المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المساهلة في المعاملة] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ]

- ‌[بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ]

- ‌[بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

- ‌[بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[بَابُ الْحَلْقِ]

- ‌[بَابٌ فِي تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ]

- ‌[بَابٌ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّوْدِيعُ]

- ‌[بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ]

- ‌[بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ]

- ‌[بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِفْلَاسِ وَالْإِنْظَارِ]

- ‌[بَابُ الشِّرْكَةِ وَالْوِكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالشِّرْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَطَايَا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ النَّظَرِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[بَابُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمُبَاشِرَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]

- ‌[بَابٌ فِي كَوْنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةٍ مُؤْمِنَةً]

- ‌[بَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

الفصل: ‌[باب المساهلة في المعاملة]

2789 -

«وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: مَنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهَ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ: صُمَّتَا إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ» : رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَقَالَ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

ــ

2789 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ) : أَيْ مَثَلًا (وَفِيهِ) : أَيْ فِي ثَمَنِهِ (دِرْهَمٌ) : أَيْ شَيْءٌ قَلِيلٌ (حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ صَلَاةً) : أَيْ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا كَمَالَ الثَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ مُثَابًا بِأَصْلِ الثَّوَابِ، وَأَمَّا أَصْلُ الصَّلَاةِ فَصَحِيحَةٌ بِلَا كَلَامٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مِنْهُ، لَكِنِ الْمَعْنَى لَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَقْبُولَةً مَعَ كَوْنِهَا مُجْزِئَةً مُسْقِطَةً لِلْقَضَاءِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ اهـ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وَالثَّوَابُ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبُولِ، كَمَا أَنَّ الصِّحَّةَ مُتَرَتِّبَةُ عَلَى حُصُولِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ، وَالتَّقْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (مَا دَامَ) : أَيْ ذَلِكَ الثَّوْبُ (عَلَيْهِ. ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ) : أَيِ الْمُسَبِّحَتَيْنِ (أُذُنَيْهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فِي أُذُنَيْهِ بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ (وَقَالَ: صُمَّتَا) : بِضَمِّ مُهْمِلَةٍ وَشَدِّ مِيمٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالضَّمِيرُ لِلْأُذُنَيْنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةَ الصَّادِ، وَإِنْ صَحَّ ضَمُّهَا فَالْمَعْنَى سُدَّتَا مِنْ صَمَمْتُ الْقَارُورَةَ سَدَّدْتُهَا، وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَى أُذُنَيْهِ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا لِإِثْبَاتِ السَّمَاعِ عَلَى مِنْوَالِ قَوْلِهِمْ: سَمِعْتُهُ بِأُذُنِي اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ نَظِيرُهُ لَا أَنَّهُ مِثْلُهُ فَتَأَمَّلْ (إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ) : أَيْ مَسْمُوعًا لِي مِنْهُ (يَقُولُهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: اسْمُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَخَبَرُهُ سَمِعْتُهُ نَحْوَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ وَزَيْدٌ انْطَلَقَ أَبُوهُ، وَهُوَ مِنَ الْإِسْنَادِ السَّبَبِيِّ لِأَنَّ الْخَبَرَ مُسْنَدٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ الْمُبْتَدَأِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: صُمَّتَا، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ لَوْ قِيلَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ. قَالُوا: زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ أَبْلَغُ مَنْ ضَرَبْتُ زِيْدًا، فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا الْمَفْعُولَ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا لَيْسَ ذِكْرَ الْفَاعِلِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْمَفْعُولِ فَقُدِّمَ عِنَايةً بِذِكْرِهِ، ثُمَّ لَمْ يُقْنَعْ بِذَلِكَ حَتَّى أَزَالُوهُ عَنْ لَفْظِ الْفَضْلَةِ وَجَعَلُوهُ رَبَّ الْجُمْلَةِ لَفْظًا، فَرَفَعُوهُ بِالِابْتِدَاءِ وَصَارَ قَوْلُهُ: ضَرَبْتُهُ ذَيْلًا لَهُ وَفَضْلَةً وَمُلْحَقَةً بِهِ اهـ. كَلَامُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْقَصْدُ صُدُورُ هَذَا الْقَوْلِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمُهْتَمُّ بِشَأْنِهِ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ تَابِعٌ لَهُ، وَعَلَى عَكْسِ هَذَا لَوْ قِيلَ:(سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَقَالَ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ) .

