الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
2895 -
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» . " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ". وَرَزِينٌ فِي كِتَابِهِ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
2895 -
(عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ» ) : أَضَافَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْمُحْتَكِرِ إِيذَانًا بِأَنَّهُ قُوتُهُمْ وَمَا بِهِ مَعَاشُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَضَافَ الْأَمْوَالَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُقِيمُ بِهِ النَّاسُ مَعَايِشَهُمْ (ضَرَبَهُ اللَّهُ) : أَيْ: أَلْصَقَهُ وَأَلْزَمَهُ (بِالْجُذَامِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ: بِعَذَابِ الْجُذَامِ وَهُوَ تَشَقُّقُ الْجِلْدِ وَتَقَطُّعُ اللَّحْمِ وَتَسَاقُطُهُ (وَالْإِفْلَاسُ) : فِيهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَدْنَى مَضَرَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ ابْتَلَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُمْ أَصَابَهُ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَيْرًا (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) : أَيْ: فِي سُنَنِهِ (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَرَزِينٌ فِي كِتَابِهِ) : وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ.
2896 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُرِيدُ بِهِ الْغَلَاءَ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» ". رَوَاهُ رَزِينٌ.
ــ
2896 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا) : لَمْ يُرِدْ بِأَرْبَعِينَ التَّوْقِيتَ وَالتَّحْدِيدَ ; بَلِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَ الِاحْتِكَارَ حِرْفَتَهُ وَيُرِيدَ بِهِ نَفْعَ نَفْسِهِ وَضَرَّ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (يُرِيدُ بِهِ الْغَلَاءَ) : لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَتَمَرَّنُ فِيهِ الْمَرْءُ فِي حِرْفَتِهِ هَذِهِ الْمُدَّةُ، وَقَوْلُهُ (فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ) : أَيْ: نَقَضَ مِيثَاقَ اللَّهِ وَعَهْدَهُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ بَرَاءَتَهُ عَلَى بَرَاءَةِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ إِيفَاءَ عَهْدِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى إِيفَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَهْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] وَهَذَا تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ وَتَهْدِيدٌ جَسِيمٌ فِي الِاحْتِكَارِ. (رَوَاهُ رَزِينٌ) : وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:" «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغَلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ".
2897 -
وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «بِئْسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ: إِنْ أَرْخَصَ اللَّهُ الْأَسْعَارَ حَزِنَ، وَإِنْ أَغْلَاهَا فَرِحَ» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ". وَرَزِينٌ فِي كِتَابِهِ.
ــ
2897 -
(وَعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «بِئْسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ» ") : أَيْ: فِي حَالَيْهِ (إِنْ أَرْخَصَ اللَّهُ الْأَسْعَارَ حَزِنَ) : بِكَسْرِ الزَّايِ لَازِمٌ وَبِفَتْحِهَا مُتَعَدٍّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ (وَإِنْ أَغْلَاهَا) : أَيِ: اللَّهُ (فَرِحَ) : رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَرَزِينٌ فِي كِتَابِهِ.
2898 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَصَدَّقَ بِهِ ; لَمْ يَكُنْ لَهُ كَفَّارَةً» ". رَوَاهُ رَزِينٌ.
ــ
2898 -
(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَصَدَّقَ» ") : أَيْ: بِذَلِكَ الطَّعَامِ يَعْنِي فَرْضًا وَتَقْدِيرًا أَوْ بِمِقْدَارِهِ (لَمْ يَكُنْ) : أَيِ: التَّصَدُّقُ (لَهُ) : أَيْ لِذَنْبِهِ (كَفَّارَةً) : بِالنَّصْبِ خَبَرٌ وَلَهُ ظَرْفٌ لَغْوٌ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ " كَانَ " نَاقِصَةٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله:" الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الطَّعَامِ، وَالطَّعَامُ الْمُحْتَكَرُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُقَدَّرَ الْإِرَادَةُ فَيُفِيدُ مُبَالَغَةً، فَإِنَّ مَنْ نَوَى الِاحْتِكَارَ هَذَا شَأْنُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ فَعَلَهُ؟ "(رَوَاهُ رَزِينٌ) : وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ مُعَاذٍ بِلَفْظِ: " «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ» ".
[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]
(بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
2899 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ)
فِي النِّهَايَةِ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ أَوْ مَعْنَاهُ صَارَتْ دَرَاهِمُهُ فُلُوسًا، وَقِيلَ: صَارَ إِلَى حَالٍ يُقَالُ لَيْسَ مَعَهُ فَلْسٌ، وَالْإِنْظَارُ التَّأْخِيرُ وَالْإِمْهَالُ.
2899 -
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ) : أَيْ: لَقِيَ (رَجُلٌ) : أَيْ: عِنْدَ الْمُفْلِسِ (مَالَهُ بِعَيْنِهِ) : أَيْ: بِذَاتِهِ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا لَكَ حِسًّا أَوْ مَعْنًى بِالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلِ الْهِبَةِ وَالْوَقْفِ (فَهُوَ) : أَيِ: الرَّجُلُ (أَحَقُّ بِهِ) : أَيْ: بِمَالِهِ (مِنْ غَيْرِهِ) : أَيْ: مِنَ الْغُرَمَاءِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَالْأَخْذُ، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ، فَحَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَى الْعَقْدِ بِالْخِيَارِ، أَيْ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَظَهَرَ لَهُ فِي مُدَّتِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُفْلِسٌ، فَالْأَنْسَبُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْفَسْخَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَوَجَدَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَأَفْلَسَ بِالْبَاقِي أَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ. قَضَى بِهِ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
2900 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَّدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: " خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2900 -
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أُصِيبَ) : أَيْ: بِآفَةٍ (رَجُلٌ) : قَالَ الْأَكْمَلُ: هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ (فِي عَهْدِ النَّبِيِّ) : أَيْ: فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم (فِي ثِمَارٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِأُصِيبَ (ابْتَاعَهَا) : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَحِقَهُ خُسْرَانٌ بِسَبَبِ إِصَابَةِ آفَةٍ فِي ثِمَارٍ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا (فَكَثُرَ دَيْنُهُ) : بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، أَيْ: فَطَالَبَهُ الْبَائِعُ بِثَمَنِ تِلْكَ الثَّمَرَةِ، وَكَذَا طَالَبَهُ بَقِيَّةُ غُرَمَائِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّيهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم : أَيْ: لِأَصْحَابِهِ أَوْ لِقَوْمِ الرَّجُلِ (تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ) : أَيْ: فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (فَتَصَّدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ) : أَيْ: مَا تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ (وَفَاءَ دَيْنِهِ) : أَيْ: لِكَثْرَتِهِ ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ» ) : أَيْ: بِالتَّوْزِيعِ عَلَى السَّوِيَّةِ (وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ) : أَيْ: مَا وَجَدْتُمْ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا أَخْذُ مَا وَجَدْتُمْ وَالْإِمْهَالُ بِمُطَالَبَةِ الْبَاقِي إِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: " أَيْ لَيْسَ لَكُمْ زَجْرُهُ وَحَبْسُهُ ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ إِفْلَاسُهُ. وَإِذَا ثَبَتَ إِفْلَاسُ الرَّجُلِ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ بَلْ يُخْلَى وَيُمْهَلُ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَالٌ فَيَأْخُذَهُ الْغُرَمَاءُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا مَا وَجَدْتُمْ وَبَطَلَ مَا بَقِيَ مِنْ دُيُونِكُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
2901 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا تَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2901 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ» ) : أَيْ: يُعَامِلُهُمْ بِالدَّيْنِ أَوْ يُعْطِيهِمْ دَيْنًا (فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ) : أَيْ: لِخَادِمِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ:" أَيْ لِغُلَامِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. "(إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا) : أَيْ: فَقِيرًا (تَجَاوَزْ عَنْهُ) : أَيْ: سَامِحْ فِي الِاقْتِضَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَقَبُولِ مَا فِيهِ نَقْصٌ يَسِيرٌ (لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " لَعَلَّ هُنَا بِمَعْنَى عَسَى، وَلِذَلِكَ أَتَى بِأَنْ أَيْ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ، بَلْ يَتَجَاوَزُ (قَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَلَقِيَ) : أَيِ: الرَّجُلُ (اللَّهَ) : أَيْ مَاتَ (جَاوَزَ) : أَيْ: عَفَا (عَنْهُ) : فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ: أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، ثُمَّ قَالَ: فَتَجَاوَزَ عَنْهُ؟ قُلْتُ: أَرَادَ الْقَائِلُ نَفْسَهُ وَلَكِنْ جَمَعَ الضَّمِيرِ إِرَادَةَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَمَّنْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ لِيَدْخُلَ فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَلِذَلِكَ اسْتُحِبَّ لِلدَّاعِي أَنْ يَعُمَّ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَخُصَّ نَفْسَهُ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِمْ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: " فِي الْحَدِيثِ فَضْلُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَالْوَضْعِ عَنْهُ إِمَّا كُلُّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضُهُ وَفَضْلُ الْمُسَامِحَةِ فِي الِاقْتِضَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ سَوَاءٌ عَنِ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ وَلَا يُحْتَقَرُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ فَلَعَلَّهُ سَبَبُ السَّعَادَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْعَبِيدِ وَالْإِذْنِ لَهُمْ فِي التَّصَرُّفِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا اهـ كَلَامُهُ، وَأَقُولُ: لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا ; لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحْسَنَهُ الشَّارِعُ وَقَرَّرَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ " (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.
