الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْ هُوَ عَلَى صِفَتِي مِنَ الْمَحَبَّةِ، وَلَهَا ضَرَائِرٌ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى صِفَتِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْمَنْزِلَةِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ خَرَجَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنْ عِنْدِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَا يَغَارُ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ، " وَمِثْلُ " وَضْعِ مَوْضِعِ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَى ذِي الْحَالِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ مِثْلُكَ يَجُودُ أَيْ أَنْتَ تَجُودُ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ) : إِشَارَةٌ إِلَى مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ مِنْ قَوْلِهِ: "«أَمَّا الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ» " يَعْنِي كَيْفَ تَغَارِينَ عَلَيَّ وَتَرَيْنِ أَنِّي أَحْيَفُ عَلَيْكِ أَيْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ رِيبَةٍ. (قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَعِي شَيْطَانٌ؟) : أَيْ: مَعَ أَنِّي فِي ظِلِّ حِمَايَتِكَ وَكَنَفِكَ وَرِعَايَتِكَ (قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: وَمَعَكَ) : أَيْ: شَيْطَانٌ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) : أَيْ مَعَ أَنَّكَ سُلْطَانُ الْأَصْفِيَاءِ (قَالَ: " نَعَمْ ". وَلَكِنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ) : أَيْ: بِالْعِصْمَةِ حَيْثُ قَالَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42](حَتَّى أَسْلَمَ) : مُتَكَلَّمٌ مِنَ الْمُضَارِعِ، أَيْ أَسْلَمَ أَنَا مِنْ وَسْوَسَتِهِ أَوْ مَاضٍ، وَالضَّمِيرُ لِلشَّيْطَانِ أَيِ انْقَادَ هُوَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِي (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
[بَابُ الْعِدَّةِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3324 -
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيْلُهُ الشَّعِيرَ فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ. فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ ". فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: " تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي. قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي. فَقَالَ: " أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " انْكِحِي أُسَامَةَ " فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: " «فَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» .
ــ
بَابُ الْعِدَّةِ
هِيَ فِي اللُّغَةِ الْإِحْصَاءُ، يُقَالُ: عَدَدْتُ الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْتُهُ إِحْصَاءً، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ، وَفِي الشَّرْعِ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ الْمُتَأَكِّدِ بِالدُّخُولِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَشَبَّهْتُهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى النِّكَاحِ، قُلْتُ: فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالنِّكَاحِ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3324 -
(عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفِقْهِ فِي الْمَدِينَةِ فِي قَوْلٍ، وَمِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَأَعْلَامَهُمْ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) : أَيِ الْقُرَشِيَّةِ، أُخْتُ الضَّحَّاكِ كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَعَقْلٍ وَكَمَالٍ. (أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ) : بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَتَشْدِيدِ فَوْقِيَّةٍ. قَالَ الْقَاضِي: أَيِ: الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ أَوِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَإِنَّهَا بَتَّةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِعَلَقَةِ النِّكَاحِ، اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا (وَهُوَ) : أَيْ: أَبُو عَمْرٍو (غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ الشَّعِيرَ) : أَيْ: لِلنَّفَقَةِ وَفِي رِوَايَةٍ بِشَعِيرٍ (فَسَخِطَتْهُ) : بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ فَتَسَخَّطَتْهُ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ أَيِ: اسْتَقَلَّتْهُ، يُقَالُ: سَخِطَهُ أَيِ: اسْتَقَلَّهُ. وَلَمْ يَرْضَ بِهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَفِي الْمَفَاتِيحِ: أَيْ: مَا رَضِيَتْ بِهِ لِكَوْنِهِ شَعِيرًا، أَوْ لِكَوْنِهِ قَلِيلًا انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْوَكِيلِ أَيْ: وَغَضِبَتْ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِرْسَالِهِ الشَّعِيرَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا: (فَقَالَ) : أَيِ: الْوَكِيلُ (وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ) : أَيْ: لِأَنَّكِ بَائِنَةً أَوْ مِنْ شَيْءٍ غَيْرَ الشَّعِيرِ (فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ) : أَيْ: عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْمُورٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفْيُ النَّفَقَةِ الَّتِي تُرِيدُهَا مِنْهُ وَهُوَ الْأَجْوَدُ (فَأَمَرَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَمَرَهَا (أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ) : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: اخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ هَلْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ؟ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَآخَرُونَ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]
وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ. أَقُولُ: وَفِي الْمَدَارِكِ «لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَعَلَّهَا نَسِيَتْ أَوْ شُبِّهَ لَهَا، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» ". قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَعْنِي فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ: لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ: لَهَا السَّكَنُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِنَّ. أَقُولُ: الْمَفْهُومُ لَا عِبْرَةَ لَهُ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْغَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلَيْسَ قَيْدُ الْمُطَلِّقِ الْإِنْفَاقَ، وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ: وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِ الْحَمْلِ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ رُبَّمَا تَطُولُ، فَيَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ إِذَا مَضَى مِقْدَارُ عِدَّةِ السَّائِلِ فَنَفَى ذَلِكَ الْوَهْمَ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ فِي سُقُوطِ السُّكْنَى بِمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ، أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً لِسَنَةً وَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا، فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ إِلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ.
