الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي أنه صلى الله عليه وسلم بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب، وكان يشترط عليهن.
وروى أحمد عن أميمة بنت رقية التيمية قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن:«ألا نشرك بالله شيئا-حتى بلغ- ولا يعصينك في معروف» فقال: فيما استطعتنّ وأطقتنّ، قلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا: يا رسول الله، ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء، وإنما قولي لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة»
(1)
.
وزاد أحمد في رواية: «ولم يصافح منا امرأة» .
نزول الآية (13):
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن عمر، وزيد بن الحارث يوادّان رجلا من يهود، فأنزل الله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ} الآية.
المناسبة:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال، أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر أسفل منه يبايع النساء، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه.
التفسير والبيان:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً.} . الآية: أي إذا جاءك المؤمنات بالله ورسوله يعاهدنك ويقصدن مبايعتك على الإسلام والطاعة، فبايعهن على ألا يشركن بالله شيئا من وثن
(1)
ورواه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم.
أو حجر أو ملك أو بشر، ولا يسرقن من أموال الناس شيئا، ولا يزنين (والزنى: الاعتداء على الأعراض) ولا يقتلن أولادهن: أي ولا يئدن البنات، وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات، ولا يلحقن بأزواجهن أولادا ليسوا لهم، قال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدي منك.
فكان هذا من البهتان والافتراء.
{وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} : وهو كل أمر وافق طاعة لله، أي كل ما أمر به الشرع، أو نهى عنه، كالنهي عن النّوح، وتمزيق الثياب، وجزّ الشعر، وشق الجيب، وخمش الوجوه، والدعاء بالويل، والخلوة بالأجنبي غير المحرم، فبايعهن، واطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة منك، إن الله غفور لذنوب عباده، رحيم بهم، فلا يعذبهم بما اقترفوه قبل الإسلام، ويجزل لهم الثواب إذا وفّين بهذا العهد الذي حدث في فتح مكة.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: أبا يعكن على ألا تشركن بالله شيئا، قالت هند بنت عتبة، وهي منتقبة، خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها، لما صنعته بحمزة يوم أحد: والله ما عبدنا الأصنام، وإنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال، تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فقط، فقال صلى الله عليه وسلم:
«ولا تسرقن» فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصيب من ماله قوتنا؟ فقال أبو سفيان: هو لك حلال، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها، وقال:
«أنت هند؟» فقالت: عفا الله عما سلف.
فقال: «ولا تزنين» فقالت هند: أو تزني الحرة؟ فقال: «ولا تقتلن أولادكن» أي لا تئدن البنات ولا تسقطن الأجنة، فقالت هند: ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر، فأنتم وهم أبصر أو أعلم. فضحك عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى استلقى، وكان ابنها البكر حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: «ولا تأتين ببهتان تفترينه» وهو أن تلصق بزوجها ما ليس منه، فقالت هند: والله، إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال:«ولا تعصينني في معروف» فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
وتحريم الزنى عام،
قال صلى الله عليه وسلم: «اليدان تزنيان، والعينان تزنيان، والرّجلان تزنيان، والفرج يصدق ذلك أو يكذّبه»
(1)
.
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم تحريم النواح،
فقال: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية»
(2)
.
وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: «جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عليها: ألا يشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين
…
» الآية، قال: فوضعت يدها على رأسها حياء، فأعجبه ما رأى منها، فقالت عائشة: أقرّي أيتها المرأة، فو الله ما بايعنا إلا على هذا، قالت:
نعم، فبايعها بالآية».
ولم تقتصر بنود بيعة النساء عليهن، وإنما بويع بها الرجال أيضا.
روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
«أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا» قرأ آية النساء، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا، فعوقب، فهو كفارة
(1)
رواه مسلم عن أبي هرير بلفظ: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليدان تزنيان، وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» وأخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ آخر.
(2)
رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود.
له، ومن أصاب من ذلك شيئا، فستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له منها».
وروى محمد بن إسحاق وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال: «كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن يفرض الحرب، على ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، وقال: فإن وفيتم فلكم الجنة» .
ثم أكد تعالى النهي عن موالاة الكفار كما بدأ السورة، فقال:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ، قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ} أي يا أيها المؤمنون برسالة الإسلام لا تتخذوا اليهود والنصارى وسائر الكفار ممن غضب الله عليهم ولعنهم واستحقوا الطرد والإبعاد من رحمته، أولياء وأنصارا وأصدقاء، وقد يئسوا من ثواب الآخرة ونعيمها في حكم الله عز وجل، وأصبحوا لا يوقنون بالآخرة بسبب كفرهم وعنادهم، بالرغم من قيام الأدلة والبينات والمعجزات على الإيمان بالله واليوم الآخر، كيأسهم من بعث موتاهم، لاعتقادهم عدم البعث.
قال ابن عباس: يريد حاطب بن أبي بلتعة يقول: لا تتولوا اليهود والمشركين، وذلك لأن جمعا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين لحاجتهم إليهم، فنهوا عن ذلك، ويئسوا من الآخرة. يعني أن اليهود كذبت محمدا صلى الله عليه وسلم، وهم يعرفون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم أفسدوا آخرتهم بتكذيبهم إياه، فهم يئسوا من الآخرة، كما يئس الكفار من أصحاب القبور، أي كما يئس الكفار الذين لا يؤمنون بالبعث من موتاهم أن يرجعوا أحياء. وسبب يأسهم من الآخرة تكذيبهم بصحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.