2902 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2902 -
(عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ) : أَيْ: أَحَبَّهُ وَأَعْجَبَهُ (أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ يُخَلِّصَهُ (مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) : بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ الْكُرْبَةِ وَهِيَ الْمِحْنَةُ الشَّدِيدَةُ وَالْمَشَقَّةُ الْأَكِيدَةُ (فَلْيُنَفِّسْ) : بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ فَلْيُؤَخِّرْ مُطَالَبَتَهُ (عَنْ مُعْسِرٍ) : أَيْ: إِلَى مُدَّةٍ يَجِدُ مَالًا فِيهَا (أَوْ يَضَعْ) : بِالْجَزْمِ أَيْ يَحُطَّ وَيَتْرُكْ عَنْهُ أَيْ عَنِ الْمُعْسِرِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ.
فَائِدَةٌ: الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنَ النَّفْلِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً إِلَّا فِي مَسَائِلَ، الْأُولَى: إِبْرَاءُ الْمُعْسِرِ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ إِنْظَارِهِ الْوَاجِبِ. الثَّانِيَةُ: ابْتِدَاءُ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ جَوَابِهِ. الثَّالِثَةُ: قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ أَفْضَلُ مِنَ الْوُضُوءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ فَرْضٌ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
2903 -
وَعَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ ; أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2903 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا» ) : أَيْ: أَمْهَلَ مَدْيُونًا فَقِيرًا (أَوْ وَضَعَ عَنْهُ) : أَيْ: قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. ( «أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
2904 -
وَعَنْ أَبِي الْيَسَرِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2904 -
(وَعَنْ أَبِي الْيَسَرِ) : بِفَتْحَتَيْنِ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» ) : أَيْ: وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَرِّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ أَوْ أَوْقَفَهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:" الْمُرَادُ مِنْهُ الْكَرَامَةُ وَالْحِمَايَةُ عَنْ مَكَارِهِ الْمَوْقِفِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَيْ كَنَفِهِ وَرِعَايَتِهِ. "(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ عَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ( «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ) .
2905 -
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: " «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ. فَقُلْتُ: لَا أَجِدُ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2905 -
(عَنْ أَبِي رَافِعٍ) : أَيْ: مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ: اسْتَقْرَضَ (بَكْرًا) : بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ كَافٍ فَتًى مِنَ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْغُلَامِ مِنَ الْإِنْسَانِ (فَجَاءَتْهُ) : أَيِ: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ) : أَيْ: قِطْعَةُ إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ (قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقُلْتُ: لَا أَجِدُ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا) : يُقَالُ جَمَلٌ خِيَارٌ وَنَاقَةٌ خِيَارَةٌ أَيْ مُخْتَارَةٌ (رَبَاعِيًا) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ، وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَى عَلَيْهِ سِتُّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ حِينَ طَلَعَتْ رَبَاعِيَتُهُ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» ) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ جَوَازُ اسْتِسْلَافِ الْإِمَامِ لِلْفُقَرَاءِ إِذَا رَأَى بِهِمْ خَلَّةً وَحَاجَةً ثُمَّ يُؤَدِّيهِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ إِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَلَ إِلَى الْمَسَاكِنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا يَرُدُّ مِثْلَ مَا اقْتَرَضَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ مِنْ ذَاتِ الْقِيَمِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَدِّ الْمِثْلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا فَرَدَّ أَحْسَنَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِ كَانَ مُحْسِنًا وَيَحِلُّ ذَلِكَ لِلْمُقْرِضِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: يَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ زَادَ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْعَدَدِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْعَدَدِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَحُجَّةُ أَصْحَابِنَا عُمُومُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "«فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» "، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَدَّ الْأَجْوَدِ فِي الْقَرْضِ أَوْ فِي الدَّيْنِ سُنَّةٌ وَمَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً ; لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْقَرْضِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَجْوَدَ مِنَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْغَرِيمُ مَعَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي الصَّدَقَاتِ لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُ مِنْهَا؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَى فِي الْقَضَاءِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ بَعِيرًا وَأَدَّاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ " اشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ " وَقِيلَ: إِنَّ الْمُقْتَرِضَ كَانَ بَعْضَ الْمُحْتَاجِينَ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ حِينَ جَاءَتْ وَأَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ، قَالَ: وَفِيهِ جَوَازُ إِقْرَاضِ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ، إِلَّا الْجَارِيَةَ لِمَنْ يَمْلِكُ وَطْأَهَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ تَرِدُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى النَّسْخِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، قَالَ أَكْمَلُ الدِّينِ: قِيلَ فِيهِ جَوَازُ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَدَاءً بِقِيمَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ الْبَعِيرَ إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَرْضًا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ بِلَفْظِ " «خَيْرُ النَّاسِ خَيْرُهُمْ قَضَاءً» ".
