الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلاحظ أن الآيتين معا: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ..} . {وَالَّذِينَ كَفَرُوا.} . بيان للتغابن وتفصيل له، كما ذكر البيضاوي.
المناسبة:
بعد بيان أدلة التوحيد والألوهية والنبوة، والرد على منكري البعث، وإيضاح ما نزل من العقوبة بالأمم الماضية، لكفرهم بالله وتكذيب الرسل، طالب الله تعالى بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبآي القرآن وبالبعث، علما بأن الاعتراف بالبعث من لوازم الإيمان، ثم حذر من الحساب والجزاء في الآخرة، وأبان مظاهر التغابن فيه، وفصله تفصيلا تاما.
التفسير والبيان:
{فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي إذا كان أمر البعث هيّنا يسيرا على الله لا يصرفه صارف، فصدّقوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه المنير الهادي إلى السعادة، والمنقذ من ظلمة الضلالة، فهو نور يهتدى به إذا أشكلت الأمور، والله عالم بكل شيء، لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم، فهو مجازيكم على ذلك خيرا أو شرا. وفي هذا وعيد على كل ما يؤتى من المعاصي، أو يترك من الفرائض والواجبات. ووصف القرآن بأنه نور، لأنه يهتدى به في الشبهات، كما يهتدى بالنور في الظلمات.
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ} أي واذكروا يوم القيامة الذي يجمع الله فيه أهل المحشر من الأولين والآخرين في صعيد واحد للجزاء، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله، وبين كل نبي وأمته، كما قال تعالى:{ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود 103/ 11]. وقال سبحانه: {قُلْ: إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ، إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة 49/ 56 - 50].
ذلك اليوم وهو يوم القيامة يوم التغابن الذي يظهر فيه غبن الكافر بتركه
الإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان، فكل من الفريقين تظهر له الخسارة الفادحة، فكأن أهل النار استبدلوا بالخير الشر، وبالجيد الرديء وبالنعيم العذاب، وأهل الجنة على العكس مما ذكر، ومع ذلك يشعرون بالنقص والخسارة، إذا لم يقدموا عملا صالحا أكثر مما قدموا، فالمغبون: من غبن أهله ومنازله في الجنة،
جاء في الحديث الصحيح المتقدم الذي رواه أحمد: «ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزدادا شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة ليزداد حسرة» . وأصل التغابن: مأخوذ من الغبن: وهو أخذ الشيء من صاحبه بأقل من قيمته، في عقود المعاوضات، وبما أنه لا معاوضة في الآخرة، فيكون إطلاق التغابن على العمل المقدم في الدنيا وجزائه في الآخرة، من قبيل الاستعارة، للدلالة على النقص على البائع.
والخلاصة: أن يوم القيامة يوم التغابن الجائز، فيه يغبن بعض أهل المحشر بعضا، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، وأهل الجنة يغبنون أهل النار.
ثم فصل الله تعالى التغابن وبيّنه، فقال:
1 -
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ، وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي ومن يصدق بالله تصديقا صحيحا ويصدق بما جاءت به الرسل من الحشر والنشر والجنة والنار وغير ذلك، ويعمل العمل الصالح بأداء الفرائض والطاعات، واجتناب المنهيات، يمح الله سيئاته وذنوبه، ويدخله الجنات التي تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ماكثين فيها على الدوام، وذلك التكفير للسيئات وإدخال الجنات هو الظفر الذي لا يساويه ظفر، ولا ظفر قبله ولا بعده، لإحراز أفضل الثمرات والنتائج. وإنما قال:{خالِدِينَ فِيها} بلفظ الجمع بعد قوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ} بلفظ الواحد، لأن ذلك بحسب اللفظ، وهذا بحسب المعنى.