الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
{فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} بينهما طباق، وكذا بين قوله:{يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} .
{لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} تقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر والاختصاص من حيث الحقيقة، أي له وحده الملك والحمد.
{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} بينهما جناس ناقص، لاختلاف الحركات والشكل.
{يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
{يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} ينزهه ويمجّده ويدل عليه جميع المخلوقات في السموات والأرض، بدلالتها على كماله واستغنائه، واللام زائدة، وعبر ب {ما} دون (من) تغليبا للأكثر. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي أن قدرته في إيجاد جميع المخلوقات على سواء.
{فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} قال الشوكاني: خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب، والكافر يكفر ويختار الكفر، والمؤمن يؤمن ويختار الإيمان، والكل بإذن الله، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} مبصر أعمالكم عالم بها، فيعاملكم بما يناسب أعمالكم. {بِالْحَقِّ} بالغرض الصحيح والحكمة البالغة، وهو أن جعل الأرض مقر المكلفين ليعلموا فيجازيهم وسخر السموات لهم. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} أي جعل أشكالكم الآدمية بأحسن صورة، أي أتقنها وأحكمها، وجعلكم أنموذج جميع المخلوقات كما قال تعالى:{فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين 4/ 95] فالتصوير: تخطيط وتشكيل وتمييز وتخصيص.
{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} إليه المرجع فأحسنوا السرائر والظواهر. {وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} عليم بحديث النفس وخطرات القلب، والسر، فلا يخفى عليه شيء كليا أو جزئيا، وعلمه بجميع الأشياء على سواء. قال البيضاوي: وتقديم تقرير القدرة: {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} على العلم: {وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولا وبالذات، وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء.
التفسير والبيان:
هذه السورة هي آخر المسبحات، قال تعالى:
{يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي ينزه الله عن كل نقص وعيب، ويمجده، ويدل عليه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه، فهو بارئها ومالكها، له الملك وحده دون غيره، لأنه الخالق المصور المتصرف في جميع الكائنات، وله الحمد والشكر وحده، لأنه المستحق لذاك، وهو المحمود على جميع ما يخلقه ويقدره، فالملك والحمد يختصان به، ليس لغيره منهما شيء، وما كان لعباده منهما فهو من فيضه وراجع إليه، وهو قادر على كل شيء، لا يعجزه شيء في السموات والأرض، فمهما أراد كان، وما لم يشأ لم يكن.
والتسبيح إما باللسان والنطق كما يفعل الإنسان، وإما بنطق وحال لا نفقهه، كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء 44/ 17].
ثم ذكر الله تعالى بعض آثار قدرته، فقال:
1 -
خلق الإنسان: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي إن الله هو الذي أوجدكم على هذه الصفة، وآل أمركم أن يكون بعضكم كافرا باختياره وكسبه على خلاف مقتضى فطرت، وبعضكم مؤمنا مختارا للإيمان على وفق الفطرة السوية القائمة على التوحيد والإيمان بالله، والله العالم البصير قبل الخلق بما يؤول إليه أمر كل واحد منكم، الشهيد على أعمال عباده، وسيجزيهم بها أتم الجزاء.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} [الحديد 26/ 57].
أخرج أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن الأسود بن سريع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه» .