2906 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: " دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، قَالُوا: لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ. قَالَ: " اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2906 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ بَعِيرًا أَوْ قِيمَتَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ: تَقَاضَى أَيْ طَالَبَهُ بِهِ وَأَرَادَ قَضَاءَ دَيْنِهِ. اهـ وَلَعَلَّهُ وَقَعَ التَّعَلُّلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَوْجَدْ مِثْلُهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ثَمَنُهُ (فَأَغْلَظَ) : أَيْ عَنَّفَ الرَّجُلُ (فِي الْقَوْلِ لَهُ) : صلى الله عليه وسلم، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: الْإِغْلَاظُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي الْمُطَالَبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَدْحٌ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ كَافِرًا مِنَ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ، قَالَ الْأَكْمَلُ: قِيلَ وَلَعَلَّ هَذَا الْتَقَاضِيَ كَانَ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ أَوْ مِمَّنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ (فَهَّمَ أَصْحَابُهُ) : أَيْ: قَصَدُوا أَنْ يَزْجُرُوهُ وَيُؤْذُوهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوا تَأَدُّبًا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ: دَعُوهُ) : أَيِ: اتْرُكُوهُ وَلَا تَزْجُرُوهُ (فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الدَّيْنُ ; أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ حَقٌّ فَمَاطَلَهُ، فَلَهُ أَنْ يَشْكُوَهُ وَيَرْفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ وَيُعَاتِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَقَالِ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ تَشْدِيدِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالْقَوْلِ يَعْنِي بِأَنْ يُطْلِقَ عَلَيْهِ لِسَانَهُ وَيَنْسُبَهُ إِلَى الظُّلْمِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، إِذَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْمُمَاطَلَةَ وَالمُدَافَعَةَ مِنْ غَيْرِ مُلَاطِفَةٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا قَدْ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - وَمَبْنِيٌّ هَذَا عَلَى حَدِيثِهِ صلى الله عليه وسلم:" مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ "، وَلَعَلَّهُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} [النساء: 148](وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ قَالُوا: لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ) لِأَنَّ بَعِيرَهُ كَانَ صَغِيرًا حَقِيرًا وَالْمَوْجُودُ كَانَ رَبَاعِيًا خِيَارًا (قَالَ: اشْتَرُوهُ) : أَيْ: وَلَوْ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ سِنِّهِ (فَأَعْطُوهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، والْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ عَبْدُ الْغَنِيِّ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَجَلُّ أَحْبَارِ الْيَهُودِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا أَنَّهُ قَالَ:«لَمْ يَبْقَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ وَجَهْلَهُ، فَابْتَعْتُ مِنْهُ تَمْرًا إِلَى أَجَلٍ فَأَعْطَيْتُهُ التَّمْرَ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ ثُمَّ قُلْتُ: أَلَا تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبُ مُطْلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَسْمَعُ، فَوَاللَّهِ لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ ثُمَّ قَالَ: أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مَكَانَ مَا رُمْتَهُ، فَفَعَلَ فَقُلْتُ: يَا عُمَرُ كُلُّ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا ; يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ إِلَّا حِلْمًا فَقَدِ اخْتَبَرَتْهُمَا، فَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا» .
وَقَدْ وَقَعَ أَغْرَبُ مِنْ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَنِهَايَةِ صَبْرِهِ وَحِلْمِهِ عَلَى الْأَذَى فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْ جَفَاءِ مَنْ يُرِيدُ تَأَلُّفَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمَالِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ بِرِدَائِهِ جَذْبَةً. قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِهِ وَقَدْ أَثَّرَتْ فِيهِ حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا ثُمَّ قَامَ فَقُمْنَا حِينَ قَامَ فَنَظَرْنَا إِلَى أَعْرَابِيٍّ قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَذَبَهُ بِرِدَائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ وَكَانَ رِدَاءً خَشِينًا فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: احْمِلْنِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُنِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا " وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ " لَا " وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ " لَا " لَا أَحْمِلُكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِنْ جَذْبَتِكَ الَّتِي جَذَبْتَنِي، فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا أَقِيدُكَهَا. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَجُلًا فَقَالَ لَهُ: احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا، أَوْ عَلَى الْآخَرِ شَعِيرًا» . وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الشِّفَاءِ أَنَّهُ جَذَبَهُ بِإِزَارِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ.
2907 -
وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2907 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَطْلُ الْغَنِيِّ) : أَيْ: تَأْخِيرُهُ أَدَاءَ الدَّيْنِ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ (ظُلْمٌ) : فَإِنَّ الْمَطْلَ مَنْعُ أَدَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ وَهُوَ حَرَامٌ مِنَ الْمُتَمَكِّنِ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الْإِمْكَانِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قِيلَ يَفْسُقُ بِمَرَّةٍ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقِيلَ إِذَا تَكَرَّرَ وَهُوَ الْأَوْلَى (فَإِذَا أُتْبِعَ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ الْقَطْعِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَمْزَةِ وَصْلِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمَضْمُومَةِ، أَيْ جُعِلَ تَابِعًا لِلْغَيْرِ بِطَلَبِ الْحَقِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا أُحِيلَ (أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ فَهَمْزٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِدْغَامِ، أَيْ غَنِيٍّ. فِي النِّهَايَةِ: الْمَلِيءُ بِالْهَمْزَةِ: الثِّقَةُ الْغَنِيُّ وَقَدْ أُولِعَ النَّاسُ فِيهِ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَلْيَتْبَعْ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ فَلْيَحْتَلْ يَعْنِي فَلْيَقْبَلِ الْحَوَالَةَ يُقَالُ: أُتْبِعَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُحِيلَ عَلَيْهِ وَاتَّبَعَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ أَيْ مَشَى خَلْفَ أَحَدٍ وَاقْتَدَى بِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: أَتْبَعْتُ زَيْدًا عَمْرًا فَتَبِعَهُ جَعَلْتُهُ تَابِعًا وَحَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْكَانُ الْمُثَنَّاةِ فِي أُتْبِعَ، وَفِي فَلْيُتْبِعْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِثْلَ إِذَا عُلِمَ فَلْيُعْلِمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا أُتْبِعَ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا فَلْيُتْبِعْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بِالسُّكُونِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالتَّشْدِيدِ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ بِالسُّكُونِ فِيهِمَا، وَخَطَّأَ الْخَطَّابِيُّ التَّشْدِيدَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَقِيلَ: لِلْإِبَاحَةِ، وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
2908 -
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: " يَا كَعْبُ " قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ " قُمْ فَاقْضِهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2908 -
(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ فَسُكُونٍ (دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ) : أَيْ طَلَبَ كَعْبٌ قَضَاءَ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ فِي زَمَانِهِ (فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا) : جَمْعِيَّةُ الْأَصْوَاتِ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا كَمَا يُتَوَهَّمُ إِذِ الْمَعْنَى أَصْوَاتُ كَلِمَاتِهِمَا وَأَقْوَالِهِمَا (حَتَّى سَمِعَهَا) : أَيْ أَصْوَاتَهُمَا (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَحَتَّى غَايَةُ الِارْتِفَاعِ. وَهُوَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فِي بَيْتِهِ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِمَا وَمُقْبِلًا عَلَيْهِمَا (حَتَّى كَشَفَ) : أَيْ: إِلَى أَنْ رَفَعَ (سِجْفَ حُجْرَتِهِ) : أَيْ سُتْرَتَهَا، وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الْجِيمِ لُغَتَانِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; وَهُوَ السِّتْرُ وَقِيلَ أَحَدُ طَرَفَيِ السِّتْرِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: السِّجْفُ الْبَابُ وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى سِجْفًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْقُوقَ الْوَسَطِ كَالْمِصْرَاعَيْنِ (وَنَادَى) : أَيْ رَسُولُ اللَّهِ (كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: يَا كَعْبُ) : اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ النِّدَاءِ (قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) : وَالْمَقْصُودُ مِنَ النِّدَاءِ التَّوَجُّهُ لِقَبُولِ الْخِطَابِ (فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ) : أَيْ أَبْرِئْهُ النِّصْفَ (مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ) : أَيِ امْتَثَلْتُ أَمْرَكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) : فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ (قَالَ) : النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ (قُمْ فَاقْضِهِ) : أَيِ الشَّطْرَ الثَّانِي وَفِي نُسْخَةٍ بِهَاءِ السَّكْتِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْحَطُّ وَالتَّأْجِيلُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَحُسْنُ التَّوَسُّطِ بَيْنَهُمْ، وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَجَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْقَوْلِ ; لِقَوْلِهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ، (فَإِنْ) فِي الْحَدِيثِ مُفَسِّرَةٌ لِأَنَّ فِي الْإِشَارَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
2909 -
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا. فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ. فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ. قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ". قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
2909 -
(وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا) : أَيْ: جَالِسِينَ أَوْ ذَوِي جُلُوسٍ (عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا (فَقَالُوا) : أَيْ: أَوْلِيَاؤُهَا أَوْ أَصْحَابُهُ (صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟) : أَيْ حَقٌّ مَالِيٌّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ (فَقَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْجِنَازَةِ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِ ( «ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: " هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا» ) : وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَلْهَمَهُ بِأَنَّ مَا تَرَكَهُ يَفِي دَيْنَهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السُّؤَالِ أَنَّهُ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا يَفِي بِدَيْنِهِ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَجَابُوا بِنِعَمْ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمِقْدَارِ الْمَسْطُورِ أَزْيَدَ مِنَ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ نَوْعًا مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ (ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِتْيَانُ الْجِنَازَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيَّامٍ وَمَجَالِسَ وَجَمَعَهَا الرَّاوِي فِي الرِّوَايَةِ لِتَبْيِينِ الدِّرَايَةِ (فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟) : أَيْ: يَفِي بِدَيْنِهِ (قَالُوا: لَا) : يُحْتَمَلُ احْتِمَالَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أَصْلًا، أَوْ تَرَكَ شَيْئًا لَكِنَّهُ غَيْرُ وَافٍ. (قَالَ: صَلُّوا) : أَيْ: أَنْتُمْ (عَلَى صَاحِبِكُمْ) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله، وَغَيْرُهَ: " وَامْتِنَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ الَّذِي لَمْ يَدَعْ وَفَاءً ; إِمَّا لِلتَّحْذِيرِ عَنِ الدَّيْنِ، وَالزَّجْرِ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ، وَالتَّقْصِيرِ فِي الْأَدَاءِ، أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يُوقَفَ دُعَاؤُهُ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَمَظَالِمِهِمْ.
(قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ عَلَى الْمَيِّتِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:" يَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَبِالِاتِّفَاقِ لَوْ ضَمِنَ عَنْ حُرٍّ مُعْسِرٍ دَيْنًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يُنَافِ مَوْتُ الْمُعْسِرِ دَوَامَ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَهُ "، قَالَ الطِّيبِيُّ:" وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ "، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: " تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ رحمهم الله فِي أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ كِفَايَةٌ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ السَّاقِطِ بَاطِلَةٌ، وَالْحَدِيثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ، فَإِنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِي الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ، وَلَا عُمُومَ لِحِكَايَةِ الْفِعْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا لَا كَفَالَةَ، وَكَانَ امْتِنَاعُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ لَهُ طَرِيقُ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَلَمَّا ظَهَرَ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
2910 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
2910 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا» ) : أَيْ: مَنِ اسْتَقْرَضَ احْتِيَاجًا وَهُوَ يَقْصِدُ أَدَاءَهُ وَيَجْتَهِدُ فِيهِ (أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ) : أَيْ: أَعَانَهُ عَلَى أَدَائِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ أَرْضَى خِصْمَهُ فِي الْعُقْبَى (وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا) : أَيْ: وَمَنِ اسْتَقْرَضَ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ وَلَمْ يَقْصِدْ أَدَاءَهُ (أَتْلَفَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) : أَيْ: لَمْ يُعِنْهُ وَلَمْ يُوَسِّعْ عَلَيْهِ رِزْقَهُ بَلْ يُتْلِفُ مَالَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ إِتْلَافَ مَالِ مُسْلِمٍ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ بِدُونِ لَفْظِ " عَلَيْهِ "، قِيلَ: يَعْنِي أَتْلَفَ أَمْوَالَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَتْلَفَهُ لِأَنَّ إِتْلَافَ الْمَالِ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ لِزِيَادَةِ زَجْرِهِ فَإِنَّ مَعْنَى أَتْلَفَهُ أَهْلَكَهُ ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْجَزَائِيَّةُ وَكَذَا الْأَوْلَى جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِنْشَاءَ مَعْنًى بِأَنْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الدُّعَاءِ لَهُ.
2911 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ - يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْ خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ "، فَلَمَّا أَدْبَرَ نَادَاهُ فَقَالَ: " نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ جِبْرِيلُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2911 -
(وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ) : بِتَكْرَارِ قَالَ فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ، أَيْ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ (رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ) : أَيْ: أَخْبِرْنِي (إِنْ قُتِلْتُ) : أَيْ: اسْتُشْهِدَتْ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : أَيْ: فِي نُصْرَةِ دِينِهِ وَمُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِ (مُحْتَسِبًا) : أَيْ: طَالِبًا لِلْمَثُوبَةِ لَا قَصْدًا لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (مُقْبِلًا) : أَيْ عَلَى الْعَدُوِّ (غَيْرَ مُدْبِرٍ) : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَا يُرَادِفُهَا نَحْوَهُ فِي الصِّفَةِ، قَوْلُكَ أَمْسَ الدَّابِرُ لَا يَعُودُ (يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ) : بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، فَلَمَّا أَدْبَرَ) : أَيْ: وَلَّى عَنِ الْمَجْلِسِ (نَادَاهُ قَالَ: نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ) : مُسْتَثْنًى مِمَّا تُقَرِّرُهُ نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ، أَيْ: نَعَمْ يُكَفِّرُ اللَّهُ خَطَايَاكَ إِلَّا الدَّيْنَ. وَالدَّيْنُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخَطَايَا فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى مِنْهُ؟ وَالْجَوَابُ: إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنِ الدَّيْنُ لَمْ يُكَفَّرْ ; لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِذَا أَدَّى أَوْ أَرْضَى الْخَصْمَ خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ إِلَّا خَطِيئَةَ الدَّيْنِ وَجُعِلَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89] فَيَذْهَبُ إِلَى أَنَّ إِفْرَادَ جِنْسِ الْخَطِيئَةِ قِسْمَانِ: مُتَعَارَفٌ، وَغَيْرُ مُتَعَارَفٍ، فَيَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَحَدُ قِسْمَيْهِ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ عَنِ الدَّيْنِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الْأَدَاءِ (كَذَلِكَ قَالَ جِبْرِيلُ) : أَيْ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ. قَالَ الْأَشْرَفُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ، وَعَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام يُلَقِّنُهُ أَشْيَاءَ سِوَى الْقُرْآنِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
2912 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2912 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ» ) : أَيْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ (إِلَّا الدَّيْنَ) : أَرَادَ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ فَإِنَّهَا لَا تُعْفَى بِالشَّهَادَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ هَذَا فِي شُهَدَاءِ الْبَرِّ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «يُغْفَرُ لِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبُ كُلُّهَا وَالدَّيْنُ» "(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ.
