المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب السلم والرهن] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب السلم والرهن]

أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَاقِيًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ لَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ بَلِ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَرِوَايَةُ (الْمَبِيعُ قَائِمٌ) تُقَوِّي مَذْهَبَهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ قَالَ: الْبَيِّعَانِ إِذَا اخْتَلَفَا وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ) أَيْ بَاقٍ (بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ) أَيْ شُهُودٌ (فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ) أَيْ بِحَلِفِهِ فَإِذَا حَلَفَ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ كَمَا سَبَقَ (أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَبِيعُ بَاقِيًا عِنْدَ النِّزَاعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يَحْلِفِ الْبَائِعُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ رحمه الله

-.

ص: 1946

2881 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَفِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " بِلَفْظِ الْمَصَابِيحِ " عَنْ شُرَيْحٍ الشَّامِيِّ مُرْسَلًا.

ــ

2881 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا) أَيْ بَيْعَهُ (أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ) أَيْ غَفَرَ زَلَّتَهُ وَخَطِيئَتَهُ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِيهِ إِيذَانٌ بِنُدْبِيَّةِ الْإِقَالَةِ إِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْإِقَالَةُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ جَائِزَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهِيَ فَسْخُ الْبَيْعِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) أَيْ مُتَّصِلًا، وَكَذَا الْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْهُ بِلَفْظِ:" «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "(وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ) بِلَفْظِ " الْمَصَابِيحِ " وَهُوَ: " «مَنْ أَقَالَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ صَفْقَةً كَرِهَهَا أَقَالَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (عَنْ شُرَيْحٍ) بِالتَّصْغِيرِ (الشَّامِيِّ مُرْسَلًا) فِيهِ اعْتِرَاضٌ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى الْبَغَوِيِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ الْأَوْلَى حَيْثُ ذَكَرَ الْمُرْسَلَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُتَّصِلَ.

ص: 1946

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2882 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «اشْتَرَى رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَقَارًا مِنْ رَجُلٍ فَوَجَدَ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ عَنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ الْعَقَارَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ. فَقَالَ بَائِعُ الْأَرْضِ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقُوا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2882 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْتَرِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَقَارًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا (مِنْ رَجُلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى وَمِنَ الْأُولَي بَيَانِيَّةٌ أَوْ بَعْضِيَّةٌ (فَوَجَدَ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ) فِيهِ وُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ (فِي عَقَارِهِ جَرَّةً) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ) فِيهِ مَا سَبَقَ (خُذْ ذَهَبَكَ عَنِّي) أَيْ مِنِّي أَوْ مُوَلِّيًا عَنِّي (إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ الْعَقَارَ وَلَمْ أَبْتَعْ) أَيْ لَمْ أَشْتَرِ (مِنْكَ الذَّهَبَ فَقَالَ بَائِعُ الْأَرْضِ إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا) أَيْ تَبَعًا لَهَا (فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ) قِيلَ إِنَّهُ دَاوُدُ عليه الصلاة والسلام (قَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ) أَيْ صَبِيٌّ (وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ) أَيْ بِنْتٌ (فَقَالَ أَنْكِحُوا) أَيْ زَوِّجُوا (الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقُوا) أَيْ بَعْضَهُ أَوْ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِمَا. قَالَ النَّوَوِيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِصْلَاحُ بَيْنَهُمَا كَمَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1946

[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

ص: 1946

بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2883 -

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، فَقَالَ: " مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ)

السَّلَمُ بِفَتْحَتَيْنِ أَنْ تُعْطِيَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فِي سِلْعَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ فَكَأَنَّكَ قَدْ أَسْلَمْتَ الثَّمَنَ إِلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ وَسَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الرَّهْنُ مَا يُوضَعُ وَثِيقَةً لِلدَّيْنِ وَالرِّهَانُ مِثْلُهُ لَكِنْ يَخْتَصُّ بِمَا يُوضَعُ فِي الْخِطَارِ وَأَصْلُهُمَا مَصْدَرٌ يُقَالُ. رَهَنْتُ الرَّهْنُ وَأَرْهَنْتُهُ رِهَانًا فَهُوَ رَهِينٌ وَمَرْهُونٌ وَيُقَالُ فِي جَمْعِ الرَّهْنِ رِهَانٌ وَرُهُنٌ وَرُهُونٌ وَارْتَهَنْتُ أَخَذْتُ الرَّهْنَ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2883 -