(ثُمَّ قَالَ: " تِلْكِ ": بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ: هِيَ (امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا) : أَيْ: يُدْخَلُ عَلَيْهَا (أَصْحَابِي) : أَيْ: مِنْ أَقَارِبِهَا وَأَوْلَادِهَا فَلَا يَصْلُحُ بَيْتُهَا لِلْمُعْتَدَّةِ، (اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ) : اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ " اعْتَدِّي ": الْمَعْنَى لَا تَلْبَسِي ثِيَابَ الزِّينَةِ فِي حَالِ الْعِدَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ فِي أَيَّامِ الْعِدَّةِ، أَوْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إِلَى الْحِجَابِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُهَا، وَلَا يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِهِ مَنْ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، حَتَّى إِذَا وَضَعَتْ ثِيَابًا لِلتَّبَرُّزِ نَظَرُوا إِلَيْهَا، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] الْآيَةَ. وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: " أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا " عَلَى مَا سَبَقَ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُخْصَةٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهَا آمِنَةٌ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهِ، وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا عَنْهُ، اهـ. وَعِنْدَنَا إِنَّمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ (فَإِذَا حَلَلْتِ) : أَيْ: خَرَجْتِ مِنَ الْعِدَّةِ (فَآذِنِينِي) : بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الذَّالِ أَيْ: فَأَعْلِمِينِي (قُلْتُ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) : أَيِ: ابْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيَّ (وَأَبَا جَهْمٍ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي طَلَبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْبَجَانِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جَهْمٍ الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ، وَفِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي (خَطَبَانِي) : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَفِيهِ جَوَازُ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْبَائِنِ. أَقُولُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ. بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطْبَةَ وَقَعَتْ صَرِيحًا بَعْدَ الْعِدَّةِ (فَقَالَ: " أَمَّا) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلتَّفْصِيلِ (أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ) : بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ: مَنْكِبِهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَسْفَارِ أَوْ عَنْ كَثْرَةِ الضَّرْبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ رحمه الله وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ مِمَّا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغَيْبَةِ الْمُحَرَّمَةِ. (وَأَمَّا مُعَاوِيَةَ فَصُعْلُوكٌ) : بِالضَّمِّ أَوْ فَقِيرٌ (لَا مَالَ لَهُ) : صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ، حَتَّى قَالَ فِي حَقِّهِ: إِنَّهُ صُعْلُوكٌ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ عَيْبٍ فِي الزَّوْجِ لِتَحْتَرِزَ الزَّوْجَةُ مِنْهُ، لِئَلَّا تَقَعَ الزَّوْجَةُ فِي الْمَشَقَّةِ،
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ عَيْبٌ جَازَ ذِكْرُهُ لِئَلَّا يَقَعَ الزَّوْجُ فِي مَشَقَّةٍ، قِيلَ: فَقْرُهُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا وَلَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ وَلَمْ يُعْطِ ابْنَهُ شَيْئًا بَعْدَ مَا أَسْلَمَ، وَهَذَا مَرْدُودٌ إِذْ صُرِّحَ فِي الْمَوَاهِبِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَاهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِشُحِّ وَالِدِهِ كَمَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ كَانَ شَحِيحًا عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ حَالُ الْكُفْرِ؟ (انْكِحِي) : بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ: تَزَوَّجِي (أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: فَكَرِهْتُهُ) : أَيِ: ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِ مَوْلًى أَسْوَدَ جِدًّا، وَإِنَّمَا أَشَارَ صلى الله عليه وسلم بِنِكَاحِ أُسَامَةَ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَحُسْنِ طَرَائِقِهِ وَكَرْمِ شَمَائِلِهِ، فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ.
(ثُمَّ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: " انِكِحِي أُسَامَةَ " فَنَكَحْتُهُ) : وَإِنَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهَا الْحَثَّ عَلَى زَوَاجِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَتْ:(فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ) : أَيْ: فَقَدَّرَ فِي أُسَامَةَ وَصُحْبَتِهِ (خَيْرًا) : أَيْ: كَثِيرًا (وَاغْتَبَطْتُ) : أَيْ: بِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ أَيْ: صِرْتُ ذَاتَ غِبْطَةٍ بِحَيْثُ اغْتَبَطَتْنِي النِّسَاءُ لِحَظٍّ كَانَ لِي مِنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: اغْتَبَطْتُ بِهِ، يُقَالُ: غَبَطْتُهُ بِمَا نَالَ أَغْبِطُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَاغْتَبَطَ هُوَ يَمْنَعُهُ فَامْتَنَعَ وَحَبَسَهُ فَاحْتَبَسَ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْغِبْطَةُ بِالْكَسْرِ حُسْنُ الْحَالِ وَالْمَسَرَّةُ، وَقَدِ اغْتَبَطَ، وَالْحَسَدُ كَالْغِبْطَةِ وَقَدْ غَبَطَهُ كَضَرَبَهُ وَسَمِعَهُ تَمَنَّى نِعْمَةً عَلَى أَنْ لَا تَتَحَوَّلَ عَنْ صَاحِبِهَا، وَالِاغْتِبَاطُ التَّبَجُّحُ بِالْحَالِ الْحَسَنِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَالَ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ، وَعَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَجِدْ نَفَقَةَ أَهْلِهِ وَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ فِرَاقَهُ فُرِّقَ بَيْنِهُمَا. قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَعَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ. قُلْتُ: هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ بِخِطْبَةِ الْغَيْرِ. قَالَ: وَعَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ بِرِضَاهَا، فَإِنَّ فَاطِمَةَ هَذِهِ كَانَتْ قُرَشِيَّةً، وَأُسَامَةُ مِنَ الْمَوَالِي، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ عَدَمَ رِضَا الْأَوْلِيَاءِ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ رَضُوا بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَزَلْ فِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لِنِكَاحِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] .
(وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا) : أَيْ: عَنْ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورَةِ (فَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضِرَّابٌ) : أَيْ: كَثِيرُ الضَّرْبِ (لِلنِّسَاءِ) : تَعْنِي وَلَا كُلُّ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ تَصْبِرُ عَلَيْهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ: لِمُسْلِمٍ (أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) : وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ابْتِدَاءً، أَوْ أَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " لَا نَفَقَةَ لَكِ) : أَيْ: زِيَادَةً عَلَى أَيَّامِ الْعِدَّةِ (إِلَّا أَنَّ تَكُونِي حَامِلًا) : أَيْ: فَإِنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ جَارِيَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ.
3325 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَعْنِي فِي النُّقْلَةِ - وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ؟ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3325 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ) : أَيْ: بِنْتَ قَيْسٍ (كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا أَيْضًا أَيْ: مُخَوِّفٍ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَالْمَعْنَى فِي مَكَانٍ خَالٍ لَا سَاكِنَ بِهِ. (فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا) : أَيْ: جَانِبِهَا وَفِي نَفْسِهَا، فَخِيفَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أُسْنِدَ إِلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، (فَلِذَلِكَ) : أَيْ: لِكَوْنِ مَكَانِهَا مُخَوِّفًا لَا لِأَنَّهَا لَا سُكْنَى لَهَا (رَخَّصَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَعْنِي) : أَيْ: تُرِيدُ عَائِشَةُ بِالْمَفْعُولِ لِرَخَّصَ قَوْلَهَا (- فِي النُّقْلَةِ -) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ: الِانْتِقَالُ مِنْ بَيْتِهَا إِلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمُّ مَكْتُومٍ. (وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ: لِلْبُخَارِيِّ (قَالَتْ) : أَيْ: عَائِشَةُ (مَا لِفَاطِمَةَ) : الْمَذْكُورَةُ (أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ بِمَعْنَى) : أَيْ: عَائِشَةُ (فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ) : أَيْ: فِي نِسْبَةِ قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، بَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَهَذَا مَذْهَبُ عَائِشَةَ، وَبِهِ
أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: يَعْنِي أَلَا تَخَافُ اللَّهَ فَاطِمَةُ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا سُكْنَى لِلْبَائِنِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؟ كَيْفَ تُفْتِي بِذَلِكَ؟ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَثَانِيهِمَا: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ: كَرِهَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَتَمَتْ فِي حَدِيثِهَا السَّبَبَ الَّذِي بِهِ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا خَوْفًا أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ سَامِعٌ، فَيَرَى أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
3326 -
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّمَا نُقِلَتْ فَاطِمَةُ لِطُولِ لِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا. رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".