2913 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدِّينُ فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ قَضَاءً؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ "، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَامَ فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2913 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى) : أَيْ: بِالْمَيِّتِ (عَلَيْهِ الدَّيْنُ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَسَأَلَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ قَضَاءً) : أَيْ: مَا يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ (فَإِنْ حُدِّثَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُخْبِرَ (أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى) : أَيْ عَلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (وَإِلَّا) : يَحْتَمِلُ احْتِمَالَانِ (قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا) : أَيْ: أَنْتُمْ (عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ) : أَيِ: الْفُتُوحَاتِ الْمَالِيَّةَ (قَامَ) : أَيْ: خَطِيبًا (فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : وَالْحَدِيثُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، أَيْ: أَوْلَى فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَلِذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَحُكْمُهُ أَنْفَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ حُكْمِهَا، وَحَقُّهُ آثَرَ لَدَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِهَا، وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ أَقْدَمَ مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ شَفَقَتُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ أَحَقُّ وَأَحْرَى مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذَا حَصَلَتْ لَهُ الْغَنِيمَةُ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِمْ (فَمَنْ تُوفِّي) : مُسَبَّبٌ عَمَّا قَبْلَهُ، أَيْ: فَمَنْ مَاتَ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا) : أَيْ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ (فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ) : أَيْ قَضَاءُ دَيْنِهِ ( «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» ) : أَيْ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ. قِيلَ: كَانَ عليه الصلاة والسلام يَقْضِي مَنْ مَالِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَقِيلَ كَانَ هَذَا الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَقِيلَ كَانَ تَبَرُّعًا وَالْقَوْلَانِ مُتَفَرِّعَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِينَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
2914 -
عَنْ أَبِي خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ قَالَ: «جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
2914 -
(عَنْ أَبِي خَلْدَةَ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ تَابِعِيٌّ مِنَ الثِّقَاتِ (الزُّرَقِيِّ) : بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهُ قَافٌ نِسْبَةً إِلَى بَنِي زُرَيْقٍ بَطْنٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (قَالَ: جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ) : أَيْ: لِأَجْلِ صَاحِبٍ (لَنَا قَدْ أَفْلَسَ) : أَيْ: وَبِيَدِهِ مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ لَمْ يُعْطِهِ ثَمَنَهُ (قَالَ) : أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (هَذَا الَّذِي) : أَيْ: هَذَا مِثْلُ الرَّجُلِ الَّذِي أَوْ هَذَا الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ الَّذِي (قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ فَسَّرَ الشَّأْنَ بِقَوْلِهِ ( «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ» ) : قَالَ الْأَشْرَفُ: " لَمْ يُرِدْ فِيهِ أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِعَيْنِهِ إِنَّمَا أَرَادَ قَضَى فَيَمَنْ هُوَ فِي مِثلِ حَالِهِ مِنَ الْإِفْلَاسِ " قَالَ الطِّيبِيُّ: " يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ الْأَمْرَ وَالشَّأْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ أَيُّمَا رَجُلٍ إِلَخْ ; لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلْأَمْرِ الْمُبْهَمِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا جِئْنَا فِي صَاحِبٍ لَنَا، أَيْ: فِي شَأْنِ صَاحِبٍ لَنَا، وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِعَيْنِهِ، ثَانِيَ مَفْعُولَيْ وَجَدَ أَيْ عَلِمَ فَيَكُونُ حَالًا أَيْ صَادَفَهُ حَاضِرًا بِعَيْنِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِفْلَاسِ. (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .
2915 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
2915 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسُ الْمُؤْمِنِ) : أَيْ رُوحُهُ (مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ) : أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ (حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَظْفَرُ بِمَقْصُودِهِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، أَوْ مِنَ الْمَرْتَبَةِ الْعَالِيَةِ، أَوْ فِي زُمْرَةِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي ; يَشْكُو إِلَى رَبِّهِ الْوَحْدَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ لَا تَجِدُ رُوحُهُ اللَّذَّةَ مَا دَامَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. ثُمَّ قِيلَ: الدَّائِنُ الَّذِي يُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَقَعَ الْقِصَاصُ هُوَ الَّذِي صَرَفَ مَا اسْتَدَانَهُ فِي سَفَهٍ أَوْ سَرَفٍ وَأَمَّا مَنِ اسْتَدَانَهُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ كَفَاقَةٍ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَحْبِسُهُ عَنِ الْجَنَّةِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِإِرْضَاءِ خُصَمَائِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا:«أَنَّ الدَّائِنَ يَقْتَصُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ تَدَيَّنَ فِي ثَلَاثِ خِلَالٍ أَيْ خِصَالٍ ; رَجُلٌ تَضْعُفُ قُوَّتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَسْتَدِينُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَرَجُلٌ يَمُوتُ عِنْدَهُ الْمُسْلِمُ فَلَا يَجِدُ مَا يُجَهِّزُهُ إِلَّا الدَّيْنَ، وَرَجُلٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْكِحُ خَشْيَةً عَلَى دِينِهِ» فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقْضِي عَنْ هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.
2916 -
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَاحِبُ الدَّيْنِ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ يَشْكُو إِلَى رَبِّهِ الْوَحْدَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.
ــ
2916 -
(وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاحِبُ الدَّيْنِ مَأْسُورٌ) : أَيْ مُقَيَّدٌ مَحْبُوسٌ (بِدَيْنِهِ يَشْكُو إِلَى رَبِّهِ الْوَحْدَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ تَعَبُهُ وَعَذَابُهُ مِنَ الْوَحْدَةِ لَا يَرَى أَحَدًا يَقْضِي عَنْهُ وَيُخَلِّصُهُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِالْوَحْدَةِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الدَّينِ بِأَنْ يَدْفَعَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إِلَى مُسْتَحَقِّهِ أَوْ يُوضَعَ مِنْ ذُنُوبِ مُسْتَحِقِّهِ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ أَوْ يُرْضِي اللَّهُ خَصْمَهُ مِنْ فَضْلِهِ (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَةِ) : وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ النَّجَّارِ بِلَفْظِ " «صَاحِبُ الدَّيْنِ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ فِي قَبْرِهِ يَشْكُو إِلَى اللَّهِ الْوَحْدَةَ» "، وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا:" «صَاحِبُ الدَّيْنِ مَغْلُولٌ فِي قَبْرِهِ لَا يَفُكُّهُ إِلَّا قَضَاءُ دَيْنِهِ» " فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ فِي قَبْرِهِ فِي حَدِيثِ الْأَصْلِ وَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
2917 -
وَرُوِيَ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَدَّانُ فَأَتَى غُرَمَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَالَهُ كُلَّهُ فِي دَيْنِهِ حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ» " مُرْسَلٌ هَذَا لَفْظُ الْمَصَابِيحِ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْأُصُولِ إِلَّا فِي الْمُنْتَقَى.
