المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المنهي عنها من البيوع] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب المنهي عنها من البيوع]

2833 -

وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ: " «إِنَّكَ بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2833 -

(وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ:) أَيِ ابْنُ سَلَامٍ (إِنَّكَ بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ) أَيْ كَثِيرٌ (فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ) أَيْ قَدْرَ مَا يَحْمِلُهُ حِمَارٌ أَوْ بَغْلٌ مَثَلًا (أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ) . بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَشْدُودٍ بِالْحَبَلِ، وَالْقَتُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَشْرَفِ مَا يَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ يُسَمَّى الرُّطْبَةُ، وَفَى النِّهَايَةِ: الْحَبَلُ مُحَرَّكَةً مَصْدَرٌ يُسَمَّى بِهِ الْمَفْعُولُ اهـ وَفِي نُسْخَةٍ: بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيِ الْمَرْبُوطِ بِهِ (فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا) . قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَإِنَّمَا خَصَّ الْهَدِيَّةَ بِمَا تُعْلَفُ بِهِ الدَّوَابُّ مُبَالِغَةً فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْلَفَ الدَّوَابُّ بِالْحَرَامِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 1927

[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

2834 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلَا وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلَا أَوْ كَانَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ نَهَى» عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ لِقَوْلِهِ (مِنَ الْبُيُوعِ) فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) 2834 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ» ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْمُزَابَنَةُ التَّمْرُ عَلَى الشَّجَرِ بِجِنْسِهِ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا وَقَفَ عَلَى غَبْنٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَرَادَ فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَرَادَ الْآخَرُ إِمْضَاءَهُ وَتَزَابَنَا أَيْ تَدَافَعَا وَكُلُّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّهِ لِمَا يَزْدَادُ مِنْهُ وَخَصَّ بَيْعَ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِجِنْسِهِ بِهَذَا الِاسْمِ ; لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَمَا عَلَى الشَّجَرِ لَا يُحْصَرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُقَدَّرًا بِالْخَرْصِ وَهُوَ حَدْسٌ وَظَنٌّ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ مِنَ التَّفَاوُتِ، وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ لَا بِالْكَيْلِ وَلَا بِالْوَزْنِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الرُّطَبُ عَلَى رَأْسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمًّى إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى النَّخْلَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الرُّطَبُ عَلَى رَأْسِ النَّخْلَةِ وَيَبِيعُهُ بِالتَّمْرِ فَهُوَ الْعَرَايَا وَيَأْتِي بَحْثُهُ (أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ) أَيْ بُسْتَانَهُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِلْمُزَابَنَةِ (وَإِنْ كَانَ) أَيِ الثَّمَرُ (نَخْلًا) أَيْ رُطَبًا أَوْ تَمْرَ نَخْلٍ (وَإِنْ كَانَ) أَيِ الثَّمَرُ (كَرْمًا) أَيْ عِنَبًا (أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا) . قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله الشُّرُوطُ كُلُّهَا تَفْصِيلٌ لِلْبَيَانِ وَيُقَدَّرُ جَزَاءُ الشَّرْطِ الثَّانِي نَهْيٌ لِقَرِينَةِ السِّيَاقِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ جَزَاءً وَكَذَا فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ يُقَدَّرُ فِي أَنْ يَبِيعَهُ لِقَرِينَةِ الشَّرْطِ الثَّانِي أَوْ كَانَ وَعِنْدَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ زَرْعًا) أَيْ بَدَلٌ أَوْ كَانَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ زَرْعًا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ زَرْعًا (أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ) بِالْإِضَافَةِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْحِنْطَةُ (نَهَى عَنْ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (كُلِّهِ) تَأْكِيدٌ لِشُمُولِ إِفْرَادِهِ، وَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (أَيْ لِلشَّيْخَيْنِ) نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) أَيْ عَلَيْهَا عَلَى حَدٍّ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (بِتَمْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُبَاعُ (بِكَيْلٍ) بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِ (مُسَمًّى) أَيْ مُعَيَّنٍ صِفَةٌ لِكَيْلٍ (إِنْ زَادَ) حَالٌ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ مِنَ الْبَائِعِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ يُبَاعُ أَيْ يَبِيعُ قَائِلًا إِنْ زَادَ. أَيِ: التَّمْرُ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ الْمُسَمَّى (فَلِي) أَيْ فَالزَّائِدُ لِي أَفْوَزُ (وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى) أَيْ يُكْمِلُهُ لَكَ أَيُّهَا الْمُشْتَرِي.

ص: 1927

2835 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ حِنْطَةً، وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرَقٍ، وَالْمُخَابَرَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2835 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ) بِالْخَاء الْمُعْجَمَةِ قِيلَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَقِيلَ إِنَّ أَصْلَ الْمُخَابَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ مَحْصُولِهَا، فَقِيلَ خَابَرَهُمْ أَيْ عَامَلَهُمْ فِي خَيْبَرَ، وَقِيلَ: مِنَ الْخِيَارِ وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا» (وَالْمُحَاقَلَةُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ فِي الْفَالِقِ مِنَ الْحَقْلِ الْقِرَاحُ مِنَ الْأَرْضِ وَهَى الطَّيِّبَةُ التُّرْبَةِ الْخَالِصَةُ مِنْ شُرْبِ السَّبَخِ الصَّالِحَةُ لِلْأَرْضِ وَمِنْهُ حَقَلَ يَحْقُلُ إِذَا زَرَعَ، وَالْحَاقِلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ ذَلِكَ (وَالْمُزَابَنَةُ) تَقَدَّمَتْ (وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ حَبِّهِ (بِمِائَةِ فَرَقٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ وَهُوَ تَصْوِيرٌ لَا تَقْدِيرٌ (حِنْطَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَفِي نُسْخَةٍ بِإِضَافَةِ مَا قَبْلَهَا إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ الْيَابِسَةِ وَالرَّطْبَةِ. فِي النِّهَايَةِ: الْفَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. وَهَى اثْنَا عَشَرَ مُدًّا وَثَلَاثَةُ آصُعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَفِي الْفَرَقِ خَمْسَةُ أَقْسَاطٍ وَالْقِسْطُ نِصْفُ صَاعٍ، فَأَمَّا الْفَرْقُ بِالسُّكُونِ فَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: لَا أَدْرَى مَنِ الْمُفَسِّرُ، غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: مِائَةَ فَرَقٍ حِنْطَةً كَلَامٌ سَاقِطٌ، وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ التَّفْسِيرِ، وَكَانَ مَنْ حَقَّ الْبَلَاغَةِ أَنْ تَأْتِيَ بِالْمِثَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فِي الْعَدَدِ، فَإِنَ قَوْلَهُ بِمِائَةِ فَرَقٍ مُوهِمٌ بِأَنَّهُ إِذَا زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُحَاقَلَةً. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: رُبَّمَا يَأْتُونَ فِي الْمِثَالِ بِمَا يُصَوِّرُهُ عِنْدَ السَّامِعِ مَعَ زِيَادَةِ تَوْضِيحٍ، نَعَمْ لَوْ قَالَ بِمِائَةٍ مَثَلًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَقَالٌ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ (وَالْمُزَابِنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ) أَيِ الْكَائِنَ أَوْ كَائِنًا (فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) أَيْ عَلَيْهَا (بِمِائَةِ فَرَقٍ) أَيْ مِنَ التَّمْرِ فِي الْأَرْضِ (وَالْمُخَابَرَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ) أَيْ إِجَازَتُهَا (بِالثُّلُثِ) بِضَمِّهِمَا وَسُكُونِ الثَّالِثِ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَالرُّبُعِ) وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: وَالْمَعْنَى أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ لِغَيْرِهِ لِيَزْرَعَهَا وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنَ الزَّارِعِ لِيَأْخُذَ صَاحِبُ الْأَرْضِ رُبُعَ الْغَلَّةِ أَوْ ثُلُثَهَا، مِنَ الْخُبُرِ بِالضَّمِّ أَيِ النَّصِيبُ، وَإِنَّمَا فَسَدَ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ وَلِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً اهـ وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَصَحَّتْ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَبِهِ يُفْتَى لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1928

2836 -

وَعَنْهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَعَنِ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2836 -

(وَعَنْهُ أَيْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ» ) وَقَدْ سَبَقَ مَعَانِيهَا (وَالْمُعَاوَمَةُ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَعَنِ الْمُعَاوَمَةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْعَامِ كَالْمُسَانَهَةِ مِنَ السَّنَةِ وَالْمُشَاهَرَةِ مِنَ الشَّهْرِ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ أَوِ الشَّجَرِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَصَاعِدًا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ ثِمَارُهُ وَهَذَا الْبَيْعُ باطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ فَهُو كَبَيْعِ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ. يُقَالُ: عَاوَمَتِ النَّخْلَةُ إِذَا حَمَلَتْ سَنَةً وَلَمْ تَحْمِلْ أُخْرَى وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْعَامِ بِمَعْنَى السَّنَةِ (وَعَنِ الثُّنْيَا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالنَّتِيجَةِ اسْمٌ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنِ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثَنَيَاهُ» " عَلَى وَزْنِ الدُّنْيَا أَيْ مَا اسْتَثْنَاهُ. قَالَ مُحِبُّ السُّنَّةِ: الثُّنْيَا أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطٍ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ جُزْءًا غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ فَيَفْسَدُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُقْتَضَى لِلنَّبِيِّ فِيهِ إِفْضَاؤُهُ إِلَى جَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ إِلَّا صَاعًا وَكَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ خَرَّجَ الْمَبِيعَ عَنْ كَوْنِهِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ عِيَانًا أَوْ تَقْدِيرًا أَمَّا لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى مِنْهَا سَهْمًا مُعَيَّنًا كَالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ صَحَّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بقَدْرِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ (وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرَيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِي الْفَالِقِ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ الَّتِي يُعَرِّيهَا الرَّجُلُ مُحْتَاجًا أَيْ يَجْعَلُ لَهُ ثَمَرَتَهَا فَرَخَّصَ لِلْمُعَرِّي أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَتَهَا لِثَمَرٍ لِمَوْضِعِ حَاجَتِهِ مِنَ الْمُعَرِّي سُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِأَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ

ص: 1928

ثَمَرُهَا فَكَأَنَّهُ جَرَّدَهَا مِنَ الثَّمَرَةِ وَعَرَّاهَا مِنْهَا ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْهَا الْإِعْرَاءُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْعَرِيَّةَ أَنْ يَخْرُصَ الْخَارِصُ نَخَلَاتٍ يَقُولُ هَذَا الرُّطَبَ إِذَا يَبِسَ يَحْصُلُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ مَثَلًا فَيَبِيعُهُ لِغَيْرِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْسُقٍ تَمْرًا وَيَتَقَابَضَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرَى الثَّمَرَ وَيُسَلِّمُ الْبَائِعُ النَّخْلَ، وَهَذَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَفِي جَوَازِهِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَجَاءَ فِي الْعَرَايَا رُخْصَةٌ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَفَى غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِنَ الثِّمَارِ وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْفُقَرَاءِ اهـ. رُوِيَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمَدِينَةِ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ نَهَيْتَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَنَشْتَرِي الرُّطَبَ وَنَشْتَهِيهِ، فَرَخَصَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَكَانُوا يَشْتَرُونَ الرُّطَبَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ثَمَرٍ بَقِيَ مِنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ. لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1929

2837 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

2837 -

(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ (قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ» ) بِالْمُثَلَّثَةِ أَيِ الرُّطَبِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (بِالتَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ هَكَذَا ضُبِطَ فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالْفَوْقَانِيَّتَيْنِ فِي الثَّانِي، وَكَذَا ضَبَطَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْأَوَّلُ بِالْمُثَنَّاةِ وَالثَّانِي بِالْمُثَلَّثَةِ وَعَكْسَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (إِلَّا أَنَّهُ رَخَصَّ فِي الْعَرِيَّةِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مِنَ التَّعَرِّي وَهُوَ التَّجَرُّدُ وَهِيَ لُغَةً النَّخْلَةُ فَعْلِيَّةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ بِإِعْرَاءِ مَالِكِهَا عَنْ بَاقِي النَّخْلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله هَذَا يُشْعِرُ بَأَنَّ الْعَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ هُوَ الْمُزَابَنَةُ قَالَ الْقَاضِي: الْعَرِيَّةُ فَعِلِيَّةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَالتَّاءُ فِيهَا لِنَقْلِ اللَّفْظِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ فَنُقِلَ مِنْهَا إِلَى الْعَقْدِ الْوَارِدِ عَلَيْهَا الْمُتَضَمِّنِ لِإِعْرَائِهَا. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: سُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ أَيْ خَرَجَتْ فَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَقِيلَ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْحَائِطِ بِالْخَرْصِ وَالْبَيْعِ فَعَرِيَتْ عَنْهَا أَيْ خَرَجَتْ (أَنْ تُبَاعَ) أَيِ الْعَرِيَّةُ يَعْنِي مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطَبِ (بِخَرْصِهَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ بِقَدْرِهَا يَعْنِي بِمَخْرُوصِهَا كَيْلًا حَالَ كَوْنِ الْمَخْرُوصِ (تَمْرًا) يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا تَمْيِيزًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُقَدَّرَةً يُؤَيدُهُ قَوْلُهُ:(يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا) فَإِنَّ رُطَبًا حَالٌ وَهَذَا غَيْرُ مَذْهَبِ مَنْ قَالَ: الْحَالُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًا إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مُؤَوَّلًا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا هُوَ الْوَصْفُ لَا الذَّاتُ وَإِلَّا كَانَ الْإِبْدَالُ عَبَثًا اهـ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ تَمْرًا تَمْيِيزًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ. الْخَرْصُ وَالْحَزْرُ وَالِاسْمُ بِالْكَسْرِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي الْمَشَارِقِ: الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الشَّيْءِ الْمُقَدَّرِ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: الْخِرْصُ وَالْخَرْصُ لُغَتَانِ فِي الشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ. وَفَى حَاشِيَةِ الزَّرْكَشِيِّ: قَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ. وَقَالَ الْقُرَبِيُّ رحمه الله الرِّوَايَةُ بِالْكَسْرِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ، وَمَنْ فَتَحَ جَعَلَهُ اسْمَ الْفِعْلِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)(وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 1929

2838 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

2838 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ) وَفِي نُسْخَةٍ رَخَّصَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَوَّزَ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعَزِيمَةِ (فِي بَيْعِ الْعَرَايَا) أَيْ ثَمَرِهَا (بِخَرْصِهَا) أَيْ بِسَبَبِ حَزْرِهَا وَتَخْمِينِهَا (مِنَ التَّمْرِ) مَظَاهِرٌ أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ تَمْيِيزٌ لِلْمَخْرُوصِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعِ الْعَرَايَا، وَالْبَاءُ فِي بِخَرْصِهَا لِنِسْبِيَّةٍ أَيْ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ رُطَبِهَا مِنَ التَّمْرِ بِوَاسِطَةِ خَرْصِهَا (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله (أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِأَقَلَّ وَهُوَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَقٍ فَيَبْقَى الْخَمْسَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ احْتِيَاطًا كَمَا سَبَقَ (شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ) شَيْخُ مَالِكٍ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ وَقِيلَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ رحمهم الله (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1929

2839 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي» . مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:«نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ، وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» .

ــ

2839 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ» ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ ثَمَرٍ بِفَتْحَتَيْنِ (حَتَّى يَبْدُوَ) بِضَمِّ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ أَيْ يَظْهَرَ (صَلَاحُهَا) وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ كَمَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ عَلَى الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ، يُرْوَى فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ هَلَاكِ الثِّمَارِ بِوُرُودِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا لِصِغَرِهَا وَضَعْفِهَا وَإِذَا تَلِفَتَ لَا يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ (نَهَى الْبَائِعَ) أَيْ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ كَيْلَا يَكُونَ أَخْذَ مَالِ الْمُشْتَرِي بِلَا مُقَابَلَةِ شَيْءٍ (وَالْمُشْتَرِي) أَيْ عَنْ هَذَا الشِّرَاءِ كَيْلَا يَتْلَفَ ثَمَنُهُ بِتَقْدِيرِ تَلَفِ الثِّمَارِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ) أَيْ مَا عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَرِ (حَتَّى تَزْهُوَ) بِالتَّأْنِيثِ لِأَنَّ النَّخْلَ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ. قَالَ - تَعَالَى - {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] وَ {نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20] مِنْ زَهَا النَّخْلُ إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَكَذَا يُرْوَى وَالصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ تَزْهَى مَنْ أَزْهَى النَّخْلُ احْمَرَّ وَاصْفَرَّ وَذَلِكَ عَلَامَةُ الصَّلَاحِ فِيهِ وَخَلَاصِهِ مِنَ الْآفَةِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ: زَهَتِ النَّخْلُ وَأَزْهَتْ فَفِي الْقَامُوسِ زَهَا النَّخْلُ طَالَ كَأَزْهَى وَالْبُسْرُ تَلَوَّنَ كَأَزْهَى وَزَهَى كَعَنَى وَكَدَعَا قَلِيلَةً (وَعَنِ السُّنْبُلِ) جِنْسٌ مُفْرَدُهُ سُنْبُلَةٌ أَيْ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبِّهِ (حَتَّى يَبْيَضَّ) بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَشْتَدُّ حَبُّهُ (وَيَأْمَنُ الْعَاهَةَ) أَيِ الْآفَةَ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ بَابِ عَطْفِ التَّفْسِيرِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ جَوَازُ بِيْعِ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ وَبِهِ قُلْنَا تَشْبِيهًا بِالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ يُبَاعَانِ فِي قِشْرِهِمَا.

ص: 1930

2840 -

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الْهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَزْهَى. قِيلَ: وَمَا تَزْهَى؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. وَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

2840 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَزْهَى» ) مِنْ أَزْهَى (قِيلَ وَمَا تَزْهَى) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَفَى نُسْخَةٍ بِالسُّكُونِ وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ مَا مَعْنَى قَوْلِكَ حَتَّى تَزْهَى أَوْ مِنْ بَابِ تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ، أَيْ قِيلَ مَا الزَّهْوُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ لِقَوْلِهِ (قَالَ) أَيْ فِي الْجَوَابِ (حَتَّى تَحْمَرَّ وَقَالَ) أَيْ أَيْضًا إِشَارَةً إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ وَالْحِكْمَةِ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ بِالْخِطَابِ الْعَامِّ (إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ) أَيْ بِإِرْسَالِ الْآفَةِ عَلَيْهَا وَإِيصَالِ الْعَاهَةِ لُبَّهَا (بِمَ يَأْخُذُ) حُذِفَ أَلِفُ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَيْ كَيْفَ بِأَيِّ وَجْهٍ وَبِمُقَابَلَةِ أَيِّ شَيْءٍ يَأْخُذُ (أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) أَيْ مِنْ ثَمَّ الْمُشْتَرِي اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَحَدٌ مَا هُنَالِكَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1930

2841 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2841 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ» ) بِكَسْرِ السِّينِ جَمْعُ السَّنَةِ بِفَتْحِهَا أَيِ الْمُعَاوَمَةُ وَقَدْ مَرَّتْ وَالْمُرَادُ بَيْعُ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ مَثَلًا سَنَةً فَأَكْثَرَ (وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جَائِحَةٍ وَهِيَ الْآفَةُ الْمُسْتَأْصِلَةُ تُصِيبُ الثِّمَارَ وَنَحْوَهَا بَعْدَ الزَّهْوِ فَتُهْلِكُهَا بِأَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ ثَمَنَ مَا يَتْلَفُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا أَمْرُ نَدْبٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَ مَا أَصَابَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِمَالِكٍ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا فِي الْأَرَاضِي الْخَرَاجِيَّةِ وَحُكْمُهَا إِلَي الْإِمَامِ لِوَضْعِ الْجَوَائِحِ عَنْهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِبَقَاءِ الْعِمَارَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1930

2842 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ» ؟ ". رُوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2842 -

وَعَنْهُ أَيْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا) بِالْمُثَلَّثَةِ (فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله إِنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَكَ فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله تَعَالَى - فَلَا يَحِلُّ جَوَابُ لَوْ فِيمَا يُتَمَحَلُّ وَيُقَالُ أَنَّ لَوْ بِمَعْنَى إِنْ وَإِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ الْجَوَابُ وَفَلَا يَحِلُّ عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَهَلَكَ لَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ لَكَ، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّقْرِيرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر: 9] (بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ) الْحَقُّ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ مَعَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا قَبْلَ الزَّهْوِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1931

2843 -

«وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانٍ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِهِ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقِلُوهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

ــ

2843 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانُوا) أَيِ النَّاسُ (يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ) أَيْ يَشْتَرُونَهُ (فِي أَعْلَى السُّوقِ) أَيْ فِي النَّاصِيَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا فَيَبِيعُونَهُ) أَيِ الطَّعَامَ (فِي مَكَانِهِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا تُفِيدُهُ الْفَاءُ التَّعْقِيبِيَّةُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي (فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِهِ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقِلُوهُ) فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِالنَّقْلِ عَنْ مَكَانِهِ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله: وَفِيهِ أَنَّ قَبْضَ الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْبَغَوِيِّ.