ــ
3326 -
(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) : بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ، بَلْ أَفْضَلِهِمْ (قَالَ: إِنَّمَا نُقِلَتْ فَاطِمَةُ) : أَيْ: عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا (لِطُولِ لِسَانِهَا) : أَيْ: بِأَذِيَّتِهَا (عَلَى أَحِمَائِهَا) : أَيْ: أَقَارِبِ زَوْجِهَا (رَوَاهُ) : أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ) : أَيْ: بِإِسْنَادِهِ. فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْهُمَامِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَالْمُخْتَلِعَةِ إِذَا لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَإِنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدَهُ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَوَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِلَى آخِرِهِ قَالَ: وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ: لَا نَفَقَةَ لَكَ وَلَا سُكْنَى، وَرَوَاهُ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ: إِنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مَنْ تَطْلِيقِهَا، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعِيَاشُ بْنُ رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ فَسَخِطَتْهَا فَقَالَا: وَاللَّهِ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا فَقَالَ:" لَا نَفَقَةَ لَكِ ". زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ عَقِيبَ قَوْلِ عِيَاشِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَلَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: نَسَبَهُ إِلَى مُسْلِمٍ، لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْتَ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:«إِنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ.» . . الْحَدِيثَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ، وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ، وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالْمُتَحَقِّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدَّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَمَّا طَعْنُ السَّلَفِ فَقَدْ طَعَنَ فِيهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ مِمَّا سَنُذْكُرُهُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِمُ الطَّعْنُ بِسَبَبِ كَوْنِ الرَّاوِي امْرَأَةً، وَلَا كَوْنَ الرَّاوِي أَعْرَابِيًّا، فَقَدْ قَبِلُوا حَدِيثَ فُرْيَعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ فِي اعْتِدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، مَعَ أَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ بِخِلَافِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَإِنَّهَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَتُخْبِرُ الرِّجَالَ أَنَّهَا حَفِظَتْهُ مَعَ طُولِهِ وَوَعَتْهُ وَأَدَّتْهُ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهَا مِنَ الْفِقْهِ مَا أَفَادَ عِلْمًا وَجَلَالَةَ قَدْرٍ، وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إِلَيْهَا قَبِيصَةَ بْنَ أَبِي ذُؤَيْبٍ لِيَسْأَلَهَا عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَرْوَانٌ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنَ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا، وَقِيلَ رَدَّ عُمَرُ خَبَرَ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ وَحْدَهُ وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ، فَجَزَمْنَا أَنَّ رَدَّ عُمَرَ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِهَا لَيْسَ إِلَّا لِمَا عَلِمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخَالِفًا لَهُ، وَقَدِ اسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام بَيْنَ السَّلَفِ إِلَى أَنْ رَوَتْ فَاطِمَةُ هَذَا الْخَبَرَ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَدَّهُ صَرَّحَ بِالرِّوَايَةِ بِخِلَافِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ، فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ، فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَحَصَبَهُ بِهِ، وَقَالَ: وَيْلَكَ! تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَمْ نُسِبَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: 1] فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا رُفِعَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ قَائِلُهُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟ وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» " وَقُصَارَى مَا هُنَا أَنْ تُعَارِضَ رِوَايَتُهَا رِوَايَتَهُ، فَأَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا؟ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إِذَا ذُكِرَ عَلَيْهِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ قَالَ: مَا كُنَّا نُغَيِّرُ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ، فَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الدِّينُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، فَيَنْزِلُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الشَّاذِّ، وَالثِّقَةُ إِذَا شَذَّ لَا يُقْبَلُ مَا شَذَّ فِيهِ، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ مَرْوَانَ: سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وُجِدَ عَلَيْهَا النَّاسُ، وَالنَّاسُ إِذْ ذَاكَ هُمُ الصَّحَابَةُ، فَهَذَا فِي الْمَعْنَى حِكَايَةُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَوَصْفُهُ بِالْعِصْمَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرَيْ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ، فَخَرَجَتْ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ. فَقُلْتُ: أَلَمْ تَسْمَعِي إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَوْ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ، هَذَا غَايَةُ الْإِنْكَارِ حَيْثُ نَفَتِ الْحُكْمَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَعْلَمَ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ، فَقَدْ كُنَّ يَأْتِينَ مَنْزِلَهَا وَيَسْتَفْتِينَ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَكَثُرَ وَتَكَرَّرَ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إِنَّمَا أَخْرَجَكِ هَذَا اللِّسَانُ، تَعْنِي أَنَّهَا اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحِمَائِهَا فَأَخْرَجَهَا عليه الصلاة والسلام لِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ ثُبُوتُهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ احْتَجَّ بِهِ وَهُوَ مُعَاصِرُ عَائِشَةَ، وَكَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَيْثُ قَالَ: خُرُوجُ فَاطِمَةَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ، وَمِمَّنْ رَدَّهُ زَوْجُهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَقُولُ: كَانَ أُسَامَةُ إِذَا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي مِنَ انْتِقَالِهَا فِي عِدَّتِهَا رَمَاهَا بِمَا فِي يَدِهِ، اهـ.
هَذَا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَعْرَفَ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَقَلَهَا عَنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ حِينَ بَنَى بِهَا، هَذَا لَمْ يَكُنْ قَطْعًا، إِلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهَا، أَوْ لِعِلْمِهِ بِخُصُوصِ سَبَبِ جَوَازِ انْتِقَالِهَا مِنَ اللِّسَانِ أَوْ ضِيقِ الْمَكَانِ، فَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يَظْفَرِ الْمُخَرِّجُ رحمه الله بِحَدِيثِ أُسَامَةَ فَاسْتَغْرَبَهُ، وَاللَّهُ الْمُيَسِّرُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرْتُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ وَخُرُوجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما قَالَا:" الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالَنَّفَقَةُ " وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ حَرْبِ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: " «الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» ". وَقَدْ تَمَّ بَيَانُ الْمُعَارِضِ وَالطَّعْنِ، وَأَمَّا بَيَانُ الِاضْطِرَابِ فَقَدْ سَمِعْتُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ وَفِي بَعْضِهَا طَلَّقَهَا ثُمَّ سَافَرَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَتْهُ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ذَهَبَ فِي نَفَرٍ فَسَأَلُوهُ عليه الصلاة والسلام وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - الزَّوْجُ " أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ "، وَفِي بَعْضِهَا " أَبَا جَعْفَرِ بْنَ الْمُغِيرَةَ " وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَمِمَّنْ رَدَّ الْحَدِيثَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَمِمَّنْ بَعْدَهُمُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَبِعَهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: قَالَ لَهَا: لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى. قُلْنَا: لَيْسَ عَلَيْنَا أَوَّلًا أَنْ نَشْتَغِلَ بِبَيَانِ الْعُذْرِ عَمَّا رَوَتْ، بَلْ يَكْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَلِمَرْوِيِّ عُمَرَ كَائِنًا هُوَ نَفْسُهُ مَا كَانَ إِلَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِذَلِكَ حَسَنٌ حَمْلًا لِمَرْوِيِّهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَنَقُولُ فِيهِ: إِنَّ عَدَمَ السُّكْنَى كَانَ لِمَا سَمِعْتَ، وَأَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ سِوَى الشَّعِيرَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْهَا، فَطَالَبَتْ هِيَ أَهْلَهُ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ. الْحَدِيثَ، فَلِذَلِكَ قَالَ عليه الصلاة والسلام لَهَا:" «لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» " عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَلَيْسَ يَجِبُ لَكِ عَلَى أَهْلِهِ
