الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُبُودِيَّةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ، وَلِتَجَرُّدِهِ إِلَى قِيَامِ حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ لِخَالِقِهِ، وَبَاعِثٌ عَلَى تَخْلِيصِ سَيِّدِهِ وَعِتْقِهِ مِنَ النَّارِ جَزَاءً وِفَاقًا لِمَنْ خَلَّصَ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ الْعَارُ، وَفِيهِ تَخَلُّقٌ بِخَلَاقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَعْظِيمٌ لِأَمْرِهِ وَشَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ (وَلَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ) : أَيْ: مَنِ الْحَلَالَاتِ (أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ) : أَيْ: مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَبِدُونِ ضَرُورَةٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ لَا تُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُوَفِّيهَا مَهْرَهَا. وَحُكِيَ عَنِ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: إِنْ لَقِيَ اللَّهَ وَمَهْرُهَا فِي عُنُقِهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي، أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ مِنْ طَلَاقِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُرُّ إِلَى مَعْصِيَةِ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمَا وَلِهَذَا كَانَ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَى الشَّيْطَانِ كَمَا وَرَدَ فِي تَعْظِيمِهِ لِبَعْضِ الْأَعْوَانِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ أَفْضَلُ مِنَ التَّجَرُّدِ لِلْعِبَادَةِ، وَعَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْخَلْقِ مِنَ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
[بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3295 -
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَا مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا)
أَيْ حُكْمُهَا فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِلَا جِمَاعِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ لِذِكْرِ أَحَادِيثِهِمَا فِيهِ.
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3295 -
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ (الْقُرَظِيِّ) : بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهُ ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ نِسْبَةٌ إِلَى قُرَيْظَةَ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَهُودِ ( «إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ» ) : أَيْ: تَحْتَهُ (فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي) : أَيْ: قَطَعَهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الثَّلَاثِ شَيْئًا، وَقِيلَ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْجَمْعَ وَالتَّفْرِيقَ (تَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ) : الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله: بِفَتْحِ الزَّايِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (وَمَا مَعَهُ) : أَيْ: لَيْسَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ آلَةِ الذُّكُورَةِ (إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ) : بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ طَرَفُهُ وَهُوَ طَرَفُ الثَّوْبِ الْغَيْرِ الْمَنْسُوجِ كِنَايَةٌ عَنْ عُنَّتِهِ وَضَعْفِ آلَتِهِ شَبَّهَتْ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِرْخَاءِ وَالِانْكِسَارِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ وَالِانْتِشَارِ، فِي النِّهَايَةِ: أَرَادَتْ مَتَاعَهُ وَأَنَّهُ رَخْوٌ مِثْلُ طَرَفِ الثَّوْبِ لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةٍ " «وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» - " (فَقَالَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا» ) : وَفِي نُسْخَةٍ " «قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: لَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ "(حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) » : بِضَمٍّ وَفَتْحٍ أَيْ لَذَّةَ جِمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكَ) : كِنَايَةٌ عَنْ حَلَاوَةِ الْجَمْعِ وَالْعُسَيْلُ تَصْغِيرُ الْعَسَلِ وَالتَّاءُ فِيهَا عَلَى نِيَّةِ اللَّذَّةِ أَوِ النِّيَّةِ أَيْ حَتَّى تَجِدِي مِنْهُ لَذَّةً وَيَجِدَ مِنْكِ لَذَّةً بِتَغَيُّبِ الْحَشَفَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ خِلَافًا لِلْحَسْنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ حَتَّى يُنْزِلَ الثَّانِي حَمْلًا لِلْعُسَيْلَةِ عَلَيْهِ وَمَنَعْنَا بِأَنَّهَا تَصْدُقُ مَعَهُ مَعَ
الْإِيلَاجِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَالٌ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ صلى الله عليه وسلم لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِذَوْقِ الْعَسَلِ فَاسْتَعَارَ لَهَا ذَوْقًا وَإِنَّمَا أَنَّثَ لِأَنَّهُ أَرَادَ قِطْعَةً مِنَ الْعَسَلِ وَدَلَّ عَلَى إِعْطَائِهَا مَعْنَى النُّطْفَةِ، وَقِيلَ: الْعَسَلُ فِي الْأَصْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَإِنَّمَا صَغَّرَهُ إِشَارَةً إِلَى الْقَدْرِ الْقَلِيلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحِلُّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيُصِيبَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي، فَإِنْ فَارَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ إِصَابَتِهَا فَلَا تَحِلُّ وَلَا تَحِلُّ إِصَابَةُ شُبْهَةٍ وَلَا زِنًا وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، وَكَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَقُولُ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ إِنْ وَاقَعَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَا تُحِسُّ بِاللَّذَّةِ إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الذَّوْقَ أَنْ يُحِسَّ بِاللَّذَّةِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا تَحِلُّ، أَقُولُ: فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَكْفِي أَنَّهَا لَوْ أَحَسَّتِ اللَّذَّةَ، أَوْ يُقَالُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْغَرَضِ مِنَ النَّفْيِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ: حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ جِمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لَهَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ جِمَاعُهُ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِهَا كَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ، وَشَرَطَ الْحَسَنُ الْإِنْزَالَ لِقَوْلِهِ " حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ " وَهِيَ النُّطْفَةُ، قُلْتُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكَ " بَلْ وَفِي ذِكْرِ الذَّوْقِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْزَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ شِبَعٌ، وَأَيْضًا الْجِمَاعُ اخْتِيَارِيٌّ بِخِلَافِ الْإِنْزَالِ، وَأَيْضًا لَفْظُ الْآيَةِ حَتَّى تَنْكِحَ، وَالنِّكَاحُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْهِدَايَةِ: لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي شَرْطِ الدُّخُولِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَيْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُرَادُ الْخِلَافُ الْعَالِي سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ بِشْرٍ الْمِرِّيسِيِّ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالشِّيعَةِ قَائِلِينَ بِقَوْلِهِ، وَاسْتُغْرِبَ ذَلِكَ مِنْ سَعِيدٍ حَتَّى قِيلَ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِخِلَافِهِ لَا يُنَفَّذُ؛ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَمَنْ أَفْتَى بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، اهـ. وَهَذَا لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ ذَاكَ لِإِغَاظَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يُسْرِعَ فِي كَثْرَةِ الطَّلَاقِ عُومِلَ بِمَا يُبْغِضُ حِينَ عَمِلَ أَبْغَضَ مَا يُبَاحُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَنْفُضُهَا نَفَضَ الْإَدِيمِ، وَلَكِنْ نَاشِزَةٌ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَحِلِّي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» ، وَرَوَى الْجَمَاعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» .
الْفَصْلُ الثَّانِي
3296 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
3296 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ» ) : بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لِلزَّوْجِ الثَّانِي بِقَصْدِ الطَّلَاقِ أَوْ عَلَى شَرْطِهِ (وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) : بِفَتْحِ اللَّامِ أَيِ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا قَالَ الْقَاضِيَ: الْمُحَلِّلُ الَّذِي تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ الْغَيْرِ ثَلَاثًا عَلَى قَصْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ لِيَحِلَّ لِلْمُطَلِّقِ نَكُوحُهَا، وَكَأَنَّهُ يُحَلِّلُهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ هُوَ الزَّوْجُ وَإِنَّمَا لَعَنَهُمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الْمُرُوءَةِ وَقِلَّةِ الْحَمِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى خِسَّةِ
النَّفْسِ وَسُقُوطِهَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلِّلِ فَلِأَنَّهُ يُعِيرُ نَفْسَهُ بِالْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا لِيُعَرِّضَهَا لِوَطْءِ الْمُحَلَّلِ لَهُ وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ صلى الله عليه وسلم بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا قِيلَ، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَمَّى الْعَاقِدَ مُحَلِّلًا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فَإِنَّ الْفَاسِدَ لَا يُحَلِّلُ، وَهُنَا إِذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ، قَالَ الشُّمُنِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى لَعْنِهِمَا قُلْتُ: مَعْنَى اللَّعْنِ عَلَى الْمُحَلِّلِ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى قَصْدِ الْفِرَاقِ، وَالنِّكَاحُ شُرِّعَ لِلدَّوَامِ، وَصَارَ كَالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، وَاللَّعْنُ عَلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا لِمِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ وَالْمُرَادُ إِظْهَارُ خَسَاسَتِهِمَا لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْ فِعْلِهِمَا لَا حَقِيقَةَ اللَّعْنِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَا بُعِثَ لَعَّانًا، اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْفُرُوعِ عَلَى كَرَاهَةِ اشْتِرَاطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ، فَقَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِأَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحِلَّكَ لَهُ، أَوْ تَقُولَ: هِيَ فَمَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَالُوا: وَلَوْ نَوَيَا اشْتِرَاطَ التَّحْلِيلِ وَلَمْ يَقُولَا يَكُونُ الرَّجُلُ مَأْمُورًا لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى قَصْدِ الْفِرَاقِ. . إِلَخْ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَطَاهُ بِالْقَوْلِ، أَمَّا إِذَا نَوَيَاهُ فَلَمْ يَسْتَوْجِبَا اللَّعْنَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إِنَّهُ مَأْجُورٌ، وَإِنْ شَرَطَاهُ بِالْقَوْلِ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، وَيَزُولُ اللَّعْنُ أَيْ إِذَا شَرَطَ الْأَجْرَ عَلَى ذَلِكَ، فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُحَلِّلُ الشَّارِطُ هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عُمُومَهُ وَهُوَ الْمُحَلِّلُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إِجْمَاعًا، وَالْأَشْمَلُ الْمُتَزَوِّجُ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى لَوْ زَوَّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا نَفْسَهَا بِغَيْرِ كُفُؤٍ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ كُفُؤٍ وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) : أَيْ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
3297 -
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
ــ
3297 -
(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) : قَالَ مِيرَكُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثٍ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتِقِ فَتَأَمَّلْ فِيهِ اهـ.
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُصَدِّرَ الْحَدِيثَ بِقَوْلِهِ عَنْ عَلِيٍّ ثُمَّ يَذْكُرَ مُخَرِّجَهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالتَّخْرِيجُ عَنْ بَعْضِهِمْ يَكْفِينَا فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، قَالَ:«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَّبَهُ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ هَكَذَا «قَالَ صلى الله عليه وسلم أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّخْرِيجِ: اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهِيَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، لَكِنْ يُقَالُ: لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا، اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ ثُمَّ جَوَابُهُ، أَمَّا الِاعْتِرَاضُ فَمَنْشَؤُهُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا، وَذَلِكَ إِنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الْحَرَامِ إِلَّا عَلَى مَنْعٍ ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ، فَإِذَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ سَمَّوْهُ مَكْرُوهًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ: فَكَلَامُهُ فِيهِ يَقْتَضِي تَلَازُمَ الْحُرْمَةِ وَالْفَسَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ قَدْ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ لُزُومِ الْإِثْمِ فِي الْعِبَادَاتِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا خُصُوصًا عَلَى مَا يُعْطِي كَلَامُهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَانِعِ الثَّابِتِ بِظَنِّيٍّ حَرَامًا.
3298 -
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَقُولُ: يُوقَفُ الْمُؤْلِي. رَوَاهُ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) .
ــ
3298 -
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) : هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ (قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ) : أَيْ: رَجُلًا أَوْ شَخْصًا (مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَقُولُ) : أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلَفْظِ الْكُلِّ (يُوقَفُ الْمُؤْلِي) : بِهَمْزٍ وَيُبَدَلُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِيلَاءِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْإِيلَاءُ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّهَا، بَلْ يُوقَفُ فِيمَا أَنْ يَفِيءَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ [أَوْ يُطَلِّقَ]، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ طَلَّقَهَا وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا ; لِأَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ، وَقَدِ ارْتَفَعَتْ هَاهُنَا بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا حَلَفَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بَلْ هُوَ حَالِفٌ.
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَبَعْضُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُولِيَ عَنِ امْرَأَتِهِ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ - وَهِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ - وُقِفَ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَذَلِكَ شَيْءٌ اسْتَنْبَطُوهُ مِنَ الْآيَةِ رَأْيًا وَاجْتِهَادًا، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: الْإِيلَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى جل جلاله {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فَإِنْ فَاءُوا يَعْنِي فِي الْأَشْهُرِ، وَفِي حَرْفِ مَسْعُودٍ:(فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ)، وَالتَّرَبُّصُ: الِانْتِظَارُ أَيْ يَنْتَظِرُ بِهِمْ إِلَى مُضِيِّ الْأَشْهُرِ تِلْكَ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] أَيْ: عَزَمُوا الطَّلَاقَ بِتَرَبُّصِهِمْ إِلَى مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَتَرْكِهِمُ الْفَيْئَةَ، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُوقِفُ: فَإِنْ فَاءُوا وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ الْفَاءَ فِي {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] لِلتَّعْقِيبِ، وَأَجَابَ عَنْهُ قَبْلَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ لِلتَّفْصِيلِ، وَهَذَا مُجْمَلُ مَا فِيهِمَا مِنَ التَّطْوِيلِ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا تَذْيِيلٌ لِلتَّكْمِيلِ. (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كَذَا نَقْلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطْلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، وَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - لَا يُحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ إِلَّا أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَعْزِمَ الطَّلَاقَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، تَعَالَى، وَقَالَ - أَيِ الْبُخَارِيُّ -: قَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَوْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطْلِّقَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطْلِّقَ اهـ.
قُلْنَا الْآثَارُ مُعَارَضَةٌ بِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْإِيلَاءِ: إِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ. وَبِمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِّيًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالُوا: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ. وَبِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: إِذَا آلَى وَلَمْ يَفِئْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ. وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ أَصَحَّ الْحَدِيثِ مَا رُوِيَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، ثُمَّ كَانَ عَلَى شَرْطِهِمَا إِلَى آخِرِ مَا عُرِفَ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ، وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ:
أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ فَحَاصِلُهَا أَنَّ قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَذَلِكَ، فَيَجُوزُ كَوْنُ بَعْضِهِمْ مِمَّنْ تَعَارَضَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ مَعَ اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ فِي عُلُوِّ الْحَالِ وَالْفِقْهِ، كَمَا أَسْمَعْنَاكَ عَمَّنْ ذُكِرَ، وَكَوْنُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى خِلَافِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ أَفْقَهَ وَأَعْلَى مَنْصِبًا، وَنَحْنُ قَدْ أَخْرَجْنَا مَا قُلْنَاهُ عَنِ الْأَكَابِرِ مِثْلِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ مَا عَارَضْنَا بِهِ، وَكَذَا عَنْ زَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِهِمْ مِمَّنْ أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ حِينَ رَكِبَ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا، وَكَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ. وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَدِّهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: آلَى النُّعْمَانُ مِنَ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَضَرَبَ فَخِذَهُ وَقَالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَاعْتَرَفْ بِتَطْلِيقَةٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَ مَذْهَبِنَا عَنْ عَطَاءٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَكْحُولٍ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَبِيصَةَ وَالْحَاكِمِ وَأَبِي سَلَمَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَهَذَا تَرْجِيحٌ عَامٌّ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِالْوُقُوعِ بِمُجَرَّدِ الْمُضِيِّ يَتَرَجَّحُ عَلَى قَوْلِ مُخَالِفِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ كَوْنِهِ مَحْمُولًا عَلَى السَّمَاعِ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مَسْمُوعٌ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
وَالْآيَةُ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] أَيْ: يَحْلِفُونَ عَلَى أَنْ لَا يُجَامِعُوهُنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْهَا لَا يَكُونُ إِيلَاءً، وَقَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ:(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا) خَطَأٌ، ثُمَّ قَوْلُهُ:{تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] مُبْتَدَأٌ مَا قَبْلَهُ خَبَرُهُ، وَالتَّرَبُّصُ: الِانْتِظَارُ، وَأُضِيفَ إِلَى الظَّرْفِ عَلَى الِاتِّسَاعِ أَيِ: اسْتَقَرَّ لِلْمُولِينَ تَرَقُّبُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] أَيْ فِي الْأَشْهُرِ لِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ) أَيْ: رَجَعُوا إِلَى الْوَطْءِ عَنِ الْإِضْرَارِ بِتَرْكِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] حَيْثُ شَرَحَ الْكَفَّارَةَ، وَإِنْ {عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: 227] أَيْ: بِتَرْكِ الْفَيْءِ فَتَرَبَّصُوا إِلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} [البقرة: 227] لِإِيلَائِهِ (عَلِيمٌ) بَنِيَّتِهِ، وَهُوَ وَعِيدٌ عَلَى إِضْرَارِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْفَيْئَةَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله مَعْنَاهُ فَإِنْ فَاءُوا وَإِنْ عَزَمُوا بَعْدَ مُضِىِّ الْمُدَّةِ ; لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَقُلْنَا قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاءُوا وَإِنْ عَزَمُوا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَالتَّفْصِيلُ يَعْقِبُ الْمُفَصَّلَ، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ. قَالَ السَّيِّدُ مُعِينُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ: عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ يَقَعُ تَطْلِيقَةً بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِمَّا بَائِنَةٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ، وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ فَيُطَالِبُ إِمَّا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ اهـ.
وَفِي مُوَطَّأِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ فَقَدْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: الْفَيْءُ: الْجِمَاعُ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ بَانَتْ بِتَطْلِيقِهِ، وَلَا يُوقَفُ بَعْدَهَا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ.
3299 -
ــ
3299 -
(وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ) : يُقَالُ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَهُوَ كَثِيرُ الْحَدِيثِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُمْ، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً (أَنَّ سَلْمَانَ) : وَفِي النُّسْخَةِ بِالتَّصْغِيرِ (ابْنَ صَخْرٍ - وَيُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ، قَالَ مِيرَكُ نَاقِلًا عَنِ التَّصْحِيحِ: سَلَمَةُ بْنُ صَخْرِ بْنِ سَلْمَانَ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْبَيَاضِيُّ، وَيُقَالُ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَقَبٌ وَهُوَ أَحَدُ الْبَكَّائِينَ رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ
(جَعَلَ امْرَأَتَهُ كَظَهْرِ أُمِّهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِالْأُمِّ، وَالظَّهْرُ مُقْحَمٌ لِبَيَانِ قُوَّةِ التَّنَاسُبِ كَقَوْلِهِ:«أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَيْمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَفِي قَوْلِهِ: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] إِشْعَارٌ بِأَنَّ الظَّهْرَ مُقْحَمٌ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: إِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قُرْبَانُهَا مَا لَمْ يُخْرِجِ الْكَفَّارَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَوْدِ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُوَ إِعَادَةُ لَفْظِ الظِّهَارِ وَتَكَرُّرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْوَطْءُ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَنْ يُمْسِكَ عَقِيبَ الظِّهَارِ زَمَانًا يُمْكِنُهُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِيبَ الظِّهَارِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِيبَهُ فَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ هُوَ الْمُخَالَفَةُ، وَقَصْدُهُ بِالظِّهَارِ التَّحْرِيمُ، فَإِذَا أَمْسَكَهَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ الظِّهَارِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُ: فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الظِّهَارُ لُغَةً: مَصْدَرُ ظَاهَرَ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الظَّهْرِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الظَّهْرِ مَعْنًى وَلَفْظًا بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ تَشْبِيهٌ لِلزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنِ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ صَهْرِيَّةٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعُضْوِ الظَّهْرَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِاسْمِ الظِّهَارِ تَغْلِيبًا لِلظَّهْرِ ; لِأَنَّهُ كَانَ الْأَصْلُ فِي اسْتِعْمَالِهِ، يَعْنِي قَوْلَهُمْ: أَنْتِ عَلَى كَظَهْرِ أُمِّي، وَشَرْطُهُ: فِي الْمَرْأَةِ كَوْنُهَا زَوْجَةً وَفِي الرَّجُلِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَحُكْمُهُ: حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ إِلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ بِهِ، ثُمَّ قِيلَ: سَبَبُ وُجُوبِهَا الْعَوْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى إِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِنَاءً عَلَى إِرَادَةِ الْمُضَافِ فِي الْآيَةِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إِرَادَةِ ظَاهِرِهَا، وَهُوَ تَكْرَارُ نَفْسِ الظِّهَارِ، كَمَا قَالَ دَاوُدُ لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ تَعَلُّقِهَا بِتَكَرُّرِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ سُكُوتُهُ بَعْدَ الظِّهَارِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَعَلَ ظِهَارَهَا (حَتَّى يَمْضِيَ رَمَضَانُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِ الْمُؤَقِّتِ، فَقَالَ قَاضِي خَانْ: لَوْ ظَاهَرَ مُؤَقَّتًا، كَانَ مُظَاهِرًا فِي الْحَالِ، وَاذَا مَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ بَطُلَ لَوْ ظَاهَرَ، اسْتَثْنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ظَاهَرَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا صَحَّ تَقْيِيدُهُ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ (فَلَمَّا مَضَى) : وَفِي نُسْخَةٍ مَرَّ (نِصْفٌ مِنْ رَمَضَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا لَيْلًا) : أَيْ: جَامَعَهَا فِي لَيْلٍ مِنَ اللَّيَالِي (فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ) : أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنَ الْمُظَاهَرَةِ وَالْمُجَامَعَةِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ: لَا أَجِدُهَا) : أَيْ: عَيْنُهَا أَوْ قِيمَتُهَا قَالَ: (فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ) : لَعَلَّهُ لِكِبَرِ سَنٍّ أَوْ ضَعْفِ بَدَنٍ أَوْ قُوَّةِ جِمَاعٍ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى جل جلاله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (قَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا) : أَيْ: كُلًّا قَدْرَ الْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ كَإِخْوَتِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ (اعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ) : مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَيُأْبَى إِجْرَاؤُهُ عَلَى إِطْلَاقِهِ (قَالَ: لَا أَجِدُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو) : أَيِ: الْبَيَاضِيِّ الْأَنْصَارِيِّ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو حَازِمٍ التَّمَّارُ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَرْوَةُ بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَفِي بَعْضِهَا: عُرْوَةُ، بِالْعَيْنِ الْمَضْمُومَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ (أَعْطِهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِهَاءِ السَّكْتِ (ذَلِكَ الْعَرَقِ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَيُسَكَّنُ (وَهُوَ مِكْتَلٌ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ (يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ صَاعًا) : وَفِي النِّهَايَةِ: الْعَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: زِنْبِيلٌ مَنْسُوجٌ مِنْ خُوصٍ، وَفِي الْقَامُوسِ: عَرَقُ التَّمْرِ الشَّقِيقَةُ الْمَنْسُوخَةُ مِنَ الْخُوصِ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ أَوِ الزِّنْبِيلُ نَفْسُهُ وَيُسَكَّنُ اهـ. وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ: أَعْطِهِ، وَبَيْنَ الْمُتَعَلَّقِ وَهُوَ قَوْلُهُ:(لِيُطْعِمَ) : أَيْ: هُوَ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) : أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْعَرَقِ، وَالْمَعْنَى أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ لِمَا فِي رِوَايَةِ:(فَأَطْعِمْ وَسْقًا) : وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : أَيْ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
3300 -
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ نَحْوَهُ، قَالَ: كُنْتُ امْرَءًا أُصِيبُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي» . وَفِي رِوَايَتِهِمَا - أَعْنِي أَبَا دَاوُدَ وَالدَّارِمِيَّ -: ( «فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» ) .