ص: 1931

2844 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» .

ــ

2844 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا) أَيِ اشْتَرَاهُ (فَلَا يَبِيعُهُ) نَفْيٌ مَعْنَاهُ نَهْيٌ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ وَافِيًا كَامِلًا وَزْنًا أَوْ كَيْلًا.

ص: 1931

2845 -

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَتَّى يَصِلَهُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

2845 -

(وَفَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى يَكْتَالَهُ) أَيْ يَأْخُذَهُ بِالْكَيْلِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا مُكَايَلَةً فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الشِّرَاءَ بِالْمُكَايَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَازَفَةً لَا يُشْتَرَطُ الْكَيْلُ وَفُهِمَ مِنْ قَيْدِ الِاشْتِرَاءِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْمَكِيلَ بِهِبَةٍ أَوِ إِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْكَيْلِ وَمِنْ قَوْلِهِ " فَلَا يَبِعْهُ " أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ جَازَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْكَيْلِ لَأَنَّ الْكَيْلَ فِيمَا بِيعَ مُكَايَلَةً مِنْ تَمَامِ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ، فَكَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ مَنْهِيًّا صَارَ قَبْلَ تَمَامِهِ مَنْهِيًّا أَيْضًا، وَاسْتَدَلَّ بَعْضٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ كَالَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرَى كِيلَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا ذَكَرْتَ مُخَالِفٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» . قُلْتُ: الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى اجْتِمَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَهُوَ مَا إِذَا اشْتَرَى الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَيِ الْبَائِعُ مِنْ رَجُلٍ كَذَا كَيْلًا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ أَيِ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِصَاعَيْنِ لِاجْتِمَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَحَدُهُمَا شِرَاءُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ وَثَانِيهُمَا قَبْضُ رَبِّ السَّلَمِ وَهُوَ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1931

2846 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَمَّا الَّذِي «نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ» " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2846 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الطَّعَامُ) أَيْ جِنْسُ الْحُبُوبِ (أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَا أَحْسِبُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ لَا أَظُنُّ (كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الطَّعَامِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1931

2847 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَلَقُّوُا الرُّكْبَانَ لِبَيْعٍ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمِنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظِرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "«مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» ".

ــ

2847 -

(وَعَنْ) أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَلَقَّوُا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَقْفًا وَضَمِّهَا وَصْلًا، وَأَصْلُهُ لَا تَتَلَقَّوُا (الرُّكْبَانَ) بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ رَاكِبٍ أَيِ الْقَافِلَةَ (لِبَيْعٍ) أَيْ لِأَجْلِ بَيْعٍ وَالْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ الْخَبَرُ بِقُدُومِ قَافِلَةٍ فَلَا تَسْتَقْبِلُوهَا لِتَشْتَرُوا مِنْ مَتَاعِهَا أَرْخَصَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمُوا السُّوقَ وَيَعْرِفُوا سِعْرَ الْبَلَدِ نَهَى عَنْهُ لِلْخَدِيعَةِ وَالضَّرَرِ (وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) بِأَنْ تَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِالْخِيَارِ: افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَبَيِعُكَ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ. قِيلَ: النَّهْيُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ فَإِذَا كَانَ فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْفَسْخِ لِيَبِيعَ مِنْهُ بِأَرْخَصَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ (وَلَا تَنَاجَشُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَالنَّجْشُ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ فِيهَا لِتَخْدِيعِ الْمُشْتَرِي وَتَرْغِيبِهِ وَنَفْعِ صَاحِبِهَا (وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ) أَيْ بَلَدِيٌّ (لِبَادٍ) أَيْ لِبَدَوِيٍّ كَمَا إِذَا جَاءَ الْبَدَوِيُّ بِطَعَامٍ إِلَى بَلَدٍ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ وَيَرْجِعَ فَيَتَوَكَّلُ الْبَلَدِيُّ عَنْهُ لِيَبِيعَهُ بِالسِّعْرِ الْغَالِي عَلَى التَّدْرِيجِ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّ فِيهِ سَدَّ بَابِ الْمَرَافِقِ عَلَى ذَوِيِ الْبِيَاعَاتِ ( «وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ» ) بِضَمِّ التَّاءِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ رحمه الله: بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ بِوَزْنِ تُزَكُّوا وقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ وَهُوَ مَنْ صَرَيْتُ الشَّاةَ (إِذَا لَمْ تَحْلِبْهَا أَيَّامًا حَتَّى اجْتَمَعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنَ التَّصْرِيَةِ وَهِيَ أَنْ يُشَدَّ الضَّرْعُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَيَّامًا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لَبُونٌ فَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ وَالنَّهْيُ لِلْخِدَاعِ (فَمَنِ ابْتَاعَهَا) أَيِ اشْتَرَى الْإِبِلَ أَوِ الْغَنَمَ الْمُصَرَّاةَ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّصْرِيَةِ (فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظِرَيْنِ) أَيْ مِنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ (بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا) بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ (إِنْ رَضِيَهَا) أَيْ أَحَبَّهَا وَأَعْجَبَهَا (أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَرِهَهَا (رَدَّهَا وَصَاعًا) أَيْ مَعَ صَاعٍ (مَنْ تَمْرٍ) أَيْ عِوَضًا عَنْ لَبَنِهَا لِأَنَّ بَعْضَ اللَّبَنِ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَعْضَهُ كَانَ مَبِيعًا، فَلِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ امْتَنَعَ رَدُّهُ وَرَدَّ قِيمَتَهُ، فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ صَاعًا قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ مِنْ كُلِّ نَظَرٍ إِلَى قِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ كَمَا جَعَلَ دِيَةَ النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَنْفُسِ، وَعَمِلَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِالْحَدِيثِ وَأَثْبَتَ الْخِيَارَ فِي الْمُصَرَّاةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَا خِيَارِ فِيهَا، وَالْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَهُوَ إِيجَابُ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعَيْنِ أَوْ يُقَالُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا بِأَنْ جُوِّزَ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَمْثَالَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ. كَذَا فِي السِّيَرِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ) أَيْ تَمْرٍ (لَا سَمْرَاءَ) أَيْ لَا حِنْطَةَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ التَّمْرِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ لِأَنَّ طَعَامَهُمْ كَانَ التَّمْرَ وَاللَّبَنَ غَالِبًا، فَأَقَامَ التَّمْرَ مَقَامَ اللَّبَنِ لِذَلِكَ قِيلَ: وَيَجُوزُ غَيْرُهُ بِرِضَا الْبَائِعِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَبْدَلَ عَنْ حَقِّهِ.

ص: 1932

2848 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2848 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْمَجْلُوبَ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَعَبْدٍ يُجَلَبُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ (فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ) أَيْ صَاحِبُ الْجَلَبِ السُّوقَ أَيْ وَعَرَفَ السِّعْرَ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ) أَيْ فِي الِاسْتِيرَادِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إِذِ الْفَاسِدُ لَا خِيَارَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: أَمَّا إِذَا كَانَ سِعْرُهُ أَعْلَى أَوْ كَسِعْرِ الْبَلَدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: فِي وَجْهٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَبْنِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1932

2849 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2849 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ) رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ " بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ السِّلْعَةِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَهِيَ الْمَتَاعُ وَمَا يُتَّجَرُ بِهِ (حَتَّى يُهْبَطَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُنْزَلَ (بِهَا إِلَى السُّوقِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَّةِ وَالْمَعْنَى حَتَّى يُسْقِطَهَا عَنْ ظَهْرِ الدَّوَابِّ فِي السُّوقِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1933

2850 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطِبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2850 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَبْعِ الرَّجُلُ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ وَفِي نُسْخَةٍ يَبِيعُ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ الرَّجُلُ " عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطِبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا يَأْذَنَ لَهُ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ. بِالرَّجُلِ الشَّخْصِ الشَّامِلِ لِلْمَرْأَةِ (عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) بِأَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَيَزِيدَ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ مَجَازٌ أَوَّلٌ يُرَادُ بِهِ السَّوْمُ (وَلَا يَخْطِبْ) بِالْجَزْمِ، وَنُسْخَةٌ بِالرَّفْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ يَبِيعُ وَيَخْطِبُ فَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ (عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ بَعْدَ التَّوَافُقِ عَلَى الصَّدَاقِ (إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ) أَيْ أَخُوهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْحُكْمَيْنِ أَوِ الْأَخِيرِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1933

2851 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2851 -

(وَعَنْ) أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَسُمِ الرَّجُلُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ السِّينِ وَجَزْمِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَصْلًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالْمُسَاوَمَةُ الْمُحَادَثَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ. وَلَكِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ (الْمُسْلِمِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله وَكَذَا الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ فَذَكَرَ الْأَخَ الْمُسْلِمَ لِلرِّقَّةِ لَا لِلتَّقْيِيدِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1933

2852 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2852 -

(وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:، لَا يَبِيعُ) بِصِيغَةِ النَّفْيِ (حَاضِرٌ لِبَادٍ) أَيْ بَلَدِيٌّ لِبَدَوِيٍّ (دَعُوا النَّاسَ) أَيِ اتْرُكُوهُمْ لِيَبِيعُوا مَتَاعَهُمْ رَخِيصًا (يَرْزُقُ اللَّهُ) بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى أَنَّهُ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ، وَبِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ (بعَضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ) . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1933

2853 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» . وَالْمُلَابَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ وَبِالنَّهَارِ وَلَا يَقْبَلُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ وَاللِّبْسَتَيْنِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2853 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِعَادَةِ الْجَارِّ لِإِفَادَةِ أَنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ (نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ) تِبْيَانٌ لِبَيْعَتَيْنِ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106] الْآيَةَ. وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ) بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (وَلَا يَقْبَلُهُ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ لَا يَقْبَلُ الرَّجُلُ الثَّوْبَ (إِلَّا بِذَلِكَ) أَيْ لَا يَلْمِسُهُ إِلَّا بِسَبَبِ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا إِيجَابٌ وَقَبُولٌ فِي اللَّفْظِ وَلَا تَعَاطٍ فِي الْفِعْلِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ لَيْسَ قَلْبُهُ لِلثَّوْبِ إِلَّا بِمُجَرَّدِ اللَّمْسِ أَيْ حَقُّهُ أَنْ يَقْلِبَهُ وَقَدِ اكْتَفَى بِاللَّمْسِ (وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضُبِطَ فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ بِضَمِّهَا بِالْحُمْرَةِ وَهُوَ سَهْوُ قَلَمٍ لِمُخَالَفَتِهِ كُتُبَ اللُّغَةِ (إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ) أَيْ يُلْقِيَهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ التَّعْدِيَةِ (وَيَنْبِذَ الْآخَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ (ثَوْبَهُ) بِلَا بَاءٍ