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَالْإِسْلَافُ إِعْطَاءُ الثَّمَنِ فِي مَبِيعٍ إِلَى مُدَّةٍ أَيْ يَشْتَرُونَ الثَّمَنَ فِي الْحَالِ وَيَأْخُذُونَ السِّلْعَةَ فِي الْمَالِ (السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ) مَنْصُوبَاتٌ إِمَّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ يَشْتَرُونَ إِلَى السَّنَةِ وَإِمَّا عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ إِسْلَافُ السَّنَةِ (فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَتَعْيِينِ الْأَجَلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إِنَّ جَهَالَةَ أَحَدِهِمَا مَفْسَدَةٌ لِلْبَيْعِ، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ كَيْلُهُ مَعْلُومًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ السَّلَمِ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ مُؤَجَّلًا جَازَ مَعَ الْفَوْرِ فَجَوَازُ الْحَالِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْغَرَرِ وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ بَلْ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ حَالًا فَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ وَصْفِهِ بِمَا ضُبِطَ بِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

ص: 1947

2884 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2884 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ» ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ، وَعَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَعَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْخُضَرِ وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ قَيَّدَهُ بِالسَّفَرِ وَعَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُمْ لَا يَخْلُو عَنِ الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّقَلُّلِ فِي الدُّنْيَا وَمُلَازِمَةِ الْفَقْرِ وَفِيهِ جَوَازُ رَهْنِ آلَةِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَمْلَاكِهِمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] مُبَيَّنٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِذْ دَلِيلُ خِطَابِهِ مَتْرُوكٌ بِهِ وَأَمَّا مُعَامَلَتُهُ مَعَ الْيَهُودِيِّ وَرَهْنُهُ عِنْدَهُ دُونَ الصَّحَابَةِ فَقِيلَ فَعَلَهُ بَيَانًا لِجَوَازِ ذَلِكَ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ إِلَّا عِنْدَهُ وَقِيلَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَا يَأْخُذُونَ رَهْنَهُ وَلَا يَتَقَاضُونَهُ الثَّمَنَ فَعَدَلَ إِلَى الْيَهُودِيِّ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْكُفَّارِ إِذَا لَمْ يَتَحَقَقْ تَحْرِيمُ مَا مَعَهُمْ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ السِّلَاحِ وَمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ فِي إِقَامَةِ دِينِهِمْ وَلَا بَيْعُ الْمُصْحَفِ وَلَا عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ مُطْلَقًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍ وَمُؤَجَّلٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بَيْعٌ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَفِي لَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ: طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، وَقَدْ سُمِّيَ هَذَا الْيَهُودِيُّ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ:«أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَهَنَ دِرْعًا عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ» ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي ظَفَرَ فِي شَعِيرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَذَلِكَ فِي بَعِيدِهَا، وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الْأَجَلِ وَهُوَ السَّلَمُ أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ حَيْثُ قَالَ:" «مَنْ أَسْلَفَ فِي ثَمَرَةٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ.

ص: 1947

2885 -

وَعَنْهَا، قَالَتْ:«تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2885 -

(وَعَنْهَا) أَيْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (قَالَتْ تُوُفِّيَ) بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ «قُبِضَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةَ السَّابِقَةَ بِعَيْنِهَا وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَهَا وَأَمَّا خَبَرُ: " «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» " كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقِيلَ: أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: أَيْ: أَمْرُهَا مَوْقُوفٌ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِنَجَاةٍ وَلَا هَلَاكٍ حَتَّى يُنْظَرَ، أَهَلْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ أَمْ لَا؟ اهـ.