شَيْءٌ فَلَا نَفَقَةَ لَكِ عَلَى أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ، فَلَمْ تَفْهَمْ هِيَ الْغَرَضَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فَجَعَلَتْ تَرْوِي نَفْيَ النَّفَقَةِ مُطْلَقًا، فَوَقَعَ إِنْكَارُ النَّاسِ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ مَا نَظَرَتْ بِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ: وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَبِهِ جَاءَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُفَسِّرَةً لَهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي الْبَوَائِنِ بِدَلِيلِ الْمَعْطُوفِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَقِيبَهُ:{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَاتِ أَوْ فِي الْمُرَاجَعَاتِ كَانَ التَّقْدِيرُ: أَسْكِنُوا الزَّوْجَاتِ أَوِ الرَّجْعِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وْجْدِكُمْ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ، مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا مَعْنَى حِينَئِذٍ لِجَعْلِ غَايَةِ إِيجَابِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ إِلَى الْوَضْعِ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لَهُمَا مُطْلَقًا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ لَا. وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَوْ لَا. بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ فِي الْبَوَائِنِ، فَأَفَادَ التَّقْيِيدُ بِالْغَايَةِ دَفْعَ تَوَهُّمِ عَدَمِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ الْحَامِلِ فِي تَمَامِ عِدَّةِ الْحَمْلِ لِطُولِهَا، وَالِاقْتِصَارَ عَلَى قَدْرِ ثَلَاثِ حِيَضٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] إِلَى الرَّجْعِيَّاتِ مِنْهُنَّ، وَذِكْرُ حُكْمٍ خَاصٍّ بِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ لَا يُبْطِلُ عُمُومَ الصَّدْرِ. تَمَّ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
3327 -
ــ
3327 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: طُلِّقَتْ) : بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ لَامِهِ الْمُخَفَّفَةِ (خَالَتِي ثَلَاثًا) : أَيْ: ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا) : كَتَمُدَّ أَيْ: تَقْطَعَ تَمْرَ نَخْلِهَا (فَزَجَرَهَا رَجُلٌ) : أَيْ: مَنَعَهَا (أَنْ تَخْرُجَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " بَلَى) : تَقْرِيرٌ لِلنَّفْيِ أَيْ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَتْهُ: أَلَيْسَ يَسُوغُ لِي الْخُرُوجُ لِلْجِدَادِ؟ فَقَالَ: بَلَى اخْرُجِي (فَجُدِّي نَخْلَكِ) : وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ تَصَّدَّقِي) : أَيْ: تَتَصَدَّقِي، تَعْلِيلٌ لِلْخُرُوجِ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْلَا التَّصَدُّقُ لَمَا جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ وَ " أَوْ " فِي قَوْلِهِ:(أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا) : أَيْ: مِنَ التَّطَوُّعِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ وَنَحْوِهَا لِلتَّنْوِيعِ، يَعْنِي أَنْ يَبْلُغَ مَالُكِ نِصَابًا فَتُؤَدِّي زَكَاتَهُ، وَإِلَّا فَافْعَلِي مَعْرُوفًا مِنَ التَّصَدُّقِ وَالتَّقَرُّبِ وَالتَّهَادِي، وَفِيهِ أَنَّ حِفْظَ الْمَالِ وَاقْتِنَاءَهُ لِفِعْلِ الْمَعْرُوفِ مُرَخَّصٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنَةِ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَوَافَقَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
3328 -
«وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3328 -
(وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) : مَرَّ ذِكْرُهُ (أَنَّ سُبَيْعَةَ) : بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ هِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ (الْأَسْلَمِيَّةَ) : نِسْبَةً إِلَى بَنِي أَسْلَمَ (نُفِسَتْ) : يُقَالُ: بِالضَّمِّ إِذَا وَلَدَتْ، وَبِالْفَتْحِ إِذَا حَاضَتْ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بِضَمِّ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ لِلْوِلَادَةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَلَدَتْ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) : أَيْ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ تُوَفِّيَ عَنْهَا بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا (بِلَيَالٍ) : أَيْ: قَلِيلَةٍ (فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ: تَتَزَوَّجَ (فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ) : بِفَتَحَاتٍ أَيْ: فَتَزَوَّجَتْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ مَاتَ زَوْجُهَا، فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى جل جلاله:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: يَعْنِي إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ، أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَقَدِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ وَجَازَ لَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ وِلَادَتُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوِ الْوَفَاةِ بِلَحْظَةٍ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
3329 -
ــ
3329 -
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) : أَيْ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ (قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ) : بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ مَاتَ (عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ بِرَفْعِ النُّونِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ عَيْنَاهَا بِالْأَلْفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: وَيَجُوزُ ضَمُّ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُشْتَكِيَةُ وَفَتْحُهَا، فَيَكُونُ فِي اشْتَكَتْ شَكْلُ الْفَاعِلِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْحَادَّةُ، وَقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ: عَيْنَاهَا (أَفَنَكْحُلُهَا) : بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَمُّ الْحَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَالضَّمِيرِ الْبَارِزِ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى عَيْنِهَا (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا) : أَيْ: لَا تَكْحُلْنَهَا أَوْ لَا تَكْحُلْ عَيْنَهَا (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (كُلُّ ذَلِكَ) : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ (يَقُولُ: " لَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: صِفَةٌ مُوَكِّدَةٌ لِقَوْلِهِ: ثَلَاثًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا فِي رَمَدٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ: يَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِهِ فِي الرَّمَدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَكْتَحِلُ لِلرَّمَدِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا، اهـ. وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ: يُحْتَمَلُ: أَنَّهَا أَرَادَتِ التَّزْيِينَ فَلَبِسَتْ، وَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فَنَهَاهَا، (ثُمَّ قَالَ:" إِنَّهَا هِيَ) : أَيْ: عِدَّتُكُنَّ فِي الدِّينِ الْآنَ (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) : بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " أَرْبَعَةُ " كَذَا فِي نُسَخِ الْمِشْكَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَالْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله: " وَعَشْرًا " بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالرَّفْعِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَوْلُهُ: عَشْرًا كَذَا فِي الْأَصْلِ بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَبَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ وَهُوَ وَاضِحٌ. ( «وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ» ) : بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَفِي نُسْخَتِهَا بِفَتْحِهَا، وَهِيَ رَوْثُ الْبَعِيرِ فِي الْقَامُوسِ: الْبَعْرُ وَيُحَرَّكُ وَاحِدَتُهُ بَهَاءٍ، وَضَبَطَهُ السُّيُوطِيُّ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي التَّنْقِيحِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِهَا (عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) : أَيْ: فِي أَوَّلِ السَّنَةِ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا.
