الْقَوْمِ أَشْرَافُهُمْ وَالْأَعْيَانُ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ وَأُمٍّ، وَهَذِهِ الْأُخُوَّةُ تُسَمَّى الْمُعَايَنَةَ، وَذَكَرَ الْأُمَّ هُنَا لِبَيَانِ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ بَنُو الْأَعْيَانِ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ وَهُمْ أَوْلَادُ الرَّجُلِ مِنْ نِسْبَةٍ شَتَّى، سُمِّيَتْ عَلَّاتٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ عَلَّ مِنَ الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ مَا نَهَلَ مِنَ الْأُولَى وَالْمَعْنَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ إِذَا اجْتَمَعُوا مَعَ بَنِي الْعَلَّاتِ فَالْمِيرَاثُ لِبَنِي الْأَعْيَانِ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ وَازْدِوَاجِ الْوَصْلَةِ اهـ. وَإِنْ كَانُوا لِأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَآبَاءٍ شَتَّى فَهُمُ الْأَخْيَافُ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ " إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ " إِخْبَارٌ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ يَعْنِي إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ هَلْ تَدْرُونَ مَعْنَاهَا؟ فَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْأُخُوَّةُ فِيهَا مُطْلَقٌ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا وَقَضَى فِي الْأُخُوَةِ بِالْفَرْقِ. وَقَوْلُهُ " وَأَنَّ أَعْيَانَ " بِالْفَتْحِ عَلَى حَذْفِ الْجَارِ عَطْفٌ عَلَى " بِالدَّيْنِ " بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْمَصَابِيحِ " وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - أَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ، وَقَوْلُهُ ( «الرَّجُلُ يَرِثُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ» ) اسْتِئْنَافٌ كَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصِيَّةِ فَلِمَ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي التَّنْزِيلِ؟ قُلْتُ: اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا - الْكَشَّافَ - لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُشَبَّهَةً بِالْمِيرَاثِ فِي كَوْنِهَا مَأْخُوذَةً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَانَ إِخْرَاجُهَا مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ وَيَتَعَاظَمُ وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ بِهَا كَانَ أَدَاؤُهَا مَظَنَّةً لِلتَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ إِلَى أَدَائِهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ بَعْثًا عَلَى وُجُوبِهَا وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى إِخْرَاجِهَا مَعَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ " أَوْ " لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ قَالَ: الْإِخْوَةُ) أَيِ: الْأَعْيَانُ (مِنَ الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ إِلَى آخِرِهِ) .
3058 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا وَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ. قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: أَعْطِ لِابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
3058 -
(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ وَكَانَ آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَدُفِنَ هُوَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ) أَيِ: الْبِنْتَانِ (ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ) أَيْ: مُصَاحِبًا لَكَ (يَوْمَ أُحُدٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ " مَعَكَ "" بِقُتِلَ " الْكَشَّافَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: 36] " مَعَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصُّحْبَةِ وَاسْتِحْدَاثِهَا كَقَوْلِهِ: خَرَجْتُ مَعَ الْأَمِيرِ يُرِيدُ: مُصَاحِبًا لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمَا السِّجْنَ مُصَاحِبَيْنِ لَهُ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ مَعَهُ بِبَلَغَ لِاقْتِضَائِهَا بُلُوغَهُمَا مَعًا فَهُوَ بَيَانٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] أَيِ: الْحَدَّ الَّذِي يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى السَّعْيِ، قِيلَ مَعَ مَنْ قِيلَ مَعَ أَبِيهِ " وَكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ: فَلَمَّا قِيلَ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قِيلَ مَعَ مَنْ قِيلَ مَعَكَ، وَقَوْلُهُ (شَهِيدًا) تَمْيِيزٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكَّدَةً لِأَنَّ السَّابِقَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ ( «وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا» ) أَيْ: عَلَى طَرِيقِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي حِرْمَانِ النِّسَاءِ مِنَ الْمِيرَاثِ ( «وَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا» ) أَيْ: وَلَمْ يَتْرُكْ عَمُّهُمَا لَهُمَا مَالًا يُنْفَقُ عَلَيْهِمَا أَوْ تُجَهَّزَانِ بِهِ لِلزَّوَاجِ (وَلَا تُنْكَحَانِ) أَيْ: لَا تُزَوَّجَانِ عَادَةً أَوْ غَالِبًا أَوْ مَعَ الْعِزَّةِ ( «إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ. قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ» ) أَيْ: يَحْكُمُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ( «فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ» ) أَيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] وَكَلِمَةُ فَوْقَ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12]( «فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: أَعْطِ لِابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ» ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي ( «وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ» ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12](وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ) أَيْ: بِالْعُصُوبَةِ، وَهَذَا أَوَّلُ مِيرَاثٍ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ رحمه الله: وَاخْتُلِفَ فِي الْبِنْتَيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْوَاحِدَةِ أَيْ لَا حُكْمَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الثُّلُثَيْنِ لِمَا فَوْقَهُمَا. وَقَالَ الْبَاقُونَ: حُكْمُهُمَا حُكْمُ مَا فَوْقَهُمَا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنْ حَظَّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِذَا كَانَ مَعَهُ أُنْثَى وَهُوَ الثُّلُثَانِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ فَرْضَهُمَا الثُّلُثَانِ ثُمَّ لَمَّا أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنْ يُزَادَ النَّصِيبُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ رُدَّ ذَلِكَ الْوَهْمُ بِقَوْلِهِ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْبِنْتَ الْوَاحِدَةَ لَمَّا اسْتَحَقَّتِ الثُّلُثَ مَعَ أَخِيهَا فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَسْتَحِقَّهُ مَعَ أُخْتٍ مِثْلِهَا، وَإِنَّ الْبِنْتَيْنِ أَمَسُّ رَحِمًا مِنَ الْأُخْتَيْنِ، وَقَدْ فَرَضَ لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] اه. وَالْحَدِيثُ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَهُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
3059 -
وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: «سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ. فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي. فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ. فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3059 -
(عَنْ هُزَيْلٍ) تَصْغِيرُ هَزْلٍ بِالزَّايِ ضِدُّ الْجِدِّ (ابْنُ شُرْحَبِيلَ) بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ رَاءٍ وَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَتَرْكِ صَرْفٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ وَقَدْ تُصَحَّفُ بِهُذَيْلٍ بِالذَّالِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْأَزْدِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَعْمَى سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى) أَيِ: الْأَشْعَرِيُّ (عَنِ ابْنَةٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ. فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ) أَيْ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11](لِلْأُخْتِ النِّصْفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وَفِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الْبِنْتَ فَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ هَذَا أَوْ أَرَادَ أَنَّ الْوَلَدَ مُخْتَصٌّ بِالذَّكَرِ أَوْ قَالَ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ عَلَى جِهَةِ التَّعْصِيبِ (وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ) أَيْ: فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي أَوْ لِمَا قِيلَ: عِلْمَانِ خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ (فَسَيُتَابِعُنِي) أَيْ: يُوَافِقُنِي (فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ) أَيْ: عَنِ الْمَسْأَلَةِ (وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى) أَيْ: فِي جَوَابِهَا (فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا) أَيْ: إِنْ وَافَقْتُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أَيْ: حِينَئِذٍ إِلَى صَوَابٍ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَهَذَا مِنْ أَدِلَّةِ جَوَازِ الِاقْتِبَاسِ (أَقْضِي فِيهَا) أَيْ: فِي الْمَسْأَلَةِ (بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ -) أَيْ: فِي مِثْلِهَا (لِلْبِنْتِ النِّصْفُ) أَيْ: لِمَا سَبَقَ (وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي (تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ) بِالْإِضَافَةِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ: لِتَكْمِيلِ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِمَّا مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ لِأَنَّكَ إِذَا أَضَفْتَ السُّدُسَ إِلَى النِّصْفِ فَقَدْ كَمَّلْتَهُ ثُلُثَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكَّدَةً (وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ) أَيْ: لِكَوْنِهَا عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَخَذَتِ الصُّلْبِيَّةُ الْمُوَحَّدَةُ النِّصْفَ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ فَبَقِيَ سُدُسٌ مِنْ حَقِّ الْبَنَاتِ فَتَأْخُذُهُ بَنَاتُ الِابْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ مُتَعَدِّدَةً، وَمَا بَقِيَ مِنَ التَّرِكَةِ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ، فَبَنَاتُ الِابْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ مَعَ الْوَاحِدَةِ مِنَ الصُّلْبِيَّاتِ كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ (فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي) بِتَخْفِيفِ النُّونِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّ لَا نَاهِيَةٌ (مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ) أَيِ: الْعَالِمُ (فِيكُمْ) يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، ذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ إِلَى تَعْصِيبِ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً» ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَعْصِيبَ لَهُنَّ مَعَ الْبَنَاتِ، وَحَكَمَ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَتْ بِنْتٌ وَأُخْتٌ بِأَنَّ النِّصْفَ لِلْبِنْتِ وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: لِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ. فَغَضِبَ وَقَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ؟ يُرِيدُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فَقَدْ جَعَلَ الْوَلَدَ حَاجِبًا لِلْأُخْتِ وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا هُوَ الذَّكَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] أَيِ: ابْنٌ بِالِاتِّفَاقِ ; لِأَنَّ الْأَخَ يَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ هُزَيْلٍ فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةً (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
3060 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ قَالَ: لَكَ السُّدُسُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ: لَكَ سُدُسٌ آخَرُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ: إِنَّ السُّدُسَ الْآخَرَ طُعْمَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ــ
3060 -
(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَسَلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّحَابَةِ (قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ» ) أَيْ: وَلَهُ بِنْتَانِ وَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ (قَالَ: لَكَ السُّدُسُ) أَيْ: بِالْفَرْضِيَّةِ ( «فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ: لَكَ سُدُسٌ آخَرُ» ) أَيْ: بِالْعُصُوبَةِ
(فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ: إِنَّ السُّدُسَ الْآخِرَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْآخِرُ بِالْكَسْرِ (طُعْمَةٌ) أَيْ: لَكَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ يَعْنِي رِزْقٌ لَكَ بِسَبَبِ عَدَمِ كَثْرَةِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ لَكَ فَإِنَّهُمْ إِنْ كَثُرُوا لَمْ يَبْقَ هَذَا السُّدُسُ الْأَخِيرُ لَكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ بِنْتَيْنِ وَهَذَا السَّائِلَ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَدَفَعَ عليه الصلاة والسلام إِلَى السَّائِلِ سُدُسًا بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ جَدُّ الْمَيِّتِ، وَتَرَكَهُ حَتَّى ذَهَبَ فَدَعَاهُ وَدَفَعَ إِلَيْهِ السُّدُسَ الْأَخِيرَ كَيْلَا يَظُنَّ أَنَّ فَرْضَهُ الثُّلُثُ وَمَعْنَى الطُّعْمَةِ هُنَا التَّعْصِيبُ أَيْ: رِزْقٌ لَكَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي السُّدُسِ الْأَخِيرِ طُعْمَةً دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ، وَالْفَرْضُ لَا يَتَغَيَّرُ بِخِلَافِ التَّعْصِيبِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ التَّعْصِيبُ شَيْئًا مُسْتَقِرًّا ثَابِتًا سَمَّاهُ طُعْمَةً (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
3061 -
وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: «جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا. فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكُ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا. قَالَ: هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3061 -
(عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ ذُؤَيْبٍ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهُ وَاوًا تَصْغِيرُ الذِّئْبِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: خُزَاعِيٌّ وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ وَقَالَ إِنَّهُ أُتِيَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا لَهُ فَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَفِقْهٍ، وَكَانَ يُعَدُّ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةً سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ جَعَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرُهُ لَمْ يُثْبِتْهُ فِي الصَّحَابَةِ بَلْ جَعَلَهُ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ التَّابِعِينَ الشَّامِيِّينَ (قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ) أَيْ: أُمُّ الْأُمِّ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ: أَعْطِنِي مِيرَاثَ وَلَدِ ابْنَتِي (فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ: فِي كَلَامِهِ (شَيْءٌ وَمَا لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فِي حَدِيثِهِ (شَيْءٌ) أَيْ: فِيمَا أَعْلَمُ ( «فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ» ) أَيِ: الْعُلَمَاءَ مِنَ الصَّحَابَةِ (عَنْ ذَلِكَ) فَإِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ (فَسَأَلَ) أَيِ: النَّاسَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: اصْبِرِي حَتَّى أُشَاوِرَ أَصْحَابِي فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا وَلَمْ أَسْمَعْ فِيكِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، ثُمَّ سَأَلَهُمْ (فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟) أَيِ: احْتِيَاطِيًّا (فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا) أَيْ: فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بِالسُّدُسِ لِلْجَدَّةِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا (أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى) أَيْ: لِهَذَا الْمَيِّتِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إِذَا كَانَتِ الْأُولَى مِنَ الْأُمِّ وَبِالْعَكْسِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَفِي رِوَايَةِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ: ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّ الْأَبِ (إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ: هُوَ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ عَلَى خِطَابِ الْعَامِ (السُّدُسُ) صِفَةُ ذَلِكَ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ أَيْ: مِيرَاثُكِ ذَلِكَ السُّدُسُ بِعَيْنِهِ تُقْسِمَانِهِ بَيْنَكُمَا (فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا وَتَوْضِيحٌ لِمَنْطُوقِ مَا فُهِمَ مَفْهُومًا وَالْخِطَابُ لِلْجَدَّةِ مِنْ طَرَفِ الْأَبِ وَالْجَدَّةِ مِنْ طَرَفِ الْأُمِّ (فَهُوَ بَيْنُكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ) أَيِ: انْفَرَدَتْ بِالسُّدُسِ (فَهُوَ لَهَا) وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا إِلَخْ، بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَةِ، وَالْخِطَابُ فِي فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا وَأَيَّتُكُمَا لِلْجِنْسِ لَا يَخْتَصُّ بِهَاتَيْنِ الْجَدَّتَيْنِ، فَالصِّدِّيقُ إِنَّمَا حَكَمَ بِالسُّدُسِ لَهَا لِأَنَّهُ مَا وَقَفَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَالْفَارُوقُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ حَكَمَ بِالِاشْتِرَاكِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ أُمَّ الْأَبِ جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَقَالَتْ: أَنَا أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ أُمِّ الْأُمِّ إِذْ لَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا وَلَدُ وَلَدِهَا، وَلَوْ مِتُّ وَرِثَنِي وَلَدُ وَلَدِي. فَقَالَ: هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ إِلَخْ، وَقَوْلُهُ " وَلَدُ وَلَدِهَا " أَيِ: ابْنَتُهَا بِالْفَرْضِيَّةِ وَالتَّعْصِيبِ، فَقَدْ أَجْمَعَ الشَّيْخَانِ عَلَى أَنَّ الْجَدَّاتِ الصَّحِيحَاتِ الْمُتَحَاذِيَاتِ يَتَشَارَكْنَ فِي السُّدُسِ بِالسَّوِيَّةِ. وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِلَى أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ تَقُومُ مَقَامَ الْأُمِّ مَعَ عَدَمِهَا فَتَأْخُذُ الثُّلُثَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا إِخْوَةٌ، وَالسُّدُسَ إِذَا كَانَ لَهُ أَحَدُهُمَا.
3062 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «فِي الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا أَنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ ابْنِهَا، وَابْنُهَا حَيٌّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ ضَعَّفَهُ.
ــ
3062 -
(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ: مَوْقُوفًا (قَالَ فِي الْجِدَّةِ مَعَ ابْنِهَا أَنَّهَا) بِكَسْرِ أَوَّلِهَا (أَوَّلُ جِدَّةٍ أَطْعَمَهَا) أَيْ: أَعْطَاهَا تَبَرُّعًا (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُدُسًا مَعَ ابْنِهَا) أَيْ: مَعَ وُجُودِهِ (وَابْنُهَا حَيٌّ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ " أَنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ " مَقُولُ الْقَوْلِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْجَدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَدَّةِ مَعَ الِابْنِ هَذَا الْقَوْلَ. قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّ أَبِي الْمَيِّتِ سُدُسًا مَعَ وُجُودِ أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا مَعَهُ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودِ: الْجَدَّاتُ لَيْسَ لَهُنَّ مِيرَاثٌ إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أُطْعِمَتْهَا أَقْرَبُهُنَّ وَأَبْعَدُهُنَّ سَوَاءٌ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا أَعْطَاهَا تَفَضُّلًا عَلَيْهَا لَا بِطْرِيقِ الْمِيرَاثِ، وَمَذْهَبُهُ عَدَمُ تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ كَانَ مَعَهُمَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَيِّتِ أَمْ لَا. وَفِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلسَّيِّدِ: وَتَسْقُطُ الْجَدَّةُ بِالْأَبِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم وَغَيْرِهِمْ، وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ، وَاخْتَارَهُ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ رضي الله عنهم لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَى أُمَّ الْأَبِ السُّدُسَ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ، وَأُوِّلَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو ذَلِكَ الْمَيِّتِ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ ضَعَّفَهُ) .