وَسَوَاءٌ أَتَرَكَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ: إِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً. كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ لَمْ يَشِذَّ إِذْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ حَيْثُ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتْرُكْ عِنْدَ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَا يَحْصُلُ بِهِ وَفَاءٌ وَأَيْضًا الْأَنْبِيَاءُ مُسْتَثْنَوْنَ، وَأَيْضًا قَالُوا: مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ أَوْ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرُدَّهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَضَى عِدَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمْعُ عِدَةٍ بِمَعْنَى وَعْدٍ، وَأَنَّ عَلِيًّا قَضَى دُيُونَهُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَكَّ الدِّرْعَ وَأَسْلَمَهَا إِلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 1948

2886 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2886 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الظَّهْرُ ") أَيْ ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَقِيلَ: الظَّهْرُ الْإِبِلُ الْقَوِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَلَعَلَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِرُكُوبِ الظَّهْرِ (يُرْكَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِنَفَقَتِهِ) أَيْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِمِقْدَارِهَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ جَازَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْكَبَهُ وَيَحْمِلَ عَلَيْهِ حَمْلَهُ بِسَبَبِ أَنَّ عَلَفَهُ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ كَفَّنَهُ الْمَالِكُ (وَلَبَنُ الدَّرِّ) أَيْ ذَاتِ الدَّرِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّبَنَ (يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ) أَيْ يَشْرَبُهُ الْمُنْفِقُ عَلَيْهَا (إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ أَنَّ دَوَامَ قَبْضِ الْمَرْهُونِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يَرْكَبُهُ الْمَالِكُ إِلَّا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ قَبْضِ الْمَرْهُونِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْهُونَ لَا يَحْمِلُ وَمَنَافِعَهُ لَا تُعَطَّلُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ غُنْمُهُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَالْعُلَمَاءُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ مُطْلَقًا وَنَفَقَتَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ، وَالْفُرُوعُ تَتْبَعُ الْأُصُولَ، وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ رَوَى ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» " وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الْمَرْهُونِ بِحَلْبٍ وَرُكُوبٍ دُونَ غَيْرِهِمَا وَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، وَاحْتَجَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنْ يُقَالَ: دَلَّ الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ، وَانْتِفَاعُ الرَّاهِنِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ إِبَاحَتَهُ مُسْتَفَادَةٌ لَهُ مِنْ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ لَا مِنَ الْإِنْفَاقِ، وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَجَوَازُ انْتِفَاعِ الرَّاهِنِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا، فَإِذًا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ مِنَ الْمَرْهُونِ بِالنَّفَقَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ النَّفَقَةُ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِأَنَّهُ مِنَ الرِّبَا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى انْتِفَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِمَنَافِعِ الْمَرْهُونِ بِدَيْنِهِ، وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي بِنَفَقَتِهِ لَيْسَتْ لِلْبَدَلِيَّةِ بَلْ لِلْمَعِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّهْرَ يُرْكَبُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّهْنُ الرَّاهِنَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَرْهُونِ، وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْإِنْفَاقُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 1948

الْفَصْلُ الثَّانِي

2887 -

(عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

2887 -

(عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَغْلَقُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يَمْنَعُ (الرَّهْنُ) أَيْ عَقْدُهُ (الرَّهْنَ) أَيِ الْمَرْهُونَ (مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ مَالِكِ الْمَرْهُونِ (الَّذِي رَهَنَهُ) أَيْ صَاحِبُهُ بِحَيْثُ يَزُولُ عَنْهُ مَنْفَعَتُهُ بَلْ يَكُونُ الْمَرْهُونُ كَالْبَاقِي فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ وَفَى النِّهَايَةِ أَيْ لَا يَسْتَفِكُّهُ صَاحِبُهُ وَكَانَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّاهِنَ. إِذَا لَمْ يَرُدَّ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَأَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الرَّهْنُ الْأَوَّلُ مَصْدَرٌ وَالثَّانِي مَفْعُولٌ فِي الْغَرِيبَيْنِ أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مُرْتَهِنُهُ إِذَا لَمْ يَرُدَّ الرَّاهِنُ - مَا رَهَنَهُ بِهِ فِي الْفَائِقِ: يُقَالُ غَلِقَ الرَّهْنُ غُلُوقًا إِذَا بَقَى فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ.

