الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3030 -
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدَيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا.
ــ
3030 -
(عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدَيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ اللَّامِ النَّهْدِيُّ الْبَصْرِيُّ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَأَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَلْقَهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً وَمِثْلَهَا فِي الْإِسْلَامِ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، لَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى، رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الرَّيْحَانَ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ (فَلَا يَرُدُّهُ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِفَتْحٍ (فَإِنَّهُ خَرَجَ) أَصْلُهُ (مِنَ الْجَنَّةِ) يَعْنِي وَيَأْتِي مِنْهُ رُوحُهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ كَمَا سَبَقَ أَيْ: قَلِيلُ الْمُؤْنَةِ وَالْمِنَّةِ فَلَا يُرَدُّ، إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ خَرَجَ أَصْلُهُ مِنَ الْجَنَّةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ وَمَعْنَاهُ مَحْذُوفُ الصَّحَابِيِّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ أَيْضًا.
" الْفَصْلُ الثَّالِثُ "
3031 -
"
الْفَصْلُ الثَّالِثُ "
3031 -
(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَتِ: امْرَأَةُ بَشِيرٍ) أَيْ: بِنْتُ رَوَاحَةَ لِزَوْجِهَا (انْحَلْ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَسُكُونِ نُونٍ وَفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ: أَعْطِ (ابْنِي غُلَامَكَ) مَفْعُولٌ لِانْحَلْ، فِي الْقَامُوسِ: أَنْحَلُهُ مَاءً أَعْطَاهُ وَمَالًا خَصَّهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَنَحْلِهِ فِيهِمَا (وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيِ: اجْعَلْهُ شَاهِدًا لِي (فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فَجَاءَهُ (فَقَالَ: إِنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ) ضُبِطَ بِأَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ وَصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِأَنِ الْمُفَسِّرَةِ وَصِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْ: أُعْطِيَ أَوْ أَعْطِ (ابْنِهَا غُلَامِي) وَهَذَا يُؤَيِّدُ الضَّبْطَ الْأَوَّلَ وَكَانَ عَكْسَ ذَلِكَ وَفِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ فَعَدَلْتُ عَنْهُ فَتَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَقَالَتْ) بِالْعَطْفِ عَلَى سَأَلَتْنِي أَيْ: وَقَالَتْ لِي أَيْضًا (أَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَهُ إِخْوَةٌ) جَمْعُ أَخٍ (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَكُلَّهُمْ) بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ أَيْ: فَجَمِيعُ إِخْوَتِهِ (أَعْطَيْتَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟) وَالِاسْتِفْهَامُ مُنْصَبٌّ عَلَى الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَمِثْلَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي (قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ) أَيْ: يَنْبَغِي أَوْ يَصِحُّ (هَذَا) أَيِ: الْأَمْرُ أَوِ الْعَطَاءُ أَوِ الْإِشْهَادُ (وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ) أَيْ: خَالِصٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَوْ عَلَى حَقٍّ دُونَ بَاطِلٍ وَقَدْ سَبَقَ تَمَامُ الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
3032 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِبَاكُورَةِ الْفَاكِهَةِ وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَعَلَى شَفَتَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أَرَيْتَنَا أَوَّلَهُ فَأَرِنَا آخِرَهُ، ثُمَّ يُعْطِيهَا مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ الصِّبْيَانِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ.
ــ
3032 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ) أَيْ: جِيءَ (بِبَاكُورَةِ الْفَاكِهَةِ) فِي النِّهَايَةِ: أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ (وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ) تَعْظِيمًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ (وَعَلَى شَفَتَيْهِ) شُكْرًا لِمَا أَسْدَاهُ إِلَيْهِ (وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أَرَيْتَنَا أَوَّلَهُ فَأَرِنَا آخِرَهُ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ دُعَاءً بِطُولِ بَقَاءٍ أَوْ فِي الْعُقْبَى فَيَكُونُ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الْآخِرَةِ وَأَنَّ نَعِيْمَ الدُّنْيَا زَائِلٌ وَأَنَّهُ أُنْمُوذَجٌ مِنَ النَّعِيمِ الْآجِلِ (ثُمَّ يُعْطِي مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ) أَيْ: حَاضِرًا (مِنَ الصِّبْيَانِ) لِأَنَّ مَيْلَهُمْ إِلَيْهَا أَعْظَمُ وَالْمُلَاءَمَةَ بَيْنَهُمَا أَتَمُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِنَّمَا نَاوَلَ بَاكُورَةَ الثِّمَارِ الصِّبْيَانَ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ ثَمَرَةُ الْفُؤَادِ وَبَاكُورَةُ الْإِنْسَانِ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) وَذَكَرَ الْجَزَرِيُّ فِي الْحِصْنِ: وَإِذَا رَأَى بَاكُورَةَ ثَمَرٍ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَنَابِتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا» فَإِذَا أُتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا دَعَا أَصْغَرَ وَلِيدٍ حَاضِرٍ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
[بَابُ اللُّقَطَةِ]
(بَابُ اللُّقَطَةِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3033 -
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا، قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ:«عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقَ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» .
ــ
(بَابُ اللُّقَطَةِ)
بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَيُسَكَّنُ. فِي الْمُغْرِبِ: اللُّقْطَةُ الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعِ اللُّقْطَةَ بِالسُّكُونِ لِغَيْرِ اللَّيْثِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرُوحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ الْمَالُ الْمَلْقُوطُ مَنْ لَقَطَ الشَّيْءَ وَالْتَقَطَهُ أَخَذَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الْخَلِيلُ: اللُّقَطَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمُلْتَقَطِ قِيَاسًا عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَأَمَّا اسْمُ الْمَالِ الْمَلْقُوطِ فَبِسُكُونِ الْقَافِ.
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3033 -
(عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ (قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ) أَيْ: عَنْ حُكْمِهَا إِذَا وَجَدَهَا (فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: وِعَاءَهَا (وَوِكَاءَهَا) بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ: مَا تُشَدُّ بِهِ. فِي الْفَائِقِ: الْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ اللُّقَطَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْوِكَاءُ هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ وَالْكِيسُ وَنَحْوُهُمَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا لِيَعْلَمَ صِدْقَ وَكَذِبَ مَنْ يَدَّعِيهَا، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا فِي أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى اللُّقْطَةَ وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا هَلْ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْوِكَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله إِذَا عَرَّفَ الرَّجُلُ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَإِلَّا فَبَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِي الصِّفَةِ بِأَنْ يَسْمَعَ الْمُلْتَقِطَ يَصِفُهَا فَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ اخْتِلَاطًا لَا يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ إِذَا جَاءَ مَالِكُهَا (ثُمَّ عَرِّفْهَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ (سَنَةً) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: ظَاهِرُ الْأَمْرِ بِتَعْرِيفِهَا سَنَةً يَقْتَضِي تَكْرِيرَ التَّعْرِيفِ عُرْفًا وَعَادَةً وَإِنْ كَانَ ظَرْفِيَّةُ السَّنَةِ لِلتَّعْرِيفِ يَصْدُقُ بِوُقُوعِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ كُلَّمَا وَجَدَ مَظَنَّةً. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَفِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ، وَفِي الْأُسْبُوعِ الثَّانِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، وَقَدَّرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ أَخْذًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَأَنَّ تَفْوِيضَ التَّقْدِيرِ إِلَى رَأْيِ الْآخِذِ لِإِطْلَاقٍ خَبَرِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللُّقْطَةِ:" «عَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» " وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّنَةِ لَعَلَّهُ لِكَوْنِ اللُّقَطَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ تَكُونَ اللُّقْطَةُ كَذَلِكَ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) شَرْطٌ حُذِفَ جَزَاؤُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَيْ: فَرُدَّهَا إِلَيْهِ أَوْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ أَوْ أَخَذَهَا (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا (فَشَأْنُكَ بِهَا) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَتُبْدَلُ الْفَاءُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ يُقَالُ: شَأَنْتُ شَأْنَهُ أَيْ: قَصَدْتُ قَصْدَهُ وَاشْأَنْ شَأْنَكَ أَيِ اعْمَلْ بِمَا تُحْسِنُهُ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله، وَقِيلَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ: خُذْ شَأْنَكَ أَيْ: فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ وَنَحْوِهَا وَالْحَاصِلُ إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجًا فَانْتَفَعَ بِهَا وَإِلَّا فَتَصَدَّقَ بِهَا. قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً وَعَرَّفَهَا سَنَةً وَلَمْ يَظْهَرْ صَاحِبُهَا كَانَ لَهُ تَمَلُّكُهَا سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا جِيءَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: " وَجَدْتُ صُرَّةً " إِلَى قَوْلِهِ: " فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا " وَكَانَ أُبَيٌّ مِنْ مَيَاسِيرِ الْأَنْصَارِ (قَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: غَاوِيَتُهَا أَوْ مَتْرُوكَتُهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَا حُكْمُهَا (قَالَ: هِيَ لَكَ) أَيْ: إِنْ
أَخَذْتَهَا وَعَرَّفْتَهَا وَلَمْ تَجِدْ صَاحِبَهَا فَإِنَّ لَكَ أَنْ تَمْلِكَهَا (أَوْ لِأَخِيكَ) يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَهَا وَالْمَعْنَى إِنْ أَخَذْتَهَا فَظَهَرَ مَالِكُهَا فَهُوَ لَهُ أَوْ تَرَكْتَهَا فَاتَّفَقَ أَنْ صَادَفَهَا فَهُوَ أَيْضًا لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَلْتَقِطْهَا يَلْتَقِطْهَا غَيْرُكَ (أَوْ لِلذِّئْبِ) بِالْهَمْزَةِ وَإِبْدَالِهِ أَيْ: إِنْ تَرَكْتَ أَخْذَهَا أَخَذَهَا الذِّئْبُ وَفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْتِقَاطِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله أَيْ: إِنْ تَرَكْتَهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنْ يَأْخُذَهَا غَيْرُكَ يَأْكُلُهُ الذِّئْبُ غَالِبًا، نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْتِقَاطِهَا وَتَمَلُّكِهَا وَعَلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ لَهَا وَهِيَ كَوْنُهَا مُعَرَّضَةً لِلضَّيَاعِ لِيَدُلَّ عَلَى اطِّرَادِ هَذَا الْحُكْمِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَعْجَزُ عَنِ الرَّعْيِ بِغَيْرِ رَاعٍ (قَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ (فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: مَا لَكَ) أَيْ: شَيْءٌ لَكَ (وَلَهَا) قِيلَ: مَا شَأْنُكَ مَعَهَا أَيِ اتْرُكْهَا وَلَا تَأْخُذْهَا (مَعَهَا سِقَاؤُهَا) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: مَعِدَتُهَا فَتَقَعُ مَوْقِعَ السِّقَاءِ فِي الرَّيِّ لِأَنَّهَا إِذَا وَرَدَتِ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكُونُ فِيهِ رِيُّهَا لِظَمَئِهَا أَيَّامًا (وَحِذَاؤُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: خِفَافُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِلْعِلَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِأَسْبَابِ تَعَيُّشِهَا أَيْ: يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تَمُوتَ عَطَشًا لِاصْطِبَارِهَا عَلَى الظَّمَأِ وَاقْتِدَارِهَا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْمَرْعَى، وَالسِّقَاءُ يَكُونُ لِلَّبَنِ وَيَكُونُ لِلْمَاءِ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَا تَحْوِيهِ فِي كِرْشِهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَقَعُ مَوْقِعَ السِّقَاءِ فِي الرَّعْيِ أَوْ أَرَادَ بِهِ صَبْرَهَا عَلَى الظَّمَأِ فَإِنَّهَا أَصْبَرُ الدَّوَابِّ عَلَى ذَلِكَ (تَرِدُ الْمَاءَ) أَيْ: تَجِيئُهُ وَتَشْرَبُ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص: 23] (وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) أَيْ: مَالِكُهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَرَادَ بِالسِّقَاءِ أَنَّهَا إِذَا وَرَدَتِ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكُونُ فِيهِ رِيُّهَا لِظَمَئِهَا وَهِيَ مِنْ أَطْوَلِ الْبَهَائِمِ ظَمَأً، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا تَرِدُ عِنْدَ احْتِيَاجِهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَبْرَهَا عَلَى الْمَاءِ أَوْ وُرُودَهَا إِلَيْهِ بِمَثَابَةِ سِقَائِهَا وَبِالْحِذَاءِ خِفَافَهَا وَأَنَّهَا تَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ وَوُرُودِ الْمِيَاهِ النَّائِيَةِ، شَبَّهَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ كَانَ مَعَهُ حِذَاءٌ وَسِقَاءٌ فِي سِعَةٍ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الرَّبَّ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْبَهَائِمَ غَيْرُ مُتَعَبَّدَةٍ وَلَا مُخَاطَبَةٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَجُوزُ إِضَافَةُ مَالِكِهَا إِلَيْهَا وَجَعْلِهِمْ أَرْبَابًا لَهَا، قَالَ الْقَاضِي:" وَأَشَارَ بِالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ مَعَهَا سِقَاؤُهَا أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْتِقَاطِهَا، وَالْفَارِقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا اسْتِقْلَالُهَا بِالتَّعْيِينِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا تُوجَدُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَأَمَّا مَا تُوجَدُ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ كَوْنُهَا مُعَرَّضَةً لِلتَّلَفِ مُطَمِّحَةً لِلطَّمَعِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ الْكِبَارِ بَيْنَ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ عِمْرَانٍ لِإِطْلَاقِ الْمَنْعِ "، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنَمِ وَغَيْرِهِ فِي فَضِيلَةِ الِالْتِقَاطِ إِذَا خَافَ الضَّيَاعَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، وَأُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ زَيْدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إِذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ لَا تَصِلُ إِلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ إِذَا تَرَكَهَا وَحْدَهَا، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا أَمْنَ فَفِي أَخْذِهَا إِحْيَاءٌ وَحِفْظُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ أَوْلَى (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا» ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِثُمَّ مُجَرَّدُ الْعَطْفِ لِيُطَابِقَ مَا سَبَقَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 154] وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: " أَخَّرَ الْمَعْرِفَةَ عَنِ التَّعْرِيفِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إِيذَانًا بِكَوْنِ الْمُلْتَقِطِ مَأْمُورًا بِمَعْرِفَتَيْنِ يَعْرِفُ عِفَاصَهَا أَوَّلًا، فَإِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَأَرَادَ تَمَلُّكَهَا نَدَبَ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا مَرَّةً أُخْرَى تَعَرُّفًا ثَانِيًا ; لِيَظْهَرَ صِدْقُ صَاحِبِهَا إِذَا وَصَفَهَا اه، وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى (ثُمَّ اسْتَنْفِقْ) أَيْ: فَإِذَا لَمْ تَعْرِفْ صَاحِبَهَا تَمَلَّكْهَا وَأَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسِكَ وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ ثُمَّ إِذَا تَصَرَّفَ الْآخِذُ لِنَفْسِهِ فَقِيرًا أَوْ تَصَدَّقَ (بِهَا) عَلَى فَقِيرٍ فَالصَّاحِبُ يُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) أَيْ: إِنْ بَقِيَ عَيْنُهَا وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا.
3034 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
3034 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ زَيْدٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ آوَى) بِالْمَدِّ وَيَقْصُرُ أَيْ: ضَمَّ وَجَمَعَ (ضَالَّةً) قِيلَ: هِيَ مَا ضَلَّ مِنَ الْبَهِيمَةِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَاللُّقْطَةُ تَعُمُّ لَكِنْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ (فَهُوَ ضَالٌّ) أَيْ: مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ (مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَخَذَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا فَهُوَ ضَالٌّ، وَأَمَّا مَنْ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا أَوْ لِيُعَرِّفَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:" وَمَعْنَى التَّعْرِيفِ التَّشْهِيرُ وَطَلَبُ صَاحِبِهَا "، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ:" أَدْنَى التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْأَخْذِ وَيَقُولَ: آخُذُهَا لِأَرُدَّهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا كَفَى "، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله فَهُوَ ضَالٌّ أَيِ: الْوَاجِدُ غَيْرُ رَاشِدٍ إِنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا أَوْ مَا وُجِدَ ضَالًّا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالضَّالِّ ضَالَّةُ الْإِبِلِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ بَلْ إِنَّمَا يُلْتَقَطُ لِلْحِفْظِ فَهُوَ ضَالٌّ إِنْ حَفِظَهَا وَلَمْ يُعَرِّفْهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
3035 -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيَمِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
3035 -
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانِ التَّيَمِيِّ) أَيِ: الْقُرَشِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، صَحَابِيٌّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَدْرَكَ وَلَيْسَ لَهُ رِوَايَةٌ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَيَكُونُ حَدِيثُهُ هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْكُلِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ لُقْطَةِ الْحَاجِّ» ) أَيْ: تَمَلُّكِ لُقَطَتِهِمْ أَوْ أَخْذِهَا مُطْلَقًا أَوْ فِي الْحَرَمِ، قَالَ الْقَاضِي: " هَذَا الْحَدِيثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيَ عَنْ أَخْذِ لُقَطَتِهِمْ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنْ أَخْذِهَا مُطْلَقًا لِتُتْرَكَ مَكَانَهَا وَتُعْرَفَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ طَرِيقٍ إِلَى ظُهُورِ صَاحِبِهَا فَإِنَّ الْحَاجَّ لَا يَلْبَثُونَ مُجْتَمِعِينِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ فَلَا يَكُونُ لِلتَّعْرِيفِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ جَدْوَى اه وَتَبِعَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَرَادَ لُقَطَةَ حَرَمِ مَكَّةَ أَيْ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَحْفَظَهَا أَبَدًا لِمَالِكِهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْهُمَامِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي يَتْرُكُهَا حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا وَلَا عَمَلَ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الزَّمَانِ لِفُشُوِّ السَّرِقَةِ بِمَكَّةَ مِنْ حَوَالَيِ الْكَعْبَةِ فَضْلًا عَنِ الْمَتْرُوكِ، وَالْأَحْكَامُ إِذَا عُلِمَ شَرْعِيَّتُهَا بِاعْتِبَارِ شَرْطٍ ثُمَّ عُلِمَ ثُبُوتُ ضِدِّهِ مُتَضَمِّنًا مَفْسَدَةٍ لِتَقْدِيرِ شَرْعِيَّتِهِ مَعَهُ عُلِمَ انْقِطَاعُهَا بِخِلَافِ الْعِلْمِ بِشَرْعِيَّتِهَا بِسَبَبٍ إِذَا عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِي الْبَقَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ كَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ لِإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
3036 -
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينَ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَذَكَرَ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ قَالَ: وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ وَالْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهُوَ لَكَ. وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ الْعَادِيِّ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَسُئِلَ عَنِ اللُّقْطَةِ إِلَى آخِرِهِ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
- (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ)(عَنْ جَدِّهِ) أَيْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ (الْمُعَلَّقِ) أَيِ: الْمُدَلَّى مِنَ الشَّجَرِ (فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الثَّمَرِ (مِنْ ذِي حَاجَةٍ) بَيَانٌ لِمَنْ أَيْ: فَقِيرٍ أَوْ مُضْطَرٍّ أَيْ: مِنْ أَصَابَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ (غَيْرَ مُتَّخِذٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَصَابَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ ذِي حَاجَةٍ (خُبْنَةً) بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: ذَخِيرَةً مَحْمُولَةً (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، وَأَجَازَ ذَلِكَ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ غَرَامَةٌ مِثْلَيْهِ) أَيْ: غَرَامَةُ قِيمَةِ مِثْلَيْهِ (وَالْعُقُوبَةُ) بِالرَّفْعِ أَيِ: التَّعْزِيرُ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ وَإِلَّا فَالْمُتْلَفُ لَا يُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مِثْلِهِ وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَحْكُمُ بِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا إِيجَابٌ لِلْغَرَامَةِ وَالتَّعْزِيرِ فِيمَا يُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ الْمُرَخَّصِ فِيهَا وَلِأَنَّ الْمُلَّاكَ لَا يَتَسَامَحُونَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَدْرِ الْيَسِيرِ الَّذِي يُؤْكَلُ، وَلَعَلَّ تَضْعِيفَ الْغَرَامَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ تَغْلِيظًا فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِيهِ وَأَوْجَبَ فِيمَا يُوجَدُ مِمَّا جُمِعَ فِي الْبَيْدَرِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ (شَيْئًا) إِلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ النَّخْلِ بِالْمَدِينَةِ لَمْ تَكُنْ مُحُوطَةً مَحْرُوزَةً وَلِذَا قَيَّدَهُ (بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: آوَى وَأَوَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَالْمَقْصُورُ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ وَمِنَ الْمُتَعَدِّي هَذَا الْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى يَضُمَّهُ وَيَجْمَعَهُ (الْجَرِينُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَهُوَ لَهُ كَالْبَيْدَرِ لِلْحِنْطَةِ وَهُوَ حِرْزٌ عَادَةً فَإِنَّ الْجَرِينَ لِلثِّمَارِ كَالْمَرَاحِ لِلشِّيَاهِ وَحِرْزُ الْأَشْيَاءِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَاتِ (فَبَلَغَ) أَيْ: قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (ثَمَنَ الْمِجَنِّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيِ: التُّرْسِ الْمُسَمَّى بِالدَّرَقَةِ وَالْمُرَادُ بِثَمَنِهِ نِصَابُ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَاوِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رُبْعَ دِينَارٍ، وَقِيلَ: هُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهُوَ نِصَابُ السَّرِقَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله (فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْمُرَادُ بِثَمَنِ الْمِجَنِّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» (وَذَكَرَ) أَيْ: جِدُّ عَمْرٍو (فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ) أَيْ: مِنَ الرُّوَاةِ (قَالَ) أَيْ: جَدُّ عَمْرٍو (وَسُئِلَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (عَنِ اللُّقْطَةِ، فَقَالَ: مَا كَانَ) أَيْ: وُجِدَ مِنْهَا (فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ) كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ: فِي طَرِيقِ الْمَيْتَاءِ بِإِضَافَةٍ، وَالْمِيتَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ مَمْدُودَةً أَيِ: الْعَامَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْجَادَّةِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: الْمِيتَاءُ الطَّرِيقُ الْعَامُّ وَمُجْتَمَعُ الطَّرِيقِ أَيْضًا مِيتَاءُ وَالْجَادَّةُ الَّتِي تَسْلُكُهَا السَّابِلَةُ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنِ الْإِتْيَانِ أَيْ: يَأْتِيهِ النَّاسُ وَيَسْلُكُهُ اه فَالْيَاءُ فِي مِيتَاءَ أَصْلُهُ هَمْزٌ أُبْدِلَ يَاءً جَوَازًا وَالْهَمْزُ فِيهِ أَصْلُهُ يَاءٌ أُبْدِلَ هَمْزًا وُجُوبًا، فَتَأَمَّلْ (وَالْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ) أَيْ: لِسَاكِنِهَا (عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ) أَيْ: صَاحِبُهَا وَفِيهِ تَفَنُّنٌ (فَهُوَ) أَيِ: الْمَلْقُوطُ (لَكَ) أَيْ: مِلْكٌ لَكَ أَوْ خَاصٌّ لَكَ تَتَصَّرَفُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُوجَدُ مِنَ اللُّقْطَةِ فِي الْعُمْرَانِ وَالطُّرُقِ الْمَسْلُوكَةِ غَالِبًا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا إِذِ الْغَالِبُ أَنَّهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ (وَمَا كَانَ) أَيْ: وُجِدَ (فِي الْخَرَابِ الْعَادِيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيِ: الْقَدِيمِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ وَالْأَرَاضِي الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَجَرِ عَلَيْهَا عِمَارَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْأَوَانِي وَالْأَقْمِشَةِ (فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ كَأَنَّهُ رَكَزَ فِي الْأَرْضِ (الْخُمُسُ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي فَأُعْطِيَ لَهَا حُكْمُ الرِّكَازِ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهَا (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ عَمْرٍو (مِنْ قَوْلِهِ: وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ إِلَى آخِرِهِ) .