ــ
2917 -
(وَرُوِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَدَّانُ) : مُضَارِعُ ادَّانَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ ; أَيْ يَأْخُذُ الدَّيْنَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ افْتِعَالٌ مَنْ دَانَ فُلَانٌ يَدِينُ دَيْنًا إِذَا اسْتَقْرَضَ وَصَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ دَائِنٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَدِينُ وَيَقْضِي اللَّهُ عَنَّا وَقَدْ
…
نَرَى مَصَارِعَ قَوْمٍ لَا يَدِينُونَ ضِيَعَا
(فَأَتَى غُرَمَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَيْ طَالِبِينِ دُيُونَهُمْ (فَبَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَالَهُ كُلَّهُ) : أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَمْرَهُ بِبَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ (فِي دَيْنِهِ) : أَيْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ (حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ. مُرْسَلٌ) : أَيْ هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ قَافِيَةِ الْإِرْسَالِ غَيْرُ مُسْتَقِيمِ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ بَيْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَالَ مُعَاذٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ حَبَسَهُ أَوْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ أَوْ طَالَبَهُ بِالْأَدَاءِ فَامْتَنَعَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُحْبَسَ بِهَا حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ فِيهَا إِذْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَقُولُ: لَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ إِجْبَارًا مِنْ غَيْرِ رِضَا مُعَاذٍ مَعَ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُعْتَضِدٌ بِالْحَدِيثِ الْمُتَّصِلِ الْآتِي. وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ: بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَا احْتِجَاجَ بِهِ عِنْدَنَا، لَكِنَّهُ يُلْزَمُ بِهِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْمَرَاسِيلَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ مَالَ الْمُفْلِسِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ (هَذَا) : أَيْ قَوْلُهُ وَرُوِيَ إِلَى قَوْلِهِ مُرْسَلٌ (لَفْظُ الْمَصَابِيحِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْأُصُولِ) : أَيْ فِي صِحَاحِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا (إِلَّا فِي الْمُنْتَقَى) : وَهُوَ كِتَابٌ لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ.
2918 -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا سَخِيًّا وَكَانَ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ لِيُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ فَلَوْ تَرَكُوا لِأَحَدٍ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ لِأَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ مَالَهُ حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ مُرْسَلًا.
ــ
2918 -
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هَذَا حِكَايَةُ لَفْظِ مَا فِي كِتَابِ الْمُنْتَقَى لِأَنَّ التَّيْمِيَّ أَوْرَدَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السُّنَنِ الَّتِي طَالَعَهَا لَكِنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُنْتَقَى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ لَمْ يُورِدْهُ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِهِ اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كِتَابَةَ وَعَنْ بِالْحِبْرِ لَا بِالْحُمْرَةِ فَتَأَمَّلْ (قَالَ) : أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورُ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَ الْمُصَنِّفَ: أَنْصَارِيٌّ يُعَدُّ فِي تَابِعِي الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ (كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا) : أَيْ قَوِيًّا مُتَحَمِّلًا صَبُورًا (سَخِيًّا) : أَيْ جَوَادًا كَرِيمًا شَكُورًا (وَكَانَ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا) : مُبَالَغَةٌ فِي سَخَائِهِ (فَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ) : أَيْ يَسْتَدِينُ (حَتَّى أَغْرَقَ) : أَيْ هُوَ (مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ فَأَتَى) : أَيْ هُوَ (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ) : أَيِ النَّبِيَّ (لِيُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ) : أَيْ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِ (فَلَوْ تَرَكُوا لِأَحَدٍ) : الْفَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، أَيْ كَلَّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غُرَمَاءَهُ لِأَنْ يَتْرُكُوا الْمُطَالَبَةَ لَهُ فَلَمْ يَتْرُكُوا وَلَوْ تَرَكُوا لِأَحَدٍ (لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ لِأَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَفِيهِ أَنَّ طَلَبَهُ كَانَ طَلَبَ شَفَاعَةٍ ; لَا طَلَبَ إِيجَابٍ وَإِلَّا لَمْ يَسَعْهُمْ إِلَّا التَّرْكُ (فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَهُمْ أَيْ لِأَجْلِهِمْ (مَالَهُ) : أَيْ مَالَ مُعَاذٍ أَيْ بِاخْتِيَارِهِ وَأَمْرِ طَلَبِهِ أَوْ جَبْرًا بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ (حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ مُرْسَلًا) : أَيْ صُورَةً وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مُعَاذٍ، وَيُحْتَمَلُ مِنْ غَيْرِهِ (وَعَنِ الشَّرِيدِ) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: بِوَزْنِ الطَّوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَائِهِ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: شَرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، وَيُقَالُ أَنَّهُ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَعِدَادُهُ فِي الثَّقِيفِ، وَقِيلَ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الطَّائِفِ وَحَدِيثُهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ.
2919 -
عَنِ الشَّرِيدِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» " قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يُحِلُّ عِرْضَهُ يُغَلَّظُ لَهُ، وَعُقُوبَتَهُ يُحْبَسُ لَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
2919 -
وَعَنِ الشَّرِيدِ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيُّ الْوَاجِدِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مَطْلُ الْغَنِيِّ الْقَادِرِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ لَوَيْتُ حَقَّهُ إِذَا دَفَعْتُهُ، وَالْوَاجِدُ الْغَنِيُّ مِنْ قَوْلِهِمْ وَجَدَ فِي الْمَالِ وَجْدًا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْجِيمِ وَجْدَةً أَيِ اسْتَغْنَى (يُحِلُّ عِرْضَهُ) : بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ، أَيْ يَجْعَلُ طَعْنَ عِرْضِهِ حَلَالًا (وَعُقُوبَتَهُ) : أَيْ حَبْسَهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يُحِلُّ عِرْضَهُ يُغَلَّظُ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ يُغَلَّظُ الْقَوْلُ (لَهُ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ يُلَامُ وَيُنْسَبُ إِلَى الظُّلْمِ وَيُعَيَّرُ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ (وَعُقُوبَتَهُ يُحْبَسُ لَهُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْوَاجِدِ وَالْمَجْرُورُ لِلَيُّ يَعْنِي عُقُوبَةَ الْوَاجِدِ حَبْسُهُ لِأَجْلِ مَطْلِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.
2920 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِجِنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا قَالَ: " هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ " قَالُوا: " نَعَمْ "، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ لَهُ مِنْ وَفَاءٍ؟ "، قَالُوا: " لَا " قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. " قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ مَعْنَاهُ، وَقَالَ:«فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ مِنَ النَّارِ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ، لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقْضِي عَنْ أَخِيهِ دَيْنَهُ إِلَّا فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.
ــ
2920 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جِيءَ (بِجِنَازَةٍ) : فِي النِّهَايَةِ هِيَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ: بِالْكَسْرِ السَّرِيرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ اهـ فَالْفَتْحُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ (لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا) : فَإِنَّ الضَّمِيرَ لِلْجِنَازَةِ وَأُرِيدَ بِهَا الْمَيِّتُ عَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ اسْتِخْدَامٌ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ السَّرِيرُ فَقَطْ فَفِيهِ مَجَازٌ إِذْ ذُكِرَ الْمَحَلُّ وَأُرِيدَ بِهِ الْحَالُ (فَقَالَ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَهُ) : أَيْ لِلدَّيْنِ (مِنْ وَفَاءٍ؟) : مِنْ زَائِدَةٌ لِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ الِاسْتِفْهَامِ ; أَيْ هَلْ تَرَكَ مَا يُوَفِّي بِهِ دَيْنَهُ (قَالُوا: " لَا " قَالَ: صَلُّوا) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ قَالَ: فَصَلُّوا (عَلَى صَاحِبِكُمْ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: عَلَيَّ دَيْنُهُ) : أَيْ وَفَاؤُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَتَقَدَّمَ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَعْنَاهُ) : أَيَ دُونَ لَفْظٍ (وَقَالَ) : أَيْ لَعَلِيٍّ خَيْرًا أَوْ دُعَاءً (فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ أَبْرَأَ رَقَبَتَكَ (مِنَ النَّارِ) : أَيْ بِالْعَفْوِ عَنْ مُسِيئَتِكَ (كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ) .