ص: 1933

(وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ) أَيْ نَبْذِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى آخَرَ (بَيْعَهُمَا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْخَبَرُ (عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ أَيْ بِالْبَصَرِ مَنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبَ الْآخَرِ وَقِيلَ بِلَا تَأَمُّلٍ وَتَفَكُّرٍ (وَلَا تَرَاضٍ) أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَوْ بِالتَّعَاطِي وَزِيَادَةُ لَا لِلتَّأْكِيدِ (وَاللِّبْسَتَيْنِ) بِالْيَاءِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَرُوِيَ وَاللِّبْسَتَانِ عَلَى الْأَصْلِ (اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ مَمْدُودَةٍ (وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ) أَيْ يَظْهَرُ (أَحَدُ شِقَّيْهِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ جَانِبَيْهِ (لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى) بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ) حَالٌ وَكَذَا (لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ) أَيْ عَلَى عَوْرَتِهِ الشَّامِلَةِ لِفَخِذِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الثَّوْبِ (شَيْءٌ) أَيْ مِمَّا يَسْتُرُهُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1934

2854 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2854 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ مِنَ السِّلَعِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ حَصَاتُكَ إِذَا رَمَيْتَ بِهَا أَوْ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي حَصَاتُكَ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ (وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْأُولَى أَيْ مَا لَا يُعْلَمُ عَاقِبَتُهُ مِنَ الْخَطَرِ الَّذِي لَا يُدْرى أَيَكُونُ أَمْ لَا كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْغَائِبِ الْمَجْهُولِ، وَمُجْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ مِمَّا انْطَوَى بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ الثَّوْبِ أَيْ طَيِّهِ أَوْ مِنَ الْغِرَّةِ بِالْكَسْرِ أَيِ الْغَفْلَةِ أَوْ مِنَ الْغُرُورِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: وَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ اهـ وَالْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَاحِدٌ، وَتَحْرِيرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعِوَضَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُونَا قَابِلَيْنِ لِلْبَيْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَا قَابِلَيْنِ لَكِنِ اشْتَمَلَا عَلَى مُقْتَضَى عَدَمِ الصِّحَّةِ كَالرِّبَا فَفَاسِدٌ وَيُفِيدُ بِالْقَبْضِ الْمِلْكَ الْخَبِيثَ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ قَابِلٍ فَقَطْ أَوِ الثَّمَنُ غَيْرَ قَابِلٍ فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ إِلْحَاقُ الْأَوَّلِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالثَّانِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ.

ص: 1934

2855 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتِجَ الَّتِي فِي بَطْنِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

2855 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ الْمَجْهُولُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مَا سَوْفَ يَحْمِلُهُ الْجَنِينُ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّاقَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله قِيلَ مَعْنَاهُ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَحْبَلَ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِنَاءً عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ الرَّاوِيَ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ إِذَا وَلَدَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَقَدْ بَاعَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ فَهُوَ بَيْعٌ مَعْدُومٌ وَالْأَوَّلُ تَأْجِيلٌ إِلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ (وَكَانَ) أَيْ هَذَا الْبَيْعُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى نَهَى، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: أَيْ نَهَى عَنْ بَيْعٍ كَانَ (بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ) أَيْ يَشْتَرِي الْبَعِيرَ (إِلَى أَنْ تُنْتِجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ التَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَيْ تَلِدُ (النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتِجَ) بِالرَّفْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الضَّبْطَيْنِ (الَّتِي فِي بَطْنِهَا) أَيْ وَلَدِهَا، وَهَذَا الْبَيْعُ وَنَظَائِرُهُ دَاخِلٌ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَنْ بَيَاعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَى الْجُمْلَةَ الْأُولَى أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ أَيْضًا.

ص: 1934

2856 -

وَعَنْهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2856 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ أَيْ كِرَاءِ ضِرَابِهِ وَأُجْرَةِ مَائِهِ نَهَى عَنْهُ لِلْغَرَرِ لِأَنَّ الْفَحْلَ قَدْ يَضْرِبُ وَقَدْ لَا يَضْرِبُ وَقَدْ لَا يُلَقِّحُ الْأُنْثَى وَبِهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى تَحْرِيمِهِ وَأَمَّا الْإِعَارَةُ فَمَنْدُوبٌ ثُمَّ لَوْ أَكْرَمَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِشَيْءٍ جَازَ قَبُولُ كَرَامَتِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ.

ص: 1934

2857 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتُحْرَثَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2857 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَأَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ شَيْئًا (وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتُحْرَثَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِتُزْرَعَ بِأَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ وَالْمَاءَ الَّذِي لِتِلْكَ الْأَرْضِ أَحَدًا لِيَكُونَ مِنْهُ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ وَمِنَ الْآخَرِ الْبَذْرُ وَالْحِرَاثَةُ لِيَأْخُذَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْضَ الْخُرُوجِ مِنَ الْحُبُوبِ وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ.

ص: 1935

2858 -

وَعَنْهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2858 -

(وَعَنْهُ) عَنْ جَابِرٍ (قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ) أَيْ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَهُ أَوْ يَسْقِيَهُ دَابَّتَهُ فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَهُ الزَّرْعَ أَوِ النَّخْلَ جَازَ لِصَاحِبِ الْمَاءِ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ إِلَّا بِعِوَضٍ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى الْإِمِامُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ.

ص: 1935

2859 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَامُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2859 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ بَيْعِهِ (الْكَلَأُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَقْصُورًا فَفِي الْقَامُوسِ الْكَلَا كَجَبَلٍ الْعُشْبُ رَطْبُهُ وَيَابِسُهُ، أَيْ لَا يَبِعْ ذُو بِئْرٍ مَا فَضَلَ مِنْ مَائِهَا عَنْ حَاجَتِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَشْتَدُّ بِذَلِكَ الْمَاءِ حِينَئِذٍ عَلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي الْمُحْتَاجَةِ إِلَى الرَّعْيِ فِي كَلَأِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَيَضْطَرُّهُمْ ذَلِكَ إِلَى شِرَاءِ الْمَاءِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْكَلَأِ بَأَنْ يَتَجَاوَزَ ظُلْمَ ذِي الْمَاءِ إِلَى أَنْ لَا يُمَكِّنَهُمْ مِنْهُ حَتَّى يَشْتَرُوا الْمَاءَ وَالْكَلَأَ مُبَالَغَةً فِي الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي أَوْ أَنَّهُ نَزَّلَ شِرَاءَ الْمَاءِ مَنْزِلَةَ شِرَاءِ الْكَلَأِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ مَا بَذَلَهُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ مِنَ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِيَتَمَكَّنَ مَوَاشِيهُمْ مِنَ الشُّرْبِ فَيَتَمَكَّنَ مِنَ الرَّعْيِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَأْوِيلُهُ أَنَّ رَجُلًا إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي مَرَّاتٍ فَيَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ فَإِذَا قَوْمٌ يَنْزِلُونَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِلْمَوَاتِ وَيَرْعُونَ نَبَاتَهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَاءٌ إِلَّا تِلْكَ الْبِئْرَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ الْقَوْمَ مِنْ شُرْبِ ذَلِكَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُمْ مِنْهُ لَا يُمْكِنُهُمْ رَعْيُ ذَلِكَ فَكَانَ مَنْعُهُمْ عَنْهُ عِنَادًا وَذَا لَا يَجُوزُ، فَالْمَعْنَى لَا يُبَاعُ مَا فَضَلَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْبِئْرِ لِيَصِيرَ بِهِ كَالْبَائِعِ لَلْكَلَأِ لِأَنَّ الْوَارِدَ حَوْلَ مَا أُعِدَّ لِلرَّعْيِ إِذَا مَنَعَهُ عَنْ عَمَلِ الْوُرُودِ إِلَّا بِعِوَضٍ اضْطُرَّ إِلَى شِرَائِهِ فَيَصِيرُ كَمَنِ اشْتَرَى الْكَلَأَ لِأَجْلِ الْمِلْكِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَبِيعُ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَكُونَ الْقَصْدُ فِي بَيْعِهِ وَعَدَمِ بَذْلِهِ بَيْعَ الْكَلَأِ الْحَاصِلِ بِهِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَقِيلَ لِلتَّنْزِيهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وِيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

ص: 1935

2860 -

وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2860 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَا جُمِعَ مِنَ الطَّعَامِ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ جِنْسُ الْحُبُوبِ الْمَأْكُولِ (فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الصُّبْرَةِ (فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ) أَيْ أَدْرَكَتْ (بَلَلًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّامِ (فَقَالَ مَا هَذَا) أَيِ الْبَلَلُ الْمُنْبِئُ غَالِبًا عَلَى الْغِشِّ مِنْ غَيْرِهِ (يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ) أَيْ بَائِعَهُ (قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ) أَيِ الْمَطَرُ لِأَنَّهَا مَكَانُهُ وَهُوَ نَازِلٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ

رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا

(يَا رَسُولَ اللَّهِ) اعْتِرَافٌ بِالْإِيمَانِ وَإِقْرَارٌ بِالْإِذْعَانِ (قَالَ أَفَلَا جَعَلْتَهُ) قَالَ أَسَتَرْتَ عَيْنَهُ أَفَلَا جَعَلْتَ الْبَلَلَ (فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ) فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَمْتَحِنَ بَضَائِعَ السُّوقَةِ لِيَعْرِفَ الْمُشْتَمِلَ مِنْهَا عَلَى الْغِشِّ مِنْ غَيْرِهِ. (مَنْ غَشَّ) أَيْ خَانَ وَهُوَ ضِدُّ النُّصْحِ (فَلَيْسَ مِنِّي) أَيْ لَيْسَ هُوَ عَلَى سُنَّتِي وَطَرِيقَتِي. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنِ اتِّصَالِيَّةٌ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: 67](رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ بِلَفْظِ " «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ " «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ» ".

