الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أسوأ خلف الوعد وأقبح بصاحبه، لذا كان مبغوضا عند الله أشد البغض ومعاقبا عليه، كما هو مبغوض مستنكر مذموم عند الناس جميعا.
وفي مقابل ذم التاركين للقتال الهاربين منه، مدح الله تعالى الذين أقدموا على القتال، فقال:
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ} أي إن الله يرضى عن المقاتلين، ويثيب ثوابا جزيلا الذين يقاتلون في سبيل الله، صافّين أنفسهم صفا واحدا، وكتلة متراصة لا تتزحزح من المواقع، كأنهم بناء راسخ شامخ ملتزق بعضه ببعض دون فرج كقطعة واحدة.
وهذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم، وحث على الجهاد بأسلوب آخر، ودليل على قوتهم وشدتهم في أمر الله، دون تراخ فيهم، وإشارة إلى إحكام أمر القتال، وتنفيذ مهمة الجهاد بدقة وإتقان، وتضامن واجتماع حازم على وحدة الكلمة، وإمضاء الأمر بعزيمة لا تعرف اللين، وهمة لا تردد فيها، ولقاء للعدو بقلوب ثابتة راسخة لا تخاف ولا تخشى الموت. وهكذا تبني الأمم القوية أمجادها، وتثبت هيبتها وشخصيتها الذاتية، وتنتزع احترام الآخرين لها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن تسبيح الله وتنزيهه وتمجيده من جميع ما في السموات وما في الأرض دليل على الربوبية والوحدانية والعظمة والقدرة والاتصاف بجميع صفات الكمال.
2 -
توجب آية: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً..} . على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها، فإن من التزم شيئا لزمه شرعا.
والملتزم قسمان:
أحدهما-النذر: وهو نوعان: نذر تقرّب مبتدأ، كقوله: لله علي صوم وصلاة وصدقة، ونحوه من القرب، فهذا يلزم الوفاء به إجماعا. ونذر مباح معلق على شرط، مثل إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو إن كفاني الله شرّ كذا فعلي صدقة، فقال أكثر العلماء: يلزمه الوفاء به. ورأى بعضهم أنه لا يلزمه الوفاء به، والآية حجة للأكثرين، لأنها بمطلقها تتناول ذمّ من قال ما لا يفعله، على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط. ويري الشافعي أن نذر اللجاج والغضب لا يجب الوفاء به، وهو ما لا يقصد به النذر والقربة، مثل: إن كلمت فلانا فلله علي صوم أو نحوه.
والثاني-الوعد: فإن كان متعلقا بسبب، كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت شيئا أعطيتك كذا، فهذا لازم إجماعا من الفقهاء. وإن كان وعدا مجردا، فقيل: يلزم، عملا بسبب نزول الآية المتقدم، وقيل: لا يلزم، قال ابن العربي والقرطبي: والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر
(1)
.
3 -
إن خلف الوعد مذموم شرعا، مستوجب للإثم والمؤاخذة، أما في الماضي فيكون كذبا، وأما في المستقبل فيكون خلفا، وكلاهما مذموم.
4 -
يرضى الله سبحانه عن الذين يقاتلون في سبيله صفا واحدا، وهذا يدل على وجوب الثبات في الجهاد في سبيل الله، ولزوم المكان كثبوت البناء.
ولا يجوز الخروج عن الصف إلا لحاجة تعرض للإنسان، أو لأداء رسالة يرسلها الإمام أو القائد، أو لمنفعة تظهر في المقام، كفرصة تنتهز ولا خلاف
(1)
أحكام القرآن لابن العربي: 1788/ 4، تفسير القرطبي: 79/ 18