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: فَكُّ الرَّهْنِ تَخْلِيصُهُ، وَفَكُّ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ أَيِ السَّعْيُ فِيمَا يُعْتِقُهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ يُرِيدُ أَنَّ نَفْسَ الْمَدْيُونِ مَرْهُونَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ بِدَيْنِهِ كَمَا هِيَ فِي الدُّنْيَا مَحْبُوسَةٌ وَالْإِنْسَانُ مَرْهُونٌ بِعَمَلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مُقِيمٌ فِي جَزَاءِ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ فَلَمَّا سَعَى فِي تَخْلِيصِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ عَمَّا كَانَ مَأْسُورًا بِهِ مِنَ الدَّيْنِ دَعَا لَهُ بِتَخْلِيصِ اللَّهِ نَفْسَهُ عَمَّا تَكُونُ مَرْهُونَةً بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ (لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقْضِي عَنْ أَخِيهِ دَيْنَهُ إِلَّا فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : وَلَعَلَّهُ ذَكَرَ الرِّهَانَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ رَهِينٌ بِمَا كَسَبَ أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَرَحَ الْآثَامَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَرَهَنَ بِهَا نَفْسَهُ رَهْنًا بَعْدَ رَهْنٍ. (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) .
2921 -
وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
2921 -
(وَعَنْ ثَوْبَانَ) : أَيْ: مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ» ") عَلَى وَزْنِ فَعِيلٌ أَيْ مُتَبَرِئٌ وَمُتَخَلِّصٌ (" مِنَ الْكِبْرِ ") : قِيلَ: هُوَ إِبْطَالُ الْحَقِّ بِأَنْ لَا يَقْبَلَهُ وَأَنْ يُحَقِّرَ النَّاسَ فَلَا يَرَاهُمْ شَيْئًا (" وَالْغُلُولِ ") بِضَمِّ أَوَّلِهِ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَسُمِّيَتْ غُلُولًا لِأَنَّ الْأَيْدِي مِنْهَا مَغْلُولَةٌ أَيْ: مَمْنُوعَةٌ مَجْعُولٌ فِيهَا غُلٌّ (" وَالدَّيْنِ ") ضَمُّهُ مَعَ أَقْبَحِ الْجِنَايَاتِ وَأَشْنَعِ السَّيِّئَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمَا وَهُوَ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِإِخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَنْوِ أَدَاءً (" دَخَلَ الْجَنَّةَ ") : أَيْ مَعَ الْفَائِزِينَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) .
2922 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
2922 -
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَلْقَاهُ) : خَبَرُ إِنَّ أَيْ: يَلْقَى اللَّهَ (" بِهَا ") : أَيْ: بِأَعْظَمِ الذُّنُوبِ (" عَبْدٌ ") فَاعِلُ يَلْقَى (" بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا ") بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ (" أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ ") بَدَلٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ فَإِنَّ لِقَاءَ الْعَبْدِ رَبَّهُ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ مَوْتُ الرَّجُلِ (" وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ") اسْتَقَامَ. وَرَجُلٌ مُظْهِرٌ أُقِيمَ مَقَامَ ضَمِيرِ الْعَبْدِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْعَبْدِ أَوَّلًا اسْتِبْعَادُ مُلَاقَاةِ مَالِكِهِ وَرَبِّهِ بِهَذَا الشَّيْنِ، ثُمَّ إِعَادَتُهُ بِلَفْظِ رَجُلٍ وَتَنْكِيرُهُ تَحْقِيرًا لِشَأْنِهِ وَتَوْهِينًا لِأَمْرِهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فِي قَوْلِهِ: " «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ» ، وَهَاهُنَا جَعَلَهُ دُونَ الْكَبَائِرِ فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ؟ قُلْتُ: قَدْ وَجَّهْنَاهُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ تَحْذِيرًا وَتَوَقِّيًا عَنِ الدَّيْنِ وَهَذَا مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ اهـ وَجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ دِينٌ حَالٌ وَقَوْلُهُ: (" لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً ") صِفَةٌ لِدَيْنٍ أَيْ لَا يَتْرُكُ لِذَلِكَ الدَّيْنِ مَالًا يُقْضَى بِهِ، وَفِيهِ التَّحْذِيرُ عَنْ كَثْرَةِ التَّدَيُّنِ وَالتَّقْصِيرِ فِي أَدَائِهِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: " فِعْلُ الْكَبَائِرِ عِصْيَانُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَخْذُ الدَّيْنِ لَيْسَ بِعِصْيَانٍ بَلِ الِاقْتِرَاضُ وَالْتِزَامُ الدَّيْنِ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا شَدَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ مَا يَقْضِي دَيْنَهُ كَيْلَا تَضِيعَ حُقُوقُ النَّاسِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: " يُرِيدُ أَنَّ نَفْسَ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ مِنْ تَضْيِيعِ حُقُوقِ النَّاسِ بِخِلَافِ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ لِذَاتِهَا. (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ) .
2923 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَانْتَهَتْ رِوَايَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " شُرُوطِهِمْ ".
ــ
2923 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ كَانَ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: 92] عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» ") : كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ وَكَالصُّلْحِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (" «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ") : أَيْ: ثَابِتُونَ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا (" إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا ") : بِأَنْ يَشْتَرِطَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَ جَارِيَتَهُ (" أَوْ أَحَلَّ حَرَمًا ") : بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ مَعَهَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُدَ انْتَهَتْ رِوَايَتُهُ) : أَيْ: مَرْوِيُّ أَبِي دَاوُدَ (عِنْدَ قَوْلِهِ: عَلَى شُرُوطِهِمْ) : رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ فَقَطْ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
2924 -
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«جَلَبْتُ أَنَا وَمَخَرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرٍ، فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، فَبِعْنَاهُ، وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " زِنْ وَأَرْجِحْ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
2924 -
(عَنْ سُوَيْدِ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ قَيْسٍ) : يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحَابَةِ (قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِرَاءٍ ثُمَّ فَاءٍ، وَيُقَالُ بِالْمِيمِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الِاسْتِيعَابِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَصْحَابِ، وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ (بَزًّا) : بِتَشْدِيدِ الزَّايِ أَيْ ثِيَابًا (مِنْ هَجَرٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ. الْجَوْهَرِيُّ: " الْبَزُّ مِنَ الثِّيَابِ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْبَزُّ ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ. قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي السِّيَرِ: الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ لَا ثِيَابَ الصُّوفِ وَالْخَزِّ (فَأَتَيْنَا بِهِ) : أَيْ: بِتِلْكَ الْبَزِّ الْمَجْلُوبِ مِنْ هَجَرٍ (مَكَّةَ) : أَيْ: إِلَيْهَا (فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ - يَمْشِي) : حَالٌ أَيْ جَاءَنَا مَاشِيًا (فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، فَبِعْنَاهُ، وَثَمَّ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: هُنَاكَ (رَجُلٌ يَزِنُ) : أَيْ: الثَّمَنَ (بِالْأَجْرِ) : أَيْ: الْأُجْرَةِ (قَالَ لَهُ) : أَيْ: لِلرَّجُلِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " زِنْ ") : بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: ثَمَنَهُ (وَأَرْجِحْ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفِي الْقَامُوسِ: رَجَحَ الْمِيزَانُ يَرْجَحُ مُثَلَّثَةٌ رُجُوحًا وَرُجْحَانًا مَالَ وَأَرْجَحَ لَهُ وَرَجَّحَ أَعْطَاهُ رَاجِحًا، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " بَيَانُ تَوَاضُعِهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ جَاءَ إِلَيْهِمْ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا وَسَاوَمَهُمْ فِي مِثْلِ السَّرَاوِيلِ، وَلِبَيَانِ خُلُقِهِ وَكَرَمِهِ حَيْثُ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ أُجْرَةِ الْوَزَّانِ عَلَى وَزْنِهِ اهـ، وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاخْتَلَفُوا فِي لِبْسِهِ صلى الله عليه وسلم السَّرَاوِيلَ فَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ، وَاسْتُأْنِسَ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَلْبِسْهُ إِلَّا يَوْمَ قُتِلَ لَكِنْ صَحَّ شِرَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَبِسَهُ وَكَانُوا يَلْبَسُونَهُ فِي زَمَانِهِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْقُرْطُبِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَيَقُولُ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.