قَالَ الْقَاضِي: كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ بَيْتًا ضَيِّقًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا فِيهِ زِينَةٌ حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ، فَتَكْسِرُ بِهَا مَا كَانَتْ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ، بِأَنْ تَمْسَحَ بِهَا قُبُلَهَا، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا وَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا، فَأَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ أَنَّ مَا شُرِعَ فِي الْإِسْلَامِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنَ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِي مَسْكَنِهَا، وَتَرْكُ التَّزَيُّنِ وَالتَّطَيُّبِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ مَا تُكَابِدُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، اهـ.
وَنَقَلَهُ ابْنُ الْهُمَامِ عَنْ زَيْنَبَ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ حِفْشًا بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ، الْبَيْتُ الصَّغِيرُ قَرِيبُ السَّقْفِ حَقِيرٌ، وَقَالَتْ: ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ فَتُقَبِّلُ بِهِ، فَقَلَّ مَا تَفْتَضُّ شَيْئًا إِلَّا مَاتَ، وَهُوَ بِفَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقِ مَفْتُوحَةٍ، قِيلَ: أَيْ: تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِظَفَرٍ أَوْ نَحْوَهُ تَمْسَحُ بِهَا قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ، فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ مَا تَفْتَضُّ بِهِ، فَهُوَ مِنْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: كَانَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي الِابْتِدَاءِ حَوْلًا كَامِلًا، ثُمَّ نُسِخَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا. مَسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ آيِسَةً، وَزَوْجُهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِضْ، وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ عِدَّتُهَا عَزِيمَةُ عَامٍ وَرُخْصَةُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرٍ وَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] الْآيَةَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَسْخِهَا بِآيَةِ الْأَشْهُرِ أَعْنِي مَا كَانَ مِنْ وُجُوبِ الْإِيصَاءِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ أَخْذًا مِنْ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ، أَعْنِي الْعَشْرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ، فَيَجِبُ كَوْنُ الْعَدَدِ لِلَّيَالِي وَإِلَّا لَأَنَّثَهُ، قُلْنَا: الِاسْتِعْمَالُ فِي مِثْلِهِ أَمَّا مِنَ الْأَيَّامِ عَلَى مَا عُرِفَ بِهَا التَّارِيخُ حَيْثُ تُكْتَبُ اللَّيَالِي، فَيَقُولُونَ: لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مَثَلًا، وَأَرَادَ كَوْنَ عِدَّةِ الْأَيَّامِ كَذَلِكَ. قَالَ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ: أَيْ وَعَشْرُ لَيَالٍ وَالْأَيَّامُ دَاخِلَةٌ مَعَهَا، وَلَا يُسْتَعْمَلُ التَّذْكِيرُ فِيهِ ذَهَابًا إِلَى الْأَيَّامِ
تَقُولُ: صُمْتُ عَشْرًا، وَلَوْ ذَكَّرْتَ لَخَرَجْتَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ رحمه الله: وَتَأْنِيثُ الْعَشْرِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي لِأَنَّهَا غُرَرُ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَعْمِلُونَ التَّذْكِيرَ فِي مِثْلِهِ قَطُّ ذَهَابًا إِلَى الْأَيَّامِ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: صُمْتُ عَشْرًا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} [طه: 103] ثُمَّ {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} [طه: 104] . قَالَ: وَعُمُومُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي تَسَاوِيَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا قَالَ الْأَصَمُّ وَالْحَامِلِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ اقْتَضَى تَنْصِيفَ الْمُدَّةِ لِلْأَمَةِ، وَالْإِجْمَاعُ خَصَّ الْحَامِلَ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ احْتِيَاطًا.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنَ الْمَوْتِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي سَفَرٍ، فَلَمْ يَبْلغُهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ عَلِيٍّ: لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَمُرَّ عِدَّتُهَا مِنْ حِينِ عَمِلَتِ الْإِحْدَادَ، وَلَا يُمْكِنُهَا إِقَامَتُهُ إِلَّا بِالْعِلْمِ. قُلْنَا: قُصَارَاهُ أَنْ تَكُونَ كَالْعَالِمَةِ وَلَمْ تَحُدَّ حَتَّى مَضَتِ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهَا تَخْرُجُ اتِّفَاقًا عَنِ الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا عَدَمُ التَّزَوُّجِ وَقَدْ وُجِدَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَلَعَلَّ الْمُقْتَضِيَ لِهَذَا التَّقَدُّمِ أَنَّ الْجَنِينَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ يَتَحَرَّكُ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَ ذَكَرًا وَلِأَرْبَعَةٍ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَاعْتُبِرَ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ عَشْرٌ اسْتِظْهَارًا إِذْ رُبَّمَا تَضْعُفُ حَرَكَتُهُ فِي الْمَبَادِئِ، فَلَا يُحِسُّ بِهَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنْ كَانَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً كَالْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَارِكَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنَ الْوَضْعِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يُوحِيهَا عَلَيْهَا فَتَجْمَعُ احْتِيَاطًا. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا حَلَّتْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلُوا كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ هُوَ أَنَّهَا قَالَتْ:«وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَدْ حَلَلْتِ انْكِحِي مَنْ شِئْتِ» ". وَفِي التِّرْمِذِيَّ: إِلَّا أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ وَعَشْرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ حَالَفْتُهُ، وَأَسْنَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ، «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: " هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» . وَفِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3330 -
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3330 -
(وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) : بِفَتْحِ جِيمٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ كِلْتَاهُمَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَحِلُّ) : بِالتَّذْكِيرِ وَالرَّفْعِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّأْنِيثِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَهُوَ نَفْيٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَوْلُ الطِّيبِيِّ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ فِيهِ نَوْعُ مُسَامَحَةٍ، وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ (يَحِلُّ لِمَرْأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : أَيِ: اكْتَفَى بِذِكْرِ طَرَفَيِ الْمُؤْمِنِ بِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ اخْتِصَارًا وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَدَارَ الْإِيمَانِ عَلَيْهِمَا لَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ التَّخْوِيفِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْوَصْفُ بِالْإِيمَانِ إِشْعَارٌ بِالتَّعْلِيلِ وَأَنَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِعِقَابِهِ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى مِثْلِهِ مِنَ الْعِظَامِ، وَالسِّيَاقُ بِعِبَارَتِهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمُؤْمِنِ بِهِ دَلَّ بِحَضَارَتِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ عَظَائِمِ الشُّئُونِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى غَيْرِهِ، (أَنْ تُحِدَّ) : بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ أَحَدَّ يُحِدُّ كَأَعَدَّ يُعِدُّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهِ مِنْ حَدَّ يَحِدُّ كَفَرَّ يَفِرُّ وَمَدَّ يَمُدُّ، ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمِنْ بَابَ طَرِبَ وَمِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ. وَفِي النِّهَايَةِ: أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ فَهِيَ مُحِدَّةٌ، وَحَدَّتْ تَحِدُّ فَهِيَ حَادَّةٌ إِذَا حَزِنَتْ عَلَيْهِ، وَلَبِسَتْ ثِيَابَ الْحُزْنِ، وَتَرَكَتِ الزِّينَةَ. وَفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ: هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مَعَ ضَمِّ الْحَاءِ، قَالَ: حَدَّتْ وَأَحَدَّتْ حِدَادًا وَإِحْدَادًا إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ، فَالْمَعْنَى أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنَ الزِّينَةِ وَتَتْرُكَ الطِّيبَ.