ص: 1935

2861 -

(الْفَصْلُ الثَّانِي) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

2861 -

(الْفَصْلُ الثَّانِي)(عَنْ جَابِرٍ قَالَ إِنَّ) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الثُّنْيَا) أَيِ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا أَفْضَتْ إِلَى الْجَهَالَةِ (إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ) أَيْ مِقْدَارُهُ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مَثَلًا وَقَدْ سَبَقَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله الثُّنْيَا بِيعُ ثَمَرِ حَائِطٍ مَثَلًا وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَسَبَبُ الْبُطْلَانِ مَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ بِالْجَهْلِ بِالْمَبْلَغِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوِ اسْتَثْنَى جُزْءًا شَائِعًا مَعْلُومًا كَالرُّبُعِ أَوْ ثَمَرَةَ نَخْلٍ مُعَيَّنَةً جَازَ لِانْتِفَاءِ الْجَهْلِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 1936

2862 -

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» . هَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي فِي الْمَصَابِيحِ وَهِيَ قَوْلُهُ " «نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ حَتَّى تُزْهِرَ» " إِنَّمَا ثَبَتَتْ فِي رِوَايَتِهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

2862 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) هَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي فِي الْمَصَابِيحِ وَهِيَ قَوْلُهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ الثَّمَرِ بِالْمُثَلَّثَةِ (حَتَّى تَزْهُوَ) وَلَعَلَّ التَّأْنِيثَ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ (إِنَّمَا ثَبَتَتْ) أَيْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ (فِي رِوَايَتِهِمَا) أَيِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) أَيْ لَا عَنْ أَنَسٍ فَفِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْبَغَوِيِّ (قَالَ) أَيِ ابْنُ عُمَرَ (نَهَى) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ) أَيْ ثَمَرِهَا فَلَمَّا حُذِفَ الْمُضَافُ أُسْنِدَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ إِلَى الْفِعْلِ فَأُنِّثَ (وَحَتَّى) غَايَةٌ لِلنَّهْيِ الْمَخْصُوصِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ آخَرُ فِي نَقْلِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ حَتَّى (تَزْهُوَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: أَيْ تَحْمَرَّ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةِ تَبْيَضَّ أَوْ تَحْمَرَّ وَرِوَايَةِ حَتَّى تَسْوَدَّ وَحَتَّى يَشْتَدَّ بَيَانُ مَا يَحْصُلُ بِهِ بُدُوُّ الصَّلَاحِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ كُلِّ شَرْطِ الْقَطْعِ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) .

ص: 1936

2863 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

ــ

2863 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ (بِالْكَالِئِ) أَيِ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ، وَلَفْظُ بَيْعِ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ فِي نُسْخَةِ عَفِيفِ الدِّينِ الصَّفَوِيِّ وَنُورِ الدِّينِ الْإِيجِيِّ فِي النِّهَايَةِ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَجِدْ مَا يَقْضِي يَقُولُ: بِعْنِيهِ إِلَى أَجَلٍ آخَرَ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ فَيَبِيعُهُ مِنْهُ، وَلَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا تَقَابُضٌ، وَبَعْضُ الرُّوَاةِ لَا يَهْمِزُ الْكَالِئِ تَخْفِيفًا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَدَيْنٍ آخَرَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى ثَالِثٍ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ) وَكَذَا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

ص: 1936

2864 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

2864 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) أَيِ ابْنِ عَمْرٍو عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ (قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَمُوَحَّدَةٍ اسْمٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَدْفُوعِ وَكَانَ بَيْعَ الْعَرَبِ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ: عُرْبَانُ وَأُرْبَانُ وَعَرْبُونٌ وَأَرْبُونٌ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ فِيهِنَّ وَفَتْحِ الْأَوَّلِ فِي الْأَخِيرَيْنِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله أَيِ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْعُرْبَانِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ وَيَدْفَعَ إِلَى صَاحِبِهَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ حَسَبَ وَإِنْ لَمْ يُمْضِ الْبَيْعَ كَانَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ وَلَمْ يَرْتَجِعْهُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْغَرَرِ، وَأَجَازَهُ أَحْمَدُ وَرَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِجَازَتَهُ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ مُنْقَطِعٌ. (رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ص: 1936

2865 -

وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

2865 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ) رضي الله عنه (قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ» )(مُفْتَعَلٌ) مِنَ الضُّرِّ وَأَصْلُهُ مُضْتَرُّ فَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ وَقُلِبَتِ التَّاءُ طَاءً لِأَجْلِ الضَّادِ. فِي النِّهَايَةِ: هَذَا يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى الْعَقْدِ مِنْ طَرِيقِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ وَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ لَا يَنْعَقِدُ، وَالثَّانِي أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى الْبَيْعِ لِدَيْنٍ رَكِبَهُ أَوْ مُؤنَةٍ تُرْهِقُهُ فَيَبِيعُ مَا فِي يَدَيْهِ بِالْوَكْسِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا سَبِيلُهُ فِي حَقِّ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ لَا يُبَايِعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ يُعَارُ وَيُقْرَضُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ يَشْتَرِي إِلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ بِقِيمَتِهَا فَإِنْ عُقِدَ الْبَيْعُ مَعَ الضَّرُورَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ مَعَ كَرَاهَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهُ، وَمَعْنَى الْبَيْعِ هَا هُنَا الشِّرَاءُ أَوِ الْمُبَايَعَةُ أَوْ قَبُولُ الْبَيْعِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله وَالْمُرَادُ بِالْمُكْرَهِ الْمُكْرَهُ بِالْبَاطِلِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ بِحَقٍّ فَلَا كَمَنْ أَكْرَهَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِوَفَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ (وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) هُوَ مَا كَانَ لَهُ ظَاهِرٌ يُغْرِي الْمُشْتَرِي وَبَاطِنٌ مَجْهُولٌ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله: الْغَرَرُ مَا كَانَ عَلَى غَيْرِ عَهْدٍ وَثِقَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبُيُوعُ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِكُنْهِهَا الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ كُلِّ مَجْهُولٍ وَتَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُ (وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 1937

2866 -

«وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِلَابٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ فَنَهَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ فَنُكْرَمُ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

2866 -

(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِلَابٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ، قَبِيلَةٌ (سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ) أَيْ (إِجَارَةِ مَائِهِ وَضِرَابِهِ (فَنَهَاهُ) أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الرَّاءِ نُعِيرُهُ لِلضِّرَابِ، فِي النِّهَايَةِ: وَفِي الْحَدِيثِ: وَمِنْ حَقِّهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا أَيْ إِعَارَتُهُ لِلضِّرَابِ، وَالطَّرْقُ فِي الْأَصْلِ مَاءُ الْفَحْلِ، وَقِيلَ هُوَ الضِّرَابُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمَاءُ (فَنُكْرَمُ) عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعْطِينَا صَاحِبُ الْأُنْثَى شَيْئًا بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ (فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ دُونَ الْكِرَاءِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ الْفَحْلَ لِلْإِنْزَاءِ فَأَكْرَمَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِشَيْءٍ جَازَ لَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَخَذُ الْكِرَاءِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 1937

2867 -

«وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ وَلَيْسَ عِنْدِي فَأَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ. قَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .

ــ

2867 -

(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَزَايٍ بَعْدَهَا (قَالَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي» ) كَعَبْدٍ آبِقٍ وَلَمْ يُدْرَ مَحَلَّهُ وَطَائِرٍ فِي الْهَوَاءِ وَسَمَكٍ فِي الْمَاءِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ لِلتِّرْمِذِيِّ (وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ) أَيْ أَيْضًا (قَالَ) أَيْ حَكِيمٌ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ) أَيِ الْمَبِيعَ كَالصَّيْدِ بِمَعْنَى الْمَصِيدِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] أَيْ مِصْيَدُهُ (لَيْسَ عِنْدِي) حَالٌ مِنَ الْبَيْعِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِالْوَاوِ (فَأَبْتَاعُ) أَيْ أَشْتَرِي (لَهُ مِنَ السُّوقِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ أَحَدٍ مَتَاعًا فَيَكُونُ حَلَالًا وَهَذَا يَصِحُّ، وَالثَّانِي: أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ مَتَاعًا لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْ مَالِكِهِ وَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: قَالَ (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) أَيْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مِلْكِكَ حَالَ الْعَقْدِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ دُوَنَ بُيُوعِ الصِّفَاتِ، فَلِذَا قِيلَ: السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مَوْصُوفٍ عَامِّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَ الْعَقْدِ، وَفِي مَعْنَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْفَسَادِ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَبَيْعُ الْمَبيِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُجِيزُ مَالِكُهُ أَمْ لَا؟ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله. قَالَ جَمَاعَةٌ يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَدَ رحمهم الله.

ص: 1937

2868 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ» . رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

2868 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ) أَيْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَقْدٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْمُظْهِرُ: وَكَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فَسَّرُوا الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً إِلَى شَهْرٍ، فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا جَعَلَ الثَّمَنَ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي جَارِيَتَكَ بِكَذَا، فَهَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ لَا يَجِبُ، وَقَدْ جَعَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ بَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَبْلَغِ فِي مُقَابَلَةِ الثَّانِي مَجْهُولًا. (رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 1938

2869 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ» . رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ــ

2869 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ» ) الصَّفْقَةُ الْبَيْعُ، سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ عِنْدَ الْبَيْعِ ضَرْبُ كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدِينَ يَدَهُ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ (رَوَاهُ) أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ إِلَى شَرْحِ السُّنَّةِ) أَيْ بِإِسْنَادِهِ.

ص: 1938

2870 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» ".

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

ــ

2870 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحِلُّ سَلَفٌ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَبَيْعٌ) أَيْ مَعَهُ يَعْنِي مَعَ السَّلَفِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: السَّلَفُ يُطْلَقُ عَلَى السَّلَمِ وَالْقَرْضِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا شَرْطُ الْقَرْضِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ لَا يَحِلُّ بَيْعٌ مَعَ شَرْطِ سَلَفٍ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشَرَةً، نَفَى الْحِلَّ اللَّازِمَ لِلصِّحَّةِ لِيَدُلَّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ طَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ وَفَى كُلِّ عَقْدٍ تَضَمَّنَ شَرْطًا لَا يَثْبُتُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ السَّالِفِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا وَيَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ ; لِأَنَّ قَرْضَهُ رَوَّجَ مَتَاعَهُ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا حَرَامٌ (وَلَا شَرْطَانَ فِي بَيْعٍ) فُسِّرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لِلْبَيْعَتَيْنِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِشَرْطَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِكِذَا عَلَى أَنْ أُقَصِّرَهُ وَأَخِيطَهُ، وَكَبَيْعٍ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَجِّرَ دَارَهُ وَيُعِيرَ عَبْدَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَبَنَى عَلَى مَفْهُومِهِ جَوَازَ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ إِذْ لَا فَرْفَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ وَالشَّرْطَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الشَّرْطَيْنِ لِلْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، هَذَا وَمَفْهُومُ الْمُخَالِفِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا مُطْلَقًا، وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ غَيْرُ حُجَّةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمَفْهُومَ أَيْضًا، ثُمَّ الْمُرَادُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ) يُرِيدُ بِهِ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَنْتَقِلَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إِلَى ضَمَانِهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يَحِلُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا تَلِفَ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَنَافِعَهُ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبْضِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ رَبِحُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بَيْعُهُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالرِّبْحِ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةَ الرِّبْحِ الشَّامِلِ لِلزَّوَائِدِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الْمَبِيعِ كَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ (وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) سَبَقَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) .