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ غَلْقِ الرَّهْنِ؟ فَقَالَ: يَقُولُ إِنْ لَمْ أَفُكُّهُ إِلَى غَدٍ فَهُوَ لَكَ، وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله يُقَالُ غَلِقَ الْبَابُ وَانْغَلَقَ وَاسْتَغْلَقَ إِذَا عَسُرَ فَتْحُهُ وَالْغَلْقُ فِي الرَّهْنِ ضِدَّ الْفَكِّ فَإِذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ غَلْقِ الرَّهْنِ فَقَالَ: يَقُولُ إِنْ لَمْ أَفُكُّهُ إِلَى غَدٍ فَهُوَ لَكَ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله يُقَالُ غَلِقَ الْبَابُ وَانْغَلَقَ وَاسْتَغْلَقَ إِذَا عَسُرَ فَتْحُهُ وَالْغَلْقُ فِي الرَّهْنِ ضِدَّ الْفَكِّ فَإِذَا فَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ فَقَدْ أَطْلَقَهُ مِنْ وَثَاقِهِ (لَهُ) أَيْ لِلرَّاهِنِ (غُنْمُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ فَوَائِدُهُ وَنَمَاؤُهُ (وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَدَاءُ مَا يَفُكُّ بِهِ الرَّهْنَ وَمَنْ لَا يَرَى الرَّهْنَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ يُفَسِّرُهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ وَضَمَانَهُ إِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَذَا ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: غُنْمُهُ زِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ هَلَاكُهُ وَنَقْصُهُ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوَائِدَ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهُ تَكُونُ لِلرَّاهِنِ وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَإِذَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَوَامَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُرْجِعُ الرَّهْنَ إِلَى رَبِّهِ فَيَكُونُ غُنْمُهُ لَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ فَيَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ: مِنْ صَاحِبِهِ، قِيلَ: الْمُرَادُ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ ضَمِنَ، غَلَقَ مَنَعَ أَيْ: لَا يَمْنَعُ الرَّهْنُ الْمَرْهُونَ مِنْ تَصَرُّفِ مَالِكِهِ مَا ثُمَّ جِيءَ بِمَا بَعْدَهُ بَيَانًا لِذَلِكَ، وَقُدِّمَ الْخَبَرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ تَخْصِيصًا يَعْنِي لَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فَلَهُ نَفْعُهُ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. لَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنَ الرَّهْنِ إِلَّا تَوْثِقَةُ دَيْنِهِ، وَإِنْ نَقَصَ وَهَلَكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ إِلَى الرَّاهِنِ (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا) أَيْ عَنْ سَعِيدٍ التَّابِعِيِّ بِحَذْفِ الصَّحَابِيِّ.

ص: 1949

2888 -

وَرُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّصِلًا.

ــ

2888 -

(وَرُوِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ لَفْظِ الْحَدِيثِ (أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ) وَفِي نُسْخَةٍ رَوَى بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ فَالضَّمِيرُ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَبِنَصْبِ مِثْلَ (لَا يُخَالِفُهُ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا يُخَالِفُهُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ سَعِيدٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) مُتَعَلِّقٌ بِرَوَى وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يُخَالِفُهُ يَعُودُ إِلَى الْفَاعِلِ الْمَتْرُوكِ مِنْ رُوِيَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَجْهُولًا أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَعْلُومًا فَقَوْلُهُ " لَا يُخَالِفُ " حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ عَنْ قَوْلِهِ: " مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ " وَضَمِيرُ " عَنْهُ " لِسَعِيدٍ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي " لَا يُخَالِفُ " لِلرَّاوِي الْمَتْرُوكِ كَمَا مَرَّ وَعَلَى الثَّانِي أَيْ عَلَى كَوْنِ رَوَى مَعْلُومًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَا يُخَالِفُ الْمُرْوَى أَوِ الرَّاوِي الْمَرْوِيَّ فَتَأَمَّلْ (مُتَّصِلًا) حَالٌ مِنَ الْحَدِيثِ أَوْ إِسْنَادُهُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَحَّدْنَاهُ فِي الْكِتَابِ أَيِ الْمَصَابِيحِ مَوْصُولًا مُسْنَدًا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ بِهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلَى هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُوصِلْهُ غَيْرُ ابْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ.

ص: 1949