(عَلَى مَيِّتٍ) : أَيْ: مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) : أَيْ: زِيَادَةً عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) : أَيْ: حُرٍّ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: جُعِلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّ فِيهَا يُنْفَخُ الرُّوحُ فِي الْوَلَدِ وَعَشْرًا لِلِاحْتِيَاطِ، اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ مَا يُوَضِّحُهُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: «تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لِأُمِّ حَبِيبَةَ فَدَعَتْ بِطِيِبٍ فَمَسَحَتْهُ بِذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنَّمَا أَصْنَعُ هَذَا لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَالْحَمِيمُ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَوَقَعَ فِيهِ مُفَسَّرًا هَكَذَا، لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلِيلٌ فِيهِ عَلَى إِيجَابِ الْإِحْدَادِ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَنْ نَفْيِ الْحِلِّ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحِلِّ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَلَكِنْ يَحِلُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، وَأُلْحِقَ الِاسْتِدْلَالُ بِنَحْوِ حَدِيثِ حَفْصَةَ فِي الصَّحِيحِ، أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:" «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ، بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» " فَإِنَّ فِيهِ تَصْرِيحًا بِالْإِخْبَارِ.
3331 -
ــ
3331 -
(وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هِيَ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُمَرِّضُ الْمَرْضَى وَتُدَاوِي الْجَرْحَى. (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا تُحِدُّ) : بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّهْيِ (امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ) : أَيْ: مِنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ (فَوْقَ ثَلَاثٍ) : أَيْ: لَيَالٍ أَوْ أَيَّامٍ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) حُرٍّ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: " إِلَّا عَلَى زَوْجٍ " مُتَّصِلٌ إِذَا جُعِلَ قَوْلُ " أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ " مَنْصُوبًا بِمُقَدَّرٍ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: فَوْقَ ثَلَاثٍ أَيْ: أَعْنِي، أَوْ أَذْكُرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِكَ: مَا احْتَقَرْتُ إِلَّا مِنْكُمْ رَقِيقًا؛ لَكَوْنِ مَا بَعْدَ إِلَّا شَيْئَيْنِ، فَتَقَدَّمَ الْمُفَسِّرَ أَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَتَقْدِيرُهُ لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، أَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، وَإِذَا جُعِلَ مَعْمُولًا لِتُحِدَّ مُضْمَرًا كَانَ مُنْقَطِعًا، فَالتَّقْدِيرُ لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَلَكِنْ تُحِدُّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، اهـ. وَالثَّانِي أَظْهَرُ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " إِلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا " (وَلَا تَلْبَسُ) : بِالرَّفْعِ وَقِيلَ بِالْجَزْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنُ الْهُمَامِ، فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ فِي تَفْصِيلِ مَعْنَى تَرْكِ الْإِحْدَادِ (ثَوْبًا مَصْبُوغًا) : أَيْ: بِالْعُصْفُرِ أَوِ الْمَغْرَةِ، وَفِي الْكَافِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ إِلَّا الْمَصْبُوغَ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَكِنْ لَا بِقَصْدِ الزِّينَةِ. (إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ) : بِسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنَ الْبُرُودِ، وَيُعْصَبُ غَزْلُهُ أَيْ: يُجْمَعُ وَيُشَدُّ، ثُمَّ يُصْبَغُ، ثُمَّ يُنْسَجُ فَيَأْتِي مُوَشِّيًا لِبَقَاءِ مَا عُصِبَ مِنْهُ أَبْيَضٌ لَمْ يَأْخُذْهُ صِبْغٌ، وَالنَّهْيُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَمَّا يُصْبَغُ بَعْدَ النَّسْجِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَتَبِعَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا تَلْبَسُ الْعَصْبَ عِنْدَنَا، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ رَقِيقَهُ وَغَلِيظَهُ، وَمَنَعَ مَالِكٌ رَقِيقَهُ دُونَ غَلِيظِهِ. وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِيهِ، وَفِي تَفْسِيرِهِ، فِي الصِّحَاحِ: الْعَصْبُ بُرْدٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُنْسَجُ أَبْيَضَ ثُمَّ يُصْبَغُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي الْمُغْنِي: الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَبْتٌ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ، وَفَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا ثِيَابٌ مِنَ الْيَمَنِ فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ. قَالَ: وَيُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الْأَسْوَدِ عِنْدَ
الْأَئِمَّةِ وَجَعَلَهُ الظَّاهِرِيَّةُ كَالْأَخْضَرِ وَالْأَحْمَرِ. (وَلَا تَكْتَحِلُ) : بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِلَّا مِنْ عُذْرٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ، وَذَهَبَ الظَّاهِرِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ، وَلَوْ مِنْ وَجَعٍ وَعُذْرٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَيْثُ نَهَى نَهْيًا مُؤَكِّدًا عَنِ الْكُحْلِ الَّتِي اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا، (وَلَا تَمَسُّ) : بِضَمِّ السِّينِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا (طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ) : بِفَتْحٍ وَضَمٍّ أَيْ: مِنَ الْحَيْضِ (نُبْذَةً) : بِضَمِّ النُّونِ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ الظَّرْفُ (مِنْ قُسْطٍ) : بِضَمِّ الْقَافِ ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ، وَقِيلَ: هُوَ عُودٌ يُحْمَلُ مِنَ الْهِنْدِ، وَيُجْعَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْقِسْطُ عَقَارٌ مَعْرُوفٌ فِي الْأَدْوِيَةِ طَيِّبُ الرِّيحِ يُبَخَّرُ بِهِ النُّفَسَاءُ وَالْأَطْفَالُ (أَوْ أَظْفَارٍ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ جِنْسٌ مِنَ الطِّيبِ لَا وَاحِدَ لَهُ، وَقِيلَ: وَاحِدُهُ ظُفُرٌ، وَقِيلَ: يُشْبِهُ الظُّفُرَ الْمَقْلُومَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ مِنَ الْعِطْرِ أَسْوَدُ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ شَبِيهَةٌ بِالظُّفُرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْقِسْطُ وَالْأَظْفَارُ نَوْعَانِ مِنَ الْعُودِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِمَا الطِّيبُ، وَرُخِّصَ فِيهِمَا لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ يُتْبَعُ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ لَا لِلتَّطَيُّبِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» " وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ خِطَابُ الشَّارِعِ عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا إِحْدَادَ أَيْضًا عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَلَا عَلَى الْأَمَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إِنَّمَا دَخَلَتْ فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا نَادِرَةً، فَسَلَكَتْ فِي الْحُكْمِ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ وَالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا خَرَجَ عَلَى غَالِبِ الْمُعْتَدَّاتِ اللَّاتِي تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِالْحَمْلِ، وَيَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ، وَقَالُوا: الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ دُونَ الطَّلَاقِ أَنَّ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ يَسْتَدْعِيَانِ النِّكَاحَ، فَنُهِيَتْ عَنْهُ زَجْرًا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ مَعُتَدَّتِهِ مِنَ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى بِوُجُودِهِ عَنْ زَاجِرٍ آخَرَ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَجِبُ بِسَبَبِ التَّزَوُّجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً، وَلَا تَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِ مِنَ الْأَقَارِبِ وَهَلْ يُبَاحُ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أَخُوهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إِبَاحَتِهِ: لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةً، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَةِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ إِنْ تُحِدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، لَأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إِذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ لِصَبْرِهِ عَلَيْهَا إِلَى الْمَوْتِ. قُلْنَا: فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ نَصٌّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ:" الْحِنَّاءُ طِيبٌ " ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ هَكَذَا، وَلَفْظُهُ: فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ. وَقَالَ: " الْحِنَّاءُ طِيبٌ " وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُعْتَدَّةُ بِالْوَفَاةِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ بِالْقِيَاسِ عَلَى عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِجَامِعِ إِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ فِي الْمَعَادِ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِلْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ لِفَوَاتِ الزَّوْجِ، وَكَوْنُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ مِنَ الْمُهَيِّجَاتِ لِلشَّهْوَةِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنِ النِّكَاحِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمَدَّةِ، فَتَمْتَنِعُ عَنْ دَوَاعِيهِ دَفْعًا لِمَا تَدَافَعَ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:{لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: 23] الْآيَةَ. فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأَسَفُ مَعَ الصِّيَاحِ وَالْفَرَحِ مَعَ الصِّيَاحِ، نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: " وَلَا تَخْتَضِبُ) : أَيْ: بِالْحِنَّاءِ وَهُوَ نَفْيٌ، وَقِيلَ نَهْيٌ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
3332 -
«عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ رضي الله عنها: أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ - وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ. فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ ". فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَانِي، فَقَالَ: " امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " قَالَتْ: فَأَعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3332 -
(عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ) : أَيْ: بَنْتِ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ تَابِعِيَّةٌ (أَنَّ الْفُرَيْعَةَ) : بِضَمِّ فَاءٍ وَفَتْحِ رَاءٍ (بِنْتَ مَالِكٍ بْنِ سِنَانٍ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (وَهِيَ) : أَيِ: الْفُرَيْعَةُ (أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) : شَهِدَتْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ (أَخْبَرَتْهَا) : أَيِ: الْفُرَيْعَةُ زَيْنَبَ (أَنَّهَا) : أَيِ: الْفُرَيْعَةُ (جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ) : حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةِ: لِتَسْأَلَهُ (أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ) : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو قَبِيلَةٍ (فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ إِلَى طَلَبِ أَعْبُدٍ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ جَمْعُ عَبْدٍ (لَهُ) : أَيْ: مَمْلُوكَةٍ (أَبَقَوا) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: هَرَبُوا (قَتَلُوهُ) : أَيِ: الْعَبِيدُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ: حَتَّى إِذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ. (قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي لِأَنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ) : بِالْجَرِّ أَيْ: وَلَا فِي نَفَقَةٍ. وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْفَتْحِ أَيْ: وَلَا نَفَقَةَ لِي (فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ ". فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ) : أَيِ: الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ) : أَيِ: النَّبَوِيِّ وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ (دَعَانِي) : أَيْ: نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتِ؟ " فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (قَالَ: " امْكُثِي) : بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ: تَوَقَّفِي وَاثْبُتِي (فِي بَيْتِكِ) : أَيِ: الَّتِي كُنْتِ فِيهِ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ) : أَيِ: الْعِدَّةُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا أَيِ: الْمَفْرُوضَةُ (أَجَلَهُ) : أَيْ: مُدَّتَهُ، وَالْمَعْنَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَسُمِّيَتِ الْعِدَّةُ كِتَابًا لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - تَعَالَى -:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة: 178] أَيْ: فُرِضَ (فَقَالَتْ: فَاعْتَدَدَتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) : زَادَ ابْنُ الْهُمَامِ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إِلَيَّ وَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَأَتْبَعُهُ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي السُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ عَنِ الْوَفَاةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: فَعَلَى الْأَصَحِّ لَهَا السَّكَنُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالُوا: إِذْنُهُ صلى الله عليه وسلم لِفُرَيْعَةَ أَوَّلًا صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ إِلَخْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ لَا سَكَنَ لَهَا بَلْ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلْفُرَيْعَةَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا، وَقَوْلُهُ لَهَا آخِرًا. " «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» " أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ. (رَوَاهُ مَالِكٍ) : أَيْ: فِي الْمُوَطَّأِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ. (وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) : قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ حَيْثُ شَاءَتْ» ، فَقَالَ فِيهِ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مُخْتَلِطٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ، فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَذِكْرُ الْجَمْعِ أَصْوَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْجَنَابَةُ مِنْ غَيْرِهِ، اهـ كَلَامُهُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ.
3333 -
ــ
3333 -
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) : أَيْ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ (قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ: عِنْدِي، وَفِي بَيْتِي (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ) : بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ: مَاتَ (أَبُو سَلَمَةَ) : أَيْ: زَوْجُهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَيَّ) : أَيْ: عَلَى وَجْهِي (صَبِرًا) : بِفَتْحِ صَادٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ. وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِهَا. وَفِي الْقَامُوسِ: بِكَسْرِ الْبَاءِ كَكَتِفٍ وَلَا يُسَكَّنُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، اهـ. وَقِيلَ: يَجُوزُ كِلَاهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ كَكَتْفٍ وَكَتِفٍ. وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: الصَّبِرُ مَعْرُوفٌ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِ:
لَا تَحْسِبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ
…
لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا
وَجَاءَ إِسْكَانُهَا مَعَ كَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الصَّبِرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمَشْهُورِ دَوَاءٌ مُرٌّ وَسُكُونُ الْبَاءِ لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ، وَرُوِيَ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا، فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ. (قَالَ:" مَا هَذَا) : أَيِ: التَّلَطُّخُ وَأَنْتِ فِي الْعِدَّةِ (يَا أُمَّ سَلَمَةَ قُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ) : بِالْكَسْرِ أَيْ: عِطْرٌ (فَقَالَ: " إِنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنَ أَوِ الصَّبْرَ (يَشُبُّ) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: يُوقِدُ (الْوَجْهَ) : وَيَزِيدُ فِي لَوْنِهِ، وَعَلَّلَ الْمَنْعَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَزْيِينًا لِلْوَجْهِ وَتَحْسِينًا لَهُ (فَلَا تَجْعَلِيهِ) : أَيْ: فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا تَفْعَلِيهِ (إِلَّا بِاللَّيْلِ) : لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ قَصْدِ الزِّينَةِ (وَتَنْزِعِيهِ) : بِكَسْرِ الزَّايِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا تَجْعَلِيهِ عَلَى مَعْنَى فَاجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَانْزِعِيهِ (بِالنَّهَارِ) : لِأَنَّ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّعِ لَغْوٌ، وَالْكَلَامُ مُثْبَتٌ، وَحَذْفُ النُّونِ فِي تَنْزِعِيهِ لِلتَّخْفِيفِ، وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ بِلَفْظِ " وَانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ " وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ) : الْبَاءُ حَالٌ مِنَ الْمِشْطِ أَيْ: لَا تَسْتَحِلِّي الْمُشْطَ مُطَيَّبًا (وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ " قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " بِالسِّدْرِ) : أَيِ: امْتَشِطِي بِالسِّدْرِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بَاؤُهُ لِلْحَالِ أَيْضًا (تَغَلَّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ) : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مَنْ تَغَلَّفَ الرَّجُلُ بِالْغَالِيَةِ أَيْ: تَلَطَّخَ بِهَا، أَيْ: تُكْثِرِينَ مِنْهُ عَلَى شَعْرِكِ حَتَّى يَصِيرَ غُلَافًا لَهُ فَتُغَطِّيهِ كَتَغْطِيَةِ الْغِلَافِ الْمَغْلُوفِ، وَرُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنَ التَّغْلِيفِ، وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ غِلَافًا لِشَيْءٍ فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَيُقَالُ: غَلَفَ بِهَا لِحْيَتَهُ غَلْفًا مِنْ قَوْلِكَ: غَلَّفْتُ الْفَارَةَ أَيْ: جَعَلْتُهَا فِي غِلَافٍ، وَكَأَنَّ الْمَاسِحَ بِهَا رَأَسَهُ اتَّخَذَهُ غِلَافًا لَهُ وَغَلَّفَ بِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: " تَغَلَّفِينَ " أَيْضًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ " امْتَشِطِي " أَوِ اسْتِئْنَافٌ، " وَتَغَلَّفِينَ " مَفْتُوحَةُ التَّاءِ عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي بَعْضِ نَسْخِ الْمَصَابِيحِ مِنَ التَّغَلُّفِ، فَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفَعُّلَ فِيهِ التَّكَلُّفَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، لَكِنْ فِي مُسْنَدِهِ مَجْهُولٌ، وَفِي الْمَبْسُوطِ تَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ لَا الضَّيِّقَةِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَطْلَقَهَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مُطْلَقًا، وَكَوْنُهُ بِالضَّيِّقَةِ يَحْصُلُ مَعْنَى الزِّينَةِ. وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا. وَبِالْوَاسِعَةِ يَحْصُلُ دَفْعُ الضَّرَرِ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَدْ يُحْتَاجُ لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ إِلَى الضَّيِّقَةِ. نَعَمْ كُلَّمَا أَرَادَتْ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ لَمْ يَحِلَّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ، فَمَنَعْنَاهُ نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ إِلَّا لِضَرُورَةٍ لِحُصُولِ الزِّينَةِ بِهِ، وَأَجَازَهُ الْإِمَامَانِ وَالظَّاهِرِيَّةُ.
3334 -
وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
3334 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمَعُصْفَرَ) : أَيِ: الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ بِالضَّمِّ (مِنَ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ: الْمَصْبُوغَةَ بِالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يُسَمَّى مَغْرَةً، وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْحُلَّةِ أَوِ الثِّيَابِ. (وَلَا الْحُلِيَّ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حِلْيَةٍ، وَهِيَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِنَ الْمَصَاغِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا تَخْتَضِبُ) : أَيْ بِالْحِنَّاءِ (وَلَا تَكْتَحِلُ) : أَيْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ:" «وَلَا تَلْبَسُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُعَصْفَرَ» " الْحَدِيثَ. وَفِي الْهِدَايَةِ: يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ لِعُذْرٍ كَالْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَالْمَرَضِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُبَاحُ لَهَا الْحَرِيرُ الْأَسْوَدُ وَالْحُلِيُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنَ النَّصِّ فِي مَنْعِ الْمَصْبُوغِ يَنْفِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِ الْحُلِيِّ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنَ الْمَصْبُوغِ إِلَّا الْمُعَصَّبَ فَيَشْمَلُ مَنْعَ الْأَسْوَدِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3335 -
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه: أَنَّ الْأَحْوَصَ هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيدٌ: إِنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا، وَلَا تَرِثُهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3335 -
(عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَخُوهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ (أَنَّ الْأَحْوَصَ) : هُوَ ابْنُ جَوَّابٍ الضَّبَّيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّابِعِينَ (هَلَكَ) : أَيْ: مَاتَ (بِالشَّامِ) : أَيْ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ (حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا فِي الْقَامُوسِ: الْحَيْضَةُ: الْمَرَّةُ، وَبِالْكَسْرِ: الِاسْمُ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: أَيِ الْحَالَةِ الَّتِي عَلَيْهَا (الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ) : أَيِ: الْأَحْوَصُ (طَلَّقَهَا) : أَيْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ (فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) : أَيْ: مُنَبِّهًا إِلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (يَسْأَلُهُ فِي ذَلِكَ) . أَيْ عَمَّا ذُكِرَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ هَلْ تَرِثُهُ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا كَتَبَ إِلَيْهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْصَافِهِ بِالِاعْتِرَافِ، أَوْ لِمَا وَقَعَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ وَالِاخْتِلَافِ (فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيدٌ: إِنَّهَا) : أَيِ: الْمَرْأَةَ (إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ) : أَيْ: مِنَ الزَّوْجِ (وَبَرِئَ مِنْهَا) : أَيْ مِنَ الْمَرْأَةِ (لَا يَرِثُهَا وَلَا تَرِثُهُ) . بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] الْأَطْهَارُ. قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ نُقِلَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَمِلَ بِقَوْلِهِ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْأَطْهَارُ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ مَالِكٍ وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَوْلُنَا قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْعَبَادِلَةِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ قَوْلُ الْعَبَادِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَتَعَارَضَ عَنْهُ النَّقْلُ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ، وَثَبَتَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: عِلَّهُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، فَتُعَارِضُ رِوَايَتَهُمْ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنَانِ ابْنُ حَيٍّ وَالْبَصَرِيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَشَرِيكٌ الْقَاضِي، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَرَبِيعَةُ السُّدِّيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَحْمَدُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ الْمَدَنِيُّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتِ الْأَقْرَاءُ الْحَيْضَ لَا الطُّهْرَ إِذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، وَأَمَّا الطُّهْرُ فَيُحْسَبُ مِنْهَا، فَيَلْزَمُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالشُّرُوعِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ فَعَلَيْهِ يُبْنَى قَوْلُهُمْ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) .