ص: 1938

2871 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالنَّقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ فَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدِّرْهَمِ فَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ " قَالَ:«لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

2871 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالنَّقِيعِ) فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ التُّورِبِشْتِيِّ: هُوَ بِالنُّونِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَيْ يَجْتَمِعُ اهـ قِيلَ ثُمَّ يَنْضَبُ وَيَنْبُتُ الْعُشْبُ، وَحَكَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بِالْبَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ السُّوقَ فِي الْغَرْقَدِ فِي أَكْثَرِ الْأَيَّامِ، وَقَوْلُهُ: كُنْتُ أَبِيعُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَأَمَّا الْنَقِيعُ بِالنُّونِ فَهُوَ حِمًى عَلَى بُعْدِ عِشْرِينَ فَرْسَخًا فَلَا يُنَاسِبُ الِاسْتِمْرَارَ اهـ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ سُوقٌ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَلَا يُنَافِيهِ الِاسْتِمْرَارُ وَالدَّوَامُ (بِالدَّنَانِيرِ) أَيْ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِهَا تَارَةً (فَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ) أَيْ تَارَةً أُخْرَى (" فَآخُذُ ") بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ) قِيلَ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَهُ صلى الله عليه وسلم فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ إِرَادَتِهِ وَقَبْلَ فِعْلِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَمُجْتَهِدِيهِمْ فَاجْتَهَدَ فَرَأَى جَوَازَهُ فَفَعَلَهُ ثُمَّ سَأَلً لِيَظْهَرَ لَهُ أَنَّ اجْتِهَادَهُ مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ وَبِحَضْرَتِهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالظُّنُونِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْيَقِينِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْمَظْنُونِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ (فَقَالَ لَا بَأْسَ) أَيْ لَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ (أَنْ تَأْخُذَهَا) أَيْ فِي أَخْذِهَا، وَفِي نُسْخَةٍ ضُبِطَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى (إِنْ) شَرْطِيَّةٌ ثُمَّ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله (بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا) أَيْ عَنِ الْمَجْلِسِ (وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ) أَيْ مِنْ عَمَلِ الْوَاجِبِ بِحُكْمِ عَقْدِ الصَّرْفِ وَهُوَ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا.

وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ: شَيْءٌ مِنْ عُلْقَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهُوَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ اهـ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ حَتَّى لَوْ أَرَاهُ دِرْهَمًا اشْتَرَى بِهِ فَبَاعَهُ ثُمَّ حَبَسَهُ وَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا آخَرَ جَازَ إِذَا كَانَا مُتَّحِدِي الْمَالِيَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَإِنَّمَا نَكَّرَهُ أَيْ لَفْظَ (شَيْءٌ) وَأَبْهَمَهُ لِلْعِلْمِ بِالْمُرَادِ وَأَنَّ تَقَابُضَ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا بَأَسَ فِي الْجَوَابِ ثُمَّ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ أَنْ تَأْخُذَهَا إِلَخْ مِنْ بَابِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ الدَّرَاهِمَ وَبِالْعَكْسِ بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ بِسِعْرِ الْيَوْمِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَشْتَرَطُ السَّنَةَ، يَشْتَرِطُ قَبْضَ مَا يُسْتَبْدَلُ فِي الْمَجْلِسِ سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَ عَلَيْهِ مَا يُوَافِقُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَإِنَّمَا شَرَطَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّهُمَا أَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِمَّا يُوَافِقَانِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا، وَالتَّقَابُضُ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ شَرْطٌ، وَلَوِ اسْتَبْدَلَ عَنِ الدَّيْنِ شَيْئًا مُؤَجَّلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ كَالِئٍ بِكَالِئٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 1939

2872 -

وَعَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ أَخْرَجَ كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا وَأَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

2872 -

(وَعَنِ الْعَدَّاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ آخِرُهُ هَمْزٌ، صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ أَسْلَمَ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَهُوَ مِنْ أَعْرَابِ الْبَصْرَةِ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ (ابْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَذَالٍ مُعْجَمَةٍ (أَخْرَجَ كِتَابًا) أَيْ مَكْتُوبًا (هَذَا) بَدَلٌ (مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى) تَفْسِيرٌ بَعْدَ إِجْمَالٍ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُحَمَّدٍ (عَبْدًا أَوْ أَمَةً) شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (لَا دَاءَ) أَيْ فِيهِ مِنْ جُنُونٍ وَجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَنَحْوَهَا (وَلَا غَائِلَةَ) كَزِنًا وَسَرِقَةٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ (وَلَا خِبْثَةَ) بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ فَمُثَلَّثَةٍ أَيْ لَا خَبَاثَةَ فِي أَصْلِهِ يَنْشَأُ عَنْهَا أَفْعَالٌ قَبِيحَةٌ وَأَخْلَاقٌ شَنِيعَةٌ كَكَوْنِهِ ابْنِ الزِّنَا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مُقَامِرًا أَوْ كَذَّابًا أَوْ فِي مِلْكَةٍ يَنْشَأُ عَنْهَا شُبْهَةٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَكَوْنِهِ مَسْبِيًّا مِمَّنْ يَشُكُّ فِي سَبْيِهِ أَوْ مِمَّنْ يَتَيَقَّنُ فِي حُرْمَتِهِ كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله.

ص: 1939

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْمُرَادُ بِالدَّاءِ الْعَيْبُ الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ وَبِالْغَائِلَةِ مَا فِيهِ اغْتِيَالُ مَالِ الْمُشْتَرِي مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ سَارِقًا أَوْ آبِقًا. وَبِالْخِبْثَةِ أَنْ يَكُونَ خَبِيثَ الْأَصْلِ لَا يَطِيبُ لِلْمُلَّاكِ أَوْ مُحَرَّمًا كَالْمُسْبَئِ مِنْ أَوْلَادِ الْمُعَاهَدِينَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ فَعَبَّرَ عَنِ الْحُرْمَةِ بِالْخِبْثَةِ أَنْ يَكُونَ خَبِيثًا كَمَا عَبَّرَ عَنِ الْحِلِّ بِالطَّيِّبِ (بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ إِنَّمَا بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْلِمِ أُضِيفَ إِلَى الْفَاعِلِ وَنُصِبَ بِهِ الْمَفْعُولُ، ذَكَرُهُ الطِّيبِيِّ. وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ (بَيْعُ) عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ أَوْ هَذَا أَوْ عَكْسُهُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا بَايَعَ الْمُسْلِمَ يَرَى لَهُ مِنَ النُّصْحِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرَى لِغَيْرِهِ بَلْ أَرَادَ بِذَلِكَ بَيَانَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا تَعَاقَدَا فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الدِّينِ وَوَاجِبِ النَّصِيحَةِ أَنْ يُصَدِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَبِمَنْ لَهُ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ وَاشْتَرَاهُ شِرَاءَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِ طَرَفَيِ الْعَقْدِ عَنِ الْآخَرِ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ بَيْعًا مُشْتَمِلًا لِجَمِيعِ شَرَائِحِ الْبَيْعِ كَبَيْعِ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ فِي شَرَائِطِهِ إِشَارَةً بِذَلِكَ إِلَى رِعَايَةِ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْبَيْعِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله مِنْ أَنَّ بَيْعَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِاشْتَرَى إِذْ هُوَ يُطْلَقُ عَلَى بَيْعٍ كَعَكْسِهِ فَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ اشْتَرَى، فَانْدَفَعَ قَوْلُ شَارِحٍ: التَّقْدِيرُ بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ أَوِ اشْتَرَاهُ شِرَاءَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ إِلَخْ. . . فَبَعِيدٌ عَنِ التَّحْقِيقِ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .

ص: 1940

2873 -

وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: آخُذُهَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

2873 -

(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَاعَ حِلْسًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ كِسَاءً يُوَضْعُ عَلَى الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتْبِ لَا يَفْرُقُهُ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقِيلَ: بِسَاطٌ يُفْتَرَشُ (وَقَدَحًا أَيْ أَرَادَ بَيْعَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةً قَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ لَيْسَ لِي إِلَّا حِلْسٌ وَقَدَحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِعْهُمَا وَكُلْ بِثَمَنِهِمَا، ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ شَيْءٌ فَسَلِ الصَّدَقَةَ» فَبَاعَهُمَا صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ؟ قَالَ رَجُلٌ: آخُذُهُمَا) أَيْ أَنَا (بِدِرْهَمٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ) فِيهِ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِمَا عَيَّنَ الطَّالِبُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله هَذَا لَيْسَ بِسَوْمٍ لِأَنَّ السَّوْمَ هُوَ أَنْ يَقِفَ الرَّاغِبُ وَالْبَائِعُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ فَيَقُولُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ: أَنَا أَشْتَرِيهِ وَهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا السَّوْمُ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ لِمَنْ يُرِيدُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ (فَأَعْطَاهُ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ) ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعَاطَاةَ كَافِيَةٌ فِي الْبَيْعِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 1940

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)

2874 -

عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنْ بَاعَ عَيْبًا عَنْهُ لَمْ يُنَبِّهْ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ أَوْ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» . " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)

2874 -

(عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ بَاعَ عَيْبًا) أَيْ مَعِيبًا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَصْدَرَ إِذَا وُضِعَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ كَانَ لِلْمُبَالَغَةِ نَحْوَ رَجُلٍ عَدْلٍ أَيْ هُوَ مُجَسَّمٌ مِنَ الْعَدْلِ، جَعَلَ الْمَعِيبَ نَفْسَ الْعَيْبِ دَلَالَةً عَلَى شَنَاعَةِ هَذَا الْبَيْعِ وَأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَيْبَ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شِيَمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» " وَيُقَدِّرُ ذَا عَيْبٍ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْرِيرِ (لَمْ يُنَبِّهْ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَمْ يَذْكُرِ الْبَائِعُ عَيْبَهُ لِلْمُشْتَرِي (لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ) فِيهِ مُبَالَغَتَانِ فَإِنَّ الْمَقْتَ أَشَدُّ الْغَضَبِ وَجَعَلَهُ ظَرْفًا لَهُ (أَوْ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ) أَوْ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 1940

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

2875 -

(بَابٌ) وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَحْدَهُ.

