الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا أبان الله تعالى سبب جلائهم قائلا:
{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ، فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} أي إنما فعل الله بهم ذلك وهو الطرد والإجلاء، وتسليط المؤمنين عليهم، لأنهم خالفوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين، من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.
ومن يعادي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بعدم الطاعة، والميل مع الكفار، ونقض العهد، فإن الله يعاقبه أشد العقاب، ويعذبه في الدنيا والآخرة.
ثم عذر الله تعالى المؤمنين فيما أقدموا عليه مما تقضي به الضرورة الحربية، فقال:{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ} أي إن ما قمتم به من قطع النخيل وإحراقه، أو تركه قائما دون قطع، فهو بأمر الله ومشيئته، وقد أذن بذلك ليعز المؤمنين، وليذل الخارجين عن الطاعة، وهم اليهود، ويغيظهم في القطع والترك، فإنهم إذا رأوا المؤمنين يفعلون في أموالهم ما شاؤوا، ازدادوا غيظا وحنقا. واللينة: أنواع التمر سوى العجوة.
والنخيل الذي قطع وأحرق هو البويرة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم، أمر بقطع نخيلهم، إهانة لهم، وإرهابا وإرعابا لقلوبهم. وقد تمّ قطع النخل بأمر الله ومشيئته، ولإذلال اليهود الذين كفروا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكتبه.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستدل بالآيات على ما يأتي:
1 -
إن تسبيح الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به هو شأن جميع المخلوقات في السموات والأرض، نباتا وحيوانا وجمادا، وملكا وكوكبا، إما بلسان الحال
أو بلسان المقال، اعترافا بوجود الله ووحدانيته وقدرته وعظمته.
2 -
تعرض اليهود في العصر الإسلامي الأول بأمر الله لحشرين في الدنيا، والحشر: الجمع والإخراج والجلاء، والحشر الأول من المدينة إلى الشام، والحشر الآخر: إجلاء عمر رضي الله عنه إياهم من خيبر إلى الشام، بكفرهم ونقضهم العهد. ولهم حشر في الآخرة كبقية الناس للحساب والجزاء.
3 -
كان إجلاء اليهود من المدينة ومن خيبر أمرا غير متوقع من الناس، لقوتهم ومنعتهم وتحصنهم في حصونهم واجتماع كلمتهم، فأتاهم أمر الله وعذابه من حيث لم يظنوا، وألقى الله الرعب والخوف في قلوبهم بقتل سيدهم كعب بن الأشرف، والذي قتله محمد بن مسلمة، وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش، أخو كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعبّاد بن بشر بن وقش، والحارث بن أوس بن معاذ، وأبو عبس بن جبر.
وكانوا يخربون بيوتهم لئلا يسكنها المسلمون بعدهم، وأتم المؤمنون تخريبها، لمحو آثارهم وتصفية وجودهم من الجزيرة العربية.
وفي ذلك نصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتشريف له، وإعزاز لمكانة المسلمين، وإذلال لليهود الذين عاثوا الفساد في الأرض.
4 -
إن في إجلاء اليهود على هذا النحو عبرة وعظة، يتعظ بها أولو الألباب وأصحاب العقول، جاء في الأمثال الصحيحة:«السعيد: من وعظ بغيره» .
5 -
تمسك علماء أصول الفقه بآية: {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} على أن القياس حجة، لأن الله تعالى أمر فيها بالاعتبار وهو العبور والانتقال من الشيء إلى غيره، وذلك متحقق في القياس، إذ فيه نقل الحكم من الأصل إلى الفرع.
6 -
استدل العلماء بالآية: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ.} . إلخ على جواز هدم ديار الكفار الأعداء، وقطع أشجارهم، وإحراق زروعهم في أثناء الحرب، للضرورة الحربية، فلا بأس من الهدم والحرق والتغريق والرمي بالمجانيق، وقطع الأشجار، مثمرة كانت أو غير مثمرة.
ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرّق. وهذا هو الرأي الصحيح، ويرى الشافعية أنه إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا، وإن ييأسوا فعلوا.
7 -
قال الكيا الطبري: ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن، وإنما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ، والآن فلا بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية عليهم. وهذا محل نظر في تقديري.
8 -
كان قضاء الله تعالى بجلاء يهود بني النضير من المدينة وخيبر رحمة بهم، ولولا ذلك لعذبهم الله في الدنيا بالقتل والسّبي، كما فعل ببني قريظة. والجلاء:
مفارقة الوطن، والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما لغة واحدا من وجهين كما ذكر القرطبي:
أحدهما-أن الجلاء: ما كان مع الأهل والولد، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد.
الثاني-أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة، والإخراج يكون لواحد ولجماعة.
9 -
إن سبب ذلك التخريب والجلاء هو مشاقة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أي معاداة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أمر الله، ثم عمم الله الإنذار، فقال بقصد الزجر:{وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ، فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} .
10 -
كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني النضير في ربيع الأوّل أوّل السنة الرابعة من الهجرة، وتحصنوا منه بالحصون، وأمر بقطع النخل وإحراقها، وحينئذ نزل تحريم الخمر. ودسّ عبد الله بن أبيّ بن سلول ومن معه من المنافقين