2925 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ لِي عَلَى النَّبِيِّ - دَيْنٌ فَقَضَانِي، وَزَادَنِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2925 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ لِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ فَقَضَانِي، وَزَادَنِي» ) : سَبَقَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
2926 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَجَاءَهُ مَالٌ، فَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ " بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
ــ
2926 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (قَالَ: اسْتَقْرَضَ) : أَيْ: أَخَدَ قَرْضًا وَاسْتَدَانَ (مِنِّي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ أَلْفًا) : وَفِي الْكَاشِفِ: ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ دَرَاهِمُ، وَقِيلَ: هَذَا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ (فَجَاءَهُ مَالٌ) : أَيْ: كَثِيرٌ (فَدَفَعَهُ) : أَيِ: الْمَالَ جَمِيعًا أَوِ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ مِنْهُ (إِلَيَّ، وَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ (بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ) : زِيَادَةُ الْأَهْلِ زِيَادَةٌ فِي الدُّعَاءِ (إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْقَرْضِ (" الْحَمْدُ ") : أَيِ: الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ (" وَالْأَدَاءُ ") : أَيِ: الْقَضَاءُ بِحُسْنِ الْوَفَاءِ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله، فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزَةٍ لِأَنَّ إِنَّمَا تُثْبِتُ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَتَنْفِيهِ عَمَّا سِوَاهُ، قُلْتُ: هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَأَدَاءَ حَقِّهِ وَاجِبَانِ وَالزِّيَادَةُ فَضْلٌ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.
2927 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَمَنْ أَخَّرَهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
2927 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُصَيْنٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَمَنْ أَخَّرَهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» ") : كَأَنَّهُ عَدَلَ إِلَيْهِ عَنْ فَأَخَّرَهُ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِيَعُمَّ صَاحِبُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّأْخِيرِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
2928 -
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ رضي الله عنه قَالَ: «مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَتَرَكَ وَلَدًا صِغَارًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ فَاقْضِ عَنْهُ " قَالَ: فَذَهَبْتُ فَقَضَيْتُ عَنْهُ ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا امْرَأَةٌ تَدَّعِي دِينَارَيْنِ وَلَيْسَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ. قَالَ: أَعْطِهَا فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
2928 -
(وَعَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ) : أَيِ: الْجُهَنِيِّ لَهُ صُحْبَةٌ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو نَضْرَةَ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَالَ: مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَتَرَكَ) : أَيْ: خَلَّفَ (وَلَدًا) : بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ (صِغَارًا) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: الْوَلَدُ قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا وَكَذَلِكَ الْوُلَدُ بِالضَّمِّ (فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ) : أَيْ: مِنْ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ ( «فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَاقْضِ عَنْهُ» ") : أَيْ: أَوَّلًا (فَقَالَ) : أَيْ: سَعِيدٌ (فَذَهَبْتُ فَقَضَيْتُ عَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَخِي دَيْنَهُ (ثُمَّ «جِئْتُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا امْرَأَةٌ تَدَّعِي دِينَارَيْنِ» ) : عَطْفٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ: قَضَيْتُ أَيْ: قَضَيْتُ دُيُونَ مَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَمْ أَقَضْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ قَضَيْتُ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله (وَلَيْسَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ) : يُحْتَمَلُ الِاحْتِمَالَانِ (قَالَ: " أَعْطِهَا فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ ") : هَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ وَحْيٍ فَأَمَرَهُ بِالْإِعْطَاءِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ، فَيَكُونُ مِنْ خَوَاصِّهِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
2929 -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُوضَعُ الْجَنَائِزُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ قِبَلَ السَّمَاءِ فَنَطَرَ، ثُمَّ طَأْطَأَ بَصَرَهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، قَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ! سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نَزَلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ " قَالَ: فَسَكَتْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، فَلَمْ نَرَ إِلَّا خَيْرًا حَتَّى أَصْبَحْنَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نَزَلَ؟ قَالَ: " فِي الدَّيْنِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ عَاشَ، ثُمَّ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ عَاشَ، ثُمَّ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَاشَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " نَحْوَهُ.
ــ
2929 -
(وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ) : بِفَتْحِ جِيمٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ، أَيِ: الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ، وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَهَاجَرَ مَعَ أَبِيهِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو كَثِيرٍ مَوْلَاهُ وَغَيْرُهُ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا) : أَيْ: جَالِسِينَ (بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ) : بِكَسْرِ الْفَاءِ وَهُوَ الْمُتَّسَعُ أَمَامَ الدَّارِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (حَيْثُ يُوضَعُ الْجَنَائِزُ) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ (وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا) : أَيْ: بَيْنَنَا. وَظَهْرَيْنَا: مُقْحَمٌ لِلتَّأْكِيدِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ النُّصُوصِ وَالْقُرْبِ الشَّدِيدِ (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ) : أَيْ: عَيْنَهُ (قِبَلَ السَّمَاءِ) : بِكَسْرٍ فَفَتَحٍ أَيْ إِلَى جَانِبِهَا (فَنَظَرَ) : أَيْ: نَظْرَة ً أَوْ سَاعَةً (ثُمَّ طَأْطَأَ) : بِهَمْزَتَيْنِ أَيْ خَفَضَ (بَصَرَهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ) : أَيْ: تَعَجُّبًا (" سُبْحَانَ اللَّهِ ") : تَأْكِيدًا (مَا نَزَلْ مِنَ التَّشْدِيدِ؟) : أَيْ: التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ (قَالَ) : أَيِ: الرَّاوِي (فَسَكَتْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا) : أَيْ: عَنِ السُّؤَالِ (فَلَمْ نَرَ إِلَّا خَيْرًا) : دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَنْ تَيَقُّنِهِمْ أَنَّ النَّازِلَ هُوَ