الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} أي إن الكفار المعاندين المخالفين أوامر الله ونواهيه، والذين يجانبون الحق ويعادون الإسلام، فيجعلون أنفسهم في حد، وشرع الله ورسوله في حد آخر، هم في جملة المغلوبين وفي جملة من هم أذلّ خلق الله تعالى، لا ترى أحدا أذلّ منهم، سواء في الدنيا بالقتل والأسر والطرد من الديار، كما حصل للمشركين واليهود، وفي الآخرة بالخزي والنكال والعذاب، كما قال تعالى:{رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} [آل عمران 192/ 3]. وهذا إنذار بهزيمة أعداء الله، والآية جملة استئنافية لتعليل خسرانهم.
{كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي حكم الله وقضى في سابق علمه الأزلي أن الله ورسله هم الغالبون بالحجة والسيف ونحوهما، إن الله قوي على نصر رسله، غالب لأعدائه، وهذا-كما قال ابن كثير-قدر محكم، وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة. وهذا بشارة بنصر المؤمنين على الكافرين، وقد تحقق ذلك مرارا، فنصر رسله الكرام على أقوامهم، كقوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم ممن مضى، ونصر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه على المشركين في الجزيرة العربية، وعلى دولتي الروم والفرس.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} [171/ 37 - 173].
ثم بيّن الله تعالى شأن المؤمنين في أنهم لا يوادون أعداء الله، فقال:
{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أي لا ينبغي للمؤمنين بالله واليوم الآخر أن يحبوا ويصادقوا ويوالوا من عادى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
وشاقهما، ولو كان المحادّون المعادون لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أقرب الناس إليهم، كالآباء الذين يجب برّهم وطاعتهم، والأبناء فلذات الأكباد، والإخوان الناصرين لهم، والعشيرة أو القبيلة التي ينتمون إليها ويتآزرون بها.
أخرج الترمذي والحاكم والطبراني مرفوعا: «يقول الله تبارك وتعالى:
وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال أوليائي، ويعاد أعدائي».
وأخرج أحمد وغيره عن البراء بن عازب مرفوعا: «أوثق الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله» .
وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثم بيّن الله تعالى سبب الامتناع من موادّة الأعداء وجزاء الممتنعين، فقال:
{أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} أي أولئك الذين لا يوادّون من حادّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أثبت الله الإيمان الصحيح في قلوبهم، وقواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا، وسمي نصره لهم روحا، لأن به يحيا أمرهم، ويدخلهم الجنان التي تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها، ماكثين فيها على الأبد، وقد قبل أعمالهم، وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة، وفرحوا بما أعطاهم عاجلا وآجلا.
{أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي أولئك أنصار الله وجنده الذين يمتثلون أوامره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه، ألا إن هؤلاء الأنصار هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة.