الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد بيان أدب الإسلام في المناجاة والمجالسة، أمر الله تعالى المؤمنين بتقديم صدقة قبل مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا يتنافسون في القرب من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماع أحاديثه، وكانوا يكثرون من هذه المناجاة، فكان ذلك يشق على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يستثقله الحاضرون، فأراد الله أن يحد من هذه المناجاة، ويخفف عن نبيه، فأمر بتقديم الصدقة قبل المناجاة، تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم وإعظام مناجاته، ولنفع الفقراء بتلك الصدقات المقدمة قبل المناجاة، ولتمييز المنافقين الذين يحبون المال عن المؤمنين المخلصين. قال ابن عباس: إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، وأراد الله أن يخفف عن نبيه، فلما نزلت هذه الآية، شحّ كثير من الناس، فكفّوا عن المسألة.
التفسير والبيان:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ، فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً} أي يا أيها الذين أقروا بوجود الله ووحدانيته وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا أردتم مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم أو مساررته في أمر من أموركم، فقدموا قبل المناجاة صدقة، تصدقوا بها، لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، والتخفيف عنه، ونفع الفقراء، وتمييز المؤمن الحق والمنافق.
ثم أبان الله تعالى حكمة الصدقة، فقال:
{ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي إن تقديم الصدقة قبل النجوى خير لكم، لما فيه من طاعة الله وامتثال أمره، والثواب الأخروي، وأزكى لنفوسكم بتطهيرها من الشح والبخل وحب المال، ونفع الفقراء، وتضامن الأمة، وإعزاز شأنها ورفعة قدرها، فإن لم يجد أحدكم تلك
الصدقة، فلا حرج عليه في النجوى بدون صدقة، وقد رخص الله لكم في المناجاة بلا تقديم صدقة، لأن المأمور بها هو القادر عليها الغني.
وظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجبا، لأن الأمر للوجوب، ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فإن ذلك لا يقال إلا لترك الوجوب.
وقال بعضهم: إن الأمر هنا للندب والاستحباب، بقرينة {ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} وهذا إنما يستعمل في التطوع لا في الفرض، ولأنه لو كان ذلك واجبا لما أزيل وجوبه بكلام متصل به، وهو:{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا} . والجواب:
أن الواجب يوصف أيضا بأنه خير وأطهر كالمندوب، وأنه لا يلزم من كون الآيتين متصلتين في التلاوة، كونهما متصلتين في النزول، فتكون آية {أَأَشْفَقْتُمْ} ناسخة للوجوب الذي ثبت بالأمر.
وأنكر أبو مسلم الأصفهاني وقوع النسخ، وقرر أن الأمر بتقديم الصدقة على النجوى لتمييز المؤمن المخلص من المنافق، فلما تحقق الغرض، انتهى الحكم، أي أن ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة، فوجب انتهاؤه بانتهاء تلك الغاية، فلا يكون هذا نسخا. قال الرازي: وهذا الكلام حسن ما به بأس، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله:{أَأَشْفَقْتُمْ} .
ثم رفع الله تعالى الحكم السابق، فقال:
{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ؟} أي أخفتم تقديم الصدقات، لما فيه من إنفاق؟ قال مقاتل: إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ.
وقال الكلبي: ما كان ذلك إلا ليلة واحدة.
{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