ص: 1907

[بَابُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2790 -

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

(2)

بَابُ الْمُسَاهَلَةِ

أَيِ: الْمُسَامَحَةِ وَالْمُجَامَلَةِ (فِي الْمُعَامَلَةِ) : فَإِنَّهُ مِنَ الصَّدَقَةِ الْخَفِيَّةِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2790 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَحِمَ اللَّهُ!) : دُعَاءٌ أَوْ خَبَرٌ (رَجُلًا) أَيْ شَخْصًا (سَمْحًا) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ سَهْلًا وَجَوَادًا، يَتَجَاوَزُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ (إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) : أَيْ إِذَا طَلَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ لَا بِالْخُرْقِ وَالْعُنْفِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ:«رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا قَضَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» .

ص: 1907

2791 -

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مَنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ. قِيلَ لَهُ: انْظُرْ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2791 -

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ ") بِحَذْفِ صَدْرِ الصِّلَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَلَى الْأَصْلِ، فَإِنَّ الصِّلَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً (" أَتَاهُ الْمَلَكُ ") : أَيْ: عِزْرَائِيلُ عليه الصلاة والسلام أَوْ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ، وَجُمِعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ قَدْ يَتَوَلَّاهَا هُوَ وَقَدْ يَتَوَلَّاهَا أَتْبَاعُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ أَوِ الْعَذَابِ يَتَنَاوَلُونَهَا مِنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] وَأَمَّا الْقَابِضُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] (" فَقِيلَ لَهُ ") : أَيْ قَالَهُ سُبْحَانَهُ أَوْ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ، وَمَا أَبْعَدَ مَنْ قَالَ: أَوْ بَعْضُ النَّاسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ قَبْلَ قَبْضِ رُوحِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا السُّؤَالُ مِنْهُ كَانَ فِي الْقَبْرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقِيَامَةِ. (" هَلْ عَمِلْتَ مِنْ شَيْءٍ ") وَفِي نُسْخَةٍ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ أَيْ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ عَلِمْتَ بِهِ. (" قَالَ: مَا أَعْلَمُ. قِيلَ لَهُ: انْظُرْ ") : أَيْ: تَفَكَّرْ وَتَدَبَّرْ (" قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ ") : أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ (" أُبَايِعُ النَّاسَ ") : أَيْ أُعَامِلُهُمْ (فِي الدُّنْيَا) : أَيْ فِي أُمُورِهَا (وَأُجَازِيهِمْ) : أَيْ أَحْسِنُ إِلَيْهِمْ حِينَ أَتَقَاضَاهُمْ (فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ) : مِنَ الْإِنْظَارِ، أَيْ أُمْهِلُ الْغَنِيَّ (وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ) : أَيْ أَعْفُو عَنِ الْفَقِيرِ وَإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنِ الدَّيْنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: فِيهِ فَضْلُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَالْوَضْعِ عَنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَفَضْلُ الْمُسَامَحَةِ فِي الِاقْتِضَاءِ مِنَ الْمُوسِرِ، وَفِيهِ عَدَمُ احْتِقَارِ أَفْعَالِ الْخَيْرِ، فَلَعَلَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلسَّعَادَةِ وَالرَّحْمَةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1908

2792 -

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَحْوَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ: " «فَقَالَ اللَّهُ أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي» ".

ــ

2792 -

(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَحْوَهُ) : أَيْ بِمَعْنَاهُ (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) : قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ - عَلَيْهِ رَحْمَةُ الْبَارِي، قُلْتُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ رحمه الله مَوْقُوفًا، عَلَى حُذَيْفَةَ، وَمَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، كَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ لَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَةٌ. قَالُوا: وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ وَحْدَهُ، وَلَعَلَّهُ هَذَا مِمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ النُّسَّاخُ وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ.

(فَقَالَ اللَّهُ أَنَا أَحَقُّ بِذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِذَلِكَ أَيْ بِالتَّجَاوُزِ (" مِنْكَ ") : أَيْ لِأَنِّي قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي) : أَيِ الْمَوْصُوفِ بِصِفَتِي، وَالْمُتَخَلِّقِ بِخُلُقِي كَمَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْإِضَافَةِ التَّشْرِيفِيَّةِ.

ص: 1908

2793 -

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2793 -

(وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَإِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ ") أَيِ: اتَّقُوا كَثْرَتَهَا وَلَوْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ كَذِبًا، وَلِذَا وَرَدَ:«كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ، وَيُؤَيِّدَهُ حَدِيثُ: الرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى، فَقَيَّدَ الْكَثْرَةَ احْتِرَازًا عَنِ الْقِلَّةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ التَّحْذِيرُ، وَلِذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ: رَجُلٌ جَعَلَ اللَّهُ بِضَاعَتَهُ لَا يَشْتَرِي إِلَّا بِيَمِينِهِ وَلَا بَيْعٌ إِلَّا بِيَمِينِهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِيَّاكُمْ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّحْذِيرِ، أَيْ: قُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ إِكْثَارِ الْحَلِفِ، وَإِكْثَارُ الْحَلِفِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّنْفِيرِ، وَالنَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ الْحَلِفِ فِيهِ لَا تَقْتَضِي جَوَازَ قِلَّتِهَا، لِأَنَّ النَّهْيَ وَارِدٌ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ وَعَادَتُهُمْ كَثْرَةُ الْحَلِفِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَّفَةً} [آل عمران: 130] اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ جَوَازَ قِلَّتِهَا مَعَ صِدْقِهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، (فَإِنَّهُ) : أَيْ إِكْثَارُ الْحَلِفِ (يُنَفِّقُ) : بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَخْفِيفِهَا، وَنَقَلَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ فِي شَرْحِهِ قَالَ شَارِحٌ: وَيُنَفِّقُ مِنَ التَّنْفِيقِ أَيِ

