الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} أي يا أيها الذين صدقوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ألا أرشدكم إلى تجارة نافعة رابحة، تحققون بها النجاح والنجاة من العذاب الشديد المؤلم يوم القيامة؟ وهذا أسلوب فيه ترغيب وتشويق، وقد جعل العمل الصالح لنيل الثواب العظيم بمنزلة التجارة، لأنهم يربحون فيه كما يربحون فيها، وذلك بدخولهم الجنة ونجاتهم من النار، ونوع التجارة كما بيّنت الآيتان التاليتان، ومعناهما أن الإيمان والجهاد ثمنهما من الله الجنة، وذلك بيع رابح، كما قال تعالى:{إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة 111/ 9].
ثم بين نوع التجارة بقوله:
{تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} أي هي أن تدوموا على الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتخلصوا العمل لله، وتجاهدوا من أجل إعلاء كلمة الله ونشر دينه بالأنفس والأموال. وقدم تعالى الأموال، لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق.
{ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي ذلك المذكور من الإيمان والجهاد خير لكم وأفضل من أموالكم وأنفسكم، ومن تجارة الدنيا والاهتمام بها وحدها، إن كنتم من أهل العلم والوعي للمستقبل، فإن المهم هو النتائج والغايات، ولا يدرك تلك الغاية النبيلة أهل الجهل.
والجهاد نوعان: جهاد النفس: وهو منعها عن الشهوات، وترك الطمع والشفقة على الخلق ورحمتهم، وجهاد العدو: وهو مقاومة الأعداء ورد عدوانهم من أجل نشر دين الله تعالى.
ثم ذكر ثمرة الإيمان والجهاد، فقال:
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً، فِي جَنّاتِ عَدْنٍ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم، غفرت لكم ذنوبكم، وأدخلتكم الجنات التي تجري من تحت قصورها الأنهار، والمساكن الطيبات للنفوس، والدرجات العاليات في جنات الإقامة الدائمة التي لا تنتهي بموت ولا خروج منها، وذلك المذكور من المغفرة وإدخال الجنات هو الفوز الساحق الذي لا فوز بعده. وهذه هي الفائدة الأخروية.
ثم ذكر الله تعالى الفائدة الدنيوية بقوله:
{وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أي ولكم خصلة أو نعمة أخرى تعجبكم هي نصر مبين من الله لكم، وفتح عاجل للبلاد كمكة وغيرها من فارس والروم، أي إذا قاتلتم في سبيل الله، ونصرتم دينه، تكفل الله بنصركم، كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ، وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} [محمد 7/ 47] وقال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج 40/ 22].
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي وبشر أيها الرسول المؤمنين بالنصر العاجل في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.
ثم أمرهم الله تعالى بنصرة دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل وقت، فقال:
{مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ} أي يا أيها الذين صدقوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، دوموا على ما أنتم عليه من نصرة دين الله وتأييد شرعه ورسوله صلى الله عليه وسلم، في جميع الأحوال بالأقوال والأفعال، والأنفس والأموال،
واستجيبوا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كما استجاب الحواريون (أصفياء المسيح وخلصاؤه) لعيسى حين قال لهم: من الذي ينصرني ويعينني في الدعوة إلى الله عز وجل، ومن منكم يتولى نصري وإعانتي فيما يقرب إلى الله، أو من أنصاري متجها إلى نصرة الله؟ قال الحواريون: وهم أنصار المسيح وخلّص أصحابه، وأول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلا: نحن أنصار دين الله، ومؤيدوك ومؤازروك فيما أرسلت به، فبعثهم دعاة إلى دينه في بلاد الشام في الإسرائيليين واليونانيين.
وهكذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي في أيام الحج: «من رجل يؤويني حتى أبلّغ رسالة ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلّغ رسالة ربي؟» حتى قيّض الله الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه على نشر دينه في بلدهم.
{فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ، وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ} أي لما بلّغ عيسى رسالة ربه إلى قومه، وآزره الحواريون، اهتدت طائفة من بني إسرائيل إلى الإيمان الحق وآمنوا بعيسى على حقيقته أنه عبد الله ورسوله، وضلّت طائفة أخرى، وكفرت بعيسى، وجحدوا نبوته، واتهموه وأمه بالفاحشة، وتغالت جماعة أخرى من أتباعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، فوصفوه بأنه ابن الله أو هو الله أو ثالث ثلاثة: الأب والابن وروح القدس. وصارت النصارى فرقا وأحزابا كثيرة.
{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ، فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ} أي فنصرنا المؤمنين على من عاداهم من فرق النصارى، وقوّينا المحقّين منهم بالحجة والروح من عندنا على المبطلين، فأصبحوا عالين غالبين عليهم، كما قال تعالى:{إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [غافر 51/ 40].