3063 -
وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ وَرِّثِ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضُّبَانِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ــ
3063 -
(وَعَنِ الضَّحَّاكِ) بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سُفْيَانَ) بِالتَّثْلِيثِ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ بِشَجَاعَتِهِ يُعَدُّ بِمِائَةِ فَارِسٍ وَكَانَ يَقُومُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالسَّيْفِ، وَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مَنْ قَوْمِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ تَفْسِيرِيَّةٌ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ (وَرِّثْ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: أَعْطِ الْمِيرَاثَ (امْرَأَةَ أَشْيَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَسُكُونِ شِينٍ مُعْجَمَةٍ، بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَكَانَ قُتِلَ خَطَأً (الضِّبَابِيِّ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى مَنْسُوبٌ إِلَى ضِبَابٍ قَلْعَةٍ بِالْكُوفَةِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ (مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ أَوَّلًا ثُمَّ تَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ وَلَا الزَّوْجَ وَلَا الْمَرْأَةَ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
3064 -
وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا السُّنَةُ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3064 -
(وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ الدَّارِيُّ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ وَرُبَّمَا رَدَّدَ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا إِلَى الصَّبَاحِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ نَامَ لَيْلَةً لَمْ يَقُمْ بِتَهَجُّدٍ فِيهَا حَتَّى أَصْبَحَ فَقَامَ سَنَةً لَمْ يَنْمِ فِيهَا عُقُوبَةً لِلَّذِي صَنَعَ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ السِّرَاجَ فِي الْمَسْجِدِ، رَوَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِصَّةَ الدَّجَّالِ وَالْجَسَّاسَةِ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ ( «قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا السُّنَةُ فِي الرَّجُلِ» ) أَيْ مَا حَكْمُ الشَّرْعُ فِي شَأْنِ الرَّجُلِ (مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ) أَيِ: الْكُفْرِ ( «يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ) أَيْ أَيْصِيرُ مَوْلًى لَهُ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ: هُوَ) أَيِ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهِ وَمَمَاتِهِ) أَيْ بِمَنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ يَعْنِي يَصِيرُ مَوْلًى لَهُ. قَالَ الْمُظْهِرُ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ رحمهم الله لَا يَصِيرُ مَوْلًى، وَيَصِيرُ مَوْلًى عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ ; لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ; قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام " «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» "، وَحَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي بِدْءِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام " «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» " يَعْنِي بِالنُّصْرَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَبِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً اه. وَجَعْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ مِنْ أَتْبَاعِ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ وَعَجِيبٌ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .
3065 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلَّا غُلَامًا كَانَ أَعْتَقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلْ لَهُ أَحَدٌ؟ قَالُوا: " لَا " إِلَّا غُلَامٌ لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَهُ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3065 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا يَرِثُهُ (إِلَّا غُلَامًا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ تَرَكَ عَبْدًا (أَعْتَقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلْ لَهُ أَحَدٌ) أَيْ يَرِثُهُ ( «قَالُوا لَا إِلَّا غُلَامٌ لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَهُ لَهُ» ) أَيْ لِلْغُلَامِ وَهَذَا الْجَعْلُ مِثْلُ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةٍ رضي الله عنها «أَعْطَوْا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: قَالَ شُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ: يَرِثُ الْعَتِيقَ مِنَ الْمُعْتِقِ كَمَا يَرِثُ الْمُعْتِقُ مِنَ الْعَتِيقِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ الدَّارِمِيُّ فِي الشَّرْحِ.
3066 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «يَرِثُ الْوَلَاءَ مَنْ يَرِثُ الْمَالَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
ــ
3066 -
(وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) أَيِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَرِثُ الْوَلَاءَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ: مَالَ الْعَتِيقِ (مَنْ يَرِثُ الْمَالَ) أَيْ مِنَ الْعَصَبَاتِ الذُّكُورِ وَالْمُرَادُ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا مَخْصُوصٌ أَيْ يَرِثُ الْوَلَاءَ كُلُّ عَصَبَةٍ يَرِثُ مَالَ الْمَيِّتِ، وَالْمَرْأَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَرِثُ إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ بَلِ الْعَصَبَةُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِالْوَلَاءِ إِلَّا إِذَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ عَتِيقُهُنَ أَحَدًا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ.