الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2799 -
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «التُّجَّارُ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنِ اتَّقَى وَبَرَّ وَصَدَقَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
2799 -
(وَعَنْ عُبَيْدٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ رِفَاعَةَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَنْ أَبِيهِ)، أَيْ: رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " التُّجَّارُ ") : بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ جَمْعُ تَاجِرٍ (" يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا ") : جَمْعُ فَاجِرٍ مِنَ الْفُجُورِ، وَهُوَ الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ، وَالْكَاذِبُ فَاجِرٌ لِمَيْلِهِ عَنِ الصِّدْقِ (" إِلَّا مَنِ اتَّقَى ")، أَيِ: اللَّهَ - تَعَالَى - بِأَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَا صَغِيرَةً مِنْ غِشٍّ وَخِيَانَةٍ، أَيْ: أَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ فِي تِجَارَتِهِ، أَوْ قَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ (" وَبِرَّ وَصَدَقَ ")، أَيْ: فِي يَمِينِهِ وَسَائِرِ كَلَامِهِ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: لَمَّا كَانَ مِنْ دَيْدَنِ التُّجَّارِ التَّدْلِيسُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّهَالُكُ عَلَى تَرْوِيجِ السِّلَعِ بِمَا يَتَيَسَّرُ لَهُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَنَحْوِهَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفُجُورِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُمْ مَنِ اتَّقَى الْمَحَارِمَ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّارِحُونَ، وَحَمَلُوا الْفُجُورَ عَلَى اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) . أَيْ عَنْهُ.
2800 -
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " عَنِ الْبَرَاءِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ مِنَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ
ــ
2800 -
(وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ الْبَرَاءِ) . (وَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ (التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
[بَابُ الْخِيَارِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2801 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَّفَرَقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «إِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ قَدْ وَجَبَ» ". وَفَى رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ " «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَا» " وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ " أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ " بَدَلَ " أَوْ يَخْتَارَا ".
ــ
(3)
بَابُ الْخِيَارِ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ الِاسْمُ مِنَ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا إِمْضَاءُ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخُهُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2801 -
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمُتَبَايِعَانِ ") أَيِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ ") خَبَرٌ لِقَوْلِهِ كُلُّ وَاحِدٍ، أَيْ مَحْكُومٌ بِالْخِيَارِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: الْمُتَبَايِعَانِ أَيْ خِيَارُ الْقَبُولِ لَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - (عَلَى صَاحِبِهِ)، أَيِ: الْآخَرِ مِنْهُمَا وَالْجَارُ مُتَعَلِّقٌ بِالْخِيَارِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: الْمُرَادُ بِالْخِيَارِ هُنَا هُوَ بَيْنَ قَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ وَبَيْنَ قَوْلِ صَاحِبِهِ: قَبِلْتُ مِنْكَ اهـ. وَبَيَانُهُ، أَنَّهُ إِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْبَيْعِ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلِلْمُوجِبِ خِيَارُ الرُّجُوعِ عَمَّا قَالَ قَبْلَ قَوْلِ صَاحِبِهِ قَبِلْتُ، وَهَذَا الْخِيَارُ ثَابِتٌ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا)، أَيْ: قَوْلًا، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَوْلًا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعْتُ، وَقَالَ الْآخَرُ: اشْتَرَيْتُ لَمْ يَبْقَ الْخِيَارُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى خُيِّرَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ بَيْعِهِمَا، وَمَا قِيلَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ ابْنَ عُمَرَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ حَمَلَ التَّفَرُّقَ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ فَيَتَعَيَّنُ طَرْحُ التَّأْوِيلِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ، فَفَقِهَ أَنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ رَدًّا لِلِاحْتِمَالِ مَعَ تَأْيِيدِهِ بِرِوَايَةِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ بَيْعِهِمَا، وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ جَمْعٌ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ. وَقَوْلُهُ:(إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) : اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَيْ
كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ، فَأَثْبَتُوا لَهُمَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ، وَقَالُوا: سَمَّاهُمَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ أَفْعَالِ الْفَاعِلِينَ، وَهِيَ لَا تَقَعُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ بَعْدَ الضِّدِّ تَفَرُّقٌ إِلَّا التَّمْيِيزَ بِالْأَبْدَانِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُمَا إِذَا تَعَاقَدَا صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُمَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا وَقَالُوا: الْمُرَادُ مِنَ التَّفَرُّقِ هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْأَقْوَالِ، وَنَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمَا بِالْمُتَبَايِعَيْنِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يُؤَوَّلُ إِلَيْهِ أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَفْهُومِ الْغَايَةِ، وَالْمَعْنَى: الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِذَا تَفَرَّقَا سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ إِلَى بَيْعِ الْخِيَارِ، أَيْ بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، فَإِنَّ الْجَوَازَ بَعْدُ بَاقٍ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ الْأَمَدُ الْمَضْرُوبُ لِلْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَصْلِ الْحُكْمِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ إِلَّا فِي بَيْعِ إِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَنَفْيِهِ أَيْ: فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ نَفْيُ الْخِيَارِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَمِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ نَشَأَ الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ شَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيمَا بَيْنَ الْقَائِلِينَ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِعِلَّةِ الْإِضْمَارِ وَإِيلَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِلَّا بَيْعًا جَرَى التَّخَايُرُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ، يَقُولُ: اخْتَرْتُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يُلْزَمُ بِهِ وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بَعْدُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ " أَوْ " فِي قَوْلِهِ أَيِ الْآتِي أَوْ يَخْتَارُ مِثْلَهَا فِي قَوْلِكِ: لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تُعْطِينِي حَقِّي، أَيْ إِلَّا أَنْ يَخْتَارَا. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: قَوْلُهُ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ الْمُرَادُ مِنْهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى خِيَارَ الْمَجْلِسِ خِيَارَ الشَّرْطِ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَصَرَّحَ بِالْقَوْلِ بِفَسَادِهِ وَقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَالْأَوَّلُ إِثْبَاتُ الْخِيَارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَثْنَى عَنْهُ إِثْبَاتًا مِثْلَهُ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ صَدَرَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ، لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا دَلِيلًا ظَاهِرًا عَلَى نَفْيِ الْخِيَارِ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ، فَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنِ الْمَعْنَى الْمَنْفِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا النَّصُّ فَلَا يُسَاعِدُهُ إِلَى وُجُوبِ الْبَيْعِ وَنَفْيِ الِاخْتِيَارِ، إِمَّا بِالشَّرْطِ أَوْ بِلَفْظِ اخْتَرْ ; لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ التَّالِيَةَ بَيَانٌ لَهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(وَفَّى رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " إِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ ")، أَيْ: قَارَبَ عَقْدُهُمَا أَوْ شَرَعَ أَحَدُهُمَا فِي الْعَقْدِ (" فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ ")، أَيْ: مِنْ إِتْمَامِ عَقْدِهِ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا)، أَيْ: قَوْلًا أَوْ بَدَنًا (أَوْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ)، أَيْ: خِيَارِ شَرْطٍ، وَيَكُونُ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ " أَوْ " بِمَعْنَى إِلَّا وَأَنْ مُقَدَّرَةٌ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَوْ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، كَذَا ذَكَرُهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمِدُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنَ الطِّيبِيِّ رحمه الله مَعَ أَنَّ وَجْهَ الرَّفْعِ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى يَتَفَرَّقَا، وَلَمْ يُجْزَمِ الثَّانِي بَعْدَ جَزْمِ الْأَوَّلِ جَمْعًا بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ، أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُحْمَلُ أَنِ الْمُقَدَّرَةَ عَلَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ، إِذْ قَدْ يَرْتَفِعُ الْفِعْلُ بَعْدَ أَنْ كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ قَوْلَهُ - تَعَالَى:{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] بِرَفْعِ الْفِعْلِ عَلَى مَا فِي الْمَعْنَى، (فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ)، أَيِ: الْعَقْدُ أَوْ ثَبَتَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّفَرُّقِ (وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: " «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَا» ")، أَيْ: إِلَّا أَنْ يَخْتَارَا الشَّرْطَ (وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " أَوْ يَقُولَ ") : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى مَا سَبَقَ (أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ ") : بَدَلَ بِالنَّصْبِ أَيْ: وَقَعَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ يَقُولَ الخ (بَدَلَ " أَوْ يَخْتَارَا ") فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الِاعْتِرَاضِ مِنْ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ، حَيْثُ أَوْهَمَ لِذِكْرِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ رِوَايَةَ: أَوْ يَخْتَارَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْقِيقِ الْمَقَامِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
2802 -
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُوِرَكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2802 -
(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) : بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ فَزَايٍ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا» ")، أَيْ: فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (" وَبَيَّنَا ")، أَيْ: عَيْبَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ (" بُورِكَ ")، أَيْ: كَثُرَ النَّفْعُ (" لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ")، أَيْ: وَشِرَائِهِمَا، أَوِ الْمُرَادُ فِي عَقْدِهِمَا (" وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُزِيلَتْ وَذَهَبَتْ (" بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
2803 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي أُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: " إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ " فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2803 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي أُخْدَعُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَكَلِّمِ (فِي الْبُيُوعِ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَيُكْسَرُ قَالَ الْقَاضِي: ذَلِكَ الرَّجُلُ حِبَّانُ ابْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (فَقَالَ:" (إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ ") : بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِلَامٍ مُخَفَّفَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ: لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ لِي فِي هَذَا الْبَيْعِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي بَيْعِهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ إِذَا غُبِنَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ مُطْلَقًا، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أَهْلِ الْبَصَارَةِ فَيَحْتَرِزُ صَاحِبُهُ عَنْ مَظَانِّ الْغَبْنِ وَيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ أَحِقَّاءَ بِرِعَايَةِ الْإِخْوَانِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ قِيلَ: زَادَ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا، فَيُفِيدُ الْحَدِيثُ أَنَّ لَا خِلَابَةَ لَفْظٌ وُضِعَ شَرْعًا لِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَوْ جُعِلَ مَعْنَاهُ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَنْ خَاطَبَهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِذَاكَ إِذْ لَا بُدَّ لِلْخُصُوصِيَّةِ مِنْ دَلِيلٍ اهـ وَفِي كَوْنِ (خِلَابَةَ) لَفْظًا وُضِعَ شَرْعًا لِمَا ذُكِرَ مَحَلُّ مَبْحَثٍ يَخْفَى. قَالَ الْقَاضِي: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَبْنَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَوْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لَنَبَّهَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالشَّرْطِ. أَقُولُ: الْغَبْنُ الْفَاحِشُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَيُثْبِتُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَالرَّجُلُ أَرَادَ مُطْلَقَ الْغَبْنِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرِي ذَا بَصِيرَةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَأَنَّهُ إِذَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ ظَهَرَتْ فِيهِ غَبِينَةٌ وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَكَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَ زَائِدٍ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيُضَاهِي مَا إِذَا شَرَطَا وَصَفْاً مَقْصُودًا فِي الْمَبِيعِ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ بِالْغَبْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْحَدِيثَ بِحِبَّانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَتَصْدِيرِ الشَّرْطِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَحْرِيضًا لِلْمُعَامِلِ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَةِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الْخِلَابَةِ. فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ " «قُلْ لَا خِلَابَةَ، وَاشْتَرِطِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ» " وَعَلَى هَذَا لَمْ يُخْتَصَّ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ، بَلْ لِلشَّارِطِ فَسْخُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ مُضِيِّهَا، وَإِنْ ظَهَرَ الْغَبْنُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْقَوْلَ لِيَتَلَفَّظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ لِيُنَبِّهَ بِهِ صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ الْقِيمَةِ فِيهَا، فَيَمْتَنِعُ بِذَلِكَ عَنْ مَظَانِّ الْغَبْنِ وَيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَحِقَّاءَ بِأَنْ يُعِينُوا أَخَاهُمُ الْمُسْلِمَ وَيَنْظُرُوا لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَلَا خِلَابَةَ لِنَفْيِ الْجِنْسِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ عَلَى الْحِجَازِ أَيْ: لَا خِدَاعَ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
2804 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
2804 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَى أَنْ يَكُونَ صَفْقَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ» ") : يَعْنِي إِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَ خِيَارُهُمَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَيْعَ خِيَارٍ أَيْ بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ: قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيْعِ أَوِ الْعَهْدِ: فِي النِّهَايَةِ: هُوَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ، وَيَضَعُ أَحَدُهُمَا يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا يَفْعَلُ، وَهَى الْمَرَّةُ مِنَ التَّصْفِيقِ بِالْيَدَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِالتَّفَرُّقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ أَمْرٌ غَالِبِيٌّ عُرْفِيٌّ، لَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ شَرْعِيٌّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّفَرُّقِ تَفَرُّقُ الْأَيْدِي فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، وَبِهِ يَتَقَوَّى مَذْهَبُنَا حَيْثُ يَشْمَلُ التَّفَرُّقَ الْقَوْلِيَّ وَالْبَدَنِيَّ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: الْمَفْهُومُ مِنَ التَّفَرُّقِ هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ، وَعَلَيْهِ إِطْبَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الطَّلَاقُ تَفَرُّقًا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سِعَتِهِ} [النساء: 130] لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَفَرُّقَهُمَا بِالْأَبْدَانِ اهـ مَعَ أَنَّهُ يُدْفَعُ أَيْضًا بِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِالْقَوْلِ أَيْضًا يُوجِبُ تَفَرُّقَهُمَا بِالْأَبْدَانِ وَيَثْبُتُ جَوَازُهُ لَهُمَا فَأَمَّا الْإِيجَابُ الشَّرْعِيُّ فَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ رحمه الله مَا يُؤَيِّدُ الْمَرَامَ. (وَلَا يَحِلُّ)، أَيْ: فِي الْوَرَعِ (" لَهُ ")، أَيْ: لِأَحَدِهِمَا (" أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ ") أَيْ بِالْبَدَنِ بِأَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ وَيَخْرُجَ (" خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ ")، أَيْ: يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِقَالَةَ، وَهُوَ إِبْطَالُ الْبَيْعِ، وَهُوَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِمَذْهَبِنَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَمَا طَلَبَ مِنْ صَاحِبِهِ الْإِقَالَةَ. قَالَ الْمُظْهِرُ: إِبْطَالُ الْبَيْعِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ أَيِ الْفَسْخُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الْإِقَالَةِ أَنْ يَرْفَعَ الْعَاقِدُ أَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ لُزُومِهِ بِتَرَاضِيهِمَا، وَالْفَسْخُ يُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ الْعِقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَيْ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَفْسِخَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْخَدِيعَةَ اهـ. وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْإِقَالَةِ بِالْفَسْخِ الْمُقَيَّدِ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا مَا رُوِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ يَمْشِي هُنَيْهَةً، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِالْأَبْدَانِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ اهـ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي رَأْيِ صَحَابِيٍّ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) .
2805 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا يَتَفَرَّقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2805 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَتَفَرَّقَنَّ اثْنَانِ)، أَيْ: مُتَبَايِعَانِ (إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ) : هُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْله - تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَبَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِصِدْقِ تِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّخْيِيرِ، فَقَدْ أَبَاحَ - تَعَالَى - أَكْلَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ التَّخْيِيرِ، فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَتَفَارَقَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَهُمَا، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَحْصُلُ الضَّرَرُ وَالضِّرَارُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ فِي الشَّرْعِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُشَاوِرَ مُرِيدُ الْفِرَاقِ صَاحِبَهُ،