ــ
3300 -
(وَرَوَى أَبُو دَاوُدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ) : لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُدْرِكْ سَلَمَةَ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ (نَحْوَهُ) : أَيْ: بِمَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ (قَالَ) : أَيْ: سَلَمَةُ ( «كُنْتُ امْرَءًا أُصِيبُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي» ) : يَعْنِي إِلَى آخِرِهِ وَالْإِصَابَةُ، كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ (وَفِي رِوَايَتِهِمَا - أَعْنِي أَبَا دَاوُدَ وَالدَّارِمِيَّ -) : هَذَا تَقْرِيرٌ غَرِيبٌ وَتَفْسِيرٌ عَجِيبٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَفِي رِوَايَتِهِمَا قَوْلُ الْمُصَنَّفِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَعْنِي أَوْ قَوْلِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارِمِيِّ إِلَخْ ; لِئَلَّا يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إِلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ، وَيَحْتَاجَ إِلَى تَفْسِيرٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ، وَعَلَى الثَّانِي: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: يَعْنِي وَيَكُونُ كَالِاعْتِرَاضِ عَلَى قَائِلِهِ، (فَأَطْعِمْ) : أَيِ: اقْسِمْ (وَسْقًا) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ سِتِّينَ صَاعًا ( «مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» ) : أَيْ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ: (بَيْنَ سِتِّينَ) : إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِأَطْعِمْ عَلَى تَضْمِينٍ أَيِ: اقْسِمْ طَعَامًا بَيْنَ سِتِّينَ أَوْ حَالٌ أَوْ أَطْعِمْ قَاسِمًا بَيْنَ سِتِّينَ أَوْ مَقْسُومًا.
3301 -
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ: كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3301 -
(وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُظَاهِرِ) : أَيْ: فِي شَأْنِهِ (يُوَاقِعُ) : أَيْ: يُجَامِعُ (قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ) : تَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ الْمُتَقَدِّمُ (كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ) : فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقِيلَ: إِذَا وَاقَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، اهـ. وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى، وَلَكِنْ لَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيُكَفِّرُ، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ اهـ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَبِيصَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ كَفَّارَتَانِ، وَمَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي - كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارِ إِلَيْهِنَّ، فَكَانَ كَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إِلَيْهِنَّ فَطَلَّقَنَ جَمِيعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ، فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ أَيْ: كُلُّ مَنْ أَرَادَ وَطْأَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَقَدِيمُ كَفَّارَةٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعُرْوَةَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ: اعْتَبَرُوهُ بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيلَاءِ. قُلْنَا: الْكَفَّارَةُ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِهِنَّ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ذِكْرُهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3302 -
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَغَشِيَهَا قَبْلَ أَنْ يَكَفِّرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ ! " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَأَيْتُ بَيَاضَ حِجْلَيْهَا فِي الْقَمَرِ ; فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي أَنْ وَقَعَتُ عَلَيْهَا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الْمُرْسَلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْمُسْنَدِ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3302 -
(عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ فَغَشِيَهَا) : بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: جَامَعَهَا (قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟) : قَالَ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ] رَأَيْتُ بَيَاضَ حِجْلَيْهَا) : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ: خَلْخَالِهَا (فِي الْقَمَرِ) : أَيْ: فِي ضَوْئِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: