الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ} واضحات دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به. {وَلِلْكافِرِينَ} بالآيات. {عَذابٌ مُهِينٌ} ذو إهانة، وإذلال، يذهب عزهم وتكبرهم.
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً} يبعثهم كلهم، لا يدع أحدا غير مبعوث، أو مجتمعين. {فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا} يخبرهم بأعمالهم أمام الناس، تشهيرا لحالهم، وتقريرا لعذابهم وتوبيخا وتقريعا لهم.
{أَحْصاهُ اللهُ} أحاط به عددا، لم يغب عنه شيء. {وَنَسُوهُ} لكثرته، أو تهاونهم به. {وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} لا يغيب عنه شيء.
{أَلَمْ تَرَ} تعلم. {ما يَكُونُ} ما يوجد. {نَجْوى} تناجي ومسارّة، أو أصحاب نجوى، مأخوذ من النجوة: وهي ما ارتفع من الأرض، لأن المتسارّين يخلوان وحدهما بنجوة من الأرض.
{إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ} أي محيط بهم بعلمه. {وَلا خَمْسَةٍ} ولا نجوى خمسة. {إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ} تخصيص العددين إما لخصوص الواقعة، فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين، أو لأن التشاور لا بدّ له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما. {وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ} ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين. {وَلا أَكْثَرَ} من هذا العدد. {إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ} يعلم ما يجري بينهم. {أَيْنَ ما كانُوا} علم الله شامل لكل شيء، لا يتحدد بمكان. {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ} يخبرهم بأعمالهم، فضحا لهم وتقريرا لجزائهم. {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} عالم بكل شيء على سواء.
المناسبة:
بعد بيان أحكام الظهار في شريعة الإسلام، وتوبيخ المتورطين في الظهار، ومدح المؤمنين الواقفين عند حدوده، ذكر تعالى ما يلحق المخالفين لشرع الله والمعادين لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من خزي وهوان في الدنيا، وعذاب في غاية الذل والمهانة في الآخرة، وأيد ذلك بالوعيد الشديد لهم، فأخبر أن الله مطلع عليهم وعلى أعمالهم، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم في السر والعلن، وسيخبرهم بذلك يوم الحساب، ويجازيهم على ما قدموا من عمل.
التفسير والبيان:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي إن الذين يعادون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويخالفون شرع ربهم ويعاندونه، أذلّوا وأخزوا وأهينوا ولعنوا، وينكل بهم في الدنيا، كما أذل الذين من قبلهم من
كفار الأمم المتقدمة، بسبب معاداتهم شرع الله سبحانه، وقد تحقق هذا الإنذار بإذلال المشركين بالقتل والأسر والقهر يوم بدر والخندق. وفي ذلك تبشير بنصر المؤمنين على من عاداهم، ووعيد لكل الحكام المسلمين الذين يهجرون شريعتهم الإلهية، ويعملون بالقوانين الوضعية، ونظير الآية:{وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى.} . الآية [النساء 115/ 4] وقوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر 4/ 59].
{وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ، وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ} أي وقد أنزلنا للناس آيات واضحات، لا يخالفها إلا كل كافر فاجر مكابر، وللجاحدين بتلك الآيات، المستكبرين عن اتباع شرع الله والانقياد له، عذاب يهين صاحبه، ويذله، بسبب كفرهم وتكبرهم عن حكم الله، وذلك العذاب: هو الخزي والهوان في الدنيا، ونار جهنم في الآخرة.
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً، فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي اذكر ذلك اليوم تعظيما له، وأخبر بأن لهم عذابا مهينا يوم يحسرهم الله جميعا من الأولين والآخرين في يوم الحساب، مجتمعين في حالة واحدة، لا يبقى منهم أحد لا يبعث، فيخبرهم الله بأعمالهم القبيحة التي عملوها في الدنيا، لإقامة الحجة وتكميلها عليهم، كما يخبرهم بكل ما صنعوا من خير وشر، ضبطه الله وحفظه عليهم، في صحائف كتبهم، وهم قد نسوا ما كانوا عملوا، والله مطلع وناظر لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى ولا ينسى شيئا.
وفي هذا أيضا وعيد شديد لكل من قدم الأعمال المنكرة والأفعال القبيحة.
ثم أخبر الله تعالى تأكيدا لما سبق بإحاطة علمه بخلقه واطلاعه على كل شيء، فقال:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ
إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ، وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ، أَيْنَ ما كانُوا} أي ألم تعلم أيها النبي وكل مخاطب أن علم الله واسع شامل محيط بكل شيء في الأرض والسماء، بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما، فما يوجد من تناجي أشخاص ثلاثة أو خمسة إلا هو معهم بعلمه، ومطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ولا يوجد من نجوى أقل من ذلك العدد أو أكثر منه مهما كان الرقم عشرات ومئات أو ألوفا أو ملايين إلا وهو عليم بهم، في أي زمان وفي أي مكان، يعلم السر والجهر، لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه شيء من تناجيهم في السر والعلن، لأن علم الله تعالى محيط بكل شيء، لا يحده زمان ولا يحجبه مكان، يسمع كلامهم، ويبصر ويرى مكانهم حيثما كانوا، وأينما كانوا، ورسله أيضا مع ذلك تكتب ما يتناجون به، مع علم الله به، وسمعه له.
والسبب في ذكر الثلاثة والخمسة وإهمال ذكر الاثنين والأربعة: هو إما تصوير الحالة الواقعية التي نزلت الآية بسببها، فإنها نزلت في قوم منافقين، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين، وكانوا على هذين العددين. عن ابن عباس: أن ربيعة وحبيبا ابني عمرو وصفوان بن أمية كانوا يوما ما يتحدثون، فقال أحدهم: أترى أن الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضا ولا يعلم بعضا، وقال الثالث: إن كان يعلم بعضا، فهو يعلم كله، فنزلت.
وإما أن طبيعة المشاورة، تتطلب وجود عدد وتر، فيكون الاثنان أو الأربعة متنازعين، والثالث أو الخامس كالمتوسط الحكم بينهم، فذكر سبحانه الثلاثة والخمسة تنبيها على الأفراد والمجموعات الباقية.
ونظير الآية كثير في القرآن، نحو قوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ، وَأَنَّ اللهَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} [التوبة 78/ 9] وقوله سبحانه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ، بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف 80/ 43].