المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب رمي الجمار] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب رمي الجمار]

فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُحَرِّكَ الَّذِي فِي عَيْنَيْكَ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ سَفِيهٌ مُسَلَّطٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَخْفَى قَوْلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يُسْمِعْهُ، وَكَانَ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِعَرَفَةَ، وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ يَعِزُّ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ حَالِ عَبْدِ الْمَلِكِ ; فَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ سَيِّئَةٌ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، فَيَكْفِيهِ سَبَبًا فِي تَسَفُّلِ دَرَكَاتِهِ.

وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ جَوْرِهِ، وَتَعَدِّيهِ لِلْحُدُودِ أَلْزَمَ الْحَجَّاجَ مَعَ فَظَاظَتِهِ، وَجَبَرُوتِهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ: وَيَقْتَدِي بِفِعْلِهِ فِي جَمِيعِ نُسُكِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَكَمَنَ قَتَلَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ أَحَدٌ، فَأَمَرَ أَتْبَاعَهُ بِسَمِّ أَسِنَّةِ رِمَاحِهِمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَسَرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْظُرَ ابْنَ عُمَرَ حَتَّى يَخْرُجَ لِلْمَسْجِدِ، فَيَمْشِيَ بِإِزَائِهِ، ثُمَّ يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ يَتَشَاغَلُ بِالزَّحْمَةِ، فَيُسْقِطُ رُمْحَهُ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ عَلَى رِجْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَأَصَابَهَا سِنَانُهُ الْمَسْمُومُ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ شَعَرَ ابْنُ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَشَافَهَ بِهِ الْحَجَّاجَ لَمَّا عَادَهُ، وَقَالَ لَهُ: لَوْ عَلِمْنَا مَنْ فَعَلَ بِكَ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ لَهُ: فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ أَمَرَ النَّاسَ بِسَمِّ أَسِنَّةِ رِمَاحِهِمْ، اهـ.

وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ لَا يَخْفَى، فَإِنَّ أَمْرَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَهُ ثَانِيًا إِنَّمَا كَانَ عَلَى مَكِيدَةٍ بَاطِنِيَّةٍ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ خَائِفًا لِخُرُوجِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَبُولِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْخَاصَّةِ، وَالْعَامَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَتَلُوهُ كَمَا قَتَلُوا سَائِرَ الصَّحَابَةِ، وَأَكَابِرَ السَّادَةِ، وَالتَّابِعِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُمَّةِ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 1814

[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2618 -

«عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: " لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

(6)

بَابٌ: رَمْيُ الْجِمَارِ بِكَسْرِ الْجِيمِ، جَمْعُ الْجَمْرَةِ، وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ، وَتَقَيُّدُ ابْنِ حَجَرٍ بِيَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ فِي الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَعَمِّ، وَلَمْ يُفَسِّرِ الْجِمَارَ بِالْجَمَرَاتِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ بَوَّبَ لِرَمْيِهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2618 -

«عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ» ) : قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَصَلَ مِنًى رَاكِبًا أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَمَنْ وَصَلَهَا مَاشِيًا أَنْ يَرْمِيَهَا مَاشِيًا، وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ التَّشْرِيقِ يَرْمِي جَمِيعَ الْجَمَرَاتِ مَاشِيًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَاكِبًا. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يُسْتَحَبُّ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْمِيَ مَاشِيًا، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: حَكَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ: الرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا أَفْضَلُ؟ فَمَا لَيْسَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ، فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَمَا انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ الدَّارِ حَتَّى سَمِعْتُ الصَّرْخَ بِمَوْتِهِ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ اهـ. لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ - عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ كُلِّهِ، وَكَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ عليه الصلاة والسلام فِي رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهُ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ، وَيُسْأَلَ، وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ، كَمَا ذَكَرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ. قَالَ: يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إِلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ إِلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ، وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ لِأَنَّا إِذَا حَمَلْنَا رُكُوبَهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى مَا قُلْنَا يَبْقَى كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا عِبَادَةً، وَأَدَاؤُهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ، وَالْخُشُوعِ، وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ، فَلَا يَأْمَنُ مِنَ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ مِنْهُمْ بِالزَّحْمَةِ اهـ. كَلَامُهُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ. (وَيَقُولُ) : عَطْفٌ عَلَى يَرْمِي، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

ص: 1814

أَوِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (لِتَأْخُذَا) : وَاللَّامُ لَامُ أَمْرٍ، أَيْ: خُذُوا (عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) : وَاحْفَظُوهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ عَلَى طَرِيقَةِ: فَلْتَفْرَحُوا بِالْخِطَابِ شَاذًّا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْمُعَلَّلُ مَحْذُوفٌ أَيْ: يَقُولُ: إِنَّمَا فَعَلْتُ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ (فَإِنِّي لَا أَدْرِي) مَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَا أَعْلَمُ مَاذَا يَكُونُ (لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي) : بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهِيَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى السُّنَّةِ (هَذِهِ) أَيِ: الَّتِي أَنَا فِيهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَمَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: فَإِنْ صَحَّ هَذَا كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَحَسْبُكَ مَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنِ مُحَمَّدٍ: مِنْ فِعْلِ النَّاسِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَقَفَ بِعَرَفَةَ رَاكِبًا، وَرَمَى الْجَمْرَ مَاشِيًا، وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ اهـ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ، كَمَا لَا يَخْفَى.

ص: 1815

2619 -

وَعَنْهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2619 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ (قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى الْجَمْرَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» ) : وَهُوَ قَدْرُ الْبَاقِلَاءِ، أَوِ النَّوَاةِ، أَوِ الْأُنْمُلَةِ، فَيُكْرَهُ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْبَرُ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنِ الثَّانِي فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ، " «بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا، وَإِيَّاكُمْ، وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ» " وَمِنْ هُنَا تَعَجَّبَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: الْأَكْبَرُ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ أَعْجَبُ إِلَيَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

وَلَا وَجْهَ لِلتَّعَجُّبِ لِأَنَّ مَالِكًا رَجَّحَ الْأَكْبَرَ مِنْ جُمْلَةِ حَصَى الْخَذْفِ عَلَى أَصْغَرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْغُلُوِّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ، فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الزَّلَلِ، ثُمَّ وَجْهُهُ إِمَّا لِأَنَّهُ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَاخْتِيَارُ الشَّارِعِ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ دُونَ الْأَكْبَرِ مِنْهُ رَحْمَةً لِلْأُمَّةِ فِي حَالِ الزَّحْمَةِ. فِي " الْهِدَايَةِ ": كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إِبْهَامِهِ وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إِبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ، وَيَضَعَ الْحَصَى عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَالْآخَرُ: أَنْ يُلْحِقَ سَبَّابَتَهُ، وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إِبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ عَشَرَةٍ، وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنَ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ، وَالْوَهْجَةِ عَسِيرٌ، وَقِيلَ: يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ إِبْهَامِهِ، وَسَبَّابَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، وَهُوَ الْمُعْتَادُ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ سِوَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «فَارْمُوا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» ". وَهَذَا لَا يَدُلُّ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ الْمَطْلُوبَةِ كَيْفِيَّةَ الْخَذْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْيِينٌ ضَابِطٌ مِقْدَارَ الْحَصَاةِ إِذَا كَانَ مِقْدَارُ مَا يَخْذِفُ بِهِ مَعْلُومًا، وَأَمَّا مَا زَادَ فِي رِوَايَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، مِنْ قَوْلِهِ. وَيُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الْإِنْسَانُ يَعْنِي عِنْدَمَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، وَأَشَارَ بِصُورَةِ الْخَذْفِ بِيَدِهِ، فَلَيْسَ يَسْتَلْزِمُ طَلَبُ كَوْنِ الرَّمْيِ بِصُورَةِ الْخَذْفِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِيُؤَكِّدَ كَوْنَ الْمَطْلُوبِ حَصَى الْخَذْفِ، كَأَنَّهُ قَالَ: خُذُوا حَصَى الْخَذْفِ الَّذِي هُوَ هَكَذَا ; لِيُشِيرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي كَوْنِهِ حَصَى الْخَذْفِ ; وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي خُصُوصِ وَضْعِ الْحَصَاةِ فِي الْيَدِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَجْهُ قُرْبَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ مُجَرَّدُ صِغَرِ الْحَصَاةِ اهـ. كَلَامُهُ.

وَلَوْ رَمَى بِحَصًى أَخَذَهُ مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْحَجَرِ رَأْسًا؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا حَصَى مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عَامٍ، فَنَحْسَبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ، فَقَالَ: " إِنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتَهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ» ". كَذَا فِي " شَرْحِ النِّقَابَةِ " لِلشُّمُنِّيِّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1815

2620 -

وَعَنْهُ قَالَ: " «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2620 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ (قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ) فِي " الْهِدَايَةِ ": وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لِأَنَّ مُسَمَّى الرَّمْيِ لَا يَنْتَفِي فِي الطَّرْحِ رَأْسًا، بَلْ إِنَّمَا فِيهِ مَعَ قُصُورٍ ; فَتَثْبُتُ الْإِسَاءَةُ بِهِ، بِخِلَافِ وَضْعِ الْحَصَاةِ وَضْعًا، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الرَّمْيِ الْكُلِّيَّةِ. (يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ: يَوْمَ الْعِيدِ (ضُحًى) أَيْ: وَقْتَ الضَّحْوَةِ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ (وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أَيْ: فَرَمْيٌ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَفَادَ أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَدْخُلُ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَفِي رِوَايَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِنْ رَمَى قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ، لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَحْقِيقٍ فِيهَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ التَّخْفِيفِ بِالتَّقْدِيمِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ يَوْمٍ عَلَى زَوَالِهِ إِجْمَاعًا عَلَى مَا زَعَمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ حِكَايَةُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَغَيْرِهِ الْجَوَازَ عَنِ الْأَئِمَّةِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، يَبْلُغُ بِهِ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، يَعْنِي: يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» ؛ الْحَدِيثَ.

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله. قُلْتُ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَفِي الْجُمْلَةِ يُسَنُّ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ إِنْ لَمْ يُخَفْ فَوْتُهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي " الْهِدَايَةِ ": وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ، فَيَجُوزُ الرَّمْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: إِذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ، فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ، وَالصَّدْرُ، وَالِانْتِفَاخُ: الِارْتِفَاعُ، وَفِي سَنَدِهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِلرَّمْيِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لَيْسَ إِلَّا فِعْلُهُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَهُ فِيهِ عليه الصلاة والسلام، كَمَا لَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي رَمَى فِيهِ عليه الصلاة والسلام، وَإِنَّمَا رَمَى عليه الصلاة والسلام فِي الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُرْمَى قَبْلَهُ.

ص: 1816

2621 -

«وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2621 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ انْتَهَى) أَيْ: وَصَلَ أَوِ انْتَهَى وُصُولُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، كَمَا بَيَّنَتْهُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ (إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى) أَيِ: الْعَقَبَةُ، وَوَهِمَ الطِّيبِيُّ، فَقَالَ أَيِ: الْجَمْرَةُ الَّتِي عِنْدَ مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَالصَّوَابُ مَا قُلْنَا لِقَوْلِهِ:(فَجَعَلَ الْبَيْتَ) أَيِ: الْكَعْبَةَ (عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ) وَفِي سَائِرِ الْجَمَرَاتِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ اسْتَجَابًا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا، وَيَسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ، وَالْجَمْرَةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْجُمْهُورُ أَخَذُوا بِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورِ. (وَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُكَبِّرُ فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ؛ لِأَنَّ التَّعْقِيبِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَعِيَّةَ، كَمَا حَقَّقَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ بِلْقِيسَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ وَفِي " الدُّرِّ " لِلسُّيُوطِيِّ رحمه الله: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَعَمَلًا مَشْكُورًا. وَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ يَقُولُ مِثْلَ مَا قُلْتُ. (ثُمَّ قَالَ) أَيِ: ابْنُ مَسْعُودٍ (هَكَذَا رَمَى) : بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمَصْدَرِ (الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ عليه الصلاة والسلام وَعُدُولُهُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَالْوَصْفِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْوِهِ إِلَى الْمَوْصُولِ، وَصِلَتِهِ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ الْفِعْلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} [يوسف: 23] اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ ضَمِيرُ " قَالَ " لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَا هُنَالِكَ (سُورَةُ الْبَقَرَةِ) . خَصَّهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَنَاسِكِ مَذْكُورٌ فِيهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1816

2622 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «الِاسْتِجْمَارُ تَوٌّ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ، وَالطَّوَافُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2622 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الِاسْتِجْمَارُ) أَيْ: الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ (تَوٌّ) - بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ - فَرْضٌ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَحْثِ الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالْفَرْضِيَّةُ هُنَا بِالثَّلَاثَةِ، وَفِي الْبَوَاقِي السَّبْعَةِ (وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَوٌّ) وَكُلُّهَا وَاجِبَةٌ (وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ) وَكُلُّهَا وَاجِبَةٌ (وَالطَّوَافُ تَوٌّ) كُلُّهَا فَرَائِضُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَنَا أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَرْضٌ، الْبَاقِي وَاجِبٌ. (وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِجْمَارِ هُنَا هُوَ التَّبَخُّرُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِوَضْعِ الْعُودِ عَلَى جَمْرَةِ النَّارِ فَيَرْتَفِعُ التَّكْرَارُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ، وَتَبِعَهُ الطِّيبِيُّ، أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ: الْفِعْلُ، وَبِالثَّانِي: عَدَدُ الْأَحْجَارِ، وَتَكَلَّفَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله، بَلْ تَعَسَّفَ حَيْثُ قَدَّرَ: إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ، وَأَنْقَى بِشَفْعٍ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ ; فَيَضُمَّ إِلَى الشَّفْعِ وَاحِدَةً حَتَّى يَحْصُلَ فَضِيلَةُ الْوَتْرِ، ثُمَّ تَبَجَّحَ بِهِ فِي تَخْلِيصِهِ مِنَ التَّكْرَارِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 1817

الْفَصْلُ الثَّانِي

2623 -

عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ، لَيْسَ ضَرْبٌ، وَلَا طَرْدٌ، وَلَيْسَ قِيلُ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

2623 -

(وَعَنْ قُدَامَةَ) - بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ) أَسْلَمَ قَرِيبًا، وَسَكَنَ مَكَّةَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، وَشَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الْجَمْرَةَ) أَيْ: جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ) وَهِيَ: الَّتِي يُخَالِطُ بَيَاضَهَا حُمْرَةٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْمَرَّ أَعْلَى الْوَبَرِ وَتَبْيَضَّ أَجْوَافُهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الصَّيْهَبَةُ كَالشُّقْرَةِ (لَيْسَ) أَيْ: هُنَاكَ (ضَرْبٌ) أَيْ: مَنْعٌ بِالْعُنْفِ (وَلَا طَرْدٌ) دَفْعٌ بِاللُّطْفِ (وَلَيْسَ) أَيْ: ثَمَّةَ (قِيلُ) بِكَسْرِ الْقَافِ، وَرَفْعِ اللَّامِ مُضَافًا إِلَى (إِلَيْكَ إِلَيْكَ) أَيْ: قَوْلُ " إِلَيْكَ " أَيْ: تَنَحَّ، وَتَبَعَّدْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله، تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ رحمه الله: وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ قِيلَ لِوَاحِدٍ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، وَالظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَا كَانَ يُقَالُ لِلنَّاسِ: إِلَيْكَ، وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى تَنَحَّ عَنِ الطَّرِيقِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرِ مُتَعَلِّقٍ، كَمَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله بِقَوْلِهِ: ضُمَّ إِلَيْكَ ثَوْبَكَ، وَتَنَحَّ عَنِ الطَّرِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 1817

2624 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

2624 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ) أَيْ: لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَبَرَّكَةِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ: هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا فِعْلٌ لَا تَظْهَرُ فِيهِمَا الْعِبَادَةُ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا التَّعَبُّدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِ اللَّهِ وَالْوُقُوفِ لِلدُّعَاءِ، فَإِنَّ أَثَرَ الْعِبَادَةِ لَائِحَةٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: إِنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، يَعْنِي: التَّكْبِيرُ سُنَّةٌ مَعَ كُلِّ حَجَرٍ، وَالدَّعَوَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي السَّعْيِ سُنَّةٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنَ الرَّمْيِ، وَالسَّعْيِ حِكْمَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَنُكْتَةٌ بَاهِرَةٌ، غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّعَبُّدِ، وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَنِ الْمَعْرِفَةِ، وَذَلِكَ لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَنَّ آدَمَ عليه الصلاة والسلام رَمَى إِبْلِيسَ بِمِنًى، فَأَجْمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: أَسْرَعَ فَسُمِّيَ الْجِمَارِيَّةَ.

ص: 1817