الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية من الهجرة، ومثل من قبلهم من يهود بني قينقاع الذين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى أذرعات بالشام بعد سنة ونصف من الهجرة، وكانت وقعة بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، وذاقوا في زمان قريب سوء عاقبة كفرهم في الدنيا، ولهم عذاب مؤلم في الآخرة.
ثم ذكر الله تعالى مثلا آخر للمنافقين ورابطتهم باليهود، فقال:
{كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ: اُكْفُرْ، فَلَمّا كَفَرَ قالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ} أي إن مثل هؤلاء المنافقين في وعودهم اليهود بالمناصرة والمؤازرة في القتال والخروج، كمثل الشيطان الذي سوّل للإنسان الشر، وأغراه بالكفر، وزيّنه له، وحمله عليه، فلما كفر الإنسان مطاوعة للشيطان، تبرأ الشيطان منه وتنصل يوم القيامة، وقال على وجه التبري من الإنسان: إني أخاف عذاب الله رب العالمين إذا ناصرتك.
وهذا مثل في غاية السوء وشدة الوقع على النفوس، لذا أبان الله تعالى بعده ما يوجبه من العقاب، فقال:
{فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها، وَذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ} أي فكان عاقبة الشيطان الآمر بالكفر، والإنسان الذي كفر واستجاب أنهما صائران إلى نار جهنم خالدين فيها على الدوام، وذلك الجزاء وهو الخلود في النار هو جزاء الكافرين جميعا، ومنهم اليهود والمنافقون.
فقه الحياة أو الأحكام:
تدل الآيات على ما يأتي:
1 -
إن هناك مصادقة وموالاة ومعاونة في الظاهر بين المنافقين واليهود، بسبب أخوة الكفر، ورابطة الاشتراك في العداوة والكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول
المنافقون ليهود قريظة والنضير: نحن معكم في الإقامة والقتال والخروج، ولا نطيع محمدا في قتالكم، والله شاهد على أنهم كاذبون في قولهم وفعلهم.
وفي هذا دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخبار الغيب، لأنهم أخرجوا فلم يخرجوا، وقوتلوا فلم ينصروهم.
2 -
كذب الله المنافقين أولا على سبيل الإجمال، ثم أتبعه بالتفصيل، فأخبر بأن اليهود لو أخرجوا من ديارهم، لم يخرج المنافقون معهم، وأنهم لو قاتلهم المؤمنون ما نصروهم ولا عاونوهم، ولئن نصر المنافقون اليهود لفروا هاربين منهزمين.
3 -
إن بني النضير في خوفهم من المسلمين أشد خوفا وخشية من رهبة الله، فهم يخافون منهم أكثر مما يخافون من ربهم، ذلك الخوف بسبب أنهم قوم لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته.
4 -
لا يقدر اليهود والمنافقون على مقاتلة المسلمين مجتمعين إلا في حصون محصنة بالخنادق والدروب، أو من خلف الأسوار والحيطان التي يستترون بها لجبنهم ورهبتهم، وإلقاء الله الرعب في قلوبهم، وتفرقهم، وتأييد الله ونصرته لعباده المؤمنين.
وسبب ذلك التفرق والتشتت والكفر أنهم لا عقل لهم يعقلون به أمر الله، ويدركون به نظم الحياة، ويعرفون أن الوحدة أساس النجاح.
5 -
إن ما أصاب يهود بني النضير من الطرد والجلاء عن المدينة والعذاب مشابه لما أصاب بني قينقاع وكفار قريش يوم بدر، من العقاب، فقد كان بين النضير وقريظة سنتان، وكانت وقعة بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، ولهؤلاء الكفار في الآخرة عذاب مؤلم.