ص: 1908

التَّرْوِيجِ، لَا مِنَ الْإِنْفَاقِ، وَنَصَّ الشَّارِحُ الْأَوَّلُ عَلَى الرَّاوِيَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ، أَيْ يُرَوِّجُ الْمَتَاعَ وَيُكْثِرُ الرَّغَبَاتِ فِيهِ. (ثُمَّ يَمْحَقُ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَيْ: يُذْهِبُ الْبَرَكَةَ، وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ أَيْ: يُنَفِّقُ حَالًا وَيَمْحَقُ مَآلًا، كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276] وَإِنْ كَثُرَ أَوْ قَلَّ، أَوْ فِي الرُّتْبَةِ أَيْ فَمَحْقَةٌ أَبْلَغُ وَأَقْوَى، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَحْقِ عَدَمُ انْتِفَاعِهِ دِينًا وَدُنْيَا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 1909

2794 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2794 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " الْحَلِفُ ") : أَيْ إِكْثَارُهُ أَوِ الْكَاذِبُ مِنْهُ (مَنْفَقَةٌ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَكَذَا مَمْحَقَةٌ. ذَكَرَهُ مِيرَكُ (" لِلسِّلْعَةِ ") : بِالْكَسْرِ أَيْ مَظِنَّةٌ وَسَبَبٌ لِنِفَاقِهَا أَيْ: رَوَاجِهَا فِي ظَنِّ الْحَالِفِ (" مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ") : أَيْ: سَبَبٌ لِذَهَابِ بَرَكَةِ الْمَكْسُوبِ إِمَّا بِتَلَفٍ يَلْحَقَهُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِإِنْفَاذِهِ فِي غَيْرِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إِلَيْهِ فِي الْعَاجِلِ، أَوْ ثَوَابُهُ فِي الْآجِلِ، أَوْ بَقِيَ عِنْدَهُ وَحَرُمَ نَفْعُهُ، أَوْ وَرِثَهُ مَنْ لَا يَحْمَدُهُ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 1909

2795 -

«وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ". قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانٌ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2795 -

(وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلَاثَةٌ ") : أَيْ: أَشْخَاصٌ (" لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ") : أَيْ كَلَامَ لُطْفٍ وَعِنَايَةٍ (" وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ") : أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ وَرِعَايَةٍ (" وَلَا يُزَكِّيهِمْ ") : أَيْ لَا يُنَمِّي أَعْمَالَهُمْ وَلَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الْخَبَائِثِ (" وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ") : أَيْ مُؤْلِمٌ (قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا) : أَيْ: حُرِمُوا مِنَ الْخَيْرِ (وَخَسِرُوا) : أَيْ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ (مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْمُسْبِلُ ") : أَيْ إِزَرَاهُ عَنْ كَعْبَيْهِ، وَالْمُطَوِّلُ سِرْوَالَهُ إِلَى الْأَرْضِ كِبْرًا وَاخْتِيَالًا، (وَالْمَنَّانُ) : أَيِ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ: أَيْ يَمُنُّ بِمَا يُعْطِيهِ لِغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَذْكُرُ وَلَوْ لِوَاحِدٍ، فَالْمُبَالَغَةُ غَيْرُ شَرْطٍ كَأَعْطَيْتُ فُلَانًا كَذَا وَفُلَانٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ اهـ. فَهِيَ مِنَ الْمِنَّةِ الَّتِي هِيَ الِاعْتِدَادُ بِالصَّنِيعَةِ، وَهِيَ إِنْ وَقَعَتْ فِي الصَّدَقَةِ أَبْطَلَتِ الْمَثُوبَةَ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْمَعْرُوفِ كَدَّرَتِ الصَّنِيعَةَ. " وَالْمُنَفِّقُ ": بِالتَّشْدِيدِ فِي أُصُولِنَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: بِالتَّخْفِيفِ أَيِ الْمُرَوِّجِ " سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ": وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَلِفِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ، وَهُوَ يَقُولُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَاللَّهِ ; لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ الْمَتَاعَ يُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَيَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ.