ــ

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

2875 -

(بَابٌ) بِالرَّفْعِ وَالسُّكُونِ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنِ ابْتَاعَ) أَيِ اشْتَرَى (نَخْلًا) أَيْ فِيهِ ثَمَرٌ (بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ التَّأْبِيرُ تَلْقِيحُ النَّخْلِ وَهُوَ أَنْ يُوضَعَ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ فَحْلِ النَّخْلِ فِي طَلْعِ الْأُنْثَى إِذَا انْشَقَّ فَتَصْلُحُ ثَمَرَتُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - (فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أَيِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتُ النَّخْلَةَ بِثَمَرَتِهَا هَذِهِ وَكَذَا فِي غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رحمهم الله فِي غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ: تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ أَخْذًا بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ مِنَ الْحَدِيثِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَعْنَى إِنْ بَاعَ نَخْلًا مُثْمِرَةً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا تَبْقَى لَهُ إِلَّا إِذَا اشْتُرِطَ دُخُلُوهَا فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَا إِنِ انْشَقَّ وَلَمْ يُؤَبَّرْ بَعْدُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِفْرَازِ هُوَ الظُّهُورُ الْمُمَاثِلُ لِانْفِصَالِ الْجَنِينِ وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ عَنِ الظُّهُورِ بِالتَّأْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا أَمَّا لَوْ بَاعَ قَبْلَ أَوَانِ الظُّهُورِ تَتْبَعُ الْأَصْلَ وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي قِيَاسًا عَلَى الْجَنِينِ وَأَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تَبْقَى الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الثَّمَرَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ (وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا) أَيْ قَنًّا (وَلَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (مَالٌ) وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ (فَمَالُهُ) بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ فَمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ (لِلْبَائِعِ) أَيْ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) .

فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ بِحَالٍ فَإِنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَلِكَهُ لَا يُمْلَكُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ كَالْبَهَائِمِ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُ مَالٌ إِضَافَةُ مَجَازٍ لَا إِضَافَةُ مَلِكٍ كَمَا يُضَافُ السَّرْجُ إِلَى الْفَرَسِ، وَالْأُكَافُ إِلَى الْحِمَارِ، وَالْغَنَمُ إِلَى الرَّاعِي، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، أَصْنَافُ الْمِلْكِ إِلَيْهِ وَإِلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِلِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ إِضَافَةَ الْمَالِ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ وَإِلَى الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ أَيِ الْمِلْكِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ وَتِلْكَ الدَّرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وَكَذَا إِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ أَوِ الْحِنْطَةُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا بِذَهَبٍ أَوْ حِنْطَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ إِنِ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَالثَّمَنُ دَرَاهِمُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ثِيَابَ الْعَبْدِ الَّتِي عَلَيْهِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا لِأَنَّهُ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَدْخُلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَحَسْبُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الثِّيَابَ.

(رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ) أَيِ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ (وَحْدَهُ) أَيْ دُونَ الْفَصْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى.

ص: 1941

2876 -

وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ، فَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ: " بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ " قَالَ: فَبِعْتُهُ فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ: " «اقْضِهِ وَزِدْهُ " فَأَعْطَاهُ، وَزَادَهُ قِيرَاطًا» .

ــ

2876 -

(وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ) أَيْ فِي مَسِيرِ سَفَرِهِ (عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا) أَيْ أَصَابَهُ الْعَيَاءُ وَصَارَ ذَا عَيَاءٍ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَعْيَا يَجِيءُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا أَيْ صَارَ ذَا عِيٍّ عَنِ السَّيْرِ أَوْ أَصَابَهُ الْعِيُّ وَالْعَجْزُ (فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ) أَيْ بِجَابِرٍ أَوْ عَلَى الْجَمَلِ (فَضَرَبَهُ) أَيِ الْجَمَلَ (فَسَارَ) أَيْ بِبَرَكَتِهِ صلى الله عليه وسلم (سَيْرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ) أَيْ فِي الْعَادَةِ (ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بِغَيْرِ أَلِفٍ لُغَةٌ عَامِرِيَّةٌ وَغَيْرُ الْعَامِرِيَّةِ أُوقِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَوَزْنُهَا أُفْعُولَةٌ وَالْأَلِفُ زَائِدَةٌ وَالْجَمْعُ الْأَوَاقِيُّ مُشَدَّدًا وَقَدْ يُخَفَّفُ اهـ.

ص: 1941

وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شُعَيْرَاتٍ مُتَوَسِّطَاتٌ، وَفِي الْقَامُوسِ الْأُوقِيَّةُ بِالضَّمِّ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ كَالْوُقِيَّةِ بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا جَمْعُهُ أَوَاقِيُّ وَأَوَاقٍ وَوَقَايَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ وَهِيَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ أُفْعُولَةٍ كَالْأُعْجُوبَةِ وَالْأُحْدُوثَةِ وَالْجَمْعُ الْأَوَاقِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَلِلتَّخْفِيفِ لِلتَّخْفِيفِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: فِي بَابِ الْمَضْمُومِ أَوَّلِهِ وَهِيَ الْأُوقِيَّةُ وَالْوُقِيَّةُ لُغَةً وَهِيَ بِضَمِّ الْوَاوِ هَكَذَا مَضْبُوطَةٌ فِي كِتَابِ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قَالَ اللَّيْثُ: الْوُقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ مَضْبُوطَةٌ بِالضَّمِّ أَيْضًا. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: هَكَذَا مَضْبُوطَةٌ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَجَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ لُغَةٌ حَكَاهَا بَعْضُهُمْ وَجَمْعُهَا وَقَايَا كَعَطِيَّةٍ وَعَطَايَا وَفِي " الْحَدِيثِ " أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ (قَالَ فَبِعْتُهُ فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ رُكُوبَهُ مَصْدَرُ حَمَلَ يَحْمِلُ حُمْلَانًا أَيْ شَرَطْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ رَحْلِي وَمَتَاعِي (إِلَى أَهْلِي) فَرَضِيَ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الشَّرْطِ. احْتَجَّ أَحْمَدُ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دَابَّةٍ وَاسْتِثْنَاءِ ظَهْرِهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعَ لُزُومِ الشُّرُوطِ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِجَابِرٍ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ وُجُودِ الْبَيْعِ فَوَعَدَهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةَ بَيْعٍ إِذْ لَا قَبْضَ وَلَا تَسْلِيمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْفَعَهُ بِشَيْءٍ فَاتَّخَذَ بَيْعَهُ الْجَمَلَ ذَرِيعَةً إِلَى ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام عِنْدَ إِعْطَاءِ الْوُقِيَّةِ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ " ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله احْتَجَّ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى جَوَازِ بِيْعِ دَابَّةٍ يَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَسَافَةُ قَرِيبَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ أَوْ قَرُبَتْ، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا احْتِمَالَاتٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صلى الله عليه وسلم بِإِرْكَابِهِ (فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي) أَيْ أَعْطَانِي (وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ) أَيِ الْجَمَلَ (عَلَيَّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ: اقْضِهِ وَزِدْهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَاسْتِحْبَابِ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ. (فَأَعْطَاهُ وَزَادَ قِيرَاطًا) وَهُوَ نِصْفُ دَانَقٍ وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ جَوَازُ هِبَةِ الْمَشَاعِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِيرَاطِ هِبَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ عَنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ. الْقِيرَاطُ الَّذِي زَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَارِقُنِي أَبَدًا فَجَعَلْتُهُ، فَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَأَعْطَاهُ قِيرَاطًا لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: هَذَا كِيسٌ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدِي حَتَّى جَاءَ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ فَأَخَذُوهُ فِيمَا أَخَذُوا.

ص: 1942

2877 -

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وُقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عُدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي. فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خُذِيهَا وَأَعْتِقِيهَا " ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ " أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ " يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2877 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ) وَهِيَ جَارِيَةٌ حَبَشِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ صَحَابِيَّةٌ (فَقَالَتْ إِنِّي كَاتَبْتُ) أَيِ اشْتَرَيْتُ نَفْسِي وَقَبِلْتُ الْكِتَابَةَ (عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وُقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي) أَيْ فِي أَدَاءِ الْكِتَابَةِ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ) أَيْ رَضُوا (أَنْ أَعُدَّهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ أُعْطِيَهَا وَالضَّمِيرُ لِلتِّسْعِ الْأَوَاقِ (لَهُمْ عُدَّةً وَاحِدَةً) أَيْ جُمْلَةً حَاضِرَةً (وَأُعْتِقَكِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (فَعَلْتُ وَيَكُونُ) بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ (وَلَاؤُكِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ (لِي فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَأَبَوْا) أَيْ عَنْ جَمِيعِ الصُّوَرِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ لِأَنَّ فِي أَبَى مَعْنَى النَّفْيِ. الْكَشَّافُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] قَدْ أُجْرِيَ أَبَى مَجْرَى لَمْ يُرِدْ، أَلَا