3037 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ دِينَارًا فَأَتَى بِهِ فَاطِمَةَ فَسَأَلَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَذَا رِزْقُ اللَّهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " وَأَكَلَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَتِ امْرَأَةٌ تَنْشُدُ الدِّينَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَلِيُّ أَدِّ الدِّينَارَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3037 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَجَدَ دِينَارًا فَأَتَى بِهِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَسَأَلَ) أَيْ: عَلِيٌّ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ حُكْمِ الدِّينَارِ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا رِزْقُ اللَّهِ) أَيْ: مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ (فَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلَ) كَرَّرَ الْعَامِلَ مُبَالَغَةً أَوْ تَعْظِيمًا (وَفَاطِمَةُ) أَيْ: أَيْضًا (رضي الله عنهما) بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا
يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّعْرِيفِ وَلَا عَلَى عَدَمِ التَّوَقُّفِ قَدْرَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ فَإِنَّ الْفَاءَ قَدْ تَأْتِي لِمُجَرَّدِ الْبَعْدِيَّةِ فَتُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْقِيبِ فَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: تَزَوَّجَ فُلَانٌ فَوُلِدَ لَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا مُدَّةُ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً وَقَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] فَمَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَرَّفُ مَحَلُّ بَحْثٍ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِمْسَاكِهِ وَتَعْرِيفِهِ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ إِذَا كَانَتْ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ اه وَهُوَ خِلَافُ الْمَحْفُوظِ مِنَ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الدِّينَارَ مِمَّا لَا يُسَمَّ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يُجِبُ تَعْرِيفُهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِيخَانْ وَغَيْرُهُ رحمهم الله، وَقَالَ الْأَشْرَفُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ لَهُ التَّمَلُّكُ كَالْفَقِيرِ وَعَلَى أَنَّ اللُّقَطَةَ تَحِلُّ عَلَى مَنْ لَا تَحِلُّ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ غَنِيًّا بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ اه وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَأَخْطَأَ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَتَمَلَّكُ اللُّقَطَةَ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَنِيًّا بِالْفَيْءِ مَحَلَّ بِحَثٍّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَنِيِّ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِنِصَابٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا (فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: مُدَّةٍ (أَتَتِ امْرَأَةٌ تَنْشُدُ الدِّينَارَ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ: تَطْلُبُهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَلِيُّ أَدِّ الدِّينَارَ) أَيْ: أَعْطِهَا إِيَّاهُ. فِيهِ وُجُوبُ بَذْلِ الْبَدَلِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إِلَى مَالِكِهَا مَتَى ظَهَرَ، قَالَهُ الْأَشْرَفُ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَرْضَ بِثَوَابِ التَّصَدُّقِ إِنْ تَصَدَّقَ بِهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3038 -
وَعَنِ الْجَارُودِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ» . رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
ــ
3038 -
(وَعَنِ الْجَارُودِ) بِالْجِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيِ: ابْنِ الْمُعَلَّى قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ تِسْعٍ مَعَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ) فِي النِّهَايَةِ: هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، يُقَالُ: ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَيُجْمَعُ عَلَى ضَوَالٍّ (حَرَقُ النَّارِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَقَدْ يُسَكَّنُ وَالْمُرَادُ هُنَا لَهَبُهَا يُرِيدُ أَنْ أَخْذَ اللُّقْطَةِ يُرْدِي إِلَى حَرَقِ النَّارِ لِمَنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا وَقَصَدَ الْخِيَانَةَ فِيهَا (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ.
3039 -
وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوِي عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3039 -
(وَعَنْ عِيَاضٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ (ابْنِ حِمَارٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ ابْنِ نَاجِيَةَ بْنَ عِقَالٍ كَانَ صَدِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِيمًا، ذَكَرَهُ مَيْرَكُ، زَادَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ التَّيَمِيُّ الْمُجَاشِعِيُّ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ اه وَمَا ضُبِطَ فِي بَعْضِ نُسَخٍ مِنْ فَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ تَصْحِيفٌ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ: عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ بِلَفْظِ حَيَوَانٍ نَاهِقٍ اه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ» ) أَيْ: لِيَجْعَلْهُ شَاهِدًا (أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَوْ بِمَعْنَى بَلْ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَهَذَا أَمْرُ تَأْدِيبٍ لِإِرْشَادٍ وَذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُؤَمَّنَ أَنْ يَحْمِلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَتَرْكِ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، وَالثَّانِي الْأَمْنُ مِنْ أَنْ يَحُوزَهَا فِي جُمْلَةِ التَّرِكَةِ عِنْدَ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ إِيَّاهُ، وَقَدْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْإِشْهَادِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ (وَلَا يَكْتُمْ) أَيْ: لَا يُخْفِيهِ (وَلَا يُغَيِّبْ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: لَا يَجْعَلُهُ غَائِبًا بِأَنْ يُرْسِلَهُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ أَوِ الْكِتْمَانُ