ص: 1909

الْفَصْلُ الثَّانِي

2796 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصَّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

2796 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " التَّاجِرُ ") أَيِ: الْمُشْتَغِلُ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ الْبُنُّ ثُمَّ الْعِطْرُ (" الصَّدُوقُ ") : أَيْ كَثِيرُ الصِّدْقِ قَوْلًا وَفِعْلًا (" الْأَمِينُ ") : أَيِ الْمَوْصُوفُ بِالْأَمَانَةِ الْمَحْفُوظُ مِنَ الْخِيَانَةِ، وَالصِّيغَتَانِ لِلْمُبَالَغَةِ، فَمَنِ اتَّصَفَ بِهِمَا اتَّصَفَ بِسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْشَرَ أَوْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ. (مَعَ النَّبِيِّينَ) : أَيْ لِإِطَاعَتِهِمْ (وَالصَّدِيقِينَ ") : لِمُوَافَقَتِهِمْ فِي صِفَتِهِمْ (" وَالشُّهَدَاءِ ") لِشَهَادَتِهِمْ عَلَى صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ) .

ص: 1909

2797 -

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

2797 -

(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ) : بِلَا وَاوٍ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: التَّاجِرُ الصَّدُوقُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ص: 1910

2798 -

وَعَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي غَرَزَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا نُسَمَّى فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّمَاسِرَةَ، فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

2798 -

(وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ) : بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَزَايٍ مَفْتُوحَاتٍ، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَكَذَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي ذِكْرِ التِّجَارَةِ (قَالَ: كُنَّا) : أَيْ نَحْنُ مَعَاشِرَ التُّجَّارِ (نُسَمَّى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: نُدْعَى (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّمَاسِرَةَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَهُمُ الْآنَ الْمُتَوَسِّطُونَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ جَمْعُ السِّمْسَارِ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَيِّمُ عَلَى الشَّيْءِ الْحَافِظُ لَهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُتَوَسِّطِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُقَوِّمِ (فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ) : أَيْ مِنِ اسْمِنَا الْأَوَّلِ، قِيلَ: لِأَنَّ اسْمَ التَّاجِرِ أَشْرَفُ مِنِ اسْمِ السِّمْسَارِ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ. وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَحْسَنِيَّةِ أَنَّ السَّمَاسِرَةَ تُطْلَقُ الْآنَ عَلَى الْمَكَّاسِينَ، أَوْ لَعَلَّ هَذَا الِاسْمَ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ فِيهِ نَقْصٌ اهـ.

وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَذَلِكَ أَنَّ التِّجَارَةَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي رَأْسِ الْمَالِ طَلَبًا لِلرِّبْحِ، وَالسَّمْسَرَةُ كَذَلِكَ، لَكِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ التِّجَارَةَ فِي كِتَابِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: 10] وَقَوْلُهُ {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] وَقَوْلُهُ: {تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] اهـ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَيْضًا قَوْلُهُ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهُمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37] تَنْبِيهًا لَهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ النُّعُوتِ خُصُوصًا، وَفِي هَذَا الِاسْمِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] الْآيَةَ. (فَقَالَ: " «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ» ) : أَيْ غَالِبًا، وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُورَدُ لَا عَنْ رَوِيَّةٍ وَفِكْرٍ، فَيَجْرِي مَجْرَى اللَّغْوِ وَهُوَ صَوْتُ الْعَصَافِيرِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا لَا يَعْنِيهِ، وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَمَا لَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الْقَبِيحِ كَالشَّتْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55] وَعَلَى الْفِعْلِ الْبَاطِلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] . (" وَالْحَلِفُ ") : أَيْ إِكْثَارُهُ أَوِ الْكَاذِبُ مِنْهُ (" فَشُوبُوهُ ") بِضَمِّ أَوَّلِهِ، أَيِ اخْلُطُوا مَا ذَكَرَهُ مِنَ اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ (" بِالصَّدَقَةِ) : فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، كَذَا قِيلَ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102] . وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: رُبَّمَا يَحْصُلُ مِنَ الْكَلَامِ السَّاقِطِ وَكَثْرَةِ الْحَلِفِ كُدُورَةٌ فِي النَّفْسِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى إِزَالَتِهَا وَصَفَائِهَا، فَأَمَرَ بِالصَّدَقَةِ لِتَنْزِيلِ تِلْكَ الْكُدُورَةِ وَتَصْفِيَتِهَا. وَقَالَ: وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِكَثْرَةِ التَّصَدُّقِ، فَإِنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ الصَّافِي لَا يَكْتَسِبُ مِنَ الْكُدُورَةِ إِلَّا كُدُورَةً اهـ. وَلَكِنْ وَرَدَ: أَنَّهُ سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي التَّنْزِيلِ:

ص: 1910