ص: 1942

تَرَى كَيْفَ قُوبِلَ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} [الصف: 8] بِقَوْلِهِ {وَيَأْبَى اللَّهُ} [التوبة: 32] وَأَوْقَعَهُ مَوْقِعَ لَمْ يُرِدْ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذِيهَا) أَيِ اشْتَرِيهَا (وَأَعْتِقِيهَا) ظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتِبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَجَوَابُهُ: أَنْ بَرِيرَةَ بِيعَتْ بِرِضَاهَا وَذَلِكَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ أَوْ أَنَّهَا عَجَزَتْ نَفْسُهَا عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الرَّقَبَةِ دُونَ الْمُكَاتَبِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا: فَأَعِينِينِي. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ مُقَدِّمَةِ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالُوا: يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَكِنْ لَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى النُّجُومَ إِلَى الْمُشْتَرِي عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْبَائِعِ الَّذِي كَاتَبَهُ. وَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ جَرَى بِرِضَاهَا وَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ عَاجِزَةً عَنِ الْأَدَاءِ فَلَعَلَّ السَّادَةَ عَجَّزُوهَا وَبَاعُوهَا، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ مَعَ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ، وَأَوَّلَ قَوْمٌ حَدِيثَ بَرِيرَةَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَالضَّمِيرُ لِتِسْعِ أَوَاقٍ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْكِتَابَةُ وَبِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَكِ " وَيَرُدُّهُ عِتْقُ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِيَّاهَا وَمَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي» " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا» وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ فَدَلِيلٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ النُّجُومِ لَا يَعُدُّهَا وَلَا يُؤَدِّيهَا وَإِنَّمَا يُعْطِي بَدَلَهَا وَأَمَا مُشْتَرِي الرَّقَبَةِ إِذَا اشْتَرَاهَا بِمِثْلِ مَا انْعَقَدَتْ بِهِ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهُ يَعُدُّهُ، وَفَحْوَى الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرَّقَبَةِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ شَرَطُوا الْوَلَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ وَشَرْطُ الْوَلَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فِي إِجَابَتِهِمْ بِالشِّرَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلَمْ يُقَرِّرِ الْعَقْدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمهم الله وَأَبُو ثَوْرٍ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى فَسَادِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ اخْتَلَفُوا فِي الشَّرْطِ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَ لَانْفَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فَيُفْسِدُ الْعَقْدَ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورَيْنِ قِيلَ مِنْهُمْ مَنْ أَلْغَاهُ كَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَّرَ الْعَقْدَ وَأَنْفَذَهُ وَحَكَمَ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَقَالَ " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنِ اعْتَقَ» " وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ لِمَا سَبَقَ مِنَ النَّصِّ وَالْمَعْنَى وَقَالُوا: مَا جَرَى الشَّرْطُ فِي بَيْعِ بَرِيرَةَ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ طَمَعًا فِي وَلَاتِهَا جَاهِلِينَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُعْتِقِ وَمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ قَالَ " خُذِيهَا وَاشْتَرِطِيهَا " زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا، وَالتَّارِكُونَ لَهَا كَابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُمَا أَكْثَرُ عَدَدًا أَوْ أَشَدُّ اعْتِبَارًا فَلَا تَسْمَعْ لِأَنَّ السَّهْوَ عَلَى وَاحِدٍ أَجْوَزُ مِنْهُ عَلَى جَمَاعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ يَجُوزُ فِي صِفَةِ الرَّسُولِ وَمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى النَّاسِ شَرْطًا بَاطِلًا وَيَأْمُرَ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى الْبَاطِلِ، وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ وَأَغْلَظُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ وَالِاحْتِمَالِ يَنْهَدِمُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ. (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ) أَيْ خَطِيبًا (فَحَمِدَ اللَّهَ) أَيْ عَلَى نِعَمِهِ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) أَيْ فِي كَرَمِهِ (ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ) فَصْلًا لِلْخِطَّابِ وَقَصْدًا لِلْعِتَابِ (فَمَا بَالُ رِجَالٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْفَاءِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ بِلَا فَاءٍ. قَالَ الْمَالِكِيُّ أَمَّا حَرْفٌ قَائِمٌ مَقَامَ أَدَاةِ الشَّرْطِ وَالْفِعْلِ الَّذِي عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ يُقَدِّرُهَا النَّحْوِيُّونَ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ وَحَقُّ الْمُتَّصِلِ بِالْمُتَّصِلِ بِهَا أَنْ تَصْحَبَهُ الْفَاءُ نَحْوَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} [فصلت: 15] وَلَا تُحْذَفُ هَذِهِ الْفَاءُ غَالِبًا إِلَّا فِي شِعْرٍ أَوْ مَعَ يَشْتَرِطُونَ قَوْلَ أَغْنَى عَنْهُ مَقُولَةً نَحْوَ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ» وَقَوْلُ

ص: 1943

عَائِشَةَ: وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا، فَقَدْ خُولِفَتِ الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَيُعْلَمُ بِالتَّحْقِيقِ عَدَمُ التَّضْيِيقِ وَأَنَّ مَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ أَوْ بِالصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنَ النَّثْرِ مُقَصِّرٌ فِي فَتْوَاهُ وَعَاجِزٌ عَنْ نُصْرَةِ دَعْوَاهُ. (يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ) أَيْ تِلْكَ الشُّرُوطِ (فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى وَفْقِ حُكْمِ كِتَابِهِ وَمُوجِبِ قَضَائِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ حُكْمُ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنَ ; لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمَكْتُوبُ أَيْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْوَاشِمَةِ: مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ اسْتُدِلَّ عَلَى كَوْنِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بِقَوْلِهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7](مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ) مَا شَرْطِيَّةٌ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُوجِبٍ وَالْجَزَاءُ قَوْلُهُ (فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) إِنْ وَصْلِيَّةٌ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا مَفْهُومَ لِلْعَدَدِ. قَالَ الطَّيِبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَلَوْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَهُوَ مِنَ الشَّرْطِ الَّذِي يُتْبَعُ بِهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ بِلَا جَزَاءٍ مُبَالَغَةً وَتَقْرِيرًا (فَقَضَاءُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمُهُ (أَحَقُّ) أَيْ بِالِاتِّبَاعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْفَاءُ فِيهِ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَلَفْظُ الْقَضَاءِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ " لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ " قَضَاؤُهُ وَحُكْمُهُ (وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ) أَيْ بِالْعَمَلِ بِهِ يُرِيدُ بِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَظْهَرُهُ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ، فَانْدَفَعَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ بُطْلَانِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ بِإِرَدَاةِ اللَّامِ لِلْجِنْسِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي هَذَا الشَّرْطِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْبَيْعَ وَكَيْفَ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْخِدَاعِ وَالتَّغْرِيرِ أَمْ كَيْفَ أَذِنَ لِأَهْلِهِ مَا لَا يَصِحُّ؟ وَلِهَذَا الْأَشْكَالِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِ " «وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» " وَقَالَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَقِيلَ " لَهُمْ " بِمَعْنَى " عَلَيْهِمْ " كَمَا قَالَ تَعَالَي {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: 25] أَيْ عَلَيْهِمْ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِرَاطَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ لَمْ يُنْكِرْهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَالْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قَضِيَّةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَاحْتَمَلَ هَذَا الْأُذُنُ وَإِبْطَالُهُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْخَاصَّةَ وَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا. قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي إِذْنِهِ ثُمَّ إِبْطَالِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي قَطْعِ عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَزَجْرِهِمْ عَلَى مِثْلِهِ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِنَسْخِهِ وَجَعْلِهِ عُمْرَةً لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَدْ تُحْتَمَلُ الْمَفْسَدَةُ الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوَهُ أَقْسَامٌ مِنْهَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ بِأَنَّ شَرْطَ تَسْلِيمِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي أَوْ تَبْقِيَةَ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ إِلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ، وَمِنْهَا شَرْطٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَتَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَاشْتِرَاطِ التَّضْمِينِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَانَ شَرْطَانِ جَائِزَانِ وَلَا يُؤَثِّرَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِلَا خَوْفٍ، وَمِنْهَا اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ تَرْغِيبًا فِي الْعِتْقِ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1944

2878 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2878 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» ) لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ النَّسَبُ إِلَى غَيْرِهِ كَذَلِكَ الْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِ الْمُعْتِقِ ; لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِتْقِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: بَيْعُ الْوَلَاءِ وَهِبَتُهُ لَا يَصِحَّانِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ فَإِنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَأَجَازَ بَعْضُ السَّلَفِ نَقْلَهُ، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَلَفْظُهُ:" «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» " وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ.

ص: 1944

الْفَصْلُ الثَّانِي

2879 -

عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ قَالَ: ابْتَعْتُ غُلَامًا فَاسْتَغْلَلْتُهُ ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ، فَخَاصَمْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَضَى لِي بِرَدِّهِ، وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ، فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَرُوحُ إِلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ «أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا: " أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» " فَرَاحَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ فَقَضَى لِي أَنْ آخُذَ الْخَرَاجَ مِنَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيِّ لَهُ. رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

2879 -

(عَنْ مَخْلَدِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ الْمُعْجَمَةِ، غِفَارِيٌّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (ابْنِ خُفَافٍ) : بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ الْأُولَى كَذَا فِي التَّقْرِيبِ. وَيُقَالُ إِنَّ لِخُفَافٍ وَلِأَبِيهِ وَلِجَدِّهِ صُحْبَةً كَذَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّابِعِينَ. (قَالَ: ابْتَعْتُ غُلَامًا) أَيِ اشْتَرَيْتُهُ (فَاسْتَغْلَلْتُهُ) أَيْ أَخَذْتُ مِنْهُ غَلَّتَهُ يَعْنِي كِرَاءَهُ وَأُجْرَتَهُ، فِي النِّهَايَةِ: الْغَلَّةُ الدَّاخِلُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّتَاجِ وَنَحْوَ ذَلِكَ (ثُمَّ ظَهَرْتُ) أَيِ اطَّلَعْتُ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْغُلَامِ (عَلَى عَيْبٍ) أَيْ قَدِيمٍ (فَخَاصَمْتُ فِيهِ) أَيْ حَاكَمْتُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ أَوْ فِي عَيْبِهِ بَائِعَهُ (إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَضَى) أَيْ حَكَمَ (لِي بِرَدِّهِ) أَيْ عَلَيْهِ (وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ) أَيْ إِلَيْهِ (فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ بِمَا جَرَى (فَقَالَ: أَرُوحُ إِلَيْهِ)، أَيْ: أَذْهَبُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (الْعَشِيَّةَ)، أَيْ: آخِرَ النَّهَارِ أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ (فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (بِالضَّمَانِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله الْبَاءُ فِي بِالضَّمَانِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْخَرَاجُ مُسْتَحَقٌّ بِالضَّمَانِ أَيْ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ الْبَاءُ لِلْمُقَابَلَةِ، وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَنَافِعُ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ وَنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ " مَنْ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فَعَلَيْهِ غُنْمُهُ " وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّةِ الْعَيْنِ الْمُبْتَاعَةِ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مِلْكًا وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَسْتَغِلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ يَعْثُرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يُطْلِعْهُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا اسْتَغَلَّهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِيمَا يَحْدُثُ فِي يَدِ الْمَشْتَرِي مِنْ نِتَاجِ الدَّابَّةِ وَوَلَدِ الْأَمَةِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا وَثَمَرِ الشَّجَرَةِ أَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ رَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: أَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ رَدًّا لِأَصْلٍ بِالْعَيْبِ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ. وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله يَرُدُّ الْوَلَدَ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا يَرُدُّ الصُّوفَ، وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوُطِئَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالشُّبْهَةِ أَوْ وَطِئِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَالْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ هُوَ الْوَاطِئَ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتُضَّتْ فَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ بَلْ يَسْتَرِدُّ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (فَرَاحَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ فَقَضَى)، أَيْ: عُمَرُ (لِي أَنْ آخُذَ الْخَرَاجَ مِنَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ أَنَّ الْقَاضِي إِذَا أَخْطَأَ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ يَقِينًا لَزِمَهُ النَّقْضُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ. (رَوَاهُ) أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) أَيْ بِإِسْنَادِهِ.

ص: 1945

2880 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ إِذَا اخْتَلَفَا وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ» .

ــ

2880 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّة الْمَكْسُورَةِ أَيِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوِ الْأَجَلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشُّرُوطِ وَصِفَاتِ الْعَقْدِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ (وَالْمُبْتَاعُ) أَيِ الْمُشْتَرِي (بِالْخِيَارِ) أَيْ إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ هُوَ أَيْضًا بِأَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ بِكَذَا بَلْ بِكَذَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ إِذَا تَحَالَفَا فَإِنْ رَضِيَ

ص: 1945